|
مسرحية من فصل واحد الثلوج
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7314 - 2022 / 7 / 19 - 22:29
المحور:
الادب والفن
مسرحية من فصل واحد
الثلوج
طلال حسن
تجري أحداث هذه المسرحية في شتاء عام " 1956 " بعد العدوان الثلاثي الغادر على الشقيقة مصر
غرفة صغيرة تتوسطها مدفأة تشعل بالخشب، ابتهاج في حوالي السابعة عشرة ، تقف إلى جانب النافذة ، وهي تقرأ رسالة ، ثامر في الواحدة والعشرين ، يظهر خلف النافذة ، وحين يلمح ابتهاج ، يقف إزاءها ، ويتأملها في تردد ، ثامر ينقر الزجاج بيده ، فتجفل ابتهاج ، وتخفي الرسالة وراء ظهرها
ابتهاج : أخفتني . ثامر : إنني آسف . ابتهاج : " تبتسم " حسبتك بابا . ثامر : " يشير لها أن تفتح النافذة " أرجوكِ .. ابتهاج : لحظة . ثامر : في هدوء . ابتهاج : الجو بارد جداً هنا . ثامر : لستِ في الموصل . ابتهاج : أنتَ محق .
ابتهاج تفتح النافذة ، ثامر ينفخ في يديه ، وهو يتطلع إلى السماء
ثامر : يقول الفراش حما ، إن الثلج سيتساقط الليلة . ابتهاج : لماذا تقف في هذا الجو البارد ؟ تفضل إلى الداخل . ثامر : أين أم باسل ؟ ابتهاج : راقدة في غرفتها . ثامر : المسكينة ، إن الجو هنا لا يلائمها . ابتهاج : البرد شديد في الخارج ، أدخل ، أرجوك . ثامر : لحظة واحدة فقط . ابتهاج : " تبتسم " تفضل .
ثامر يختفي من النافذة ، ابتهاج تهرع إلى الباب وتفتحه ، يدخل ثامر ، وهو ينفخ في يديه
ثامر : صباح الخير ، اعذريني ، لقد أنساني البرد حتى التحية. ابتهاج : " تضحك " صباح النور . ثامر : إنني أتعجب كيف يستطيع الاسكيمو أن يفكروا . ابتهاج : " تضحك " الاسكيمو لا يرتدون ملبسك ، تدفأ ، لقد أشعلت المدفأة لأبي . ثامر : " يدنو من المدفأة ، ويدفىء يديه بنارها " فاتني أن أشتري معطفاً في الشهر الماضي ، لكني لم أتوقع في الحقيقة ، أن يهجم البرد هكذا . ابتهاج : " تبتسم " أنصحك أن تشتري معطفاً كمعطف أبي .. ثامر : يظهرني كدب روسي .
ابتهاج تدنو من ثامر ، وتنظر إليه لحظة في صمت ، ثم تريه الرسالة ابتهاج : رسالة أخرى . ثامر : ممن .. ؟ ابتهاج : من صديق لباسل . ثامر : آه . ابتهاج : لا أعتقد أن أبي لم يحدثك عنها . ثامر : هل قرأتها ؟ ابتهاج : نعم . ثامر : وماذا يهم ، باسل رجل . ابتهاج : الجو فظيع في راوندوز ، وباسل لن يحتمله . ثامر : ابتهاج ، هذه ظروف طارئة ، وستمر ، ستمر حتماً . ابتهاج : إنني خائفة ، يا ثامر ، خائفة . ثامر : لا داعي للخوف . ابتهاج : ثامر ، ألا تحس العاصفة ؟ ألا تحسها ؟ ستهب ، ستهب ، وستعصف بكل شيء . ثامر : هذه ليست أول عاصفة ، وستمر كغيرها. ابتهاج : أحياناً ، وأبي بيننا ، أراه ينفرد بنفسه ، فأرى العاصفة في عينيه ، ثامر ، إن العاصفة تجتاح شجرتنا ، وتهزها بشدة . ثامر : ابتهاج .. ابتهاج : أبي يعبد باسل ، يعبده ، وهو يقول دائماً ، باسل وجهي الذي أردت أن أكونه ، ابتهاج ، يقول لي ، اسمعي ، لقد فاتني الكثير في حياتي ، كنت في شبابي مليئاً بالحماس ، أن حماسي لم يفتر ، لكني مازلتُ مليئاً بالآمال ، وإذا كان قد فاتني أن أحقق بعضها ، فإن باسل سيحققها .
تسمع وقع أقدام واهنة في الخارج ، ثامر وابتهاج يصغيان
ثامر : أم باسل . ابتهاج : أمي لن تحتمل . ثامر : لكنها لا تعرف شيئاً . ابتهاج : ستعرف . ثامر : ابتهاج ، كوني شجاعة ، أمكِ بحاجة إليك ، ويجب أن تكوني قوية إلى جانبها .
