مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 7283 - 2022 / 6 / 18 - 19:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
باستثناء الجامعات العربية التقليدية كالأزهر والقرويين والزيتونة وغيرها من الجامعات الدينية العتيقة فان الجامعات العربية في معظمها تعد حديثة النشأة وأول كلية حديثة تم افتتاحها في الوطن العربي هي كلية الطب بالقاهرة سنة 1827، ثم تلتها الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1866، وجامعة القديس يوسف سنة 1875، ثم جامعة الجزائر سنة 1879، وإذا استثنينا الجامعة المصرية التي نشأت سنة 1908، فان العمر الزمني لمعظم الجامعات العربية لا يتعدى الثلاثين عاما. ففي نهاية عقد الأربعينات من القرن العشرين لم يتجاوز عدد الجامعات العربية ست جامعات، جامعتان وطنيتان في القاهرة ودمشق، وأربع جامعات أجنبية اثنتان في بيروت، واحدة في الجزائر وأخرى في القاهرة. وابتداء من الخمسينات أخذت الجامعات تتزايد بشكل عشوائي مواكبة إعلان الاستقلال السياسي للدول العربية. وتجاوز عدد الجامعات العربية نهاية التسعينات المائة جامعة.
ما تزال الجامعات في معظم الدول العربية مؤسسات حديثة المنشأ. ومع أنها حققت خلال هذه الفترة نقلة علمية متقدمة في التعليم. لكنها لم تصل إلى إحداث الأثر المطلوب في أهداف التعليم العالي الأخرى وبخاصة في مجال البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية. لقد حققت الجامعات العربية الكم المطلوب للمجتمع العربي من الأخصائيين والمختصين، لكنها لم تستطيع أن تحقق النوع، وان برز على الساحة أحيانا بعض الإنجازات النوعية في هذا المجال، لكنها لم تخرج عن كونها استكمالا لمراحل التعليم التي سبقتها من حيث المخرجات والأهداف التي حققتها. ولم تتمكن الجامعات العربية من تحقيق المطلوب في مجال البحث العلمي وإقامة مراكز بحثية في العلوم الإنسانية والاجتماعية متخصصة. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك أسبابا تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة وتنحصر في اتجاهين رئيسين هما:
1ـ أسباب عامة: تتعلق بسياسة الجامعات العربية وتوجهاتها. فحداثة الجامعات في الوطن العربي استدعت التركيز على التدريس وعدم إعطاء الاهتمام المطلوب للبحث العلمي ويضاف إلى ذلك عدم ربط البحوث العلمية بخطط التنمية الشاملة، إذ تتجه الجامعات ومؤسسات التعليم العربي في غالبية أبحاثها نحو البحث في المفاهيم النظرية البحتة. كما تتركز معظم البحوث فيها لخدمة الباحث فتأتي استكمالا لنيل شهادة جديدة أو لأغراض الترقيات الأكاديمية والوظيفة.
عدم توفر مستلزمات البحث العلمي في أغلب الجامعات العربية مراكز المعلومات والعناصر البشرية، وخدمات الحاسب. يرافق ذلك نقص في الأمور الإدارية والتشريعية والتنظيمية لعدم وجود برنامج مدروس لأولويات البحوث ومجالاتها، وعدم توفر نواظم واتفاقيات للاتصال بين مراكز البحث العربية، وصعوبة تسويق الأبحاث، وثقل العبء التدريسي المتوجب على عضو هيئة التدريس وعدم وجود خطة للتنسيق بين البحوث والباحثين. يضاف إلى ذلك عدم وجود الاهتمام الكافي بحضور العلماء والباحثين للمؤتمرات العلمية، وعدم توفر المناخ العلمي المناسب داخل الجامعات ذاتها. إضافة إلى ضعف التعاون البحثي مع الجامعات الأجنبية وبخاصة الأوروبية منها. مما يؤدي إلى إعاقة الانتقال الفكري والمعرفي بين أوروبا والوطن العربي وبين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية.
