وديع بكيطة
كاتب وباحث
(Bekkita Ouadie)
الحوار المتمدن-العدد: 7294 - 2022 / 6 / 29 - 14:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يخضع الجسد الإنساني بعد موته البيولوجي إلى العديد من الطقوس، تختلف طبقا لنوع التصورات التي تؤمن بها الجماعة، فكلما اقتربنا من الجماعات البرية ازداد غنى العادات والمعتقدات التي تشكل مرحلة أهم من حياة الإنسان ما بعد الموت.
يتركب الإنسان عند قبائل "السوازي" في جنوب إفريقيا من جسد ونَفَس متردد. ولا بد من تكريم كليهما بعد الموت، ولا سيما إذا كان صاحبها من الرؤساء ولذلك تحنط أجسامهم وتوضع جثة الملكة الأم في كفن من جلد ثور أسود. والموت عرض من أعراض الضعف في أسرة الميت، يضطرهم إلى مراعاة حداد طويل الأجل، ويفرض على الأرملة عزلة مدتها ثلاث سنوات. وأما الأرمل فيفرض عليه الحداد عاما واحدا عند وفاة زوجته الرئيسية، وشهرا عند وفاة الأخريات.
تزعم قبائل "الدجون" أن الروح تقيم بمسكن المتوفى حتى حفلة الذكرى الثانية للوفاة. فإذا تمت مراسمها تنتقل خارج القرية حيث تسرح وتمرح وتزور مرابع آبائها وأمهاتها، ثم تعود إلى حظيرة الأسرة فتمنح قواها الحيوية "النياما" إلى مولود جديد فيها. فتضمن للقبيلة بذلك الاستمرار والبقاء. وأخيرا تتجه صوب الشمال إلى الجنة "مانجا" Manga حيث تتمتع بالخلود تحت أفياء الأشجار في النسيم العليل.
تتقمص الروح أيضا عند "البامبارا" طفلا يسمى باسم سلفه، ويحمل كنيته وشعاره. ويعتقد "السارا"، كذلك أن روح جد الأسرة تحل في أحد أحفاده. ولكن ذلك ينشىء موقفا معقدا إذ لا يليق حينئذ أن يعيش الطفل مع أبيه تحت سقف واحد؛ فإن سلطانه يتعارض مع سلطة والده، وهو رب الأسرة. لذلك يجب أن يربي الطفل بعيدا عن بيت الأسرة. ونستطيع أن نقول بوجه عام أن أرواح الموتى تتمتع في نظرهم بموهبة الحلول في كل مكان: فهي توجد في العالم غير المنظور، وفي الوقت نفسه توجد عند القبور، وحول المحاريب، وتتقمص الأحياء، وتراقب سلوك الناس، ويمكنها أن تدعو إليها الأحياء، فإذا فعلت كان ذلك سببا في موتهم.
وتذهب روح الميت عند قبائل "الأشانتي" إلى مستقر الأرواح وهو يشبه إلى حد ما عالم الأرض، وعند قبائل "مندى" في السيراليون لا بد لروح الميت قبل الوصول إلى مستقرها أن تعبر بحراً أو تتسلق جبلا. وعالم الموتى منظم على غرار عالم الأحياء: فالذكورة والأنوثة، وعلاقات المودة، وأماكن الإقامة، كلها عوامل تحدد نوع الفريق الذي سيلحق به الميت بعد وفاته. (هوبير ديشان. الديانات في أفريقيا السوداء، ص 20.21).
#وديع_بكيطة (هاشتاغ)
Bekkita_Ouadie#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