|
معادات الغرب منهج رجعي-3
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 7291 - 2022 / 6 / 26 - 01:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
.3 الرجعية الدينية والرجعية العلمانية في العالم العربي لنتفق على الفهم العام لمصطلح "الرجعي" ألذي قصد به كل من يقف بالممارسة والفكر عائقا امام التقدم الحضاري وتطور المجتمعات ورفض الحداثة والتنويروالأبقاء على القديم، يقابله مفهوم " التقدمي" أي الفكر والممارسة التي تتقبل وتساير الحضارة والتطور وتقدم المجتمع ، ودعنا كذلك نستخدم ثلاثة محاور اساسية تحدد حركة المجتمع الى الأمام "تقدمي" اوتراجعه الى الخلف "رجعي" وهي : طبيعة النظام الأقتصادي ، وشكل نظامه السياسي، وفاعلية نظامه الأجتماعي في مجال الحقوق والحريات . ولو حاولنا تسقيط ( أي تطبيق)هذه المحاور الثلاثة على مواقف ثلاثة تيارات في العالم العربي ( الأصولية الأسلاموية ، الماركسية السوفياتية ، والفكر القومجي كالبعثي مثلا ) سنكتشف ان هذه القوى المؤدلجة تتخذ موقفا رجعيا بمعاداتها نظم الحضارة الغربية التي تتخذ من العلمانية والديمقراطية والليبرالية والأقتصاد الحر اسسا راسخة لها في تطويرها لمجتمعاتها وبناء مستقبلها ومعها ايضا مستقبل العالم. وهي ليست انجازات الغرب بمعنى امريكا واوروبا بل هي انجازات للأنسانية وتلخيص لنضالها ومسيرتها على مدى التاريخ في اقامة نظم حكم تخضع لدستور وانتخابات عامة وحريات فكرية يضاف لها نظام اقتصادي حر كفوء يخلق فرص العمل والوفرة ولايخضع للدولة كي لا تستبد شعوبها بمعيشتها، وحكومات تقوم على الدفاع عن الحقوق والحريات وتطور سياسات اقامة العدالة الأجتماعية وتطور التعليم بعيدا عن الدين وتطوير البنى التحتية والخدمات من الضرائب على سكانها وعلى الشركات الرأسمالية الناجحة. نجحت الدول الغربية نجاحا باهرا في انجازاتها وفق المحاور الثلاثة ووفرت لشعوبها الخبز والحرية ، الرفاه والعدالة دون تضحية بأحداها على حساب الأخرى ، وهذا انجازها التقدمي ، وباتت بتجاربها الغنية مخزنا ضخما وبوصلة لبقية الشعوب لتبني مستقبلها . وفي عالمنا العربي يتم حجب النموذج التقدمي الذي تطرحه الحضارة الغربية وتشترك هذه التيارات الثلاثة اعلاه بتشويه حضارة الغرب وتخوض حربا دعائية عشواء مشتركة ضدها وانجازاتها في تحرير مجتمعاتها من سيطرة الدين والخرافات، ومن سيطرة الديكتاتوريات المؤدلجة التي ظهرت في النصف الأول من القرن الماضي في اوروبا نفسها باسم القومية مثل هتلر وموسوليني أوبأسم الماركسية وديكتاتورية البروليتاريا وحزبها الأوحد كما في الماركسية الستالينية واستطاعت الشعوب الأوربية من تجاربها الأليمة والتدمير الهائل الذي جلبته هذه الأنظمة الديكتاتورية على شعوبها ، ان تطرح البديل الليبرالي لتطوير ديمقراطياتها لمنع عودة الديكتاتوريات المؤدلجة ،وتوسيع الحقوق والحريات وسياسات العدل الأجتماعي والقضاء على الفقر وتحقيق الرفاه الأقتصادي والأجتماعي والثقافي، كل هذه السياسات شكلت حاجزا امام عودة الديكتاتوريات وانتشار الفكر اليميني القومي او الديني أو أي فكر مؤدلج اخر ، كونها تعلمت ان الأيديولوجيات مهما كانت دعاواها سماوية او قومية او ماركسية بأسم الطبقة العاملة ستؤدي للديكتاتورية مثلما عاشته بتجاربها خلال القرن العشرين. ان تقوم قوى الأصولية الأسلاموية في عالمنا العربي بمحاربة الفكر والحضارة الغربية وحجبها عن شعوبنا وتشويهها وسبها وشتمها امر مفهوم كونها قوى رجعية محافظة ( أي تخوض صراعا فكريا كالذي خاضته اوروبا ضد الكنيسة) ، وتخوض صراعا مصلحيا لها لتسيطر وتهيمن وتحافظ على امتيازاتها ونفوذها ، فهوصراع الأمتيازات وفقدان النعمة والنفوذ وللسيطرة على مجتمعاتنا بأسم الدين الحنيف. كل ذلك مفهوم وواضح. ولكن كيف نفسر موقف العلمانيين العرب بوقوفهم ضد ثقافة وحضارة الغرب وتشويهها وشتمها يوميا ( مثلا شخصيا اقرأ عشرات المقالات على موقع الحوار المتمدن لا تتناول غير شتم الغرب وحضارته والخوض في ازماته ووصفه بالوحشية والتآمر على شعوبنا والخ ) وكأن هؤلاء العلمانيين لسان حال للأصولية الأسلاموية التي يدعون محاربتها، وهم ليسو لسانا فقط بل يساهمون بتشويه وحجب كل المفاهيم التقدمية والحضارية والأنسانية في حضارة الغرب عن شعوبنا ومجتمعاتنا التي هي بأشد الحاجة لتجارب ومفاهيم للحضارة الغربية لمواجهة الأصولية الأسلاموية ووللنهوض بتطوير اقتصاد وطني حر بعيد عن سيطرة الدول القمعية وكل خطوات التطور الحضاري الذي يشهده العالم في كل محور اليوم للنهوض بمجتمعاتنا مستفيدا من التجارب الناجحة للغرب وحضارته في امريكا او أوروبا .