2ـ أسباب خاصة: تتعلق بمنهج البحث العلمي والعاملين فيه. ويأتي في مقدمتها قلة عدد الباحثين وضعف إنتاجيتهم، وعدم توفر الظروف الملائمة للعلماء والباحثين. وهو ما أدى إلى نشوء ظروف لا تساعد ولا تشجع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات العربية على البحث العلمي، منها نقص المراجع العلمية العربية والأجنبية وضآلة المبالغ المخصصة للبحث العلمي في موازنات التعليم العالي في أغلب الجامعات العربية قياسا على ما تخصصه الجامعات المماثلة في الدول المتقدمة. (فالمبالغ المنفقة على البحث العلمي في الدول العربية لا تتجاوز 0,5 من الدخل القومي في حين تنفق الدول المتقدمة أكثر من 2% من دخلها القومي على البحوث المدنية وحدها. أما الإنفاق على البحث العلمي لكل فرد من السكان فهو لا يزيد على 2,3 دولار في الوطن العربي في حين يتراوح ما بين 50 ــ 100 دولار للدول المتقدمة).
ولعل أخطر مهام الجامعة هي مهمة البحث العلمي، فالجامعة هي المؤسسة التي يوكل إليها مواكبة التقدم العلمي في العالم والعمل على تطويعه واستيعابه وإجراء أبحاث ودراسات في مختلف ميادين المعرفة لكن البحث العلمي في الجامعات العربية، بشقية البحث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية والبحث في العلوم الدقيقة أو التطبيقية، لا يحظى بالعناية الكافية سواء من حيث الميزانيات المخصصة له أو من حيث التنظيم أو من حيث مستلزمات البحث والعناية بالعقول والإبداع في الوطن العربي. والمؤشرات التالية توضح لنا هذا الواقع:
المقارنة بين الميزانيات العسكرية والأمنية وميزانيات التعليم والبحث العلمي فإن نفقات التعليم العالي والبحث العلمي تبدو هزيلة وضئيلة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن العرب يستهلكون 42% من مجموع المستهلكات العسكرية في العالم.
خلال فترة الثمانينات كان الاتحاد السوفيتي يخصص (نسبة 4,67% من الدخل القومي للبحث العلمي كانت الدول العربية تخصص 0,27% منه للبحث العلمي.
كانت نسبة العلماء في الاتحاد السوفيتي تصل إلى 5172 باحثا لكل مليون مواطن في عام 1980 وتبلغ هذه النسبة في أمريكا 2679 باحثا لكل مليون مواطن، نجدها في الدول العربية أقل من 206 باحث لكل مليون مواطن.
كان الإنفاق على البحث العلمي في الوطن العربي في عام 1980 يمثل 7,7%، (1/13) من إنفاق اليابان، وحوالي 4،5% (1/18) من إنفاق الاتحاد السوفيتي.
والجدول التالي يوضح واقع البحث العلمي في الجامعات العربية من خلال بعض المؤشرات مثل عدد الباحثين المطلق وعدد الباحثين لكل مليون شخص من السكان ومجمع الإنفاق المطلق على البحث العلمي، ونسبة الإنفاق على البحث العالمي من إجمالي الناتج القومي خلال العامين 1980 ــ 1990.
مؤشرات البحث العلمي في الوطن العربي 1980 ــ1990
البيان 1980 1990
عدد الباحثين (باحث ( 51000 77000
عدد الباحثين لكل مليون من السكان 330 363
إجمالي الإنفاق على البحث العلمي (مليار دولار) 8،3 1،3
نسبة الإنفاق على البحث العلمي من إجمالي الناتج القومي 0,97% 0,76%
المصدر: من اعدد الباحث بالاستناد إلى منى فياض، جريدة الحياة، الصادرة بتاريخ 28 ايلول1995ص19.
نلاحظ من البيانات الواردة في الجدول أعلاه أن عدد الباحثين في الوطن العربي قد تزايد من 51000باحث في عام 1980 إلى نحو 77000 باحث في عام 1990، كما ارتفعت نسبة الباحثين إلى عدد السكان من330 باحث لكل مليون شخص الى 363 باحث لكل مليون شخص، ومع ذلك تظل هذه النسبة منخفضة بالمقارنة مع مثيلاتها في البلدان المتقدمة أو حتى في البلدان النامية. لكن التطور الأخطر يبدو في المؤشر الثالث والرابع حيث تراجع حجم الإنفاق الكلي على البحث العلمي في الوطن العربي من 8،3 مليار دولار في عام 1980 إلى نحو 1،3 مليار دولار في عام 1990، كما تراجعت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في إجمالي الناتج القومي من 0,97% في عام 1980 إلى نحو 0,76% في عام 1990 بالرغم من انخفاض هذه النسبة بالمقارنة مع مثيلاتها في الدول المتقدمة والدول النامية.
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