|
نقض برهان الحركة والزمن لدى أرسطو
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 7296 - 2022 / 7 / 1 - 17:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعدما إنتقدناه في مفهوم المادة ، العلة المادية ، وإنتقدناه في مفهوم الصورة ، العلة الصورية ، من الأساس أن ننتقده في مفهومه عن الحركة ، وبرهان الحركة . المقدمة الأولى : لكي ندرك حقيقة مفهومه عن الحركة ، من الضروري أن ندرك حقيقة فهمه لما سماها العلل الأربعة ، وهي علة المادة ، علة الصورة ، العلة الفاعلة ، العلة الغائية . وفي البداية لابد من أن نقدم تعريفه عن العلية أو العلة . والعلة هي العلاقة البنيوية مابين شيئين ، هي العلاقة الوجودية التي بحسبها يعتمد الشيء الثاني في وجوده كلياٌ على الشيء اللأول ، فلولا الأول ماكان الثاني ، ومن الشروط الموضوعية أن يكون الأول منفصلاٌ عن الثاني ، لذلك فإن مفهوم العلة الداخلية مرفوضة لدى أرسطو ، فالعلة هي العلية مابين شيئين منفصلين في وجودهما ، ولايكفي موضوع الإنفصال بل لابد من يكون الثاني لاحقاٌ في وجوده عن الثاني ، أي حدوث المعلول وتبعيته للعلة حدوثاٌ ووجوداٌ . وفيما يخص تلك العلل الأربعة فلا مندوحة من التالي : النقطة الأولى إن أرسطو يرى إن المادة أزلية وكذلك الزمن المرتبط بالحركة ، فهذه العناصر الأزلية الثلاثة ، المادة والزمن والحركة ، هي محور تصور أرسطو للكون . النقطة الثانية إن المادة هي علة كل الأشياء ، هي العلة التي بها تكون الأشياء أشياءاٌ ، فلولا المادة ماكانت . النقطة الثالثة إن العلة الصورية هي العلة الخاصة بكل شيء ، والتي بها يكون الشيء هو عين ذاته ، والتي بدونها يستحيل وجود هذا الشيء بعينه . النقطة الرابعة إن العلة الفاعلة هي العلة التي تتصرف في المادة ، العلة المادية ، لتصنع منها ومن خلالها ذلك الشيء وفقاٌ للعلة الصورية . النقطة الخامسة لابد من العلة الغائية لكي يكتمل وجود الأشياء من حيث منطقها ، أي منطق الهدف منها . المقدمة الثانية : ويزعم أرسطو إن للحركة أنواع أربعة ، حركة الكون والفساد : فالكون هو تكون الأشياء والفساد هو تفسخ الأشياء فبهما تظهر أشياء إلى الوجود وتفنى أشياء ولو بصورة جزئية ، وهي حركة في مضمون الجوهر . وحرك الإستحالة أي تحول شيء إلى شيء جديد ، أي تحول من كيف إلى كيف جديد ، فالإستحالة مفردة قديمة تعني التحول بمفهوم اليوم وليس الإمتناع . وحركة النمو والنقصان وهي حركة في الكمية بعكس الحركة السابقة التي كانت في الكيف . والحركة الرابعة وهي حركة النقلة أي التنقل من إلى . المقدمة الثالثة : وإلى جانب المقدمتين السابقتين ، ثمت المنطق الشكلي أو الصوري لأرسطو ، الذي حسبه إن الهو هو ، وهذا هو مبدأ الهوية ، فالشيء هو عين ذاته منذ المنذ إلى منذ المنذ . ويستنبط من هذا المبدأ ، مبدأين أثنين هما ، مبدأ عدم التناقض الذي صيغته هي : هو لايمكن أن يكون ليس هو ، ومبدأ الثالث المرفوع وهو الذي ينفي وجود أي إحتمال ثالث ممكن ، فالشيء هو هو ، وهو لايمكن أن يكون ليس هو . وهذا المنطق الشكلي يفضي بنا إلى الأمور الثلاثة التالية : الأمر الأول إمتناع الحركة الداخلية من حيث إن تكون علة أو أن تفضي إلى ماهو غاية ، أي إن الحركة لدى أرسطو هي خارجية سواء في موضوع العلل الأربعة ، سواء في موضوع الأنواع الأربعة للحركة . الأمر الثاني إن العلة الصورة ليست مرتبطة بنيوياٌ كما يفهم عادة بالذات الداخلية ، أي إن الشيء هو ذاك الشيء في ذاته الداخلية ، لإنما أصبحت العلة الصورية مرتبطة فقط بالذات الخارجية ، بالشكل الخارجي ، بالرؤية البصرية . الأمر الثالث إن العلة الفاعلة هي العلة التي تفسر البيان الفلسفي لأرسطو من خلال مفهوم إنها العلة مابين شيئين منفصلين ، الأول هو علة الثاني سواء في الوجود أو في الحركة . المقدمة الرابعة : أما في موضوع الحركة وبالتناقض مع بعض أطروحاته ، يؤكد أرسطو إن الإله لايعقل إلا ذاته ، ولايعقل ما هو أدنى من ذاته ، فهو لايعقل الحركة ولا الزمن لذلك : من زاوية يؤكد إن الحركة والزمن ليس لهما أول ، فهما أزليتان ، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لأقتضى ذلك حدوث سبب راجح يحدث الحركة والزمن ، وهذا يتعارض مع دلالات الذات الإلهية . وإذا كانت الحركة والزمن أزليتان فماهي العلاقة الموضوعية مابينها ومابين الإله في مسألة القدم : إن الإله يسبقهما في الفكر وليس في الواقع والحدوث كما تسبق المقدمة النتيجة . ومن زاوية إن الإله لايدفع العالم إلى الحركة دفعاٌ ، كما إنه لايخلقها ، إنما العالم هو الذي يتحرى شوقاٌ إلى الحركة من خلال جوهر الإله ، كما يتحرى العاشق إلى المعشوق عشقاٌ ، أي إن الإله ليس علة الحركة كما هي العلاقة مابين العلة والمعلول ، كما هي العلاقة مابين الخالق والمخلوق . ففي حالة العلة والمعلول وفي حالة الخالق والمخلوق ، فإن العلة تسبق المعلول ، والخالق يسبق المخلوق ، وهذا ما يتعارض مع أزلية الحركة من حيث المبدأ . ومن زاوية ولكي ينسجم أرسطو مع إطروحاته ومن حيث الشكل لا المضمون ، فإنه بفترض فرضية حسبها إن الإله قد وضع الأجرام والأفلاك السماوية في مسار دائري كي لايكون للحركة أول ولا آخر ولكي تبدو ذات ديمومة مستمرة ، وثبت الأرض في وسط الكون وجعل الشمس تتحرك حسب هذه الحركة الدائرية حولها بصورة أبدية . المقدمة الخامسة : وأما في موضوع برهان الحركة والزمن ، وفي الأصل ، ينطلق أرسطو من فكرة إن الزمن أزلي بالمطلق ، فلا زمن قبل الزمن ، ولا زمن بعد الزمن ، ولا أنة قبل الأنة ، ولا أنة بعد الأنة ، فالزمن غير محدث ولاحادث ، وبما إن الحركة ، في تأصيلها ، مقياس للزمن ، ولاتنفصم عنه بنيوياٌ فهي أزلية مثله . والحركة الأزلية هي في حقيقتها ، إضافة إلى كونها مقياس للزمن ، هي حركة الأشياء ، حركة دائرية لا أول لها ولا آخر ، حركة يمتنع فيها أن تكون علة نفسها لإنها ، وحسب أرسطو ، حركة معلول في ذاته ، وهكذا يتحول مفهوم الحركة إلى معلول في الأشياء ، أي إلى شيء متحرك . والشيء متحرك يلزم وجود محرك ، ولابد من محرك لهذا المحرك ، ولابد من محرك آخر يحرك هذا الأخير ، وهكذا ، فلامناص من ثلاثة فرضيات ، إما تسلسل لا نهائي للمحركات ، وإما تسلسل في الدور ، وإما بطلان التسلسل والدور معاٌ لنحصل على محرك هو أساس كل ماهو متحرك . ففي الفرضية الأولى ، من المستحيل أن نحصل على المحرك الأول لإننا نحصل فقط على المتحركات ، وهذا لايحل أس مبنى الحركة . وفي الفرضية الثانية ، من المستحيل أن نحصل على المحرك الحقيقي ، فالأول يعتمد على الثاني ، والثاني يعتمد على الأول وهكذا دواليك ، وهكذا نكون إزاء فرضية باطلة غير منطقية . وفي الفرضية الثالثة وببطلان التسلسل والدور ننتهي إلى المحرك الأول الذي هو الإله . وهنا يفترض أرسطو إن المحرك الأول محركان ، المحرك الأول هو السماء الأولى والذي هو متحرك ويقابل من حيث التماثل إله أفلاطون لإن إله أفلاطون هو إله متحرك ، والمحرك الثاني هو الإله ، هو إله أرسطو ، الإله الذي لايتحرك . المقدمة السادسة : ثمت جانب آخر يتعلق بالمقدمة السابقة وهو مفهوم الحركة والصيرورة ، والمتعلق بدوره بمفهوم الوجود بالفعل والوجود بالقوة ، إذ يقسم أرسطو الموجودات والوجود إلى : وجود بالفعل وهو الوجود الأزلي المتحقق منذ المنذ ، أي الوجود خارج الصيرورة ، أي الوجود الذي لايتحرك من حيث المبدأ والأساس ، وهو وجود الإله . وإلى وجود بالقوة وهو الوجود الذي تسعى الصيرورة أن تكتمل في كينونته من خلال الحركة ، فالنبتة هي وجود بالفعل من حيث هي نبتة ، وهي وجود بالقوة من حيث هي ستصبح شجرة ، المولود هو وجود بالفعل من حيث هو طفل مولود ، وهو وجود بالقوة من حيث هو رجل مثلاٌ . والجدير بمعرفته إن المحرك الذي لايتحرك ، إله أرسطو ، هو الذي يمنح الحركة في الصيرورة لهذا الشيء المتحرك . نكتفي بهذا القدر ، ونعترض بالآتي : أولاٌ : ثمت كذبتان فلسفيتان إبتدعتهما الفلسفة اليونانية وإعتمدتهما الفلسفة الإسلامية : الكذبة الأولى تتعلق بموضوع إن الإله يسبق ماهو قديم في الفكر كما تسبق المقدمة النتيجة ، وكإن الفكر شيء وجودي مستقل خاص به ، يجوب في الآفاق بحده وحدوده وخواصه ولاعلاقة له بالإنسان أو بالإله ، أي هو مثل الشمس والقمر والشجر . ثم من ناحية ثانية لا أدري كيف تسبق المقدمة النتيجة ، وهل توجد نتيجة بحكم الضرورة مرهونة بالمقدمة ، وكإن النتيجة معلول لعلة هي المقدمة ، وهل الإله هو المقدمة ، والزمن والحركة هما النتيجة . ومن ناحية ثالثة فإن من يسبق الآخر يسبقه بحكم التعريف وبحكم الضرورة في الإنطولوجيا ، في الوجوديا ، وإلا لكنا ، على الأقل ، إزاء أشياء لاعلاقة لها ببعضها لإنها كلها أزلية قديمة ، والأزلي والقديم مستقل تماماٌ ، في وجوده ، في خواصه ، في كينونته ، في كائنيته ، عن أي شيء آخر ، أزلي كان أم ليس . الكذبة الثانية تتعلق بموضوع إن الإله أو أي شيء آخر أزلي قديم ، وكإن هؤلاء يدركون ماهو أزلي قديم ، وفي الأصل هم يسعون لتفادي إشكالات بشرية تتراهن على الفرضية المخالفة لما هو أزلي قديم ، وفي الحقيقة إن وجود الشيء ، كائناٌ من كان ، لاينبغي أن يفرض علينا التساؤل التالي : هل هو أزلي قديم أم ماذا . أضف إلى ذلك لو سايرنا أرسطو وغيره من فلاسفة الإسلام في نفس طابع تفكيرهم ، لقلنا لهم لو كان الشيء أزلي أبدي ، لو إن الحركة أزلية أبدية ، لو إن الزمن أزلي أبدي ، لو وجد إله أزلي أبدي ، ما كنا الآن في هذه الأنة ، وكان لدينا هذا الحاضر ولا المستقبل ، بل حتى الماضي ، فالأزلي القديم يصادر الأنة في الآن ويصادر الحضور الوجودي الإنطولوجي في الحاضر والمستقبل وحتى الماضي ، ويلغي تماماٌ مفهوم الماقبل والمابعد