طارق العربي
الحوار المتمدن-العدد: 1681 - 2006 / 9 / 22 - 07:45
المحور:
الادب والفن
صباح الخير يا امي...صباح الخير يا حلوة ، قد مضى ثلاثون عاما على ذلك الولد الذي ابحر برحلته المجنونة ، نحو الحرية ، انا وحدي يا امي ، ائن في زنزانة الموت في شجن ، ومقاعد الزنزانة باردة ،ولاسعة كالجمر
اكتب اسمك محاولا الاحتماء خلفه من ظلمة الزنزانة ،محاولا اشتهاء مساحة الحرية الممتدة بين اصابعي والورق ، واحاول ان اجد حروف اسمي بها ، وميلادي وتاريخي ، لكن الحرف الناقص يوجعني ، وتوطئه مع ذاكرتي يؤلمني ...ثلاثون عاما...وما زالت اردد اسمك في الليلة الف مرة كانك حلم..اتعرفين يا امي لاسمك رنين خاص وموسيقى غريبة ، واشعر بارتياحا غريب حين اغنيه، فهو حين يمتزج مع صوتي يصبح كانه وطن
ثلاثون عاما مرت ، عرفت المحققين والجلادين ، وعرفت الحرمان والغضب ومعنى التعب، وعلى الحرية لم اعثر، ثلاثون عاما في البحث عنها وعن وطن وعليهما لم اعثر.
اشتقت يا امي ، الى اطفال حارتنا ، والى حيطان ملاناها بفوض كتابتنا ، سلامي لهم جميعا ، احمد وعبد الله ابن الجيران والطفل الذي لم اراه عنتر ، هل كبروا، انا كبرت ولم اكبر ما زلت طفلا بالحرية يحلم بلونها الاخضر.
مضى الثلاثون عاما وما زال وجهك يخربش على جدران الزنزانة ويضيء ستائر العتمة
ساقص يا امي قصة الاسير العتبة وقصة الاف غيره ، الذين كنت وامه تقفون خارج السجن ساعات وساعات تنتظرون ،
واحملك امانة امي ان تنشري الرسالة في الصحف والمجلات ، وان تنعلق على الجدران ، وتذاع في الاذاعات
تجتاح اصابعي رغبة في البكاء، وجسدي مثقل بالحزن والخيبات ،و لا اعرف كيف انقضت ساعات الليل دون ان تدمع عيني او يرف لها جفن ، هل تحولت الى وحش بشري يا امي ..! ، هل انغمست في حضارة المادة ونسيت انسانيتي ، وكيف لي انا لا ابكي ، امام وجع وطني واهلي ، كيف يمكن لي هذا ، وانا جزءا من المعاناة ، ولي في الحكاية كل الحكاية
الاسير سعيد العتبة ، من نابلس ، قضى اكثر ثلاثون عاما في سجون الاحتلال ، دخل السجن وهو في السادسة والعشرين ..وهو الان على مشارف العقد السادس من عمره ، ويعتبر اقدم اسير فلسطيني بعد الافراج عن الاسير احمد جبارة " ابو السكر في العام 2003..
توفي والده وهو على شباك سجن نفحة أثناء زيارته له اذ إصابته جلطة ، وفي السنة الثانية لتلك الحادثة توفي اثنان من أعمامه ، ثم توفي كل أجداده وعماته وخالاته ..و هو في السجن يعتصر ألما كان يتمنى ان يراهم قبل رحيلهم عن هذه الدنيا ، تصوري يا امي، مات على مقربة من اباه ولم يستطع غسله او المشاركة في دفنه، لكنه يا امي ما زال صامد ..وعصي على الكسر مثلك ..انت حبيبتي
أعياه الانتظار ،ان جميع رفاقه (أعضاء الخلية الذين اعتقلوا معا علي نفس القضية ) قد خرجوا جميعا من السجن في العام 1985 أثناء تبادل الاسرى الشهير الذي تم بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة الجبهة الشعبية بقيادة احمد جبريل .. الا انه لسبب ما فقد استثنى سعيد من عملية الإفراج .
كان المفروض ان يطلق سراحه نظرا للفترة التي قضاها .. كما ان كل أفراد خليته أطلق سراحهم رغم ان أحكامهم اكبر من حكمه .. لماذا يظل في السجن ..لماذا.. لو لم يكن سعيد في السجن لكان لديه اليوم أحفاد وأولاد..وبنى مستقبله .. ألا يستحق ان يخرج من السجن ويتمتع بحريته وشبابه الذي ضاع
كان يتوجب إطلاق سراح سعيد يا امي مع رفيقه احمد جبارة "أبو السكر" نظرا لان الفترة الزمنية بين اعتقال كليهما كانت سبعة اشهر فقط ،
لقد قالت امه انها ، منذ إطلاق سراح أبو السكر لا تقدر ان تنام الليل وتدعوا الله تعالى ان يعجل إطلاق سراحه .. ساقول يا امي ماذا قالت بالحرف في رسالتها " محرومة من زيارتك منذ بداية انتفاضة الاقصى ، يا ولدي ، لكن الله يشهد اني ، احملك في صدري وعيني ، واغنيك اغنية حرية ، واعلمها للابناء اخوانك ...انهم يملئون الدار ضجيجا وصخب وفرح ... اه لو تراهم ؟؟!,,,,لكن هذا الفرح غير مكتمل تنقصه انت ....، لا تنكسر يا ولدي ، ان هذا قدر الرجال ...ومن طلب الحرية ..خاض الصعاب ...." امي كوني قوية كام سعيد .
