|
إسرائيل عدو الثقافة الأول
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:50
المحور:
الادب والفن
إسرائيل عدو الثقافة في السلم والحرب ، وما تدعي أنه " ثقافة " إسرائيلية هي ثقافات الأمم والشعوب التي جاء منها المستوطنون ، وهي ثقافات شوهتها أطماع التوسع ونيل حصة من أرباح مؤسسة لاحتلال واستثمار أراضي الغير. والثقافة في جانب منها هي تشكيل الضمير وتهذيبه ليصبح كل ألم ، وكل عوز ، وكل حرمان ، وكل عدوان ، أمرا شخصيا يؤرق المرء ، بل وقد يدفعه للانتحار أحيانا ، كما فعل أحد المواطنين في اليابان احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على لبنان . أما ما يسمى بالثقافة الإسرائيلية فإنها مجرد إنشاء بلا ضمير، تفتقر على حد قول د . عبد الوهاب المسيري : " إلي وحدتي اللغة والمكان ". وقد أدان الروائي النرويجي جوستاين جاردر الظاهرة الاستعمارية الإسرائيلية في بيان له قائلا بوضوح قاطع : " نحن لا نعترف بدولة إسرائيل بعد اليوم ، كما لم نستطع سابقا الاعتراف بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا " . ويضيف الكاتب : " إننا نبتسم بأسى بوجه من يظنون أن الرب قد اختار شعبا ما ليكون المفضل لديه مانحا إياه رخصة للقتل " ، هذا بينما أصدرت مجموعة من الأدباء اليهود بيانا استنكروا فيه الحرب على لبنان من ناحية ، وتبنوا من ناحية أخرى الهدف المعلن للعدوان الإسرائيلي وهو كما جاء في بيانهم : " القضاء على حزب الله ونزع سلاحه ". وماذا يعني القضاء على حزب الله سوى الحرب ؟ . هكذا استنكرت الثقافة الإسرائيلية الحرب ، ثم باركت أهدافها ، وأسباب اندلاعها لاحقا ! وهو ما تقوم به ثقافة الغزو التي لا تعرف إسرائيل سواها بحكم نشأتها ودورها ، ولهذا فإن الحديث عن ثقافة إسرائيلية يشبه الحديث عن قنبلة عنقودية تهوى الشعر ودبابة مولعة بالقصة والموسيقى ! إسرائيل عدو الثقافة بحكم تكوينها ووظيفتها التي خلقت لأجلها. وقد أثبتت ذلك حين شكلت ما تسميه تاريخها من فسيفساء الثقافات التي سطت عليها ، من الطعمية المصرية التي تبيعها للسائحين في تل أبيب مدعية أن تلك وجبة من التراث والتاريخ اليهودي، ومما سرقته من كنوز أثرية في مدن و قرى الجولان المحتل ، وأثبتت ذلك حين سطت على 572 قطعة أثرية مصرية توجد الآن في متاحف تل أبيب، بل واستخدمت في سطوها الطائرات المروحية لنقل أعمدة بعض المعابد والتماثيل المصرية إلي متاحف تل أبيب، ولأنها قاعدة عسكرية بلا ثقافة أو تاريخ ، فقد جمع الباحث الإسرائيلي" دوف نيو" 266 نموذجاً من موسيقى بدو سيناء وتم تصنيفها زوراً ضمن مايُسمّى بـ "التراث اليهودي". ومع بدء الحرب الأمريكية على العراق قدمت إسرائيل لأمريكا خرائط مفصلة بالأماكن الأثرية العراقية ، وشاركت في نهب التحف والتماثيل ونقلها ، وفي حينه قدمت المذيعة الإسرائيلية " ميكي حايموفيتش " برنامجا على التلفزيون الإسرائيلي ، قالت فيه : " ينبغي أن يبادر طيارو التحالف الى قصف هذه الأماكن الأثرية من البر والبحر والجو ، إذ لا يمكن التخلص من الإرهاب