|
مسرحية مونودراما الرعب والمطر
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7280 - 2022 / 6 / 15 - 02:05
المحور:
الادب والفن
مسرحية مونودراما
الرعب والمطر
طلال حسن
غرفة مظلمة ، ليل ، شاب يرقد على السرير ، صوت اطلاقة
الشاب : " يعتدل خائفاً " يا ويلي ، اطلاقة ، اطلاقة مسدس ، في هذا الوقت من الليل " يتلفت صامتاً " ترى من القاتل ؟ ومن المقتول ؟ آه كالعادة سيقولون ، ألقي القبض على الجثة ، والقاتل مجهول الهوية " يصمت " إن القاتل ، في مدينتنا الميتة هذه ، مجهول الهوية دائماً ، نعم مجهول الهوية ، رغم أن الجميع يعرفونه ، لكنهم يخشون القول من هو ، بل إنهم يخشون حتى الإشارة إليه " يتمدد ثانية " فلأتمدد ، لعلي أنام وأرتاح ، عسى أن لا أسمع اطلاقة مسدس ، حتى في منامي .
يدق جرس الباب ، فيهب الشاب ، ويسقط من السرير
الشاب : الجرس ، جرس الباب يدق " يتحسس جسمه " أخشى أن أكون قد أصبت بأذى ، آه حمداً لله ، إنني لم أصب بكسر ، إنها رضوض فقط " الجرس يدق باستمرار " الجرس مازال يدق " ترى من يكون ؟ " يتلفت حوله " كم الساعة الآن ؟ " ينظر إلى ساعة على الجدار " آه إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً ، إن منع التجول قد بدأ قبل ثلاث ساعات ، والموت يعم شوارع المدينة ليل نهار " صوت عاصفة وأمطار " العواصف تزداد عنفاً في الخارج ، وكذلك الأمطار ، لعلها تريد أن تغسل شوارع المدينة من الدماء والجثث ، التي كانت لبشر مزقتها الانفجارات العمياء ، الأمطار الغزيرة تريد أن تغسل رائحة الموت من المدينة ، وهي ربما قادرة على ذلك ، لكنها لا يمكن أن تغسل قلباً ملوثاً برغبة القتل " يصمت " إن المدينة تأكل أولادها ، الكلّ مرشح للموت ، والكل مشاريع للذبح ، الجميع يدعي بأنه يقتل القاتل ، كلهم قتلة ، وأنا وحدي الضحية " ينصت إلى الجرس " من يقرع جرس بابي ؟ وما معنى أن يقرع في هذا الوقت من الليل ؟ إنه الموت ، ولا أحد غيره ، قادم في طلبي ، إنها النهاية " يتلفت حوله " لم أقترف ذنباً ، وآلة الموت الصماء تطحن ولا تقاضي ، وإن مبرر القتل جاهز لديها ، هل أفتح الباب ؟ كلا ، لكن إذا لم أفتح الباب ، فلن أنجو ، إنهم سيدخلون بطريقة من الطرق ، لا جدوى ، ما العمل ؟ "الجرس مستمر " الجرس يدق بإصرار ، إصرار الموت المحتم ، الذي لا مهرب منه ، إنني بين فكي وحش غريب ، وجهاً لوجه مع أكبر حقائق الكون ، الموت ، إنه أكبر حقيقة في العالم ، وأكثرها غموضاً ، أن تواجه طلقة ، أو قذيفة ، في جبهات القتال ، الموت هكذا أهون بكثير من أن تكون فأرة بين مخالب قط لا يرحم ، أصرخ يأساً ، ليس الموت ما يخيفني ، بل طريقة الموت ، إن الطلقة أرحم من أن يمضغني فكين مفترسين ، إنها طلقة الرحمة ، ليس الارتطام بالأرض ، بعد مسيرة السقوط من أعلى ، هو المرعب ، بل المسيرة نفسها ، إن الطلقة أرحم من أنياب الوحش ، إن الطلقة أرحم من جز الرقبة بالسكين ، إن الموت واحد ، وإن كانت الطرق متعددة ، وهذا هو الذي يجعل الإنسان ينتحر ، إن رؤية سقوطنا من الهاوية ، أبشع من ارتطامنا في قاعها " صمت " إن من يحمل سلاحه في الجبال والوديان والأهوار ، ويقاتل الطغيان والجبروت ، ليس أكثر بطولة ممن يقبع في السجون وأقبية التعذيب ، فالذي يحمل السلاح ، يمتلك طلقة الرحمة ، ويستخدمها متى وكيفما يشاء ، ولكن الويل للقابع بين مخالب عدوه في السجون ، فهو لن يفلح ، مهما حاول ، أن ينتزع طلقة الرحمة من قلب عدوه الصخري ، إنه أكثر بطولة من جيفارا