أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - قماش أسود: حكاية الروح المتعبة















المزيد.....

قماش أسود: حكاية الروح المتعبة


عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)


الحوار المتمدن-العدد: 7317 - 2022 / 7 / 22 - 04:34
المحور: الادب والفن
    


قد لاتبدو المفارقة مثيرة للاستغراب، أن تعيد جائزة غسان كنفاني للرواية، " قماش اسود " رواية الكاتب السوري المغيرة الهويدي، الى قائمة الاهتمامات، قراءة ومتابعة، في الحياة الثقافية السورية. إذ ان التقاطعات بين أدب غسان كنفاني، بعمق تجربته الإبداعية، وأهميتها، مع " قماش اسود " كنص سردي هو الأول لكاتب شاب، هي تقاطعات كثيرة، وغنيّة على مستويات متعددة، يمكنني أن أشير إليها في ثلاث نقاط اساسية، هي: الموضوعات التي تتناولها الرواية التي بين أيدينا اليوم، أولاً. وفي أسلوب الكاتب، ثانياً. وفي لغته ثالثاً، وما بينهما من مدى زمني: نصف قرن من غياب غسان كنفاني، بحضوره الدائم، مع رواية جديدة، تقدم تجربة جديدة في الكتابة الإبداعية.
لسنا بصدد الذهاب الى مقارنة في النتاج الادبي، بين كنفاني والمغيرة، ولكن، بنية النص السردي، وموضوعاته، تفرض هذه المقاربة الانطباعية، والتي أثارت انتباهي، بمجرد الدخول في عالم " قماش أسود " على خلفية جائزة غسان كنفاني، بما يمثله أدبه من مكانة هامة عربياً، وعلى نحو خاص أثيرة، ومؤثرة في تجربتي الأدبية والسياسية، الى درجة كبيرة.
ملامح وإحالات
تنشغل "قماش اسود" بطرح موضوعات أساسية في حياة الناس، وهي قضايا النزوح، والمنفى، والتهميش، يضاف إلى ذلك التنمر، والعنف ( المادي والمعنوي). وبغض النظر عن المجتمع المحلي الذي يسرد الهويدي في النص حكايته، فإن تلك القضايا، هي سمات أساسية في أدب غسان كنفاني، والذي تناول في أعماله الروائية والقصصية، إشكالية الإنسان الفلسطيني، الذي تعرض – ولا يزال - الى العنف المسلح، والى التهجير القسري، ومن ثم يضطر الى النزوح، والعيش في المنفى، بمرارة مشبعة بأحلام العودة.
قماش أسود، هي حكايات الناس، أهل البلاد المنكوبة، والروح الإنسانية المعطوبة بفعل الحرائق التي أنهكتها. من حرائق المجتمعات المحلية بتقاليدها وأعرافها، الى حرائق الحروب، بكل مافيهما من أطراف وأسباب. العامل المشترك في كل ذلك هو الإنسان بوصفه ضحية لكل تلك الأحداث والممارسات، ونتاجاً للسياسات التي تهدم، وتدْحَل، وتحرق كل شئ.
تسرد الرواية أحداثاً، قد لاتكون متخيَلَة بالضرورة، في حيز جغرافي محدد، واقعي ومعروف هو الرقة، وفي زمان محدد أيضاً، أضحى جزءاً من تاريخ المنطقة اليوم، وفي ربع الساعة الأخيرة لسيطرة داعش، وطردها، بالتزامن مع بروز سلطة احتلال جديدة يشير إليها الراوي صراحة: قسد، التي تحلّ مكان داعش. وتصور المعاناة القاسية التي تعيشها الجماعات المحلية الصغيرة، المهمشة، في ظروف كهذه، جراء سياسات القمع والتجويع، في ظل الحرب، من قبل جميع الاطراف المنخرطة فيها.
في النص الروائي يشير الكاتب الى ثلاثة أطراف رئيسة متسببة ومنتجة للحرب، وما ينجم عنها. ويعتني بتفاصيل صغيرة، مهمة، في حياة قرية، تعاني من وطأة سيطرة داعش، ومن سلطة قسد، وآلة النظام الأمنية والعسكرية.
دلالات النص السردي
المرأة
تسجل المرأة حضوراً خلاّقاً ومؤثراً في الرواية، ليس فقط عبر آسيا ونسرين، باعتبارهما شخصيتي العمل الأساسيتين، بل من خلال طرح قضايا تتصل بالمرأة بصورة مباشرة. ونعني علاقتها بالمجتمع الذكوري المهمّش، والذي يفرض تهميشا مضاعفاً على المرأة، ويحرمها من جميع حقوقها، ، وخصوصية تلك العلاقة في ظل القمع والإرهاب والحرب، وما تعكسه تلك الظروف على الحياة العامة من قهر وعوز شديدين.
وعلى الرغم من انتماء بطلتي العمل لبيئتين اجتماعيتين مختلفتين ( الريف والمدينة)، ومن مستوى تعليمي وثقافي مختلف أيضا، فإنهن يتعرضن لحالات متشابهة الى درجة كبيرة، من العنف، والتنمر، كلٍ في بيئتها، ومن ثم لاحقاً في القرية الصغيرة النائية، على ضفاف الفرات. حيث تتعرض نسرين الخريجة الجامعية الى الإعتداء الجسدي من قبل شقيقها، الضابط الموالي للسلطة، وهو هنا يحيلنا برمزيته، الى السلطة القامعة، وإلى عنفها اللامحدود، في مواجهة الموقف، او حرية التعبير، التي التزمت بها " نسرين ". كما تتعرض الى الاستغلال والتهميش، في كنف والد زوجها المختطف.
