|
مسرحية من فصل واحد البروفة
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7287 - 2022 / 6 / 22 - 00:30
المحور:
الادب والفن
مسرحية من فصل واحد
البروفة
طلال حسن
على خشبة المسرح ، يقف المخرج والناقد والممثل ومدير المسرح ، وبعض الممثلين
المخرج : " للناقد " دعنا من هذا الآن " لمدير المسرح " هل الجميع هنا ؟ لم يبقَ للعرض سوى ثلاثة أسابيع ، ونحن مازلنا نراوح في مكاننا " يصيح بانفعال " تكلم .. المدير : أعتقد .. المخرج : تعتقد ! أنت تعمل في المسرح ، منذ ربع قرن ، ومع هذا لم تتعلم سوى هذه الكلمة " يصيح " هل حضر الجميع ؟ أخبرني ، ولكن لا تقل لي ، أعتقد . المدير : اعتق .. أعني ، نعم . المخرج : " للممثلين " هيا ، تهيئوا ، يجب أن نبدأ. المدير : أستاذ .. المخرج : نعم ، ماذا تعتقد هذه المرة ؟ المدير : اوفيليا . المخرج : " يمثل " أيتها الآلهة ، يا آلهة الجحيم والنقمة ، أليس في السماء حجارة ؟ الناقد : " باشمئزاز " شكسبير . المدير : ماذا نفعل ؟ المخرج : أخبرني أنت ، ماذا أفعل ؟ هل أدعو أمي لتؤدي هذا الدور ؟ المدير : وتلك الفتاة الجامعية .. ؟ المخرج : إنني أفضل أمي . الناقد : لا أدري لماذا تصرّ على إخراج هذه المسرحية ـ الرواية . المخرج : لأنها في رأيي مسرحية . الناقد : إنها ليست مسرحية ، فهي تتنافى مع أبسط مبادىء الدراما . المخرج : الأرسطية . الناقد : نعم ، الأرسطية . المخرج : أوه . الناقد : المسرحية بكلمة .. محاكاة . المخرج : قل هذا لببغاواتك في المعهد . الناقد : أخبرني ، ماذا تحاكي مسرحيتك ـ الرواية هذه ؟ المخرج : إنها تحاكي الإنسان ، تحاكيه بكل معاناته وشكوكه وعذاباته . الناقد : ضلال ،المحاكاة تعني محاكاة الواقع ، إنّ الدراما صورة من الواقع . المخرج : لكن هذا قتل للإبداع والخلق ، الدراما الحية تنبع من أعماق الإنسان ، إنّ أبسط الفنانين الفطريين يعرف هذه الحقيقة . الناقد : لا أرسطية ، مروق .. المخرج : هذا رأيي . الناقد : بلا شك ، فأنت مجرد مخرج . الممثل : أرجوكم ، أرجئوا النقاش الآن ، إنّ الوقت يمضي ، ومن الأفضل أن نبدأ البروفة . المخرج : " للناقد " للمرة الأخيرة ، أرجوك ، لا تلهني عن عملي " للممثلين " هيا ، لنبدأ ، أين هوراشيو ؟ المدير : " يتلفت حوله " أعتقد .. المخرج : تعتقد .. ؟ المدير : يبدو أنه لم يأتِ بعد . المخرج : وربما لن يأتي . المدير : لم أكن البارحة معه . المخرج : لقد فاتك إذن ، أن تصغي إلى أمجاده الماضية ، التي يغرقها الخمر . ضجة ، يدخل المراسل والفراش ، معهما شاب نحيل ، له لحية لا تناسب وجهه
الفراش : ممنوع يا أستاذ ، ممنوع . المراسل : دعني . الفراش : ممنوع الدخول أثناء البروفة . المراسل : نعم ، لو كنت شخصاً عادياً . المخرج : هذا الشخص غير العادي ، من يكون ؟ المدير : إنه مراسل مجلة الفن . المخرج : سأقتله إذا سألني عن معوقات الحركة المسرحية . الفراش : يا أستاذ ، أرجوك ، ممنوع . المدير : دعه . المراسل : جاهل أمي " للجميع " عمتم مساء لا أحد يرد ، للمخرج " عمت مساء " لا يرد " أستاذي ، نحن نتابع باهتمام نجاحاتكم العظيمة في ميدان المسرح ، إنني أقول دائماً إنّ وراء كل عمل ناجح ، نص ناجح ، ومخرج ناجح ، وممثل جديد .. ناجح . الممثل : " بسخرية " اكتشاف عظيم . الناقد : باعتبارك مراسل مجلة فنية ، هل تعتبر هملت نصاً ناجحاً ؟ المراسل : هملت ، إنه نص عملاق . الناقد : واضح ، إنّ جميع الأقزام يرون الذين يطاولونهم عمالقة . المراسل : أما العميان ، فلا يرون حتى الجبال . الناقد : هل أنا أعمى ؟ المراسل : وهل أنا قزم ؟ المخرج : " للناقد " دعنا نعمل ، أرجوك ، تفضل بالجلوس " للمراسل " وأنت تفضل هنا. المراسل : أستاذي ، أرجو أن تتحدث إلى قرائنا عن.. المخرج : ليس الآن . المراسل : لن أثقل عليك ، ما هو رأيك في .. ؟ المخرج : اجلس ، دعنا ننتهي من البروفة أولاً . المراسل : ولكن لا أكثر من .. المخرج : قلتُ لك أجلس . المراسل : حاضر .