نفسه ، ومن كل أبطال التاريخ ، من سبارتكوس مروراً بجان دارك وزاباتا وعنترة والقرامطة والزنج وغيرهم ، إن جيفارا حدد مصيره بنفسه ، ومات بالطريقة التي اختارها ، على طريق ثورة الشعوب المستعبدة ، أما من هو داخل الأسر ، بين يدي عدوه وأنيابه الحاقدة ، في قبو مظلم ، مقيد اليدين والساقين ، أو معلقاً بمروحة كهربائية ، يتفنن جلاده في تعذيبه وإطالة احتضاره ، فإنه عديم الحيلة أمام عدوه ، الذي هو كطفل سادي ، يتلذذ بتقطيع أوصال حشرة ، وليس بامكانه أن يجبر عدوه ، أن يطلق عليه رصاصة الرحمة ، فيصبح انتظار الموت هو موت بحد ذاته ، يصبح الزمن غولاً ثقيل الخطوات ، يسحق الروح سحقاً ، قبل أن يجهز على الجسد ويسحقه " صمت الجرس مازال يدق "
الجرس مازال يقرع ، الشاب يقف مرعوبا خلف الباب
الشاب : يا ويلي ، الجرس لم يكف لحظة واحدة عن الصراخ ، افتح .. افتح .. افتح ، أفتح للموت الذي يقبع وراء الباب ؟ كلا ، كلا " يصمت ويضع أذنه على الباب " لا أسمع صوتاً ، لكن ليس للموت صوت ، ترى من يكون حقيقة وراء الباب ؟ ومن يدق الجرس في هذا الوقت من الليل وبهذا العنف والإلحاح والإصرار ؟ من غير الموت " يتراجع خائفاً " الموت يصرخ فيّ ، بصوت لا يسمعه غيري ، يصرخ افتح الباب وإلا سوف أحطمه ، وأدخل عليك ، وأحطمك أنت الآخر " يدور حول نفسه " يا ويلي ، المطر غزير ، والظلام دامس ، والموت قادم ، إنني كالواقف في الصحراء تحت العواصف والأمطار ، كالفأر الضعيف بين مخالب القط القاتلة ، لابد من الاستسلام ، لابد من الاستسلام ، لابد من الاستسلام " يجثو على الأرض " في زنزانة التعذيب ، يكون الموت رجلاً من لحم ودم ، يقف أمامك مدججاً بكل أنواع الأسلحة ، وأنت مجرد إلا من روحكَ ، كالعاري يواجه عواصف ثلجية ، تحت تأثير الأسلاك الكهربائية ، حتى مقياس الزمن يختلف ، اللحظة تصبح دهراً ، والدهر يختصر بلحظة ، كأني في فاع بئر ، وقد غادرتني جميع صلوات أمي وبخورها وأدعيتها ، وليس معي في البئر إلا نمر جائع ، أية محاولة مني ، أو مقاومة ، مهما صغرت ، فإنها لا تبعد الموت عني قيد أنملة ، أشد مقاومة تتساوى مع أدنى استسلام ، حتى الصراخ اللاإرادي هو عبث لا طائل منه ، لا أشعر بأنه نابع من داخلي الخاوي ، بل من أعماق الجنس البشري ، على امتداد التاريخ ، منطلقة إلى أبعد من المستقبل البعيد ، الغارق في الفضاءات اللانهائية اللامحدودة ، آه والجرس مازال يدق .. " يصمت " عندما تُسحق الروح ، لا يبقى لأقوى المُثل قيمة تذكر ، بل إن البطولة والرجولة والإصرار تصبح مثار الهزء والسخرية ، إن أعظم الحكم والأمثال ، وكلّ ما سطره تاريخ الإنسانية ، لا يساوي لفافة تبغ الآن ، وتندثر كل جبال الأرض كلعب الأطفال ، وتصير ضحكة طفلي ، وكسرة خبز حار من تنور أمي ، ورائحة الشاي ، وسط العائلة ، أغلى ما في الوجود ، الأشياء الكبيرة تصغر ، حتى تكاد تتلاشى ، والصغيرة ، أو التي كنا نراها صغيرة ، تكبر ، حتى لتصبح هي الحياة ذاتها ، ما قيمة الهراء المنمق الآن عن الحرية وحقوق الإنسان ، ومجلس الأمن والأمم المتحدة ، كلها لم تعد تساوي عندي قلامة ظفر ابني ، الذي سأفقده أو سيفقدني ، كلّ تلك التي تسمى مثل وقيم ما هي إلا عبارات جوفاء ، وسحابة صيف " يصمت " ستعيش من بعدي يتيماً ، يا ولدي ، كريشة وحيدة تتقاذفها الريح ، لقد جنيتُ عليك ، يا ولدي ، لأني جئت بك إلى هذا العالم الموحش ، إن قلبي ينزف دماً عليك ، كلّ ما يهمني في هذا العالم هو أنت ، والآن قد أيقنت بأني قد فشلت في