بينما تتعرض آسيا لظروف إجتماعية قاسية، متخمة بالتنمر بوصفها امرأة، بصورة أولى، وسلعة، وإلى النبذ في مجتمعها المحلي بسبب خروجها على المألوف. لم تتغير تلك الممارسات ضد المرأة، بين أزمنة ثلاث – إن جاز التعبير – زمن القمع والقهر لما قبل ثورة 2011، ومن ثم زمن سلطات الأمر الواقع من الميليشيات المسلحة، الى داعش، وقسد، دون تفريق بينهم، في نظرتهم الى المرأة، وفي انتهاج سياسات التهميش والعنف والتنمر. يضاف إلى ذلك، رحلة النزوح والتشرد، التي تتعرض لها في القرى والمدن.
تكريس الرواية للسرد، في قضايا تتصل بالمرأة، وأن تأخذ المرأة مكانة الراوي، هو أمر يُحسب للكاتب، كما اختياره الإضاءة على جوانب مهمة، في حياتنا القلقة والمضطربة، في زمن الحرب والنفي والتشرد.
قماش أسود، ملوّن
لم يأت اسم الرواية من العمل الذي كانت تقوم به نسرين، خياطة " لباس المرأة الأسود " فحسب، إذ أن دلالة اللون الأسود، تتجاوز هذه النظرة المحدودة، الى أفق مفتوح، يشير الى ظلامية القهر والقمع الذي تتعرض له المرأة بصورة عامة من المجتمعات الذكورية - كما أشرنا آنفاً - عبر أزمنة مختلفة، على الرغم من التحولات والتغيرات السياسية والاجتماعية. كما أنه دالٌ بصورة وثيقة على عهد داعش، التي فرضت اللون، العباءات، بوصفها زيّاً شرعياً للنساء لامجال للمخالفة فيه. كما هو لون رايتها التي رفعتها في سماوات منطقة الرقة، وفرضت سلطتها على الناس باسمها. فيما يشير بوضوح " القماش الملون" على حقبة قسد، دون اختلاف في صورة القهر والتهميش، او الاحتلال.
وفي كلتا الحالتين تدل مفردة " القماش " الى بسط السيطرة، وفرض الهيمنة المسلحة، على المجتمعات المحلية، التي أُخضعت بالقوة للتنظيمات المسلحة، أياً كانت صورتها وانتماءتها.
مقومات النص وبنيته
عالج المؤلف قضايا الرواية الأساسية، بلغة جميلة، بسيطة، وهادئة، بعيداً عن اللغو والثرثرة، في عالم يمور بالقمع، والمحرمات في كل شئ، بما فيها الكلام. لذا جاءت الرواية أمينة ومخلصة في إبراز قيمة اللغة، وفي دورها في النسيج الروائي، وعبر شخصيات رئيسة محدودة، هي آسيا ونسرين، ويوسف وأبي كريم. وبذلك لم نشهد زحاماً او كثرة في الأصوات والشخصيات في النص، وهو في الاصل يسرد حياة مجموعة بشرية محلية صغيرة. متمكناً من السيطرة على ادوارها، وعلى إدارة الصراعات من حولها، فيما بينها، ومعها من شخصيات أخرى. وبذلك نجد سرداً هادئاً منتظماً للأحداث، على الرغم من قسوتها وشدتها، بكل ما فيها من تشرد وموت، وعنف قاتل.
لقد قدم المغيرة الهويدي، رواية مهمة من حيث الموضوعات الأساسية التي طرحها، والأفكار التي تناولها عبر شخصيتيها نسرين وآسيا. ولعله من المهم القول بأن الرواية إذ تتخذ من الرقة وأريافها مسرحاً لأحداثها، فإنها تتجاوز حدود المكان، الى جميع الأمكنة التي خضعت لسلطة داعش في سوريا والعراق. فالظروف الاجتماعية، وما تعرضت له تلك المنطقة من أحداث مهولة، هي واحدة، مشتركة ومترابطة، والمعاناة الإنسانية، والآلام الناجمة عنها، هي نفسها. وليس ثمة تفريق في انتهاج سياسة التهميش والعنف بين أصحاب الرايات : سوداء وملونة.
قماش أسود، هي صوت المتعبين في هذه الحروب، صوت الضحايا، الذين لاتزال حكاياتهم مفتوحة الجروح على ضفاف الفرات، في المعتقلات، وفي كل مكان يرزح تحت نير الإحتلال. وصوت الغائبين المغيبين، الذين لاتصل رسائلهم.
إنها رواية استحقت - بجدارة – جائزة الشهيد غسان كنفاني.
_______________________
المغيرة الهويدي – قماش أسود / منشورات تكوين / الكويت – بغداد 2020



#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)       Abdulrahman_Matar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناتو في الشمال السوري
- طاغية الشرّ المطلق: بوتين من سوريا الى أوكرانيا
- الثورة السورية: الخوف والحرية
- سعيد مطر، صحافي في ذاكرة الأصدقاء
- صفيرُ الحلم
- أدب السجون والنقد المفتقد
- عام على رحيل المناضل منصور أتاسي: القيمة والمكانة المفتقدة
- أدب السجون
- بيروت
- أنقرة وواشنطن وشرق الفرات
- منظومة إس 400 والملف السوري
- في الحاجة الى مؤسسات الثورة السورية
- سوريا والدور الاسرائيلي
- التغيير والطغمة العسكرية !
- إدلب: القيامة الدامية !
- المجتمع المدني وسلطة الاستبداد
- ليبيا: نحو باغوز جديدة !
- نتنياهو والتطرف الأسدي
- ربيع الجزائر .. رياح النور !
- الثورة والعقاب !


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - قماش أسود: حكاية الروح المتعبة