وبدل مشاركة شعوبنا تجارب وانجازات الحضارة الأوربية هذه كتجارب انسانية ناجحة ، تنهال الرجعية الأسلاموية ومعها الرجعية العلمانية من القوميين العرب والماركسيين السوفيات بوصف الغرب بشتى الألقاب بالأمبريالية والوحشية واللانسانية وتصويرتخلف شعوبنا انه بسبب الغرب المتآمر على شعوبنا والأخذ بمفاهيم الغرب الأقتصادية والحضارية سيؤدي لأستعمار بلداننا ونهبها وتقوية الأمبريالية وغيرها من الأكاذيب. فهذه هي الصين لم تكن لتتحول الى القوة الأقتصادية الثانية في العالم لولا تحولها الى الأقتصاد الحر وقيام الشركات الأميركية منذ منتصف السبعينات بنقل تصنيعها الى الصين ونقل نماذج ادارتها وتكنولوجياتها اليها وتشغيل عشرات بل ومئات الملايين في النظام الأقتصادي الصيني الرأسمالي الجديد تحت قيادة الحزب الشيوعي وبرعايته تم تبني طروحات هنري كيسنجر الأشتراكي للعظم ، بينما لازال منظرونا العرب ينشرون عشرات المقالات يوميا حول زوال الرأسمالية وحول ازماتها واستغلالها للشعوب دون اشارة ولو بسيطة الى الصين ، وكأنهم اكثر علما بالماركسية من الشيوعيين الصينيين. ونجاحات كوريا الجنوبية الأقتصادية الباهرة بتحولها من بلد زراعي متخلف يأتي ترتيبه بعد العراق بداية السبعينات الى عاشر اقتصاد في العالم خلال نفس فترة تحول الصين من نظام الأقتصاد المركزي الى الأقتصاد الحر وذلك من خلال استثمار مشترك قامت به عشرة شركات امريكية ويابانية وانتجت شركات عملاقة اليوم مثل سامسونك وهونداي ، ومثلها ماليزيا ودولة الأمارات التي تحولت من البداوة الى الحضارة خلال 30 عاما ويفوق دخلها القومي ثلاثة اضعاف العراق، ولم تتعرض هذه البلدان للأستعمار والنهب الأمبريالي ، بل تحولت الى بلدان متطورة. والسؤال الغريب العجيب الذي لايمكن فهمه لكل من يهمه مصير شعوبنا ومعركتها التي تخوضها اليوم ضد الأصولية والتخلف الأقتصادي والأجتماعي ، ماهي الأدوات البديلة لدى العلمانيين العرب لخوض معركة الحداثة غير مفاهيم الغرب في فلسفة الحكم والأقتصاد؟ فمن يهاجم ويشتم الغرب من العلمانيين العرب عليه ان يطرح لنا البدائل المجربة والناجحة الأفضل مما طرحه الغرب من مفاهيمه المعروفة وهي: النظم الديمقراطية، الأقتصاد الحر ، والليبرالية الأجتماعية. ان شتم الغرب وحضارته وفق الدعاية السوفياتية شيئ فاته القطار لأنه نقد دعائي كاذب مارسه السوفيات وفق ادواتهم التي وظفوها وصرفوا عليها من قوت شعبهم في الحرب الباردة مع الغرب ، وهم مع شعوب اوروبا الشرقية والصين قد تنازلوا عنها وتنازلوا عن تسمية الغرب الأمبريالي والنظم للرأسمالية بالأستغلالية ولم تعد تجدها الا عند الماركسيين العرب وحدهم وكأنهم يعيشون في كهوف بعيدا عن العالم ( يشاركهم بوتين مؤخرا باعادة استخدام نفس الدعاية السوفياتية اليوم لكي يهيئ ليعلن نفسه قيصرا قوميا جديدا ،ولكن لاتقبل لا به ولا بغيره الشعوب ان يكونوا قياصرة عليها ومنهم الشعب الأوكراني أولا) . لو كانت الماركسية سواء السوفياتية او أي نموذج اخر قد نجحت في تجربة واحدة على الأقل خلال المئة عام أو حتى منذ ولادتها واقامت نظاما اقتصاديا وديمقراطيا وليبراليا افضل من النظم الغربية اليوم لأمكن الجدال حقا في استخدامها نموذجا بديلا، وربما كانت اوروبا البراغماتية هي السباقة لتبنيه كونها الأكثر تقدمية وانفتاحا لأدخال الجديد بما فيها ان