أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - هل أصبحت تافها...؟














المزيد.....

هل أصبحت تافها...؟


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 7279 - 2022 / 6 / 14 - 04:37
المحور: الادب والفن
    


مدارات: هل أصبحت تافها...؟
بقلم: ادريس الواغيش
لم يكن انضمامي إلى شبكة وسائط التواصل الاجتماعي (Social Media) من يوتيوب، فايسبوك وواتساب ترفا، وإنما جاء طواعية، هي التي لم أكن أعرفها قبل بداية الألفية الثالثة. لم أكن من السباقين ولا المتهافتين عليها، ترددت كثيا قبل أن أفعل، ومع مرور الوقت ألفتها وأصبحت واحدا من روادها المخلصين. حدث ذلك في البداية بحجة تبادل الأفكار والمعلومات، والبحث عن المعرفة الجادة والهادفة. لم يخطر في بالي أنني سأداوم عليها وأصبح واحدا من المدمنين مثل ملايين البشر عبر العالم.
حين دخلت إلى عوالمها كنت منتصرا ومزهوا بثقافتي، كان هدفي الاستمتاع بمقطوعات موسيقية شرقية وغربية راقية والاستماع بمقاطع خالدة من أغاني أم كلثوم واسمهان وعبد الحليم وفيروز ونجاة الصغيرة وغيرها في الشرق كما في الغرب، وبما يقابله من جمال موسيقي وأغاني طربية للفنان عبد الهادي بلخياط والموسيقار عبد الوهاب الدكالي ونعيمة سميح ولطيفة رأفت على الضفة الأخرى التي تقابلها غربا وجنوبا في المغرب.
أسافر في شبكتها إلى أقصى غربة في طفولتي وأقساها، وها أنا اليوم على أبواب كهولتي، حين كان التجوال صباحا ومساء وسط أدغال الغابات القريبة من بلدتنا في أرياف تاونات وعرصاتها وجنانها من أهم طقوسنا اليومية. نغازل الطيور في علياء ربيعها وبين أغصان الأشجار، وهي ترمم أعشاشها وتطعم فراخها أو تعلمها دروسا أولية في الطيران وتدرسهم أبجدية الغناء، وتفادي مكر الإنسان وفخاخه المنصوبة والنيل منها برمية حجر.
كنت أتفرج على جمال الطبيعة وسحرها وغرائبها وغرائبيتها مع أفلام ناشيونال جيوغرافيك الوثائقية، تستهويني لقطات الكاميرات وسحر عدساتها، وهي تجوب الشرق والغرب، وأنا أستحضر في كل ذلك جزءا من أسرار الطبيعة في محيط قريتي "أيلة" وجبالها ووهادها.
كنت مسكونا دائما بما هو ثقافي نبيل وراقي في دواخلي، وأحرص على الحفاظ عليه والتشبث به ما استطعت، شديد الحذر حين أضع رجلي في غابة يختلط فيها المتجانس والغير متجانس والصالح والطالح. أشعر بالضجر وأنا أتناول فطوري في الصباحات الماطرة بالمقهى وسط ضجيج لا أول له ولا آخر وتركيبة بشرية متنافرة: سائقو سيارات الأجرة، ناقلو البضائع، مياومون، موظفون، مأجورون ذكورا وإناثا يناقضون بعضهم في أذواقهم واهتماماتهم. أجد بعضهم غارقا في سماع قراءات قرآنية أو أغاني شعبية صاخبة لا تليق بأجواء الصباح، وآخرون يعيدون سماع تسجيلا صوتيا لمقابلة كروية سابقة في الزمن، يقدمها واصفون رياضيون مبحوحي الصوت، وسكيتشات هزلية يقدمها فكاهيون شبه مشهورون. لا أحد منهم ينصت لأحد كأنهم في عوالم منعزلة، تفرق بينهم ملايين الأميال وغلافات جوية سميكة.
الغريب أن الكل يقبل بالآخر في اختلاف واضح لم يكن يقبل به أحد من قبل في مجالات أخرى. مشهد درامي بالمقهى يحتار السوسيولوجيون في تفسيره. الناس يستمتعون بأصوات هواتفهم المرتفعة وضجيجها في غياب تام للسماعات، رغم أنها موضوعة إلى جانبهم على الطاولات.
نادل المقهى يؤدي وظيفته اليومية المعتادة، يلبي طلبات زبائن الصباح الباكر وقد ألفوا وجوه بعضهم، وتعودوا على ملامحها. تسرق نظرة خاطفة إلى النادل، تجد عينيه مركزتان على شاشة تلفاز المثبت بالحائط وأذنه ملتصقة بسماعة هاتفه. وضع سيتغير بعد أن يتوافد الزبائن الرسميون من عاطالين وممتهني الرصد بعد طلوع الشمس، وتمتلىء المقهى عن آخرها بكل تناقضاتها اليومية. كنت أتضايق سابقا من مثل هذه المشاهد، أستبدل مقهى بأخرى، ولكن أجد نفس الأجواء تقريبا، ويكون استبدال النادل وأجواء مقهى ألفتها مجرد مضيعة للوقت وإكراها للنفس.
ومع مرور الوقت أصبحت واحدا منهم، أقبل بأي شيء وبكل شيء. في ظل زمن طغت فيه التفاهات على الأرض وفي البر والبحر ، وصرنا كلنا عبيدا لهذه الوسائط. أصبحت مثلهم، وقد تنازلت طواعية عن صفة المثقف والقارىء والكاتب. أصبحت بدوري أتحسس هاتفي في جيبي أول ما أجد نفسي داخل المقهى، بدل أخذ كتاب من محفظتي وتصفح محتوياته. هكذا بت أقرب إلى الدهماء وعامة الناس، أنتمي إلى هؤلاء العبيد الذين استهوتهم التكنولوجيا الحديثة وغررت بهم واستعبدتهم. أعاني مثلهم من سطوة التفاهة ووسائط التواصل الاجتماعي وما تقدمه من رداءات، لكن كيف حصل لي ذلك؟ وهل صرت فعلا إلى هذه الدرجة تافها..؟ لا أعلم..!!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زرقة البحر تعرفني
- الدرك الملكي في أزرو يفسد عليّ عطلة الأحد
- أسابق ظلي نحو الغياب
- -الخطاب بين القراءة والتأويل- محور ندوة دولية بفاس
- أسئلة الزمن وصياغتها الجمالية في شعر مليكة العاصمي
- ميلاد أكاديمية بفاس لكمال الأجسام والفتنس
- نوستالجيا: هل يكون أخنّوش أَمَرُّ عِقْداً وأحكمُ أمرًا من صا ...
- الحَرب المُمكنة خسرتها الجزائر
- قصة قصيرة: ندب قديم
- فاس تودّع الأديب المهدي حاضي الحمياني
- بعد إسبانيا وألمانيا وفرنسا، من يستطيع التجرُّؤ على المغرب.. ...
- رحيل الأسمراني ابن الأرض إبراهيم الحجري
- نوستالجيا: ذكرياتي مع مدينتي سبتة ومليلية
- نوستالجيا: في الطريق إلى العيون
- الوثائق الملكية تثبت العلاقة الوطيدة بين الفرد والأرض في الص ...
- ألمانيا من الحياد إلى الانحياز للبوليساريو، هل تجرؤ...؟
- مؤسسة مقاربات تحتفي بشهر الشعر
- الإفلاس الإعلامي الجزائري
- منتدى فاس روح العولمة يستعرض الميثاق الإبراهيمي من أجل إنسان ...
- الشاعر محمد يعيش فخرُ الدكتوراه


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - هل أصبحت تافها...؟