إسعادك ، إن الفراق الأبدي بيننا قد اقترب ، وروحي ستنفصل عن جسدي ، ولم يوقفني عن التفكير بك سوى هذا الجرس ، وهو مازال يقرع بإلحاح " صمت " النهاية ، عندما تقترب النهاية ، أو يخيل إلينا أنها تقترب ، تكون مرآة صادقة ، تعكس تاريخنا ، وتعكس أعماقنا ، وتدفعنا إلى الحسرة والندم ، لكن السيف سبق العذل ، وربما تحددت نهايتنا ، ولم يبقَ لنا إلا الحسرة ، آه لو .. نعم ، آه لو استطعت أن أرضي أبي ، اخترت ما رأيته حضارياً وصائباً ، وهذا ما لم يتفهمه أبي ، وللأسف رحل دون أن يتفهمني ، رغم حزنه العميق للملاحقة التي عانيت منها ، والسجن الذي زججتُ فيه ، ومن يدري ربما مات كمداً من خياري ، وأمي الطيبة ، التي كلت أقدامها ، وهي تسعى ورائي من سجن إلى سجن ، لم تقل لي مرة أنت مخطىء ، إنها تحبني حد العبادة ، فكيف يمكن أن أكون مخطئاً في نظرها ؟ ومن حسن حظها أنها رحلت ، قبل أن ترحل زوجتي ، التي أحبتها كما تحب ابنتها ، هذا لو كانت لها ابنة ، أما زوجتي ، ملاكي الحارس ، فهي جرح عميق لن يندمل ، طالما أنا على قيد الحياة ، عرفتها وعرفتني ، وتمنيتها لكني ترددت ، رغم خوفي ، وهي الشابة الجميلة ، أن يأتي أحدهم ، ويخطفها من أمامي ، وبدل أن أقوم أنا بالخطوة الأولى ، كانت هي أشجع مني ، وقامت بها ، أحبتها أمي ، وأحبتها أكثر عندما جاءتنا بطفلنا الأول ، ورحنا وسط مخاوفنا نخطط للمستقبل ، رغم أن الرياح كانت تسوق إلينا مصيراً غامضاً ، اختطفوها مني ، وزجوها في السجن قبلي ، ربما ليؤثروا عليّ ، ثم أخذوني ، وضغطوا عليّ بشتى أساليبهم الوحشية ، وكدت أن أنهار خوفاً عليها وعلى صغيرنا ، الذي مازال صغيراً ، لكن جاءت الضربة عندما علمت أنها انتهت بين أيديهم المتوحشة " صمت " لم أنهر ، كيف أنهار ، وزوجتي رحلت ، دون أن تنهار ؟ ماذا أقول لها ؟ وماذا أقول لطفلي حين يكبر ؟ كدتُ أنهار خوفاً عليها ، لكن ها هي قد رحلت ، تحمل رفقتي ، تحمل خياري وخيارها ، فكيف أتخلى عنها ؟ كيف أنهار ؟ " يصيح وسط صوت العاصفة وانهمار المطر " لا ، لن أنهار .. لن أنهار .. لن أنهار " يصمت وقد أطرق رأسه " وقررت أن أهرب ، وأتيحت لي فرصة للهرب فهربت ، هربت من الموت المؤكد ، الذي حتموه عليّ ، هربت أريد الحياة ، ولجأت إلى هذا المكان ، ريثما تتاح لي فرصة للخروج إلى الجبال ، حيث رفاقي يقاتلون حباً بالحياة ، ورفضاً للظلم والموت المجاني ، وأنا الآن قاب قوسين أو أدنى من الحياة ، بيني وبينها هذا الباب ، وهذا الجرس ، الذي لا يسكت ، ويقول لي .. افتح الباب .. افتح الباب .. " يتجه نحو الباب " سأفتحه .. سأفتحه .. وليكن ما يكون .. لكني لن أستسلم .. سأقاوم حتى النفس الأخير " يفتح الباب " ها أنا ذا أيها القتلة .. ها أنا ذا " يتوقف مذهولاً " يا إلهي ، لا أحد بالباب ، غير الليل .. والظلمة والمطر .. المطر .. المطر " يصمت " الجرس مازال يدق ، من دقه ؟ من يدقه ؟ " ينظر إلى الجرس " آه المطر .. الجرس انساب إليه ماء المطر ، وجعله يدق .. يدق .. يدق . أظلام تدريجي صمت تام ستار
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية من فصل واحد الصحراء
-
مسرحية من فصل واحد الشجرة
-
الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
-
مسرحية عقارب الساعة
-
قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال
...
-
مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
-
مسرحية الجدار
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|