تدخل أم باسل ، امرأة في نحو الخمسين ، تبدو في دور النقاهة
أم باسل : مرحباً ثامر . ثامر : أهلاً أم باسل ، كيف حالك اليوم ؟ أم باسل : كما ترى . ثامر : تبدين بخير . أم باسل : إنني امرأة مسنة ، والمرء في عمري لا ينتظر الكثير ، إنني أتهدم ، كبيت قديم متعب ، أتهدم ، وخاصة في هذا الجو. ثامر : بالعكس ، يا أم باسل ، إن صحتك اليوم تبدو ممتازة جداً . ابتهاج : أتعرف ، يا ثامر ، لمن يعود الفضل في ذلك ؟ ثامر : لمن ؟ ابتهاج : لي طبعاً . أم باسل : سبحان الله . ثامر : " يضحك " ولماذا لكِ ؟ ابتهاج : لأني هنا ، بجانب حبيبتي ، ماما . أم باسل : ومن قال ، إني أريدك بجانبي ؟ من قال ؟ ابتهاج : " تبتسم " لا تريديني ! لماذا يا ماما ؟ أم باسل : إنني لا أريدك هنا . ابتهاج : لكن لماذا ؟ أم باسل : أريك أن تبقي مع دروسك ، ومستقبلك ، وهما ليسا هنا . ابتهاج : " في مماحكة " لا أدري لماذا أحسّ أن هذا ليس السبب الوحيد ، ثامر .. ثامر : نعم . ابتهاج : فكر معي ، يا ثامر ، ما هو السبب الحقيقي ؟ ما هو ؟ ثامر : وهل هناك سبب آخر ؟ ابتهاج : نعم . ثامر : لا أعتقد . ابتهاج : والله .. أم باسل : لا تقسمي ، حرام . ابتهاج : " لثامر " هل لديك أخت ؟ ثامر : نعم . ابتهاج : مثلي ؟ ثامر : لا أدري ماذا تعنين . ابتهاج : لا تحبها أمها ؟ ثامر : لكن أمكِ .. ابتهاج : هل تحبها أمك َ ؟ ثامر : ربما أكثر مني . ابتهاج : أمك إذن ليست امرأة . ثامر : " يضحك " هاهاها . ابتهاج : أو على الأقل ، ليست كأمي . ثامر : بالعكس ، أمكِ .. ابتهاج : امرأة ؟ ثامر : " يضحك " لا أعني هذا . ابتهاج : لم أقل لك بعد السبب الحقيقي . أم باسل : عرفه ، وعرف دجلك . ابتهاج : تصور ، لأني أنا البنت هنا ، وليس باسل ال .. ، فإنها لا تريدني . ثامر : أنت كالعادة تبالغين . أم باسل : " تبتسم " هذا يكفيك . ابتهاج : لستُ أبالغ ، أنت لا تعرف ماما ، فأنت تحكم عليها من خلال حكمك على أمك ، وأمك ليست امرأة . أم باسل : " تكتم ضحكتها " ملعونة . ثامر : " يغص بالضحك " أرأيت .. تبالغين . ابتهاج : كلا ، كلا ، بالنسبة لماما الأمر ليس سواء ، لو كان باسل هنا لما اتسع البيت لسعادتها ، ولكان ديكنا اليتيم الآن في ذمة الخلود ، ولكن من حسن حظ ديكنا ، أنني أنا وليس باسل هنا . ثامر : أم باسل ، أصحيح ما تقوله ابتهاج ؟ ابتهاج : طبعاً صحيح ، بدليل أن الديك مازال حياً . أم باسل : ألا تعرف ابتهاج ؟ ثامر : تعنين دجلاً .. مبالغة .. و .. ابتهاج : ثامر .. ثامر : " يغالب ضحكته " ..... أم باسل : " تبتسم " أخبرني ، يا ثامر . ثامر : نعم ، أم باسل . أم باسل : ما هي أخبار بغداد ؟ ثامر : " يحاول التهرب " كالعادة إذاعة بغداد تشتم القاهرة ، وإذاعة القاهرة تشتم بغداد. أم باسل : لا أعني هذا ، الطلاب والمدارس والجامعة ، ما هي أخبارها ؟ ثامر : آ .. لا جديد ، الحكومة كما تعلمين ، قد أقفلت جميع المدارس . أم باسل : لقد أقفلت المدارس منذ شهر تقريباً ، بعد أن غصت الشوارع بالمظاهرات ، إنني أتساءل الآن ، ماذا يحدث ؟ ابتهاج : كل شيء على ما يرام الآن ، يا ماما . أم باسل : يعني لا توجد مظاهرات ؟ لا يوجد إطلاق نار وقتل في الشوارع ؟ لا توجد ملاحقات واعتقالات وتعذيب في السجون ؟ ثامر : كل شيء انتهى الآن . ابتهاج : فعلاً ، فعلاً ، يا ماما . أم باسل : في بغداد والموصل .. ابتهاج : في العراق كله . ثامر : نعم ، نعم ، أؤكد لك . أم باسل : والمدارس ، لماذا لا يفتحونها إذن ؟ ثامر : لن يفتحوها الآن . ابتهاج : سيفتحونها حتماً . أم باسل : ولماذا ليس الآن ؟ مادام العراق ، كما تقولان ، قد هدأ . ابتهاج : ربما لينظفوها أولاً من .. أم باسل : المشاغبين . ابتهاج : لا أعني هذا ، يا ماما . أم باسل : لينظفوها من أمثال أبيك . ابتهاج : أبي ليس مشاغباً ، يا ماما . أم باسل : هذا ما يسمون أمثاله . ابتهاج : الوطنيون جميعاً مشاغبون ، في عرف السلطة ، وأبي وطني . أم باسل : وماذا تسمين من يقف في وجه مديره ، ويشتم السلطة . ابتهاج : لا أسميه مشاغباً . أم باسل : ماذا تسميه إذن ؟ ابتهاج : إنه أبي ، يا ماما ، أبي ، وأنا أعتز به كما أعتز بك . أم باسل : " بعد صمت " ألم تصلنا رسالة من باسل ؟ ابتهاج : ليس بعد . أم باسل : ترى لماذا لا يكتب لنا ؟ ثامر : منذ أسبوع فقط ، وصلت رسالة منه . أم باس : آه ، تلك التي قرأتها عليّ . ثامر : نعم . أم باسل : قبلة كبيرة ، كبيرة لأمي " ثامر وابتهاج يتبادلان نظرة حزينة " ما أطول الأسبوع ، سبعة أيام ، يوم بعد يوم ، في مقبرة الثلج هذه ، وبعدها ربما سيعاقبنا الله أيضاً. أم باسل : " تلتفت إلى ثامر " ثامر . ثامر : نعم ، أم باسل . أم باسل : مادامت الحكومة قد أقفلت مدارس البنين والبنات كلها ، فلماذا لم تقفل الكليات ؟ ثامر : " ينظر في حرج إلى ابتهاج " .... ابتهاج : الكليات شيء آخر ، يا ماما . أم باسل : لماذا ؟ أجميع طلابها من الملائكة ؟ ثامر : لا ، لا ، لكن .. ابتهاج : طلاب الكليات كبار ، يا ماما . ثامر : ولم يشاركوا في المظاهرات . أم باسل : وأبوك ؟ أبوك يا ابتهاج ، هل كان صغيرا ، عندما وقف أمام جميع المعلمين والطلاب ، وصرخ في وجه مدير المدرسة ، أنت عميل خائن . ابتهاج : ماما . أم باسل : ولماذا ؟ لأن الرجل شتم المتظاهرين ، ومنع الطلاب من الاشتراك في المظاهرات . ابتهاج : ماما ، دعينا من هذا الآن . أم باسل : وماذا كانت النتيجة ؟ ابتهاج : ماما ، أرجوك . أم باسل : دفنونا جميعاً في مقبرة الثلج هذه . ابتهاج : ليس هذا وقته ، يا ماما ، أنتِ .. أنتِ ما تزالين مريضة . أم باسل : " بأسى " نعم ، هذه هي الحقيقة ، إنني مريضة ، مريضة جداً ، ومن يدري ، ربما سأنتهي هنا ، سأنتهي قبل أن أرى باسل " تدنو من النافذة ، وتنظر إلى الخارج " الثلج سيتساقط الليلة أيضاً ، فوق الجبال ، فوق السهول ، فوق القرى النائمة ، وسيمتلىء قلبي بالثلج " صمت " أحياناً أفكر بأنكم تخدعونني ، تخدعونني بشأن باسل ، أحياناً أحس ، لا أدري لماذا ، بأن كلّ ما تقولونه عن باسل ، كذب . ثامر : أم باسل .. أم باسل : الرسائل ، القبلة الكبيرة ، مجرد وهم ، مجرد خداع ، قلب الأم ، يا ثامر ، لا يصدق أحياناً غير وحيه . ثامر : " متأثراً " أنتِ واهمة ، يا أم باسل ، ثقي أنتِ واهمة . أم باسل : وماذا أريد ، يا ثامر ؟ ماذا أريد ؟ إنني أتمنى من كلّ قلبي ، أن أكون واهمة ، أن أكون مخطئة ، وأن يكون كلّ ما أفكر فيه ، وكل ما أعانيه ، مجرد كابوس ، كابوس لابد أن ينتهي ، مهما طال ، بمجيء الصباح ، ولكن ، في ليل الثلج هذا ، هل هناك صباح ؟
لحظات ثقيلة من الصمت ، أم باسل تتأمل ابتهاج بأسى ومرارة
أم باسل : ابتهاج . ابتهاج : نعم ماما . أم باسل : لماذا لا تصبين الغداء ؟ ماذا ننتظر ؟ ابتهاج : أبي لم يأتِ بعد . أم باسل : " لثامر " أين أحمد ؟ ثامر : أم باسل .. أم باسل : أهو في المدرسة ؟ ثامر : لا ، ليس في المدرسة ، الواقع .. أم باسل : أين هو إذن . ابتهاج : أين ذهب بابا ؟ ثامر : استدعاه مدير الناحية . ابتهاج : مدير الناحية ! أم باسل : مرة أخرى ؟ ثامر : لقد أرسل أحد الشرطة إلى المدرسة في طلبه . ابتهاج : لكن لماذا ؟ أم باسل : ألم تعرف السبب ؟ ثامر : وماذا يهم السبب ؟ أم باسل : يا إلهي ، يا إلهي متى تنتهي هذه الدوامة ؟ متى تنتهي ؟ ثامر : أم باسل ، لعل مدير الناحية لم يستدع ِ أبا باسل لسبب يتعلق بالسياسة . أم باسل : لماذا استدعاه إذن ؟ ثامر : من يدري . أم باسل : أنا أدري . ثامر : أم باسل . أم باسل : هذه ليست المرة الأولى . ابتهاج : ماما . أم باسل : أبوك سيقتلني ، يا ابتهاج ، سيقتلني ، لن ينتهي حتى يقتلني . ابتهاج : ماما ، ماما . أم باسل : أبوك يسير بقدميه إلى حتفه ، وسيجرنا جميعاً معه . ابتهاج : ماما ، لماذا لا تذهبين إلى غرفتك وترتاحي ؟ أم باسل : أرتاح .. أم باسل : أم باسل ، أنتِ متعبة فعلاً ، ومن الأفضل أن ترتاحي . ابتهاج : أرجوكِ ، يا ماما . ثامر : وثقي أن أبا باسل لن يتأخر . أم باسل : " تنظر إلى ابتهاج في حب وتأثر " حسن إذا جاء أبوكِ ، أخبريني . ابتهاج : كما تشائين . أم باسل : " لثامر " ماذا لديك اليوم ؟ ثامر : غداء ؟ أم باسل : نعم . ابتهاج : مسكوف . أم باسل : " تبتسم " ابقَ معنا . ثامر : شكراً . أم باسل : ابقَ ، يا ثامر . ثامر : " يبتسم " والمسكوف ؟ ابتهاج : أبقه للضيف . أم باسل : ثامر ، أنت مثل ابني باسل ، ابني ليس هنا ، يقولون إنه في الجامعة ، وأنت ابني هنا ، وهذا بيتك . ثامر : أشكرك ، يا أم باسل . أم باسل : ستبقى . ثامر : سأبقى ، شكراً .
