هجرة الأطباء العرب

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7274 - 2022 / 6 / 9 - 22:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

فرنسا- الوضع الهش للأطباء الأجانب

تظاهرَ الأطباء من ذوي الشهادات الجامعية من خارج الإتحاد الأوروبي، يوم 31 أيار/مايو أمام مبنى وزارة الصّحّة بباريس، احتجاجًا على المَيْز القانوني وعلى هشاشة وضعهم المهني والمادّي، فمعظمهم يعملون بمختلف الإختصاصات، منها الإختصاصات النّادرة، بمستشفيات القطاع العام التي تُشَغِّلُهم بعقود هشّة ومُؤقّتة، وبرواتب منخفضة، لأنهم حاصلون على دبلومات غير أوروبية، سواء في جراحة القلب أو أنواع السّرطان الأكثر تعقيدًا، وجاء بعضهم من شرقي آسيا وآخرون من إفريقيا والوطن العربي، ونجحوا جميعًا في اجتياز اختبار التحقق من صحة المعارف الطّبِّيّة، يليه تدريب لمدة سنَتَيْن، قبل المثول أمام لجنة الممارسة التابعة للإدارة المركزية المُكلّفة بالإشراف على أطبّاء الصّحّة العمومية في مراكز البحث العلمي ومستشفيات القطاع العام، رغم عَمَلِ بعضهم بمجالات البحث العلمي لعدّة سنوات نَشَرُوا خلالها نتائج البحوث الطبية في المجلات المُتخصّصة، ويعمل الأطباء الأجانب (أو من أصحاب الشهادات من خارج الإتحاد الأوروبي) لمدة لا تقل عن خمسين ساعة في الأسبوع (في مستشفيات القطاع العام)، وبعد عشر سنوات من الأقدَمِيّة يكسبون أجرًا صافيا بمعدّل 2500 يورو شهريا...
يُقدّر عدد ملفّات هؤلاء الأطباء التي تنتظر البتّ بحوالي 5300 ملف ( بنهاية أيار/مايو 2022) ينتظر أصحابها استدعاءً من قِبَل الإدارة المُشرفة لفحص التحقق من المهارات، بينما يعمل هؤلاء الأطباء بالمستشفيات، بشكل يكتنفه الغموض، ويضطر بعضهم إلى العمل كممرضين فيما يبقى بعضهم "مُتَدَرِّبًا" لمدة أربع سنوات، بدل سَنَتَيْن، قبل المثول أمام لجنة للحصول على وضع "طبيب ممارس في المستشفى"، ويضطر بعضهم إلى الحصول على شهادات إضافية في فرنسا ونَشْر بُحوث ودراسات عديدة لكي يفْتَكُّوا اعترافًا بقدراتهم، مقابل أجْرٍ صافي يعادل 2500 يورو، بينما يكسب زُملاؤهم ضعف هذا المبلغ...
لماذا يُهاجر الأطباء الذين أنْفَقَت دُولُهم وشعوبهم مبالغ ضخمة على تعليمهم وتأهيلهم؟
هجرة الأطباء، استنزاف عِلْمِي ومالي
في شباط/فبراير 2022، 2022 ، قال الدّكتور "إلياس مرابط"، رئيس نقابة العاملين بالصحة العمومية بالجزائر، أنه يتوقع هجرة ألف ومائتي طبيب جزائري من مختلف التخصصات، إلى فرنسا، من إجمالي حوالي ألفيْ مُتخرّج، في بلد يعاني من نقص خطير في الأطباء وموظفي الرعاية الصحية، كما يقدر البنك الدولي أن الجزائر لديها 1,7 طبيب فقط لكل 1000 نسمة سنة 2018، مقارنة ب6,5 لفرنسا و 4,9 للاتحاد الأوروبي و 3,8 لجميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويُعتبر رحيل عدد كبير من الأطباء الذين تم الإنفاق على تعليمهم وتأهيلهم من ميزانية الدولة ( بمعدل 22% إلى 25% من المُتخرّجين سنويا) خسارة كبيرة، رغم القُيُود وشُرُوط الهجرة.
