أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأخيرة














المزيد.....

مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأخيرة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


وحاولت الدفاع عن نفسي بدون قناعة حقيقية : أيها السيد الضابط المحترم، إنني لم أجدف ولم أجرح أو أهين أي أحد. ألله سميع عليم ومجيب على من يتوجه إليه، ولم أفعل غير ذلك لقد سمعني وأجابني، إن الأمر بيني وبينه فما دخل الشرطة والعدالة في هذا الأمر الشخصي؟ وهنا قال لي بحزم: اسمع، أنا أيضا سألت الله، ونصحني بأن أحسن الحلول هو أن تعود للزنزانة التي تعرفها حتى الغد، وحينها أفكر في الأمر. ثم نادى بأعلى صوته على الشرطي طالبا منه إعادتي إلى الزنزانة الصغيرة بدون فتحات، وقبل أن يدخل الشرطي سألت الضابط لأهدئ الأمر: هذا ليس ممكنا، لا بد أن يوجد حل آخر؟ فقال مفكرا: نعم يوجد حل آخر، مشيرا إلى الكراسة في جيبي، أن تمزق هذه الأوراق وننسى الأمر كله. وترددت للحظات ثم قلت له بحزم : مستحيل، هذا أمر مبدئي، لن أرضخ لمثل هذه المطالب اللاقونية من ناحية، ومن ناحية أخرى حتى لو كانت قانونية فإنني لن أرضخ لها لإنها غير عادلة وغير ديموقراطية.
أخرجت الكراسة من جيبي قائلا: إنها مجرد كلمات، حبر على ورق، أنت تعرف أنها مجرد قصة، قصة خيالية وليس لها أية علاقة بالواقع، فلماذا تتدخل الشرطة في هذا الأمر، لماذا لا تتركون الأمر للنقاد ليحكموا إن كانت تستحق القراءة . فقال وهو يفتح درجا في مكتبه: أتريد أن تمزق هذه الأوراق أم لا، هذا هو السؤال الآن. كان الشرطي قد فتح الباب وظل واقفا منتظرا أوامر الظابط . كان مجرد التفكير في العودة إلى الحجرة الضيقة وقضاء ساعات أخرى بدون ضوء الشمس يملأني رعبا، وبقيت واقفا في منتصف المكتب مترددا، غير قادر على إتخاذ أي قرار. كان الضابط ينظر إلي من وراء مكتبه، تبدو على وجهه إمارات الإنتصار كأنه متأكد من القرار الذي سأتخذه. ففتحت الكراسة، ومزقت الصفحات القليلة المكتوبة ووضعتها أمامه على المكتب بغضب بدون أن أستطيع البوح بأي كلمة، فأزاحها جانبا بيده ثم أشار للشرطي أن يخرج وقال : حسنا، إجلس الآن وسنتكلم بهدوء عن سبب إستدعائي لك. وعدت وجلست على الكرسي أمامه وفي قلبي غصة لا سبيل لتحديد طبيعتها، نوع من القلق الغريب الذي لا يمكن تفسيره، وكأنني فقدت شيء ما من كينونتي كإنسان. ثم قال بصوت هاديء : لا يهمني أن تكتب عن الله أو عن الشيطان، فهذه الأمور لها قسم آخر يهتم بها وليست من إختصاصاتنا. وأخرج من وراء مكتبه ملفا سميكا وفتحه وأخرج منه ورقة رسمية مزينة بعدة أختام، ثم واصل وهو يهز الورقة في يده: هذا أمر من وزارة الداخلية بالتحقيق معك، والمطلوب مني كتابة تقرير مفصل عن كل كبيرة وصغيرة لها علاقة بك من بعيد أو من قريب، وكل تحركاتك، ماذا تأكل وماذا تشرب، ماذا تقول ولمن، أين تنام وأين تجلس .. وتعرف بقية القائمة حتى تغادر هذه المدينة. فقلت له وقد شعرت بجسدي كله يرتعش: لقد سخرت مني يا حضرة الضابط. فقال بهدوء: إنني لم أسخر منك، فليس لدي الوقت لذلك، ولكن سذاجتك المفرطة أجبرتني على أن أتصرف بهذه الطريقة، ولكن للحقيقة، الموضوع لا علاقة له بالدين ولا بالتجذيف، مجرد صدفة أن الشرطي أخذ منك الكراسة بطريقة غير قانونية وإلا لما أثرت الموضوع. نحن هنا في مدينة صغيرة وليس لنا إمكانيات كبيرة، كان من المفترض أن أرسل لك شرطيا مدنيا متمرسا ويعرف كيف يعالج هذه الأمور. فقلت له : إذا ليس صاحب القهوة هو الذي أدلكم على سبب ومكان وجودي ؟ فقال وهو يضحك: لا لا لا، السيد يوسف، لالا .. لا علاقة له بالأمر، بالعكس إنه رجل لا يحب الشرطة ورفض التعاون معنا، ولا يحبنا حتى كزبائن في ملابس مدنية، لا يا سيدي، أنا أيضا سميع عليم، ولدي عيون وآذان في كل مكان، نعرف كل خطوة خطوتها منذ وصولك للمدينة ولا حاجة لنا بأصحاب الدكاكين أو المقاهي. وواصل وهو يمسح بيده على الملف: هنا يوجد كل شئ عنك وعن الجريدة وعن نشاطاتك الأخرى، واستدعيتك فقط لتحذيرك، أكتب ما تشاء، فنحن نعيش والحمد لله في بلد حر وديموقراطي، فقط تجنب الكتابة عن السلطة والحكومة وعن الفقراء والأغنياء، وتجنب الكتابة عن الله والدين وكل هذه الأشياء التي لا تفيدك في شئ، الأمر في غاية البساطة. لا تتدخل في السياسة وكل شئ سيسير كما ينبغي .. وبدأت أشعر بما يشبه الدوار والرغبة في القيء ولم أعد أميز الكلمات التي تخرج من بين شفتيه وأسنانه والتي تبدو الآن مبللة باللعاب ويخيل إلي أنها تتطاير في المكتب في جميع الإتجاهات حينما سمعت طرقات بعيدة على الباب ثم صوت قوي أعرفه : القهوة يا أستاذ.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانيةَ عَشْرَةَ
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الحاديةَ عَشْرَةَ
- عن السماء وفلسفة الكون
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة العاشرة
- درع آشيل
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة التاسعة
- بوادر الفكر الفلسفي
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثامنة
- أين ظهرت الفلسفة ؟
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السابعة
- -الجامع- الأغريقي
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السادسة
- عودة للبداية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الخامسة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة
- العدمية كمحرك للإبداع
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأولى
- لون السماء


المزيد.....




- جوائز الدورة الـ 11 من مهرجان -أفلام السعودية-.. القائمة الك ...
- ما الذي نعرفه عن العقيدة الكاثوليكية؟
- روسيا ترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لأفغانستان لدى موسكو
- فيلم Conclave يحقق فقزة هائلة بنسب المشاهدة بعد وفاة البابا ...
- -تسنيم-: السبت تنطلق المفاوضات الفنية على مستوى الخبراء تليه ...
- مصر.. الحكم على نجل فنان شهير بالحبس في واقعة قتل ومخدرات
- -فخّ الهويّات-.. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء ...
- -هيئة الأدب- تدشن جناح مدينة الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي ...
- وزارة الثقافة الروسية: فرق موسيقية روسية ستقدم عروضا في العا ...
- وفاة الفنان المصري عبد المنعم عيسى


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأخيرة