أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمياء الآلوسي - قصة قصيرة ( اسرار الليل )















المزيد.....

قصة قصيرة ( اسرار الليل )


لمياء الآلوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7286 - 2022 / 6 / 21 - 01:34
المحور: الادب والفن
    


أسرار الليل

تراقص شبحاهما المتطاولان تحت ضوء القمر، القلق الذي يحدق فيهما حينا، ويعاود الاختباء خلف غيوم المساء الداكنة حينا آخر، كان بدرا، والبرد يلملم أجنحته الربيعية، ولم يكن حولهما ما يشي بالحياة سوى نقيق الضفادع القادم من البركة التي خلفتها الأمطار في الليلة السابقة، وصوت الجنادب الليلية، أشجار الطرفة المغسولة مازالت تختزن حركة خجولة لتضوع برائحتها حولهما، هما فقط يحاولان تزجية الوقت بالاستمتاع بكل حركة، وصوت ينبعث من هنا أو هناك ، ونسمة معبأة بالحياة، وليس سوى الحياة .
استرخى أحمد على الأرض البليلة غير آبه بالبرد المنعش الذي تسرب إلى جسده الفتي، المنهك، فحركته التي لا تنتهي في سوق المدينة، والأزقة المتعرجة، ويومه المشحون بالعمل يشعرانه حيانا بالعجز لكنه هنا عندما يبدد الليل همومة وتعبه ، يبدأ بنسج الأحلام التي غالبا ما تكون أكبر من سرواله المثقوب رغم الرتوق الكثيرة التي تجيد أمه ريافتها، وحذائه المزعج الذي في كل مرة عندما يخرج من المدرسة يعقفه من الخلف، ليتمكن من جعله مريحا بعض الشيء، فقدم أبن عمه لا تريد أن تنمو كما تنمو قدمه هو .
بصوته المبحوح أخبر مخلصَ أنه ينوي شراء كاميرة فخمة من المصور ( علي حمة خان) الذي افتتح استوديو للتصوير قبل أشهر في سوق المدينة الصغير، أكد بصوته المبحوح مرة اخرى أن المصور الذي يعمل عنده أخبره قبل أيام أنه يبحث عمن يشتري كاميرته القديمة .
ساد الصمت بينهما للحظات ثم اعتدل أحمد في جلسته قليلا، لكن الطين الذي علق بقدميه أعاق حركته
- أنا أبحث عن مكان صغير مظلم لا يستعمله احد .
ثم مستدركا
- هل اجد في بيتكم مكاناً مثله ؟
- لا أفهم ماذا تريد حقا !؟
- كأن يكون منزعا
- وما هذا ؟
- في بيت قريبتنا يوجد حمام، كانت تشعل موقده سابقا بالفحم، ثم استعاضت عنه بالنفط حيث يتسرب من خزان كبير يرتفع عاليا إلى فتحة صغيرة، كأنها قمع مفتوح يقذف نيرانه في كوة الحمام التي وُضع فوقها خزان صغير مملوء بالماء، وعندما يبدأ بالغليان يثير بخارا ساخنا، هل تعلم أن البخار والحرارة تسلخ جلودنا وتمنحنا شعورا عجيبا بالنظافة، كأنها تتسرب إلى قلوبنا وارواحنا .
- وأين المنزع من ذلك كله .
- اجل .. اجل ، للحمام يا صديقي ..
قالها متهكما ثم واصل الحديث
- للحمام مكان صغير ينزع فيه المستحم ملابسه المتسخة، اضافة إلى إنه مكان لوضع الملابس النظيفة ، إذ فيه دكة اسمنتية عريضة، هذه بالذات ما احتاجها، لكي أضع عليها عدة التحميض لإظهار الصور .
- لا يوجد لدينا حمام .
- وكيف تغتسلون في الشتاء ؟
- في المطبخ، تضع لنا أمي طست كبير ثم نغتسل به الواحد بعد الآخر، ومن ثم تريق الماء في الخارج ، اما في الصيف فالنهر، والحنفية في الباحة تفي بالغرض .
- قريبتنا تسمح لنا انا، واخوتي، وأمي أن نغتسل كلما أوقدت النار تحت كوة حمامها .
- أنتم أيضا لا تملكون حماما ؟
- اجل ، لو كان لنا حمام، أو منزع لما سألتك.
شملهما الصمت من جديد وعاد نقيق الضفادع، والجنادب، وصياح الديكة المتقطع .
- بعد أن اخرج من المدرسة سأذهب إلى حمة خان لأتعلم التصوير، قال لي إنه سيبيع لي كاميرة كوداك ( وهذا هو اسمها ) رائعة جديدة، لم يستعملها إلا قليلا، لأنه سيشتري واحدة أخرى، على أن ادفع له مبلغا بسيطا ثم أكمل الباقي من أجري اليومي في السوق، اضافة إلى أجري من تنظيف محله .
بقى صامتا وهو يستند على مرفقيه مسمرا نظره في البدر الذي أصبح أكثر اشراقا فأنار التلة كلها، وبصوت خافت أكمل :
- اسمع سأقول لك سرا أرجو أن لا يتجاوز هذه التلة، هل تعدني بذلك
- أجل!
