أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - شريط -أوهام- أوشباب اليوم والأحلام الموؤودة















المزيد.....

شريط -أوهام- أوشباب اليوم والأحلام الموؤودة


إبراهيم العثماني

الحوار المتمدن-العدد: 7294 - 2022 / 6 / 29 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


مقــــــدّمة:

أصبح واقع الشّباب المعطّل عن العمل مادّة خصبة تُغري السّينمائيّين الهواة بالإقبال عليها وتحفزهم إلى النّهل من معينها الثرّ ومقاربتها من زوايا مختلفة. وقد أنجز شبّان هواة أشرطة تطرّقت إلى أكثر من مسألة بأسلوب فنّي متميّز يختلف من شريط إلى آخر.
وقد استهوى هذا الواقع نادي السّينمائيّين الهواة بسوسة فكانت النّتيجة شريطا موسوما ب"أوهام" للمخرج ناجح شواري (جويلية2005) عالج من خلاله وضعا قوامه الإحباط والفشل، وبطلاه شاب وشابّة جمعتهما الدّراسة والحبّ والأحلام، وفرّقتهما البطالة فكان الانفصال وكانت القطيعة، وبين البداية والنّهاية مسيرة طويلة امتزج فيها الحلو بالمرّ والأحلام بالأوهام والحبّ بالفشل.

أحـــــــــــــــــداث لشّــــــــريط:

تفاعلت ثلاثة عناصر لتسهم في نجاح هذا الشّريط هي صوت راوية شجيّ ومؤثّر، وصورة حزينة لشاب وشابّة محبطين، وموسيقى هادئة تُشنّف الآذان وتُطرب الأسماع وتُخفّف من آلام النّفوس المتعبة. فالرّاوية تروي الأحداثَ، والصّورُ تترجم كلامها والموسيقى ترافقهما. وأوّل مشهد يقدّمه الشّريط هو صورة فتاة ذات"وجه كأنّه الصّبح في الحسن" تظلّله كآبة دكناء وتغشيه سحائب حزن سوداء بدت شاردة البال وهي واقفة أمام النّافذة ترنو إلى الأفق البعيد. وقد نقلت الرّاوية (هدى الصغير) ما يعتمل في نفس البطلة (إيمان الصغير) وما يدور بخلدها، وأكّدت أنّها تنظر إلى الدّنيا من خلال نفسها القلقة المأزومة أي تحاكم العالم الخارجي انطلاقا من عالمها الدّاخلي. وقد وقفت البطلة أمام النّافذة تستعيد تفاصيل صداقتها الفاشلة وتستحضر لحظات حبّها الخائب. فقد تعرّفت إلى صديقها (سيف الدّين غديرة) في الجامعة وجمعتهما الدّراسة والمحبّة، وتوطّدت علاقتهما هناك وتدعّمت بعد تخرّجهما في الجامعة. وقد وظّف المخرج صورا رومنطيقيّة للتّعبير عن لحظات سعيدة لا تُمحى عادة من ذاكرة العشّاق: مواعيد ولقاءات وخِلوة في حديقة عموميّة تقع قبالة بحر أزرق ممتدّ، حبّ وهمس وغزل وحديث عن المستقبل، وحلم بحياة قوامها الوئام والسّعادة، حياة يعكس صفاءها لباس الفتاة: قميص أبيض بياض نفوس العشّاق الطّاهرة البريئة، وتنّورة (jupe ) حمراء حمرة المحبّة الّتي تفيض بها قلوب المتيّمين. عاش المحبّان لحظات لا تُنسى وزّعا خلالها وقتهما بين الجلوس في الحديقة والجولان في ساحات المدينة وأنهجها، وأرادا أن يتوّجا هذا الحبّ بالزّواج، ولعلّ لسان حالهما كان يقول: سيُثمر زواجنا نسلا صالحا وذريّة مفيدة ستنفع البلاد والعباد.
وقرّرا تذليل الصّعوبات لتحقيق هذا الحلم المنشود، وأوّل عقبة كأداء اعترضتهما ووجب تذليلها هي العمل. فلا زواج قبل الشّغل، ولا حياة بدون شغل يوفّر المال ويحفظ الكرامة ويبعث الطّمأنينة في النّفس. وبدأت رحلة البحث عن العمل فكانت رحلة شاقّة مضنية. وقد تفاعل الصّوت مع الصّورة لترجمة وقائعها وإبرازعذاباتها، وتكرّرت المشاهد المعبّرة عن هذا البحث الدّؤوب، فكلّما التقيا كتبا مطالب وأرسلاها إلى مكاتب الشّغل والشّركات وعرّفا بشهائدهما (الأستاذية في الإعلاميّة وأيّ أستاذيّة !)، وإن تصفّحا الصّحف ركّزا على الإعلانات المتعلّقة بمواطن الشّغل، وإذا ما جلسا في مقهى من المقاهي عكست ملامحُهُما وأفعالهما التّوتّر والقلق: قهوة تُشرَبُ وسجائرُ تُحرقُ ومنفضة تملأ بأعقاب السّجائر. وهكذا دواليك: طرق لكلّ الأبواب واستعمال لكلّ الوسطاء، وإصرار على توفير الشّغل وتشبّث بالأمل لكن أضحى ذلك البحث لهثا وراء سراب خلّب.
وتُعلمنا الرّاوية أنّ اليأس بدأ ينتابهما وأخذ يتسلّل إلى نفسيهما تدريجيّا دون أن يفصحا عن ذلك وُيعلما بعضهما البعض. وهكذا بدأت علاقتهما تتأثّر بهذا الوضع وتُصاب بالفتور، وقرّرت البطلة عدم الرّدّ على المكالمات الّتي تتلقّاها. وقد كشف لنا أحد المشاهد تردّدها لمّا كان الهاتف يرنّ بجانب فراشها، وما إن أخذته حتّى وضعته بقوّة فكادت تكسّره بل إنّ الصّورة نقلت لنا مرّة أخرى وبالتّوازي مشهدين متباينين. فلمّا كان الشاب (سيف الدّين غديرة) في محلّ هاتف عمومي يخاطبها كانت جالسة على السّرير تستمع إلى رنّات الهاتف وتفرك يديها وقد بدت مضطربة مرتبكة ثمّ قرّرت، في آخر المطاف، عدم الردّ على هذه المكالمة.
ثمّ كانت بداية النّهاية والصّورة أصدق إنباء من الكلام. فقد جلسا في حديقة عموميّة فوق مقعد واحد صامتين كأنّ لسانيهما انعقدا ينظران في اتّجاهين مختلفين، فلا هوتملّى وجهها الصّبوح، ولا هي تفرّست في وسامته الجذّابة، وبقدر ما كانا قريبين كانا بعيدين، استرق كلاهما النّظر إلى الآخر في غفلة عنه وما إن التقت عيونهما الحزينة حتّى استدارت بسرعة. مشهد معبّر مؤثّرينبئ بقرب انفصام هذه العلاقة سيتدعّم في لحظة لاحقة بنزع البطلة القلادة الّتي زانت جيدها والإلقاء بها فوق الطّاولة، قلادة آية من آيات الحبّ ورمز من رموز الالتزام ومقدّمة لحدث أهم في حياتها. وهكذا تُتوّج هذه العلاقة بالفشل ويختفي الشابّ من حياة هذه الفتاة وتبدأ البطلة فصلا جديدا من حياتها. فقد ظلّت تجوب الشّوارع والأنهج المزدحمة بالمارّة وحيدة كئيبة تجرّ أذيال ا لخيبة. وهذه الأماكن الّتي مرّت بها والمسافات الّتي قطعتها جيئة وذهابا هي الآن شاهد على آمال توؤد وأحلام تُجهض وخيبات تتعاقب وانكسارات تتوالى. وبدت البطلة على"قلق كأنّ الرّيح تحتها" تضيق بها الأنهج ولا تسعها الأزقّة، هائمة على وجهها شاردة الذّهن شاخصة البصر، وجه شاحب فقد تورّده وقدّ ممشوق ثقُلت خطاه، لا شغل يملأ وقتها ولا حبيب يدغدغ مشاعرها ويرافقها في رحلة الحياة وأنّى لها ذلك وقد أضحى التّنائي بديلا من تدانيهما وناب عن طيب ا للّقاءات وحُلو المواعيد التّجافي والفراق بل إنّ الزّمن الّذي طالما أسعدها أنسا بقرب حبيبها قد عاد يُحزنها مثنى وثلاث ورباع.
ويُختمُ الشّريط بمشهد عميق الدّلالة. فقد وقفت البطلة في مفترق الطّرق حائرة لا تدري أيّ وجهة تتّخذ، فالخيبة تلفّها واليأس يطوّقها والحبيب هجرها والبطالة أمامها والفراغ وراءها. وهكذا أصبحت حياتها دورانا لا ينتهي وشجا يبعث شجا وفراغا يُسلِمها إلى فراغ.