أصحاب الأحكام العالية القدامى يا امي ، معدودون على الأصابع لماذا لا يطلق سراحهم ؟ ،
هل يحتفظون بنا لنتعفن هنا ، ام انه يريدون قتلنا وقتل حلم الحرية معنا ..ساعود لسعيد يا امي.
هو سعيد وجيه العتبة نقول له في السجن ( ابو الحكم ) من مواليد نابلس العام 1951 .. ، و من زنزانته في سجن عسقلان يذكركم بأنه هنا لا يزال داخل السجن .. يصارع القضبان والسجان .. ليصنع لكم من الأشواك فجرا جديدا ، ويقول لكم " بأننا نولد بلا اختيار ونموت بلا اختيار و بينهما نختار
لقد بدأ دخوله العام 30 على اعتقاله داخل لسجن منذ 1977 ، ويذكركم بأنه و أنا ورفاقي نعاني الكثير من الممارسات والضغوطات .. فهل يا تري سيبزغ فجر الحرية ، فهل آن الاوان لان تكون قضية الأسري هي الأولي في سلم القضايا المطروحة ؟.
بياناتي سعيد يا امي ولا تنسي نشرها في الصحف والمجلات والاذاعات ..بل واطالبك بالذهاب لوزارة التربية والتعليم ..لنشرها في المناهج ؟؟علمت انه صار لنا منهاج فلسطيني ..؟ مبروك ..مبروك ..
الاسم: سعيد وجيه العتبة(ابو الحكم) ، تاريخ ومكان الولادة: نابلس 1951 ويمكث في سجون الاحتلال منذ العام 1997 ، الجنسية : فلسطيني مناضل ، اسم والده :مكافح روي التراب بجسده الطاهر بعد ان أدمي قلبه الهجر والحرمان وهو يجري من سجن الى سجن ليرى فلذة كبده .
اسم والدته : الام المثالية وهي في السبعينيات من العمر, لا تعاني سوي من مرض البعد عن ابنها وعذابات السجون لرؤيته من خلف الأسلاك الشابكة .
رقم الهوية :27-7-77 وعليه أختام السجون وعذاباته المريرة .
العنوان الحالي : سجن عسقلان داخل الخط الأخضر ، ص-ب(--) ، عدد سنوات العذاب : 30عاما في سجون الاحتلال ، عفوا ربع قرنويزيد عليه خمس سنوات ، نسبه : أسطورة المناضلين الأوفياء.
خبرات اخري يتمتع بها الاسير : لقد استلم سعيد العتبة( ابو الحكم) اغلي و أضخم مشروع نضال في العالم ، الا وهو مشروع الكفاح والنضال من اجل الارض والوطن ، ودوّن اسمه بالإرادة والمثابرة والتصميم بين أسماء المناضلين الأوفياء .. كان يبحث عن زمن خال من الظلم والقهر .
يبحث عن بقايا جرح قديم خلفه الاحتلال وتركت بصماته على جسد كل فلسطيني ، نضاله مستمر لان لهذا النضال ميزة لا يمتلكها احد .
قصة الاسير العتبة يا امي ليست الوحيدة فهناك الاف غيره في سجون الاحتلال يحلمون بالحرية ، محمود ومحمد وحسن وعلي ، وبرهان واشرف اردنينن ، سوريين ،مصريين ، وحتى من السودان والسعودية ودول عربية غيرها يتنظرون حلما واحد " الحرية،
ويعانون شتى انواعى العذاب ، ، الحرمان من زيارة الاهل ، الشبح "أي وقوف أو جلوس المعتقل في أوضاع مؤلمة لفترة طويلة وغالباً ما يتم إجلاس المعتقل على كرسي صغير لا تتجاوز قاعدته 25سم × 25سم وارتفاعه حوالي 30 سم وتقيد يديه إلى الخلف ". والحرمان من النوم لاوقات طويلة والعزل والضرب المبرح والحرمان من الطعام في سبيل حلم" الحرية
امي اراك الان واجلس بجانبك على الكنبة الداكنة ..التي تتوسط الصالون ..اراك من وسط زنزانة الظلم والعتمة ..التي تشبه احزان الوطن..وتشبه ضياعنا المنتهي..اتخيل للحظة انها اصبحت زورقا صغيرا ينساب على نهر الحرية ..وكل جدران السجن تلاشت ..وحولنا غابات الزيتون ..وفي المدى تقف عروسا هيئتها لي واخترتيها من بين نساء المدينة...سميتيها لي انت ...حرية
في ذلك المدى اراه تبتسم بثقة امراة تعرف ان جمالها لا بعلب المكياج ولا في استعراض جمالها ، بل في عيونها المتقدة بالأحلام وفي أحلامها المتقدبالوطن وفي حبها المتقد بعينيك
ابنك طارق العربي
#طارق_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