حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7309 - 2022 / 7 / 14 - 10:54
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
هل وسَّعت شبكة الإنترنت فضاءات حرية التعبير، بالقياس على ما كان عليه الوضع قبل تعميم خدماتها على المستوى الكوني، حيث صار بوسع مئات الملايين من البشر على ظهر الكوكب الإفادة مما تيسره هذه الشبكة من بيانات ومعلومات؟
بديهي أن تكون الإجابة بنعم، حتى لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية واحدة فقط، هي تداعي أشكال الرقابة التقليدية التي كانت الحكومات تفرضها على نشر المعلومات والأفكار، وبات متيسراً قراءة ما لا تقوله الأجهزة الإعلامية الرسمية أو شبه الرسمية على مواقع في الشبكة العنقودية. وبالتالي يمكننا الحديث، في حدود، عن تدفق للمعلومات غير آتٍ من شفافية مفترضة بلغتها الحكومات في بلدان العالم المختلفة، وإنما من «الشقوق» التي تيسرها شبكة الإنترنت.
حرصنا على استخدام مفردة «الشقوق» كي نبلغ الفكرة التي نحن بصددها، وهي نقد التمجيد المبالغ فيه الذي يقرن الإنترنت بالقيم الإيجابية وحدها من نوع إشاعة حرية الأفكار وانسيابية المعلومات، وحتى القول ب«دمقرطة» المجتمعات.
وكان العالم العربي في السنوات الأخيرة، خاصة منذ العام 2011، مختبراً نموذجياً لمثل هذه الافتراضات، وربما المزاعم أيضاً، منها أن الهبّات والانتفاضات الشعبية هي من صنيعة أدوات شبكة الإنترنت من نوع «تويتر» و«فيس بوك» وفي وقت لاحق «إنستغرام»، وسواها من مواقع وبرامج، لكن التجربة تبرهن أن هذه الوسائل عاجزة عن خلق انتفاضة أو ثورة لا مقومات جدية لها في الواقع. الثورات تأتي في وقتها ولا تُفتعل، وحين تُفتعل قبل نضوج ظروفها، تصبح مغامرة تؤدي إلى التدمير والاحتراب الأهلي.
مؤكد أن سعة الانتشار التي توفرها هذه الأدوات تمكن من نشر الدعوات لتصل إلى قطاعات واسعة ما كان بالإمكان الوصول إليها. إن ثورة مشابهة لهذه قد تحققت مع نشوء الصحافة الورقية، رغم أن عدد قرّاء الصحف يظل محدوداً نسبياً خاصة في مجتمعات تتفشى فيها الأمية، وحدثت ثورة أهم وأكبر أثراً بظهور الراديو، وبعده التلفزيون، حيث بلغت آثارهما أقصى الأرياف والنجوع والبوادي.
رب قائل: لكن هذه وسائل كانت تحت سيطرة الحكومات، وهذا يدفعنا إلى التفكير في القوى الخفية التي تتحكم في الإنترنت وتسيطر عليه، فلا مسارات مفتوحة تتدفق منها المعلومات، وإنما شقوق يجري السماح بها أو غض الطرف عنها، ومن هذه «الشقوق» لا تتسرب أفكار الحرية والتقدم و«دمقرطة» المجتمعات وحدها، وإنما أفكار العنف والإرهاب ونشر الكراهية وغسل أدمغة الشبان بكل ما هو نقيض للحرية.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