خاتــــــــــمة:

هكذا نجح المخرج ناجح شواري في تشخيص وضع مأسوي يعيشه شباب تونس اليوم بطريقة فنية تعتمد التّلميح وتتجنّب التّصريح، تشير بطرف خفيّ إلى المسؤول عن هذا الوضع دون أن تسمّيه وتؤكّد أنّ هذا الشّباب اُبتلي بزمن فظّ يحرمه من الزّواج ويحكم عليه بالعقم، ويدفعه إلى الموت البطيء ويهدّد المجتمع بالانقراض والفناء، ومن ثَمّ يُدين الشّريط هذا الزّمن اللّعين الّذي لا يقدّر علما مستحدثا حارت البريّة فيه وفكّ مغالق المجهول، ولا يُجلّ علماء قرّبوا المسافات واختزلوا الأزمنة وقلبوا المعطيات، ولا يُسعد شبابا جمع بين طرفي الجمال والعلم وطمح إلى رفعة شأنه وطمع في هناء عيشه.



#إبراهيم_العثماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرحات حشاد في الإبداع السينمائي
- من وحي نضالات الحركة الطلاّبيّة: حصاد المطر أم حصاد النّضال؟
- من أدب السّجون: قصّة- في الزّنزانة - والخروج على المألوف
- الطّاهر الهمّامي والمعارك الأدبيّة
- الواقعيّة
- المجلاّت الثّقافيّة التونسيّة بعد 14 جانفي والصّراع في سبيل ...
- المثقّف والثّقافة البديلة
- أي ثقافة نريد بعد ثورة 14 جانفي 2011؟
- غسّان كنفاني بين الغياب والحضور
- الطّاهر الهمّامي المثقّف الموسوعي
- توفيق بكار الكاتب المتفرّد
- توفيق بكّار في عيون دارسيه
- في أدب السجون: -مناضل رغم أنفه- لعبد الجبّار المدّوري نموذجً ...
- حول المسألة النّقابيّة (مقرّر المؤتمر الخامس للأمميّة الشيوع ...
- تطوّر مصر الاقتصادي وأهداف الحركة النّقابيّة المصريّة (معرّب ...
- مقاومة النّقابات الفاشيّة
- فلسطين الطبقة العاملة العربيّة وحركتها النقابيّة
- المدرسة والاستعمار
- حول المؤتمرالاستثنائي للاتحاد أو في الرّدّ على مغالطات الدّك ...
- غسّان كنفاني والريادة الروائيّة


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - شريط -أوهام- أوشباب اليوم والأحلام الموؤودة