أم باسل تغادر الغرفة ، ابتهاج تواجه ثامر معاتبة
ابتهاج : ماذا فعلت ، يا ثامر ؟ ثامر : ماذا فعلتُ ؟ ابتهاج : كان من الأفضل ألا تخبرها . ثامر : هذا رأيي أيضاً ، لكن أباك أصرّ أن أخبرها . ابتهاج : أبي ؟ ثامر : نعم ، قال لي ، إذا تأخرت أخبرها . ابتهاج : لكن ، هل تأخر ؟ ثامر : " ينظر إلى ساعته " الساعة الآن الواحدة وخمس دقائق ، لقد انتهى الدوام منذ ساعة تقريباً ، ألم يتأخر ؟ ابتهاج : " تنظر إليه في حيرة وقلق " متى مضى إلى مركز الناحية ؟ ثامر : أخذوه منذ الدرس الثاني . ابتهاج : " مذهولة " أخذوه ! ثامر : كان في الصف ، عندما جاؤوا إليه ، وأخذوه قبل أن ينتهي الدرس . ابتهاج : لكنك قلتَ ، شرطي .. ، ثامر . ثامر : الحقيقة أخذوه في السيارة المسلحة . ابتهاج : يا إلهي . ثامر : لا تقلقي . ابتهاج : ماذا نفعل ، يا ثامر ؟ ماذا يجب أن نفعل ؟ يا إلهي ، يا إلهي . ثلمر : لا داعي للقلق ، يا ابتهاج . ابتهاج : ثامر ، هل تعتقد أنهم اعتقلوه ؟ ثامر : كيف يعتقلونه ؟ ماذا فعل ؟ ابتهاج : هل يجب أن يفعل شيئاً حتى يعتقلوه ؟ ثامر : طبعاً ، إن الاعتقال ليس أمراً هيناً ، ومن المستحيل أن يعتقلوا إنساناً بريئاً ، ماذا فعل أبوك ليعتقلوه ؟ ابتهاج : وماذا فعل غيره ؟ آلاف الشباب يُداهمون في بيوتهم ، ويعذبون في السجون ، ويُنفون إلى قلاع للموت في الصحاري والجبال ، ويُطلق الرصاص عليهم في الشوارع ، ما هي جريمتهم ؟ ماذا فعلوا ؟ هل الانتصار لبور سعيد جريمة ؟ هل شجب العدوان جريمة ؟ ثامر : هذا أمر آخر . ابتهاج : بالعكس ، يا ثامر ، هذا نفس الأمر .
الفراش حما يظهر في النافذة ، ويقرعها بيده ، ابتهاج تهرع إليه ، يتبعها ثامر ، ابتهاج تفتح النافذة في لهفة وعجالة
حما : السلام عليكم . ابتهاج : أخبرني ، يا حما ، هل .. ؟ حما : قلتُ السلام عليكم . ابتهاج : هل عاد بابا ؟ حما : نعم ، اطمئني . ابتهاج : متى عاد ؟ حما : قبل قليل . ابتهاج : أين هو الآن ؟ حما : أتعرفين ماذا قال نبينا ؟ ابتهاج : أخبرني الآن ، أين هو ؟ حما : في المدرسة ، أتعرفين ماذا .. ؟ ابتهاج : ماذا يفعل في المدرسة ؟ حما : المعلمون والمدير كانوا في انتظاره ، وهم الآن يتحدثون معه ، لقد بعثني لأطمئنكم ، وقال لي ، لن أتأخر ، سآتي وراءك . ابتهاج : أشكرك ، أشكرك جداً . حما : والآن أتعرفين ماذا .. ؟ ابتهاج : " تقاطعه " نعم ، أعرف . حما : حسن ، ماذا قال ؟ ابتهاج : " ترفع يدها بالتحية " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . حما : " بإعجاب " أستاذ ثامر .. ثامر : نعم . حما : ماذا قالت ؟ ثامر : إذا حييتم بتحية ، فحيوا بأحسن منها ، أو .. حما : " بذهول " السلام عليك . ابتهاج : " تبتسم " وعيكم السلام . ثامر : في أمان الله . ابتهاج : حما . حما : نعم . ابتهاج : استعجل أبي ، أرجوك استعجله . حما : ممنون . ابتهاج : مع السلامة .
