|
مخطوطات صنعاء
إياد الغفري
الحوار المتمدن-العدد: 7294 - 2022 / 6 / 29 - 01:32
المحور:
كتابات ساخرة
قام الدكتور سامي الذيب بتحريك ماء مستنقع مخطوطات صنعاء مؤخراً بعد أن كاد أن ينسى. رجل القانون الذي نذر نفسه للعلم والبحث المعرفي يقوم بإجراء مقابلات مع باحثين في مجالات الأديان، ورغم شهرة بعضهم كالدكتور كريستوف لكسنبيرغ، إلا أن من يدقق في طروحاته والطروحات التي قدمها الدكتور سامي الذيب في بحوثه، بثوثه وترجماته لا يمكنه إلا أن يرفع القبعة لسامي الذيب الذي ورغم أنه ليس مختصاً في هذا المجال إلا أنه يتمتع بالحنكة والدراية في تفسير النصوص ما يفوق ضيوفه بسنوات ضوئية وهو يتسم إضافة لدماثته بفضيلة تقبل الرأي الآخر والصمت عما يدخل تحت بند الهراء بالخاء المفخمة.
نصوص مخطوطات صنعاء عي في الغالب رقع جلدية، أو طرس كما يحلو لأحدهم تسميتها وهي قد وجدت في جدار جامع تهدم بفعل الأمطار عام 1972 وقد تم ترميمها في الثمانينات، تصويرها في التسعينات وتم الاحتفاظ بالميكروفيلم الذي يحتوي صور قرابة الألف منها في أرشيف موظف الجامعة المتقاعد في منزله، رغم أن ملكيتها تعود للعامة حيث أنها رممت وصورت بأموال قدمتها الحكومة الألمانية بالنيابة عن دافعي الضرائب عبر منظمة أكاديمية تلقب بالجامعة.
سامي الذيب الذي تجاوز السبعين من العمر يمتلك حماسة شاب في العشرينات عندما ينتفض غضباً للمهزلة التي تلطخ سمعة الجامعة والهيئة الأكاديمية، ويثير غيظه الباحثون الذين يمتلكون هذه الوثائق مصورة ولكنهم يطلعون عليها من يروق لهم.
منذ سنوات لفت الباحث انتباهي، نال احترامي لعمله، وحسدته وحقدت عليه لجملة قالها وأظن أنها كانت رأيي الذي لم أقله بعد: - من السماء لا ينزل إلا النيازك، المطر وبراز الطيور.
***
***
اتهم لكسنبرغ أكاديميين منافسين له حيث أن بعضهم استخف بجدية بحوثه واعتبره "نصاباً" حسبما ذكر بلسانه. وأتهم الباحث الهيئات الأكاديمية وبعض القائمين عليها بالتورط في فضيحة تسببت في اعتقال المخطوطات وحجبها عن الباحثين والعامة، بينما كان تلميذه الذي يفوقه في الأهمية الدكتور محمد المسيّح يكرر ويؤكد أن ملكية هذه المخطوطات تعود لصنعاء وأنه لا يمكن إطلاع العالم عليها إلا بعد موافقة صنعاء. وخلال العقود السابقة بقي القلة من الباحثين الذي ترضى عليهم الدكتورة إليزابيث التي تمتلك وزوجها نسخة الميكروفيلم يحظون بشرف الاطلاع والبحث. اقتنع الدكتور الذيب بأن النصوص المصورة ستتوفر للباحثين خلال أشهر عبر مالكها الحالي "الأرشيف البرويسي للتراث" التابع لمكتبة برلين، بانتظار هذا قمت بالاطلاع على موقع الأرشيف لأرى كم ستبلغ صعوبة العثور على صور النصوص في صفحتهم في المستقبل القريب؛ هذا إن نُشِرت كما تم التصريح مؤخراً.
قرابة ربع قرن مرت على وجود الصور في دهاليز البحث الأكاديمي الألماني، ونصف قرن منذ اكتشاف النصوص في صنعاء، يجدر بالذكر هنا أن غالبية الحكومات والأجهزة الأمنية تنزع السرية عن ملفاتها وتسمح للعامة الاطلاع عليها بعد مرور نصف قرن على سريتها، وأن حقوق النشر تسقط بالتقادم، ولكننا في هذه الحالة لا نخضع لحقوق النشر حيث أنه لا يمكن لأي كان أن يتكلم عن حقوق نشر تنسب تاريخياً لما قبل خلق الكون، نصوص تم تدوينها قبل قرون طويلة في طبعات نفذت من الأسواق ويمكن لأي كان أن يمسحها ضوئياً ويقرصنها لصالح مدونة "أبو عبدو البغل"، بالإضافة إلى أن حقوق النشر إن وجدت فالمالك بالتأكيد هو رب العزة وليس مدينة صنعاء ولا الدكتورة إليزابيث. بالمناسبة صنعاء كانت حين اكتشاف النصوص عاصمة الجمهورية العربية اليمنية أو اليمن الشمالي كما عُرف، وعندما تم التصوير كانت اليمن قد اتحدت شمالاً وجنوباً، وعندما بدأ الحديث مؤخراً عن نشر صور المخطوطات وإطلاق سراحها كانت اليمن تستيقظ على القصف الذي اعتادت من جيرانها. ولا نعلم إلام ستبقى هذه الرقاع على قيد الحياة قبل أن يدفنها ركام الحرب. لا أعلم إن كان القصف قد أتلف المخطوطات أم أنها تنتظر نهاية وجودها في القريب العاجل، لكن الأهمية التي تخفيها هذه الرقاع كما يقول بعض أصحاب نظرية المؤامرة تماثل أهمية لفائف قمران التي مضى زمن طويل على اكتشافها بفضل عنزة شردت وهي تماثل مخطوطات صنعاء من ناحية الشكل والمحتوى حيث أنه لم يتسرب للعامة إلا القليل من محتواها الذي نعتقد بأنه سيغير من فهمنا للعقائد التي وجدنا آبائنا عليها.