حتى في الحضور الوجودي الإنطولوجي . ثانياٌ : أما فيما يخص مفهوم الحركة والزمن ، فنحن إزاء فرضيتين لا ثالثة لهما ، الفرضية الأولى إن الحركة ، مثل الزمن ، مجردة مطلقة مستقلة غير مرهونة في وجودها لأي كائن ، فالحركة هي الحركة كما إن الزمن هو الزمن ، أي إن الحركة موجودة ليس لإن الأشياء تتحرك ، وكذلك الزمن موجود ليس إن حركة الأشياء تدل على ذلك . الفرضية الثانية إن الحركة ليست موجودة في ذاتها ، في كائنيتها ، إنما هي الأشياء التي تتحرك ، والزمن ليس موجوداٌ في ذاته ، في كائنيته ، إنما هي الأشياء التي تتزمن . وضمن هذه الفرضية نحن أمام إحتمالين ، الأول أن تكون الحركة باطنية داخلية تعبر عن كينونة الأشياء ، عن العلة الصورية لها في حدود إن هذه العلة تحدد هويتها . والثاني أن تكون الحركة خارجية دفعية . في الفرضية الأولى تكون الحركة هي مصدر وجودها ، وليست الأشياء ، ونفس الشيء ينطبق على الزمن . وفي الفرضية الثانية وضمن الإحتمال الأول تكون الأشياء هي مصدر الحركة والزمن . وفي الفرضية الثانية ضمن الإحتمال الثاني يكون مصدر الحركة مستقل عن الحركة وعن الأشياء ، أي إن مصدر الحركة هو العلة الفاعلة . وفي الأصل إذا صدقت الفرضية الأولى ، أي أن تكون الحركة مجردة في ذاتها وكذلك الزمن ، فإن الإله سيكون مشمول بهما ، أي سيكون الإله متحركاٌ وخاضعاٌ للزمن ، وهذا ما يرفضه أرسطو . وإذا صدق الإحتمال الأول في الفرضية الثانية ، أي ان تكون الحركة هي حركة الأشياء ، حركة الأشياء التي تتحرك ، وحركة الأشياء التي تتزمن ، فإن العلاقة تغدو مابين هذا الإله ونلك الأشياء وليس مابين الإله والحركة والزمن ، بمعنى إن برهان أرسطو يتحول إلى وجود تلك الأشياء قبل وجود الحركة والزمن فيها . وإذا صدق الإحتمال الثاني في الفرضية الثانية ، أي إن تكون الحركة خارجية دفعية ، وأن يأتيها الزمن من الخارج ، فهنا تبرز ثلاثة إشكاليات : الإشكالية الأولى إن الحركة بهذا الشكل هي حركة في النقلة والتنقل وليس حركة في الكون والفساد ، وليس حركة في الكم ، وليس حركة في الكيف . الإشكالية الثانية إن الحركة بهذا الشكل تفرض نوعاٌ من العلاقة مابين العلة والمعلول لإن هذا الشيء وقبل حصوله على الحركة كان فاقداٌ لها . وأرسطو يرفض أن يمنحه الحركة من خلال إلهه إلا من خلال وضعه في المسار الدائري . الإشكالية الثالثة لو فرضنا جدلاٌ إن الإشياء كلها تدور في مسار دائري ، وإن الإله قد وضعها في تلك المسارات ، لكن إستمرارية الحركة وإستمراريتها في تلك المسارات ليست نتيجة وضعها فيها فقط ، إنما لابد من نظام عام يتحكم في كل تلك المسارات ، ومن الواضح إن أرسطو كان يجهل موضوع الجاذبية فبدى له وكإن الإله هو الذي يتحكم في حركتها . ثالثاٌ : لو كانت الحركة قديمة كما يدعي أرسطو فيلزم من ذلك ألا تكون مرهونة إلا لذاتها ، وهذا يتعارض مع جملة إطروحات أخرى : التعارض الأول : يدعي أرسطو إن الحركة في الأشياء هي في إتجاه الإله ،هي مثل حركة إشتياق العاشق لمعشوقته ، فلولا المعشوقة ماكانت الحركة ، وهذا يلزم إن لولا الإله ما كانت الحركة ، فكيف يمكن لها ، إذاٌ ، أن تكون قديمة . التعارض الثاني : هل الأشياء هي التي في الحركة ، أم