حما ينسحب مبتسماً ، ابتهاج تغلق النافذة ، وهي تتنفس بارتياح
ثامر : ارتحتِ الآن ؟ ابتهاج : الحمد لله . ثامر : ألم أقل لكِ ؟ ابتهاج : تصور ، يا ثامر ، لو أنهم اعتقلوه . ثامر : لم يعتقلوه . ابتهاج : ماذا كان يحدث ؟ نحن هنا وحدنا ، وباسل ، إن أمي .. ثامر : " يقاطعها " المهم ، المهم .. ابتهاج : المهم ، ماذا أراد منه ؟ ثامر : هذا أيضاً غير مهم ، المهم أنه عاد ، وهذا يكفي . ابتهاج : ثامر ، اسمع ، البارحة صنعت قالباً من الكيك ، وسأهديك بعضه . ثامر : " مازحاً " كيك أيضاً ؟ ابتهاج : نعم . ثامر : كالقالب السابق ؟ ابتهاج : الإنسان يخطيء مرة . ثامر : إنني أمزح معكِ . ابتهاج : أعرف . ثامر : إنني أحب أن أمزح معكِ . ابتهاج : " تبتسم " أعرف . ثامر : إنني .. ابتهاج : " تتسع ابتسامتها " أعرف . ثامر : ماذا تعرفين ؟ ابتهاج : " وهي تنظر في عينيه " أعرف . ثامر : " يبتسم " .... ابتهاج : لحظة واحدة ، سأجلب قطعة الكيك .
ابتهاج تغادر الغرفة بخفة وفرح ، ثامر يقف بجوار النافذة ، يدخل أحمد ، رجل في حوالي الخمسين ، ثامر يهم بالكلام ، فيسكته أحمد ، أحمد يبدأ بخلع معطفه السميك الشبيه بالفرو أبو باسل : " بصوت خافت وهو يبتسم " قدم لي تقريرً كاملاً عن الوضع السياسي في عراقي . ثامر : " يبتسم " بالتفصيل ؟ أبو باسل : نعم ، نعم ، لأعرف كيف أتصرف . ثامر : حسن ، وزارة الداخلية .. أبو باسل : نعم ، هذا مهم . ثامر : ثائرة جداً ، وستعلنها حرباً عواناً عليكم. أبو باسل : الله أكبر ، والشعب ؟ ثامر : الشعب الطيب قلق جدا على مصيركم . أبو باسل : هذا متوقع . ثامر : وقد اعتقد أنكم معلقون من أقدامكم في سقف الغرفة ، وأن حفنة من البرابرة ، أو ما تسميهم أنت ، جلادي الشعب ، ينهالون عليكم بالسياط . أبو باسل : أوهام . ثامر : وأنكم أخيراً ، لابد أن تُرسلوا مخفورين إلى " نكرة السلمان " ، هل أعجبك تقريري ؟ أبو باس : أيها القدري اللعين .. ثامر : " يضحك " هاهاها . أبو باسل : هل أخبرتهم ؟ ثامر : " يضحك " هاهاها . أبو باسل : هل أخبرتهم ؟ ثامر : نعم . أبو باسل : الله أكبر . ثامر : ألم تكن هذه رغبتك ؟ أبو بتسل : لكني لم أتأخر . ثامر : " يلقي نظرة أبى ساعته " كم الساعة عندك ؟ أبو باسل : لا أدري . ثامر : الثانية إلا ربع . أبو باسل : " يبتسم " آه منكَ . ثامر : لكن الحق معك ، فالذي يعلق من أقدامه ، لا يشعر بالوقت . أبو باسل : " يضحك " هاهاها بالعكس ..
تدخل ابتهاج ، وفي يدها قطعة من الكيك ، ابتهاج تهرع إلى أبيها وتحضنه بحنان
ابتهاج : بابا .. بابا . أبو باسل : ماذا جرى ؟ ابتهاج : لقد قلقنا عليك . ـبو باسل : يبدو أن هذا القدري قد أخبركم بأن الشرطة قد أخذتني . ثامر : شرطي واحد ، لم أقل أكثر . أبو باسل : صحيح ؟ ثامر : صدقني . أبو باسل : " لابتهاج " هل أصدقه ؟ ابتهاج : " تضحك " ها ها ها . ثامر : هل كنت تريدني أن أقول ، وخاصة أمام وزارة الداخلية ، أنهم أخذوك بالسيارة المسلحة ؟ ابتهاج : " مهددة " ثامر . ثامر : لا ، أرجوكِ . أبو باسل : ماذا ؟ ابتهاج : لا شيء . ثامر :قلتُ لأم باسل ، بأن شرطياً واحداً لا أكثر ،جاء إليكم ، وطلب منكم بكل أدب أن تتفضلوا ، إن لم يكن لديكم مانع ، لمقابلة مدير الناحية . أبو باسل : رائع . ثامر : أشكرك . أبو باسل : الآن أصبحت دبلوماسياً . ثامر : تعني كذاباً . أبو باسل : طبعاً . ثامر : أشكرك . أبو باسل : لا شكر على واجب . ثامر : لا تتوقع مني ، منذ الآن ، أن أدافع عنك أمام وزارة الداخلية . أبو باسل : لستُ بحاجة إليك . ثامر : إن ضميري يؤنبني . أبو باسل : كنت أعتقد أنك نسيت ضميرك في الموصل . ثامر : لن أذكر لوزارة الداخلية سوى الحقائق . ابتهاج : إنه يهددك ، يا بابا . أبو باسل : لا عليك ، لن تنجح مؤامرته . ثامر : سأقول لوزارة الداخلية ، إن أبا باسل يتحدث في السياسة ، حتى أمام الشرطة ، وبدلاً من أن يسلم على الآخرين ، يقول لهم ، هل سمعتم أن الطائرات البريطانية تطير من قاعدة الحبانية ، لتقصف إخوتنا في بور سعيد ؟ أبو باسل : صه ، صه ، أتريد أن تطردني من البيت ؟ ثمر : " يضحك " ها ها ها . ابتهاج : " تغالب ضحكها " بابا ، ألست جائعاً ؟ أبو باسل : جائع ! الله اكبر ، أكاد أموت من الجوع. ابتهاج : لحظة واحدة إذن ، سأصب الطعام ؟ أبو باسل : ماذا لدينا ؟ ابتهاج : طعام يعجبك . أبو باسل : هل يعجب ثامر ؟ ابتهاج : " تبتسم " نعم . أبو باسل : واضح . ابتهاج : " تقدم قطعة الكيك لثامر " تفضل . ثامر : " يأخذ قطعة الكيك " شكراً . أبو باسل : ما هذا ؟ ابتهاج : " تخرج مبتسمة " .... ثامر : كيك ، أتـكل ؟ أبو باسل : إن نصف الكيك ، الذي يُصنع بنقودي ، يتسرب إليك . ثامر : صدقني ستدخل الجنة بالكيك ، الذي آكله عندك ، فأنا يتيم . أبو باسل : " يبتسم " بالمناسبة ، هل ستتغدى عندنا اليوم أيضاً ؟ ثامر : ماذا تريدني أن أفعل ؟ إن وزارتك الداخلية ، أم باسل ، قد دعتني . أبو باسل : وأنت كالعادة لم ترفض الدعوة . ثامر : طبعاً . أبو باسل : فواكهك الغنية بالفيتامينات ، أخبرني ، ماذا فعلت بها ؟ ثامر : " يبتسم " تقصد البصل والفجل . أبو باسل : طبعاً ، ماذا لديك غيرها ؟ ثامر : أرسلتها مع حما إلى البيت . أبو باسل : ما رأيك لو طبقنا الاشتراكية على مائدتنا اليوم . ثامر : هذه الاشتراكية لن تكلفني الكثير . أبو باسل : أنت برجوازي صغير . ثامر : " يضحك " ها ها ها . أبو باسل : قدري لعين . ثامر : " يستمر في الضحك " ها ها ها . أبو باسل : تستغل طيبتي ، وميولي الاشتراكية . ثامر : " يستمر في الضحك " ها ها ها . أبو باسل : أسرع ، إنني جائع . ثامر : " وهو يضحك " لحظة واحدة .
ثامر يخرج مسرعاً ، بعد قليل ، تدخل ابتهاج
ابتهاج : بابا . أبو باسل : نعم . ابتهاج : هل تريد أن تنغدى في الداخل أم هنا ؟ أبو باسل : أعتقد هنا أفضل ، مادام ثامر سيتناول الغداء معنا ؟ ابتهاج " تدنو منه هامسة " بابا . أبو باسل : نعم . ابتهاج : ماما تريد أن تتحدث معك ، أرجوك بابا ، كن رفيقاً معها ؟ أبو باسل : أهي ثائرة أيضاً ؟ ابتهاج : قليلاً . أبو باسل : " يتأفف " اف ، مصيبة . ابتهاج : أرجوك ، يا بابا . أبو باسل : لستُ أرى مبرراً لثورتها . ابتهاج : ماما مريضة ، يا بابا ، ويجب ألا تؤاخذها . أبو باسل ينظر إلى ابتهاج ، ثم يهز رأسه مستسلماً ، يفتح الباب وتدخل أم باسل أم باسل : ابتهاج . ابتهاج : نعم ، ماما . أم باسل : اتركينا خمس دقائق . ابتهاج : ماما ، سنتناول الطعام الآن ؟ أم باسل : ابتهاج ، اسمعي كلامي . ابتهاج : ماما ، أرجوك ، بابا متعب الآن ، من الأفضل .. أم باسل : " في غضب " سبحان الله ، قلت لك ، اذهبي من هنا .