*** الرقاع الأولى من مخطوطات البحر الميت تم العثور عليها قبل إنشاء دولة الكيان، وتم الاتجار بها حتى وصلت أمريكا، ورغم مرور قرابة قرن إلا أن محتوى هذه المخطوطات ما يزال غامضاً بالنسبة للعامة وإن كان الجزء الأهم منها قد أتيح للباحثين، حيث أن دولة الكيان أغراها كون المخطوطات قد كتبت بالعبرية فأطلقت سراح بعض الشذرات التي لا تمس بالعقائد المتوارثة.
*** *** صعد يوري غاغارين للفضاء على متن فستوك 1 في مطلع ستينات القرن المنصرم، عندما عاد وبعد الاحتفاء به وفي ليلة ليلاء، خلع خمس من عتاة الكي جي بي باب منزله ووضعوه في كيس جنفيص وأخذوه لقبو في الكرملين، يوري المسكين اعتقد أن النهاية قد حانت حتى فتح الباب ودخل الرفيق خروتشوف الذي قال له بالحرف: - شوف ولاك، سمعني منيح وما بدي أسمع منك ولا حرف، بتهز براسك بس أنك فهمت، نحنا بنعرف أنك طلعت عا الفضاء الخارجي ودرت حول الأرض، وبنعرف أنك شفت الله، بس إذا بيطلع منك أي تصريح حول ها الموضوع، بننسيك الحليب اللي رضعته، والجن الأزرق ما بيعود بيعرف طريقك، قضية وجود الله ممكن تنهي الشيوعية وتدمر الاتحاد السوفياتي، فهمت يا رفيق ولاك؟ هز غاغارين برأسه وتم إطلاق سراحه، بعد سنوات وخلال جولة أوربية وصل رائد الفضاء لدولة الفاتيكان، البابا بولس السادس الذي كان الأمين العام للقيادة القومية الكاثوليكية حينها طلب مقابلة رائد الفضاء في أحد دياميس الفاتيكان وقال له: - شوف ولاك يا أبني، سمعني منيح الله يرضى عليك وما بدي أسمع منك ولا حرف، بتهز براسك بس أنك فهمت، نحنا بنعرف أنك طلعت عا الفضاء الخارجي ودرت حول الأرض، وبنعرف أنك ما شفت الله، بس إذا بيطلع منك أي تصريح حول ها الموضوع، بننسيك الحليب اللي رضعته، والجن الأزرق ما بيعود بيعرف طريقك، قضية عدم وجود الله ممكن تنهي الديانات كلها وتدمر نص ممالك العالم، فهمت ولاك؟ الله يرضى عليك.
*** ***
لا أعتقد أن الهيئة الألمانية التابعة لمكتبة برلين سوف تنشر المخطوطات في القرن الحالي، ولا أعتقد أن جدل بيزنطة القائم حالياً سيفضي إلى نتيجة، حيث أن البحوث العلمية لجيل دارسي الأديان الذين يتبعون لمؤسسات علمية غربية في أحخسن حالاتها هي جدل بيزنطي وسفسطة إن كُتِبَ لها الخروج من أروقة البحث الأكاديمي فإنها ستخرج عاقراً لا تمتلك القدرة على الحياة في وجه إيمان وعقيدة بنصوص مقدسة، تزعم منذ قرون أنها كلمة الله التي لا تقبل التحريف وتدعي أن الله أنزلها وهو حافظ لها.
أقف صاغراً أمام حماسة الدكتور سامي الذيب وغضبته المضرية لحرية البحث العلمي، إيمانه العميق بضرورة إشاعة التراث البشري ومنع احتكاره من قبل الكهنوت، الأنظمة ودهاليز البحث الأكاديمي، ورغم قناعتي بعقم الجدل البيزنطي الذي يقوم به من يقوم بلي عنق النص فيلولوجياً ليوافق نظرياته، أو من يقوم بلي عنقه ليوافق نزواته، فأنا مجبر على رفع قبعتي للذيب وشكره علناً على جهده لإطلاق سراح الحقيقة والسماح للبحث العلمي بتدبر الحقيقة.
#إياد_الغفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الألقاب
-
الانتخابات
-
المسبار
-
سب وأهان
-
الضروع العربية
-
الإكسسوارات
-
تداول السلطة
-
الدعاء
-
جينات الشهوة
-
القضاء والحساب
-
محاكمات كوبلنز
-
هواية الثورة
-
الشخصنة والثورة
-
الأمل
-
الشعر والأحلام
-
الإلحاد القويم
-
جبل المشتى والمراهقة
-
العصفرة
-
إدلب
-
رامي مخلوف
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|