|
نشيد الموت: دكناتوريات تطارد الشعب
مزهر جبر الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 12:24
المحور:
الادب والفن
نششيد الموت: دكتاترويات تطارد الشعب«وليمة لأعشاب البحر» للسوري حيدر حيدر؛ متميزة في سرد تاريخ الأنظمة العربية، في الظلم والاستبداد. تبدأ من المحطات النهائية، في روي تتداخل فيه الأزمنة والأمكنة والأحداث ومجرياتها، ومفاعيل الشخصيات في تحريكها، وما آلت إليه أوضاعهم. سردية بارعة، لغة مدهشة ومكتنزة بالإشارات والعلامات والرموز. تأخذنا إلى أحداث بعيدة، بعدا مكانيا وزمانيا. مهدي جواد ومهيار الباهلي، شخصيتان محوريتان؛ يستذكران بوجع وألم، كل واحد منهما على انفراد؛ ما حل بهما من ضياع وتيه، في تدفق حزين، يتفجر من خزان الذاكرة، في لحظات هاربة من الواقع إلى واقع آخر، كان يوما مفعما بالثورة والأمل في تغييره؛ إنما هو الآن نأى عنهما كما النجم البعيد في السماء المعتمة العميقة، يفرضه عليهما؛ إحساسهما الداخلي بفقدان الوطن والأحبة والرفاق الذين ماتوا أو اختفوا. تجمعهما محطة المنفى الجزائري، تاليا لفراقهما وهما يهربان من الموت. في مدينة بونة الجزائرية، مدينة تتوسط البحر، تحيط بها الغابات؛ يقوم مهدي جواد بإعطاء دروس في اللغة العربية لآسيا الخضر، ابنة أحد ثوار الثورة الجزائرية، نتيجة وشاية؛ يستشهد على يد الجيش الفرنسي الغازي. يتعرف مهدي جواد، من خلالها على ما حل بالعائلة. الأم لالا فضيلة الخضر، بعد استشهاد زوجها وطرد الغزاة؛ تتزوج من يزيد ولد الحاج، أحد أباطرة المال والتجارة الذين برزوا أو ظهروا في (الحكم الوطني) لكنها تظل متعلقة وجدانيا بزوجها الشهيد سي العربي الخضر (تقول شيئا في أوقات الشجن وهي تناكد الرجل المزور ضد الأسطورة: سي العربي لخضر حي فينا. دمه دمنا وروحه روحنا. هو الذي لا يموت. رائحته في الأشياء. ثيابه ساعته، صورته، خاتم الزواج. مفاتيح البيت القديم، كلها ملفوفة في علم جبهة التحرير التي خاطته ماما قبل استشهاده وما يزال محفوظا حتى الآن في صندوق عرس ماما) يتعامل مع الزوجة والابنة بطريقة قاسية جدا. وهي إشارة او دلالة على طغيان نظام الحكم الذي انتجته ثورة المليون شهيد، وحنين جيل الثورة إلى شعارات الوطنية والإنسانية التي رفعتها الثورة، التي لم يعد لها وجود، بل ما موجود؛ الضد منها تماما. مهيار الباهلي يلتقي في بونة، فلة بو عناب، واحدة من مناضلات الثورة الجزائرية، بعد نجاح الثورة، وإقامة (الحكم الوطني..) تم إهمالها ووضعها على قارعة الطريق، في بيت يقع في ضواحي المدينة. بنتيجة الإحباط وتقدم العمر بها، وبقايا الحس الثوري في أعماقها المخذولة، وكتعويض عن الضياع، وفي محاولة لاسترداد الروح الثورية التي فقدتها في حياتها، رغم أنها لم تعد تؤمن بها، كما كان عليه حالها أثناء الثورة؛ أخذت تستقبل كل الهاربين من شرق الوطن العربي، كي ينجوا من حفلات الدم التي تجري يوميا في ممرات الظلام لهذه الأنظمة. تستقبل مهيار الباهلي الذي ظل إلى الآن، يحلم بالثورة، رغم المقتلة التي حلت برفاقه أمام عينيه؛ حيث كان، الوحيد الذي نجا من تلك المذبحة. تتعرف لاحقا على مهدي جواد عن طريقه. الإنسان في أوطننا العربية؛ لا يتنفس هواء الحرية، ولا هواء الحياة، يتنفس مجبرا؛ الصمت والخنوع والانبطاح. من يعارض؛ مصيره السجن، أو الموت غيلة، أو يتدلى رأسه من على عود المشنقة، أو يهرب إلى المنافي. هذا ما جعل الحياة العربية؛ صحراء قاحلة، الموت فيها يترصد الإنسان كل لحظة، وفي كل مكان وزمان. هذه الأنظمة بديكتاتوريها؛ صارت الحرية فيها والحياة والكرامة، أحلاما بعيدة المنال. حتى الأحزاب وقوى اليسار العربي، الأممية والقومية، على الرغم من أنها قارعت بصدق وتفان النظام الرسمي العربي، وقدمت تضحيات كبيرة على دروب الحرية، إلا أنها هي الأخرى ساهمت مساهمة كبيرة في تقديم العون لأنظمة التجبر، من حيث لا تقصد؛ بوضع أداوت ناجعة في يد هؤلاء الجبابرة؛ لمقاتلتها بنجاح. سرديتها لم تكن واقعية ولا موضوعية، سرديات مثالية، سرديات يوتوبية؛ إضافة الى اختلاف الرؤى والأفكار التي قادت للانقسامات، ومحاربة بعضها بعضا، ما جعل نضالها يتعثر ويصاب لاحقا، بالإخفاق والفشل الذريع. في أهوار العمارة وأهوار ذي قار؛ أسس مجموعة من الشيوعيين؛ قواعد للكفاح المسلح، من جماعة القيادة المركزية، جماعة عزيز الحاج الذي انشق عن الحزب. في استنساخ لتجربة الصين وكوبا وجيفارا، في واقع موضوعي مختلف كليا؛ لجهة الأرض وتضاريسها والناس ودرجة النضج السياسي للناس في تلك الأصقاع النائية ( اخي مهيار. اسمع. انا رجل بسيط غير متعلم لا أفهم في التيك والتاكتيك. اللي أفهمه إني شيوعي فقير لا أملك شيئا..)، وطبيعة النظام الذي صادف استلامه للسلطة مع بداية انطلاق تجربة الكفاح الشعبي المسلح، ببراغماتية طروحاته في لملمة القوى والأحزاب، في مقدمتها الحزب الشيوعي، اللجنة المركزية، وتحكمه لاحقا، بجميع مفاصل الحياة في تلك البقاع البعيدة؛ ما أدى إلى أن تفشل هذه التجربة فشلا ذريعا.. (سيقول خالد زكي المسؤول السياسي عن قيادة القاعدة للرفاق، إن التناقضات في الحزب لم تحسم بعد.. علينا أن نضغط من هنا ليولد الحزب بقوة البنادق بعيدا عن انتهازية المدن.. العراق من شماله الى جنوبه لابد ان تُضاء النيران في سماواته المظلمة.
الإنسان في أوطاننا العربية؛ لا يتنفس هواء الحرية، ولا هواء الحياة، يتنفس مجبرا؛ الصمت والخنوع والانبطاح
ظافر،» خالد زكي، ظافر الاسم الحركي» الرجل النحيل، الذي موهوا شعره الاشقر وشاربيه فطلوها بالسواد ليتجانس شكله مع البيئة والملازم في الجيش الحكومي ببزته العسكرية الجديدة، هذا، المأخوذ بتجارب الثورات التي قرأ عنها وانتفاضات أمريكا اللاتينية، يتحدث ويهجس بمسيرة ماو). يُقِتل ظافر مع جميع رفاقه إلا مهيار الباهلي، الناجي الوحيد من مجزرة هور الناصرية. بعد عدة سنوات ترسو سفينة مهيار الباهلي مع سفن أخرى تحط مرساتها تباعا وهي تحمل مجموعة من العراقيين والعرب الآخرين الفارين او الهاربين من بطش الأنظمة العربية، في بونة الجزائرية. مهدي، حسان، ذو نون، كاظم ومهيار، وهم يعانون من الغربة والاغتراب وضياع وطن، صار بعيدا، فقدوا بوصلة الطريق إليه. يلتقون في الجزائر. فقدوا القدرة على التفكير، أو إنهم صاروا على يقين؛ التفكير لم يعد له معنى، في ظل أنظمة لا تريد لأحد من الناس أن يفكر بما هو فيه، أو بما الوطن فيه، أو أن أي تفكير في المصائر أصبح عبثيا في أجواء ملغومة ومحكومة بقوة النار والحديد، يعلوها ضباب من الخوف والرعب الثقيلين اللذين يدفعان الإنسان إلى اليأس والإحباط «ما دام هناك من يقول لك: استرح أنا أفكر عنك لماذا تتعب نفسك بالتفكير؟) في بونة الجزائرية يلتقون بأناس أكثر إحباطا وألما منهم، أو أن الجميع متساوون لما تعرضوا له من تهميش ومن استبداد ومن مصادرة للعقل، حتى لم يسلم من هذا، أبناء أو بنات الثوار الذين استشهدوا على الدروب الوعرة والدامية التي انتهت باستقلال الجزائر؛ من التهميش في أحايين، ومن الاضطهاد في أحايين أخرى «المدينة وإدارة المستشفى والجبل.. كانت تتحدث عن حكاية عمر حياوي، الذي فرّ من المشفى الذي اعتقل فيه من قبل الجيش الفرنسي، بعد أن ذبح خمسة من الحراس وجردهم من أسلحتهم وحملها إلى الثوار في الجبل. اكملي يا اسيا الحكاية. ما عدت نقدر نكملو. الغصة في الحلق، حكاية غريبة. يسأل مهدي جواد في فسحة الصمت الجليل عن أحوال عمر حياوي اليوم فيأتي الجواب كبهقة البرق المبهر. الأحداث خلخلت نصف عقله.. تعقب لالا فضيلة: منذ عام طلق زوجته، والآن لا هم له سوى الانتقال من حانة إلى حانة» تنتهي الرواية بالمقطع التالي، الذي يترجم بمهارة ما صارت إليه، الشعوب العربية في ذلك الوقت تحت نير وظلم أنظمة النظام الرسمي العربي بلا استثناء، وتعاون هذه الأنظمة في محاربة المعارضين وإن كانوا ضيوفا. هذا الاستبداد؛ ولّد، أو هو ما أنتج لنا ما نحن فيه من تشظٍ وتمزق لا نظير له في الكون. «اهلا سي مهدي. ادخل. على العتبة يسأل عن مهيار تقول فلة: أخذوه في المساء الفائت. تقول ذلك وهي على أبواب الانهيار ثم تقول أشياء غاضبة و…. عن الكلاب والحلاليف وسهرها الليلي بانتظار عودته). المقال نُشر قبل يوم في القدس. تفضلكم بالنشر. دمتم بخير.
#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق: تفكيك مأزق تشكيل الحكومة ام الذهاب الى انتخابات مبكر
...
-
ايران وامريكا: ابرام الصفقة النووية ام المواجهة؟
-
العراق: قراءة في مأزق تشكيل الحكومة
-
العراق: ازمة تشكيل الحكومة؛ السبب الحقيقي
-
الهند: تداعيات الحرب في اوكرانيا
-
الاستراتيجية الصينية.. امتلاك جميع عناصر وعوامل القوة والقدر
...
-
السعودية: تداعيات الحرب في اوكرانيا
-
الصين: تداعيات الحرب في اوكرانيا
-
الحرب الروسية الامريكية على الاراضي الاوكرانية: صراع كوني عل
...
-
القوى العظمى والكبرى: أعادة انتاج وتدوير لمواقع القوة والاست
...
-
القوى العظمى والكبرى: اعادة انتاج ةتدوير لمواقع القوة والاست
...
-
القضية الفلسطينية: منصة لتجميل وجوه الانظمة العربية
-
الحرب الروسة الاوكرانية، وزيارة الرئيس السوري: قراءة مختلفة،
...
-
روسيا واوكرانيا: ماذا والى اين
-
حلمٌ بانتظار الشروق
-
عالم ما بعد الحرب في اوكرانيا، لن يكون عالم كما قبلها
-
الغزو الروسي لأوكرانيا في ظل التحولات الكبرى في العالم
-
ايران- امريكا: العودة الى العمل بشروط الصفقة النووية
-
الضمانات الامنية: سباق تسلح وحرب باردة
-
روسيا- امريكا: الضمانات الامنية ماذا والى اين
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|