اتى من الماركسية نفسها ، ولنا في الأحزاب الأشتراكية الديمقراطية الأوربية مثال في ذلك للقيام باصلاحات لصالح الطبقة العاملة ولكن دون ديكتاتوريات وسيطرة الدولة على وسائل الأنتاج ومعيشة شعوبها . ان التجربة السوفياتية وتجارب اوروبا الشرقية والصين وكوريا الشمالية علما هذه الشعوب انها لم تنجح الا في اقامة انظمة ديكتاتورية متخلفة واستبدادية ، ونظام اقتصادي بيروقراطي فاشل ، واجهزة لقمع الرأي والحربات ، ولابد للماركسيين العرب مواجهة هذه الحقائق والتعلم من احزاب اوروبا الأشتراكية الديمقراطية. ان سب الغرب وشتمه والصاق كل موبقة به ليس سوى تبرير الفشل الداخلي للتيار العلماني الماركسي والقومي الذي يمكن توصيفه بالرجعي كونه يقف ضد حركة التحضر والتحديث الأقتصادي والليبرالي لعالمنا العربي ويساهم مع الأصولية الأسلاموية في حجب حضارة الغرب وانجازاته ونظمه المتقدمة عن شعوبنا وهي الأحوج اليوم لنموذج حضارة الغرب ونظمه للنهوض من جديد لبناء مستقبلها واقتصادها واصلاح نظمها السياسية والأدارية. ان عالمنا العربي بحاجة لقوى وطنية ذات توجه ليبرالي علماني تتبنى الأنفتاح على حضارة وانجازات الغرب في اقامة نظم متقدمة في الحكم والأقتصاد والثقافة والتعليم والخدمات وتستطيع ايقاف توغل الظلامية بل وهزمها اجتماعيا وديمقراطيا من خلال برامج حقيقية وليست دعائية ميتة ورثوها من السوفيات ومن تنضيج اطروحاتها ورؤياها للمستقبل العربي الليبرالي المنفتح على العالم، فلا يمكننا النهوض ونحن نحارب مع الأصولية حضارة الغرب ومفاهيمه ونظمه. د.لبيب سلطان- عراقي –استاذ متقاعد في الهندسة الكهربائية والمنظومات، جامعة كاليفورنيا سان دياكو
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معاداة الغرب منهج للرجعية والظلامية في العالم العربي-2
-
معاداة الغرب منهج للرجعية والظلامية في العالم العربي-1
-
ألرجعية الفكرية البنيوية للماركسيين العرب
-
الدفترالمهرب من سجن الحلة لقصائد النواب
-
قراءة في معركة الشعبين اللبناني والعراقي الأنتخابية
-
لا خير في نظام عالم جديد تقيمه ديكتاتورية بوتين
-
بوتين لن يكون اخر ديكتاتور لروسيا ..الخيارات أمام العالم
-
9 نيسان اليوم الوطني لأسقاط ديكتاتورية صدام بين المنافقين وا
...
-
مالذي أكتشفه العالم في عدوان بوتين على أوكرانيا
-
لولا بوتين لظهرت روسيا قطبا دوليا جديدا وعظيما
-
تناقض المثقف العربي حرب أوكراينا مثالا
-
رد على مقالة الدكتور عبد الخالق حسين حول عنف المتظاهرين لتخر
...
المزيد.....
-
إسرائيل توجه إنذارا لسكان جنوب لبنان بعد دخول وقف إطلاق النا
...
-
3 رؤساء فرنسيين لم يوقفوا أحداث نوفمبر الساخنة في باريس
-
وقف إطلاق النار في لبنان يدخل حيز التنفيذ
-
اتفاق وقف إطلاق النار بين -حزب الله- اللبناني وإسرائيل يدخل
...
-
مباشر: بدء سريان هدنة لمدة 60 يوما بين إسرائيل ولبنان بعد أش
...
-
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله يدخل حي
...
-
بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل
-
ترحيب دولي باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
-
بيان أمريكي عن قصف -منشأة لتخزين الأسلحة- تابعة لجماعة موالي
...
-
مسؤول أمريكي: لم نهدد إسرائيل بوقف تزويدها بالأسلحة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|