حامد تركي هيكل
الحوار المتمدن-العدد: 7308 - 2022 / 7 / 13 - 19:32
المحور:
الادب والفن
كانت الأعمال مُقسَّمة بين أفراد العائلة. هناك أعمال لا يقوم بها الا الأب. وهناك أعمال ينهض بها آخرون. أما هو فلم يبلغ الحلم بعد وليس لديه أعمال يكلف بها. كان يتمنى أن يُكلَّف بأعمال، ويرغبُ أن ينجزها على أتمِّ وجه. لكنّهُ ظلَّ يترقب ذلك اليوم بلهفة. فجأةً وبلا أي مقدمات ناداه أبوه ذات يوم:
- حسن! تعال! خذ هذه النقود واذهب حيث تمر بائعات السمك وأشتر لنا سمكاً. نشتهي اليوم سمكاً مشوياً ورزّاً محمّراً!
يا لها من لحظة حاسمة! لقد أزفت الساعة، وأنشقَّ الزمان نصفين. نصفٌ مضى، ونصفٌ آت. إنه زمن الرجولة. ها نحن قادمون!
وضع حسن الدراهم التي تخرخش في جيبه! وراح يتبختر لانجاز المهمّة. كما يفعل الرجال. قصد الدرب حيث تمر البائعات وهنَّ في طريقهن الى السوق قادمات من الشطّ. انتظر لحظات حتى ظهرت من بعيد سوادةٌ تهتزّ. امرأةٌ تأتزر بعباءتها، وتتراقص بمشيتها، تحمل فوق رأسها طستاً أو قفّةً. اقتربت أكثر، رآها تعضُّ طرف شالها بأسنانها، كاشفةً عن بياض جيدها.
- ماذا لديك؟
- سمك طازج يلبط
- دعيني أرى
انحنت، ووضعت الطست على الأرض، وجلست، وجلس قبالتها. وكشفت عن السمك.
فتاة في عنفوان شبابها، لم يكن يدر بخلده أنه سيكون يوماً على مقربة من شيء بهذا السحر، وبهذا الجمال.
لم يستطع رؤية السمك! كانت عيناه لا تقويان على مغادرة بياض آخر أكثر إدهاشاً، وجهها.
لقد أُطيحَ بأحلامه في الانجاز. فهوى طموحه، وتمرّغ أنف زهوه بالتراب. ودارت الدنيا بعينيه، وزاغَ بصره، وأخذهُ خفقانُ قلبه، مثل طفل صغير كان يشعر برغبة عارمة في إطلاق ساقيه للريح فارّاً الى ذلك الزمان الذي مضى للتوّ.
ما هذا بحق السماء! أيمكن أن تكون حياة الكبار صعبة الى هذا الحدّ؟ ألا يمكن أن تأتي سهلةً بلا منغصّات؟ وبلا مزلزلات؟
#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