- لا تفيد الأجل هذه بشيء، انظر إلى القمر، وأقسم أنك لن تبوح بالسر لأي مخلوق.
رفع مخلص رأسه واعتدل في جلسته ثم أغمض عينيه : أقسم بالله أنني لن أقول شيئا مهما كان سرك لأي شخص حتى وإن كانت أمي .
ضحك احمد بقوة : أمك !! هي بالذات لا أريدها أن تعلم .
- لماذا أمي بالذات ؟!
- لا أعني شيئا لكن النساء عموما لا يخفين سرا .
- وما ادراك أنت بالنساء ؟
- أسمعُ العجائب كل مساء، عندما يأتين النسوة إلى بيتنا ويجتمعن في باحة الدار، أتعرف ما هو الشيء الذي جعلني مولعا بالتصوير؟ لن تصدق .
- ما هو بالله عليك ؟ قالها ساخرا كأنه يريد أن ينتقم من سخرية أحمد من أمه .
- عندما تجلس النساء في دائرة تتسع أو تضيق حسب العدد، وهذا لا يهمني بقدر ما يهمني ما كنت أراه مرتسما على وجوههن وهن يسردن حكايات الجيران، أو حكايات الأزواج القساة، وخياناتهم غير المبررة، أتمنى لو ترى ذلك بعينيك، أما عندما يتناقلن فيما بينهن أسرارهن الزوجية في الفراش فصدق أبات أتمنى لو يسمح لي علي حمة بأخذ كاميرته ليلة واحدة فقط، لكنت صورت العجائب، ففي الظلال تنعكس على وجوههن باقات من تدافع الضوء على قسماتهن، فتظهر الأنوف والشفاه، وكأنها لوحات غاية في الغرابة، لوحات بين الرعب والاستمتاع بشيء لا أعرفه، عندما يضحكن، أو يسرفن بالضحك تصبح لهن وجوه تحت ضوء الفانوس بزجاجته المضببة وكأنها من عالم آخر غير الذي نعرفه، عالم من الشياطين، أو الجان، وربما الملائكة.
- هل تأتي امي إلى بيتكم ؟ سأل مخلص بصوت مرتعش .
- اسمع الآن السر، ( بتهكم لاذع أكمل ) ودعك من هذا السؤال السخيف، ذات يوم دخلت الاستوديو وكان الباب مواربا، وهذا يعني أن حمة في داخل المخزن الصغير الذي يحتوي على عدة تحميض الصور، وهذا المكان لا يمكنني تجاوز عتبته إلا إذا سمح لي بذلك، وهذا نادرا ما يحدث، جلست بانتظاره بعض الوقت، ثم سمعت حركة خفيفة، سرعان ما تعالت ! صوت أو صوتان كانا كالفحيح، والانين وكأن هناك من يتعذب في الداخل كان صوته هو، وصوت أنثوي آخر، أردت أن اندفع باتجاه المخزن لأني خلت إن هناك خطبا ما، لكنني سمعت ضحكة قصيرة فرحة طروب، ثم سمعته يشتمها وهي تضحك، ويتراشقان كلاما فاحشا لا يمكنك أن تسمعه إلا من أراذل الناس، ثم تعالى أنينهما وكأنهما متلذذان بهذا كله، أنا أعرف أن المكان ضيق، ومظلم، لكن الضجة التي أحدثاها تعلن أنهما في منتهى السعادة، لم أطل البقاء فخرجت مسرعا خوفا أن يخرج ويراني، وكأني كنت أخشى أن يشهد تتصصي عليهما .
- هذا حال المتزوجين، ولكن حمة خان غير متزوج فمن تكون تلك الفتاة ؟!
- لا علم لي، ولكن كيف تعرف ذلك ؟
- كنت إلى عهد قريب أنام وأختي في غرفة واحدة مع أمي وأبي .
- أمي تنام معنا منذ أن ولدت بعد وفاة أبي .
- لبدت بعد ذلك في مكان اتمكن فيه من رؤية الفتاة وهي تغادر، ولم أر وجهها جيدا لأنها ملتفة تماما بالعباءة السوداء ، ثم عدت إلى الاستوديو فأنا أريد أن أتعلم التصوير، وأن اشتري الكاميرة، سوف أعمل طوال العطلة الصيفية لأدخر ثمنها، ويجب أن أبحث عن مكان مظلم وضيق كما قلت لك .
- سوف أتدبر الأمر
- كيف؟
- ربما تسمح لنا أمي باستخدام سقيفة مهملة على السطح تضع فيها حوائج فائضة عن الحاجة .
- أمك نزقة دائمة الصراخ كلما جئتكم تصرخ في وجهي وكأنها ترى الشيطان أمامها .
- أمك أيضا نزقة ودائمة الصراخ، بل كل نساء الحي نزقات، ويتمنين أن يحدث في كل لحظة ما يثيرهن.
- ولكن ما الذي تريد تصويره ؟ هل تريد أن تفتح استوديو ؟
- ربما؛ لكنني أريد أن اصور كل شيء في هذه الدنيا .
- ربما تريد استقبال المزيد من النساء كما يفعل حمة، ولهذا تريد أن تتعلم التصوير.
- يا لك من سخيف، حتى لو أردت النساء، فليس من أجل أن أكون مثل حمة بل لأصور كل جزء فيهن، وبالذات تلك التعابير القاسية التي ترتسم على وجوه النساء في حينا .
- سوف أخبر أمي علها تسمح لنا ..
- يجب أن يكون الظلام حالكا، وإلا لن تظهر الصور بشكل جيد، وهي سقيفة على أي حال .