يجلس المراس بجانب الناقد ، الشاب يجلس بجانب المراسل
المخرج : " للممثلين " هيا ، دعونا نبدأ البروفة. الممثل : بأي مشهد نبدأ ؟ المخرج : مشهد الشبح . الممثل : لكن هوراشيو لم يأتِ بعد . المخرج : لعنة الله على هوراشيو " للممثلين " من منكم يحفظ هذا الدور ؟ " لا أحد يجيب " أليس بينكم من يحفظ هذا الدول ؟ الشاب : " ينهض بتردد " أنا . المخرج : من ؟ الشاب : " بصوت أعلى " أنا .. أنا . المخرج : " يحدق فيه " من أنت ؟ المراسل : " يهب من مكانه " عفواً ، لقد فاتني ، للأسف ، أن أقدمه لكم ، إنه فنان مبدع ، لقد شاهدته في اوبريت القروش العشرة ، عفواً .. الثلاثة ، وقد أذهلني أداؤه ، وأنا أعد عنه الآن بحثاً مطولاً من .. المخرج : يخيل إليّ أني رأيتك من قبل . الشاب : لا أعتقد ، يا سيدي . المخرج : أنت تذكرني بشاب دعي ، تقدم قبل أيام ليمثل دور البديل لهوراشيو ، لكنه كان عاطلاً من المواهب ، فطردته . الشاب : لستُ هو بالتأكيد ، هل تود أن أمثل دور هوراشيو أمامك الآن ؟ المخرج : هل تحفظ الدور ؟ الشاب : نعم ، إنني مغرم بشكسبير . الناقد :يبدو أن جميع الحمقى مغرمون بشكسبير هذه الأيام . المخرج : من الأفضل أن تسكت " للممثلين " هيا. الممثل : هل نبدأ ؟ المخرج : نعم " للشاب " مثل معه .
الشاب يسرع ، لكنه يتعثر ، ويكاد يسقط ، المخرج يرمقه بضيق
الشاب : " بارتباك " عفواً . المخرج : " للممثلين " المشهد كما تعرفون ، أفريز على سطح القلعة ، هملت وهوراشيو ومارسيلاس ، تسللوا في منتصف الليل إلى هذا المكان ،الجو بارد ، والهواء قاطع نفاذ ، وهملت يتطلع إلى لقاء طيف أبيه ، هل المشهد واضح ؟ هملت : نعم . مارسيلاس : واضح . المخرج : هيا إذن . هملت وهوراشيو ومارسيلاس ، يتقدمون ، هملت يتلفت حوله
هملت : ما أشدّ لذع الهواء ، برد قارص . هوراشيو : " بصوت مرتفع " إنّ الهواء قاطع نفاذ. المخرج : لا ترفع صوتك هكذا ، يجب أن تدرك أنّ مهمتك بالغة السرية " يحدق فيه " لا أدري أين سمعتُ صوتك ؟ هوراشيو : هنا ، قبل قليل . المخرج : ابدأوا المشهد ثانية " للشاب " تذكر ، لا ترفع صوتك . هوراشيو : حاضر . المخرج : هيا .
هملت وهوراشيو ومارسيلاس ، يتقدمون إلى وسط المسرح
هملت : ما أشدّ لذع الهواء ، برد قارص . هوراشيو : " بصوت أنثوي " إنّ الهواء قاطع نافذ المخرج : " يدنو منه " ماذا تفعل بربك ؟ لقد بدأت تخلط ، أهكذا يُجسد النصّ ؟ أنت تقول ، إنّ الهواء قاطع نفاذ ، فأين إحساسك بالجو ؟ أين تعبيرك عنه ؟ كيف سيحس الجمهور بأنّ الهواء قاطع نفاذ ؟ كان عليك أن ترتعش ، لترتعش يداك ، ليرتعش جسدك ، لترتعش لحيتك على الأقل .. هوراشيو : " بخوف " حاضر . المخرج : الهواء قاطع ، نفاذ ، فدع لحيتك هذه ترتعش كالراية ، هكذا ..