إن الحركة هي في الأشياء ، أي هل الحركة ، لإنها حركة ، تحرك الأشياء ، أم إن الأشياء ، لإنها أشياء وفق طبيعتها البنيوية ، تتحرك وتخلق حركتها الداخلية الباطنية كما تخلق حركتها في الخارج . فإذا كانت الحركة قديمة فإن الأشياء لابد أن تكون محلها ، أي محل الحركة ، أي إن الحركة تحل في الأشياء حلولاٌ ، وهذا يصادر مضمون العلة الصورية لدى أرسطو التي ، من زاويتها ، تحدد ذاتية الشيء وتحدد حركته في الباطن وفي الخارج . التعارض الثالث : لو كانت الحركة قديمة وهي تحل في الأشياء حلولاٌ ، فكيف يتسنى لنا ولأرسطو أن نستنتج من مفهوم المتحرك مفهوم المحرك غير الحركة ، أي كيف أدرك أرسطو إن الإله وهو المحرك المقصود طالما إن الحركة هي التي تحرك المتحرك . رابعاٌ : في علاقة المتحرك بالمحرك ، يزعم أرسطو إن الحركة موجودة ، وإن الأشياء تتحرك ، فلابد من محرك ، ومن محرك يحرك هذا المحرك ، إلى أن نبلغ محركاٌ لايتحرك . إن هذا الأساس في برهان الحركة والزمن متناقض مع أصليته وأصالته الإطروحية ، لإن المتحرك الثاني لايمكن له أن يحرك المتحرك الأول تعريفاٌ وحسب منطوق أرسطو نفسه ، وكذلك لايمكن للمتحرك الثالث أن يحرك المتحرك الثاني ، فالمحرك الوحيد ، والوحيد فقط ، والذي هو إله أرسطو هو الذي من المفروض أن يحرك كل المتحركات لذلك : من زاوية : فما ذهب إليه أرسطو من مفهوم التسلسل وفي مفهوم الدور ليس إلا أمراٌ نظرياٌ بحتاٌ ولايتمتع بأية مصداقية في المنطق أو في حيثيات الإستنتاج . ومن زاوية : قد يعترض البعض ، وهذا يبان جزئياٌ من أصل التحليل المنطقي ، إن أرسطو إنما عالج الموضوع لكي تتضح الفكرة ويبلغ المقصود وهو الدلالة على وجود إله للكون من خلال مفهومي الحركة والزمن ، إلا إن هذه الأمر غير دقيق وغير صائب ، لسبب بسيط هو إن إرسطو قد إعتمد فعلاٌ على إن المتحرك الثاني يحرك المتحرك الأول ، وإن المتحرك العاشر يحرك المتحرك التاسع ، لذلك تهرب من تلك الدلالة عند الإله حينما نفى عنه مفهوم الحركة وجعله محركاٌ غير متحرك على الإطلاق ، ولم يدرك إنه قد وقع في مصيدتين أثنتين : المصيدة الأولى إن الإله ، وطالما هو ليس متحركاٌ ، لايملك الحركة كخاصية فيه ، أي لايتمتع بأي مدلول حتى نسميه بالمحرك ، لإنه يحرك الآخرين دون أن يتحرك ، وهذه إشكالية عظمى . المصيدة الثانية في الفعل الأصلي إن الإله لايحرك الأشياء حسب المفهوم النظري لأرسطو ، إنما هي الأشياء التي تتجه نحوه كما يتجه العاشق نحو المعشوقة وهذا يشكل ثلاثة تناقضات : التنقض الأول : كيف تسنى للأشياء ان تتجه وتتحرك نحو كائن جامد ثابت غير متحرك . التناقض الثاني : إن الإله ينبغي أن يكون مركزاٌ للعالم ، أي في المركز المسافي له ، وإن العالم أو الكون أو الأشياء لاعلاقة لها بهذا الإله في وجودها ، وطالما هي مستقلة ومنفصله عنه ، فلماذا لاتكون هي مصدر حركتها الخاصة سيما ولايوجد أي سبب موضوعي كي تتلقى أساس حركتها من جهة هي لاتتحرك بالأساس . التناقض الثالث : حسب أرسطو إن الإله قديم وإن الحركة قديمة وإن الزمن قديم ، والقدم يفرض شرطه الوجودي على العلاقة فيما بين تلك الجهات ، ذلك الشرط الذي يمنع أن يتبع أحد الأشياء لأشيء آخر مهما كانت العلاقة ومهما