تراقص شبحاهما المتطاولان تحت ضوء القمر القلق الذي يحدق فيهما حينا، ويعاود الاختباء خلف غيوم المساء الداكنة حينا آخر، كان بدرا، والبرد يلملم اجنحته الخريفية هذه المرة، ورغم مرور اكثر من عام على لقاءهما القديم، ولم يكن حولهما ما يشي بالحياة سوى نقيق الضفادع القادم من البركة التي خلفتها الأمطار في الليلة السابقة أيضا ، وصوت الجنادب الليلية، أشجار الطرفة المغسولة مازالت تختزن حركة خجولة لتضوع برائحتها حولهما، هما فقط يشعران بالأسى الشديد هذه المرة، فبعد مرور عام، ما زالا يحاولان تزجية الوقت بالاستمتاع بكل حركة، وصوت ينبعث من هنا أو هناك ، ونسمة معبأة بالحياة، وليس سوى الحياة، وما زالا يجدّان في البحث عن مكان صالح لتحميض الصور، وأحمد لم يتمكن من جمع المال الكافي لشراء الكاميرة، وكل ما تمكن من معرفته هو إن تلك المرأة الملتفة بعباءتها السوداء ليست سوى ( رابعة ) جارتهم الحسناء، التي لم ولن يتزوجها المصور علي حمة خان .



#لمياء_الآلوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (حمدة ) قصة قصيرة
- أوقات تحت أجنحة الحُبارى !
- مملكتان في قبو !
- تلك نجمة عراقية
- على مسافةِ رغبات
- إمرأة


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمياء الآلوسي - قصة قصيرة ( اسرار الليل )