ابتهاج تغادر الغرفة ، وهي تغاب دموعها أم باسل : قال ثامر ، إن مدير الناحية قد استدعاك. أبو باسل : نعم ، استدعاني . أم باسل : هذه ليست المرة الأولى . أبو باسل : نعم . أم بتسل : ماذا أراد هذه المرة ؟ أبو باسل : أدار نفس الاسطوانة التي أسمعني إياها في المرة الماضية . أم باسل : ماذا قال لك ؟ أبو باسل : " بغضب " التافه ، الحقير .. أم باسل : ماذا قال ؟ أبو باسل : إ نني موظف صغير ، معلم ، خاضع للسلطة ، وأن بإمكانه أن يزجني في السجن في أية لحظة ، هذا ما قاله لي . أم باسل : هكذا ، بدون سبب . أبو باسل : إنه يعتقد بأني مادمتُ قد نقلتُ إلى هنا بأمر إداري ولسبب سياسي ، فإن كل شيء يحدث في الناحية ، أو يتصور أنه يحدث ، لابد أن أكون أنا وراءه . أم باسل : لا أعتقد أنه استدعاك هذه المرة ، وقال لك هذا الكلام ، بلا سبب . أبو باسل : لقد وجدوا منشوراً سياسياً ، ملصقاً في الجدار الخلفي للمدرسة ، يندد بحكومة نوري السعيد ، فاتهمني بأني وراء هذا المنشور ، وأني قد قمت بتوزيع مناشير مماثلة في المنطقة . أم باسل : " بصوت متهدج " وبعد . أبو باسل : راح يتبجح أمامي ، بأنه خبير في القضايا السياسية ، وبأمثالي من المعلمين ، الذين يقحمون أنفسهم في أمور ليست من اختصاصهم ، وأخبرني بأني مخطيء إذا كنت أعتقد بأنه كغيره من مدراء النواحي ، وبالتالي فإنه يعرف كيف يوقفني عند حدي ، ويمنع أيّ نشاط سياسي هدام في المنطقة . أم باسل : " بصوت متهدج " وأخيراً ؟ أبو باسل : قلتُ له بأنه مخطىء ، وبأني لست وراء هذا المنشور ، ولا أعرف شيئاً عن المناشير التي وزعت في المنطقة ، وأكدتُ له بأني لا أرتبط هنا بأية حركة سياسية ، لكنه بالطبع لم يصدقني . أم باسل : إلى متى نبقى هكذا ، يا أحمد ؟ أبو باسل : ماذا أفعل ؟ أم باسل : هل يعجبك ما يحدث لنا ؟ أبو باسل : ليس في وسعي أن أفعل شيئاً ، يبدو أنهم لا يريدون أن يدعوني مرتاحاً . أم باسل : لم نعد صغاراً ، يا أحمد ، لقد أوشكنا على النهاية ، دعنا ننسَ أنفسنا ، دعنا لا نتذكر إلا أننا نعيش من أجل باسل وابتهاج ، من أجلهما فقط ، إنهما كل ما لدينا ، إنهما حياتنا ، إنهما ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، ومن أجلهما يجب أن لا نفرط بأنفسنا ، في سبيل أي شيء ، مهما كان . أبو باسل : أنت تعرفين جيداً ، ماذا يعني باسل بالنسبة لي ، وماذا تعني ابتهاج ، أنت تعرفين أنهما كل وجودي ، وأنت تعرفين أيضاً أنني مهما كان ، لن أفعل شيئاً يلحق الضرر بهما . أم باسل :إنني أعرف أنك تحبهما ، وأعرف أنك عملت المستحيل من أجلهما ، ولكنك يا أحمد ، تسير في طريق سيهلكنا جميعاً . أبو باسل : أي طريق ؟ أم باسل :طريق .. طريق .. لا أدري ماذا تسميه ، لكنك تعرف قصدي ، ابتعد عن هذا الطريق ، يا أحمد ، ابتعد عنه ، ودعنا نعش في حدودنا . أبو باسل : أم باسل ، إنني أب ، وأنا مثال لباسل ، مثال لابتهاج ، إنني أب لهما ، أب ، هل تريدينني أن أركع ؟ هل تريدينني أن أقول ، أنا لستُ رجلاً ، لستً مواطناً ، لستُ إنساناً ، لستُ .. ؟ أم باسل : ولكن فكر ، يا أحمد ، ماذا سيحل بنا إذا حدث لك شيء لا سمح الله ؟ ماذا سيحل بنا إذا حدث شيء لباسل ، أو ابتهاج ؟ فكر يا أحمد ، ماذا سيحل بنا ؟ أبو باسل : أنتِ تطالبيني بالمستحيل . أم باسل : ألا تذكر أحداث 1952 ؟ أبو باسل : .... أم باسل : ألا تذكر أنني لم أنم ، عندما علمتُ أن باسل ورفاقه معتصمون في المدرسة ، ألا تذكر أنني كدتُ أقتل نفسي ، عندما ألقت الشرطة القبض عليه ، في اليوم التالي ، وهو يقود مظاهرة في الشارع ؟ ألا تذكر كيف قضيت الأسبوعين اللذين قضاهما باسل في السجن ، ألا تذكر كل ذلك ؟ أبو باسل : " في تأثر وغيظ " نعم .. نعم . أم باسل : إنني لا أستطيع أبداً ، أن أنسى آثار الضرب والتعذيب في وجهه وأصابع يديه وقدميه ، لا أستطيع أن أنسى الآثار المخيفة التي تركوها فوق ظهره ، إنها هنا ، مرسومة فوق قلبي خط .. خط .. وكدمة .. كدمة .. إنها هنا .. وستظل هنا .. لن أنساها . أبو باسل : أم باسل ، أنسي هذا ، أنسيه ، لقد انتهى كل شيء الآن . أم باسل : " تصيح " بالعكس .. أبو باسل : " ينظر إليها في ذهول " .... أم باسل : نحن الآن في الجحيم ، وأنت تعرف من السبب . أبو باسل : أم باسل . أم باسل : أنت وضعته على الطريق . أبو باسل : أم باسل .. أم باسل : أنت تعذبنا . أبو باسل : كفى يا أم باسل . أم باسل : أنت ستهلكنا . أبو باسل : " بغضب " كفى .. أم باسل : أنت السبب .. أبو باسل : قلتُ كفى . أم باسل : ألا يكفي ما نحن فيه ؟ ماذا تريد أكثر ؟ نحن في الجحيم ، هل تريد أكثر ؟ أبو باسل : ماذا جرى لك ؟ لا ترفعي صوتك ، إن ابتهاج تسمعنا . أم باسل : لقد صبرتُ طويلاً على طيشك ، والآن - لم أعد أحتمل ، لقد طفح الكيل ، لن أسكت عليك بعد الآن ، ولن أسمح لك أبداً ، أن تحطم حياتنا . أبو باسل : هل جننتِ ؟
يُفتح الباب بهدوء ، وتدخل ابتهاج
ابتهاج : " مذهولة " ماذا جرى ! أبو باسل : أنظري ماذا تفعل . أم باسل : " تتأمل ابتهاج في حزن " ابتهاج . ابتهاج : نعم ماما . أم بتسل : أين باسل ؟ ابتهاج : ماما . أم باسل : أين هو ؟ ابتهاج : .... أم باسل : أنتم تكذبون عليّ . ابتهاج : ماذا تقولين ، يا ماما ؟ أم باسل : باسل ليس في الجامعة .. ابتهاج : لماذا نكذب عليك ، يا ماما ؟ أم باسل : أين باسل ؟ أين هو ؟ يُفتح الباب ، ويدخل ثامر في تردد ، وفي يده حزمة من البصل والفجل
ثامر : أستاذ ، أستاذ أحمد . أبو باسل : تفضل ، سنتناول الغداء الآن . ثامر : أبو باسل .. أبو باسل : نعم . ثامر : " يشير إلى الخارج " ساعي البريد ابتهاج : من ! ثامر : لديه برقية لك . أبو باسل : برقية لي ! ابتهاج : ممن ؟ ثامر : لا أدري . أبو باس : أين هو ؟ ثامر : بالباب .