كان موضوعها . خامساٌ : إن القول ، فقط مجرد القول ، إن المتحرك يحتاج إلى محرك يحركه هو مصادرة على أسباب المنطق الأرسطوي ، ومصادرة على أسس النظرية ، ومصادرة على إطروحاته الفكرية ، وذلك لسبب بسيط وهو إن الأشياء ، أي شيء كان ، سواء في المسنوى التزامني أم في مستوى التفارقي ، كانت في شيء من منذ ، ثابتة ، ثابتة لاحركة ، وبما إن إله أرسطو هو نفسه محرك لايتحرك ، كان الوجود ، كل الوجود ثابت غير متحرك ، أي إن اللاحركة قد سبقت الحركة في الوجود وفي الفعل ، وهذا مايقضي على كل مقدمات أرسطو . سادساٌ : وفي الأصل ، وحسب المنطق البشري ، لاحركة لاشيء ، ولاشيء لاحركة ، وهكذا نكون إزاء أمرين . الأول إن الشيء في حركته هو من الأشياء وليس واحداٌ من الأشياء ، وهذا هو مصدر نقضنا لمبدأ الهوية لدى أرسطو ، لإننا نستخدم مفهوم الواحد من الأشياء على صعيد التعامل البشري ، ولكي نتفاهم نحن البشر ، ثم هذا يشكل النواة الأصلية في نقضنا لمفهوم العلة الصورية لديه ، تلك العلة التي ، على الصعيد الكوني ، وفي حال وجودها ، ليست إلا مدلولاٌ تابعاٌ بالضرورة للعلاقة مابين الأشياء والوجود من خلال الحركة . والثاني إن الشيء ، وحسب مفهوم الأمر الأول ، لايتلقى حركته من الخارج ، أو من العلة الفاعلة إلا على صعيد القضايا الفيزيائية ، أو التأثير الفيزيائي ، ومن السخافة الإعتقاد بعكس ذلك . سابعاٌ : وفي الأصل ، وحسب المنطق البشري ، لاحركة لاوجود ، ولاوجود لاحركة ، لإن الثبات في الفعل هو لاشيء على المستوى الإنطولوجي ، واللاشيء هو لاشيء يمكننا تعقله ، وليس اللاشيء هو شيء لايمكننا تعقله ، وهذا هو مربط الفكرة في تحطيم موضوع برهان الحركة والزمان لدى ارسطو ، كما كان تحطيم أساس فكرة أينشتاين ، إن الشيء الوحيد في الكون هو سرعة الضوء ، 300000 كم في الثانية ، وفي الرؤية الميكروسكوبية لاشيء ثابت في حده ، وهو أساس نقضنا لفكرة أرسطو ، ولاشيء ثابت في حدوده وهو أساس نقضنا لفكرة أينشتاين . ثامناٌ : وفي الأصل ، وحسب المنطق البشري ، وبخصوص فكرة الإله ، فإن تحرك الإله تناقض ، وإن لم يتحرك تناقض . وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والعشرين بعد المائة
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض إرادة ومشيئة إله الكون
-
نقض قصة الإسراء والمعراج في النص الإلهي
-
النص الإلهي يبيح الزنا
-
نقض مفهوم الإله لدى إسبينوزا
-
نقض قصة آدم في النص الإلهي
-
نقض ماهية الشر في الإسلام
-
نقض مفهوم الشر لدى غوتفريد لايبنتز
-
نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي
-
نقض المرحلة الدينية لدى كيركجارد
-
نقض النسق الفكري لدى شوبنهاور
-
نقض الأحكام القبلية لدى كانط
-
نقض الروح الكلية لدى هيجل
-
نقض مفهوم الخلق الإلهي
-
نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي
-
نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي
-
نقض مفهوم النص لدى نصر حامد أبو زيد
-
نقض مفهوم السببية لدى الغزالي
-
نقض وحدة الوجود الشخصية لدى كمال الحيدري
-
النص الإلهي لايحرم الخمر
-
نقض المنظومة الفكرية لدى جون لوك
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|