المخرج يمد يده إلى لحية الشاب ، فيسقط الشعر بين يديه
المخرج : ما هذا ؟ الشاب : " يتلجلج " أ .. أستاذ .. المراسل : لقد ضاع كل شيء . المخرج : " للمراسل " في أية مسرحية شاهدته ، يا أستاذ ؟ المراسل : أبريت الدنانير .. عفواً .. المخرج : لبرخت . المراسل : لقد ضاعت . الناقد : أدركتُ منذ البداية أنه مزيف كالآخرين. المراسل : أعطه فرصة . المخرج : أسكت أنت . الشاب : فرصة أخرى . المخرج : لقد أعطيتها لك مرة . الشاب : مرة أخيرة . المخرج : لا يمكن . الشاب : أرجوك . المخرج : مستحيل . الشاب : إنني أحفظ شكسبير عن ظهر قلب . المخرج : لقد رأيتُ ادعاءك . الشاب : أصغ ِ إلى هذا المقطع من عطيل " يحدج المخرج بغضب " ويحك أيها الشقي المؤذي ، كيف وجد بيدك ذلك المنديل ، الذي كان لامرأتي ، يا كاسيو. المخرج : " يشيح عنه " دعي ، فاشل . الشاب : أصغ ِ إلى هذا المقطع من روميو وجوليت " ينظر إلى المخرج بحنان " إنّ رغبتي في البقاء للأشدّ من حرصي على الرحيل ، أقبل يا موت ، حبذا أنت من مقبل ، فكذلك تريد جوليت ، ماذا تقولين ، يا روحي ؟ المخرج : امض ِ من هنا . الشاب : أهو صوت القبرة ، مؤذن الصباح ، أم صوت البلبل ؟ المخرج : قلتُ لك ، امض ِ . الناقد : إنه صوت الغراب ، يا صاحبي . المخرج : " يحدج الناقد " ببغاء . الشاب : أصغوا إلى هذا المقطع من هملت ، وإذا لم يرق لكم فسوف أمضي ، لكنكم ستكونون مسؤولين أمام التاريخ ، والأجيال القادمة عن ضياع موهبتي . الناقد : " مستنكراً " ماذا ! الشاب : قل لي ، يا مولاي . الناقد : هل أنت مجنون ؟ الشاب : ساعدني على أداء الدور ، عندما أقول ، أ أنت ِ عفيفة ؟ قل لي ، مولاي "يمثل" آها آها ، أ أنت يدنو من الناقد " آها .. آها ، اأنتِ عفيفة ؟ " الناقد لا يجيب " أرجوك ، أ أنتِ عفيفة ؟ الناقد : " بصوت جاف " مولاي . الشاب : كلا ، ليس هكذا ، اوفيليا فتاة رقيقة جداً ، فيجب أن تقول ، مولاي ، برقة وخفر ، هكذا " يمثل " مولاي " المخرج ينتبه" هيا نؤدي الدور ثانية " يمثل " آها آها ، أ أنتِ عفيفة ؟ الناقد : " بجفاء " مولاي . الشاب : كلا ، بأنوثة ، هكذا " يمثل " مولاي . الناقد : " بأنوثة مفتعلة " مولاي . الشاب : ليس هكذا . المخرج : " يهمس للشاب " أ أنتِ عفيفة ؟ الشاب : " بعفوية وأسى " مولاي . المخرج : " يصيح " وجدتها .
الجميع ينظرون إلى المخرج الذي يمسك الشاب من كتفيه
المخرج : اوفيليا الشاب : مولاي . المخرج : " بفرح " اوفيليا . الشاب : أنا ! المخرج : نعم . الشاب : كلا . المخرج : أنت أصلح إنسان للدور . الشاب : لكني رجل . المخرج : لقد لعب هذا الدور رجل ، في عهد شكسبير نفسه . الممثل : التاريخ يعيد نفسه . المراسل : " للشاب " وافق ، يا عزيزي ، ودعني أتمتع بأوبرا الدنانير العشرة . المخرج : أرجوك . الشاب : مستحيل . المخرج : لا تخيب رجائي . الشاب : أي دور عدا اوفيليا . المخرج :لكنك تريد أن تبدأ . الشاب : لن أضحي برجولتي كي أبدأ . الناقد :هذه رواسب إقطاعية ، وخجل برجوازي كاذب . الشاب : إنّ أمي وخطيبتي وأصدقائي سيرون المسرحية ، لقد قلتُ لامي بأني سأضطلع بدور هملت ، أو عطيل ، أو الملك لير ، أو بدور ياجو على الأقل ، لكن .. المخرج : " يبتسم مشجعاً " اوفيليا . الشاب : " لا يجيب " .... المخرج : أ أنتِ موافقه ؟ الشاب : " يمثل " مولاي .
الشاب يطرق في رضا ، المخرج يشد على كتفيه فرحاً
ستار
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية مونودراما الرعب والمطر
-
مسرحية من فصل واحد الصحراء
-
مسرحية من فصل واحد الشجرة
-
الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
-
مسرحية عقارب الساعة
-
قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال
...
-
مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
-
مسرحية الجدار
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|