الشرقي إلا بتدمير شامل لتاريخ هذه المنطقة الحضاري " . وإسرائيل لا تسطو فقط على المياه الجوفية بغزة ، ولكنها تسطو على كل أثر ، وفن شعبي ، وعملات قديمة ، وتنسب كل ذلك لتاريخها الموهوم ، وتخلق من كل هذا كذبة " ثقافتها " . وخلال العدوان الأخير على لبنان، تعمدت إسرائيل قصف وتحطيم برج المنارة غرب بيروت ، وهي واحدة من أقدم منارتين في لبنان . واضطر مدير اليونسكو " ماتسورا " إلي توجيه نداء ملح لإسرائيل يطالبها بعدم المساس بالمواقع الثقافية في لبنان وخاصة آثار مدينتي بعلبك وصور. خلال الحرب أيضا وتحديدا في 22 أغسطس شنت الطائرات الإسرائيلية تسع غارات على متحف " معتقل الخيام" وألقت عليه ربع طن من المتفجرات والقنابل العنقودية إلي أن تحول المتحف إلي كومة من الحجارة . قصة ذلك المتحف تعود إلي ما بعد تحرير لبنان ، حين فكر بعض الفنانين في تحويل سجن الخيام الذي كانت إسرائيل قد أقامته في الجنوب إلي متحف ، وتشكلت لجنة تولت الاتصال بفنانين تشكيليين من جميع أنحاء العالم ، فجاءوا إلي السجن القديم ، ورسموا على بوابات زنازينه وساحاته المعدة للتعذيب أجمل ما في نفوسهم من أمنيات وحب للحرية وأمل في عالم جديد . لكن البربرية الإسرائيلية دمرت اللوحات والجداريات وكان من ضمنها أعمال لجيوفاني فرانكو الإيطالي ، وميراي إيرهامس النرويجية ، وإدوين فورتيه من هولندا ، مع أعمال كبار الفنانين العرب مثل طلال المعلا السوري ، والمصريين محمد عبلة ، وعبد السلام عيد ، وآخرين من الأردن والعراق والسودان واليمن . ترتكب إسرائيل كل هذه الجرائم الثقافية ، بينما نعاملها نحن معاملة حضارية ، بل وتقوم حكومتنا المصرية الآن بإعداد خطة لترميم ثلاثة نصب تذكارية إسرائيلية كانت إسرائيل قد أقامتها تخليدا لذكرى جنودها على الطريق الرئيسي للعريش ، وفي وسط سيناء ، وفي مركز الشيخ زويد . لقد أثبتت إسرائيل أنها عدو الثقافة الأول في المنطقة بأكملها ، والحديث عن التطبيع الثقافي في هذه الحالة يطرح السؤال : تطبيع ثقافي مع من ؟ مع أعداء ولصوص الثقافة ؟
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نجيب محفوظ لحظة وداع
-
حجر وورد .. وجوه لبنانية
-
تحرير الانتصار اللبناني من الكذب القادم
-
المقاومة اللبنانية وتفكيك الشخصية الصهيونية
-
لن نغفر ولن ننسى
-
المقاومة اللبنانية وفلاسفة الهزيمة
-
الليل طويل والطيارات مش نايمة
-
لم يبق في غزة سوى الهواء
-
نبيل الهلالي . سحابة العدل
-
انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
-
جينا لندن ترصد أدق الرغبات
-
ساندوا الشاعرة الفلسطينية سارة رشاد
-
سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي
-
شلنات وبرايز
-
لا للتمييز ضد البهائيين المصريين .. نعم لحرية الاعتقاد
-
البهائية والنزعة السحرية
-
ما الذي يريده الشعب المصري ؟
-
تبني مطالب الأقباط .. هو الطريق للخروج من الأزمة
-
الآداب السلطانية . نص متجدد
-
أطوار بهجت .. من الشعر إلي الحرب
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|