أبو باسل يندفع إلى الباب ، ويفتحه في شدة ، يدخل ساعي البريد ساعي البريد : السلام عليكم . ثامر : " وحده " أهلاً . ساعي البريد : أحمد أفندي ، هذه البرقية لك . أبو باسل : " يأخذ البرقية ويوقع بيد مرتجفة " .... أم باسل : ممن هذه البرقية ؟ ساعي البريد : أستودعكم الله . ثامر : " وحده يرد " في أمان الله .
أبو باسل يفتح البرقية ، الجميع يترصدون انفعالاته ، وفجأة ترتجف البرقية في يده ، ثم يرفع وجهه الباكي إلى أم باسل
أم باسل : " تصرخ " باسل ! ابتهاج " في صوت منهار " ماذا ! ثامر : أبو باسل .. أبو باسل : لقد راح باسل ، يا ثامر ، راح باسل . ثامر : لا تقل هذا ، يا أبا باسل ، لا تقل هذا . أبو باسل : هذه برقية من رفاقه في راوندوز ، لم يعد هناك باسل ، لم يعد هناك باسل . أم باسل : باسل .. باسل .. لا .. لا .. يا إلهي .. لا تفل إنه باسل .. لا .. لا .. أم باسل تدنو من أبي باسل ، وتقف أمامه لحظة ، ثم ترفع كلتا يديها ، وتهوي بهما على صدره ، أبو باسل لا يقاومها
أبو باسل : أم باسل .. أم باسل .. أم باسل : باسل .. باسل .. أنت .. أبو باسل : كفى ، يا أم باسل .. أم باسل : أنت فتلته .. لا أحد غيرك .. أبو باسل : " يمسك يديها والدموع تغرق عينيه " أم باسل , اسمعي .. أم باسل : أنت .. أنت .. لا أحد غيرك .. أبو باسل : كيف أقتل باسل ؟ أم باسل : أنت قتلته .. أبو باسل : كيف أقتل حياتي ؟ أم باسل : أنت .. أنت .. أبو باسل : كيف أقتل ابني ؟ كيف أقتل مستقبلي ؟ كيف أقتل الإنسان ، الذي أردت أن أكونه .. أم باسل : باسل .. باسل .. أبو باسل : ألا تعرفين ، ماذا يعني باسل بالنسبة لي ؟ ألا تعرفين ؟ أم باسل : باسل .. ابني .. أبو باسل : ألم نحرم أنفسنا من كي شيء من أجله ؟ أم باسل : ابني .. ابني .. أبو باسل : ألم نفعل كل شيء من أجل أن ننشئه ، أن نراه يكبر بيننا ، كشجرة الورد ، يوماً بعد يوم ، أن نراه رجلاً ، أن نراه أباُ ، ألم نفعا كل شيء من أجل مستقبله ؟ من أجل أن نراع طبيباً ، لقد كافحنا يا أم باسل ، أنا وأنت ، من أجل أن يكون ، وقد أوشك أن يكون ، أوشك أن يكون رجلاً ، أوشك أن يكون طبيباً ، أوشك أن يكون .. أم باسل : " ترفع عينيها إليه " .... ابتهاج : " تغاب دموعها عبثاً " .... أبو باسل : فما ذنبي ؟ ما ذنبي إذا كانوا قد قتلوه ؟ ما ذنبي أنا ، إذا كانوا لا يريدون أن يبقى .. أن يعيش .. من أجلنا ؟ ما ذنبي أنا .. ما ذنبي .. يا أم باسل ؟ أم باسل : " في صوت باك " أبو باسل .. أبو باسل : " في صوت رقيق " نعم ، أم باسل . أم باسل : قتلوه ، يا أبا باسل ، قتلوا باسل . أبو باسل : أم باسل.. أم باسل : قتلوا ابننا . أبو باسل يضم زوجته ، ابتهاج تجهش بالبكاء ، ثامر يغالب دموعه ، ومن النافذة تبدو الثلوج ، وهي تتساقط بغزارة ستار
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية من فصل واحد السعفة
-
مسرحية من فصل واحد
...
-
مسرحية من فصل واحد البروفة
-
مسرحية مونودراما الرعب والمطر
-
مسرحية من فصل واحد الصحراء
-
مسرحية من فصل واحد الشجرة
-
الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
-
مسرحية عقارب الساعة
-
قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال
...
-
مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
-
مسرحية الجدار
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|