وجب التّساؤل عن دوافع الهجرة، رغم الرواتب التي تَقِلُّ كثيرًا عن رواتب زملائهم الفرنسيين، ورغم حرمانهم من الترسيم بعمادة الأطباء بفرنسا، فقد أظهرت أزمة انتشار وباء "كوفيد-19" هشاشة النظام الصحي بالجزائر (ومعظم البلدان العربية)، من نقص الأكسجين والافتقار إلى المعدات المناسبة، وعدم تأهيل المستشفيات والأطباء لحالات الطّوارئ، فضلا عن دوافع أخرى للهجرة، منها اليأس من تغيير أو إصلاح النظام الصحي، وتدني الرواتب في القطاع العام ( بين 80 ألف دينار، أو 505 يورو و 114 ألف دينار، أو 720 يورو)، وظروف العمل وآفاق الإرتقاء في السُّلَّم الوظيفي
أظْهَرَ تقرير المعهد الوطني (الفرنسي) للإحصاء، فإن المعدل الإجمالي لهجرة الأطباء الجزائريين بلغ 23,35% سنة 2018، يوتم احتساب هذه النسبة انطلاقًا من مكان الولادة، أي أن الرقم يشمل الأطباء العاملين بفرنسا والمولودين في الجزائر، بغض النظر عن مكان تدريبهم (فرنسا أو الجزائر) ، والممارسين في فرنسا، ولا يشمل المتدربين ( الدّاخِلِيِّين) ولا المُتعاقدين بشكل مُؤقّت، وتهتم المستشفيات والمصَحّات الخاصة الفرنسية بالأطباء المغاربيين في يعض الإختصاصات كالأشعة وأمراض الكلى والطب النفسي، وقدّر مجلس نقابة الأطباء الفرنسيين عدد الأطباء الحاصلين على درجات علمية في الجزائر ويعملون بفرنسا بحوالي 4500 طبيب فيما قدّرتهم أوساط نقابية فرنسية بما لا يقل عن سبعة آلاف، ما يُمثّل استنزافًا لمقدرات الجزائر...
إن هجرة الأطباء (والمهندسين والباحثين والأكاديميين، بشكل عام) ليس "اختصاصًا" جزائريًّا، بل قدّر تقرير برلماني مغربي أن حوالي سبعة آلاف طبيب مغربي يعملون بالخارج، سنة 2021، كما قدّرت عِمادة الأطباء بتونس هجرة ثلاثة آلاف طبيب (من إجمالي عشرة ملايين نسمة) إلى الخارج، خصوصًا إلى فرنسا وألمانيا، ما يُشكّل دعمًا ماليا وعلميا مغاربيا لدول أوروبا الإستعمارية...
يشتكي أطباء دول فقيرة عديدة من سوء ظروف العمل ومن تدنِّي الرواتب ومن البيروقراطية ومن انسداد آفاق البحث العلمي، وما إلى ذلك من الأسباب التي تدفعهم إلى الهجرة، رغم الإستغلال الفاحش الذي يتعرضون له في بُلدان تُؤهّل نسبة تتراوح بين 60% و 70% من حاجتها إلى الأطباء (ألمانيا وسويسرا وفرنسا...)، وتُعوّل على المُهاجرين لسدّ ما بين 30% و 40% من حاجتها بمختلف اختصاصات الطب والبحث العلمي المتعلق بالأمراض المختلفة، برواتب منخفضة (حوالي 50% في المتوسط، مقارنة بزملائهم) وبشروط مُجحفة، حيث يعمل معظمهم لفترة لا تَقِلُّ عن ثلاث سنوات بقسم حالات الطوارئ، خلال عطلات نهاية الأسبوع والأعياد الرسمية، لفترة 48 ساعة متتالية في مستشفيات القطاع العام، التي تعاني من نقص شديد في عدد الأطباء، ولذلك تُشغّل "العَمالة المُخْتَصّة الرخيصة" من الأطباء الحاصلين على شهادات أجنبية، الذين سوف يشلّون عمل المستشفيات العمومية الفرنسية، يوم يُقرّرون الإضراب عن العمل...
يندرج إهمال قطاع الرعاية الصّحّيّة والعاملين بمجال الصحّة والطّب والبحث العلمي، ضمن إطار عام يتمثل في طبيعة الأنظمة الحاكمة بالدّول الفقيرة، الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية والإستعمار الجديد، فهي أنظمة لا تهتم بمصالح الشّعوب ولا تُخطّط للإكتفاء الذّاتي ولا لرفاهة المواطنين، ولا علاقة لذلك بالثّراء أو الفَقْر، فالجزائر دولة غنية والمغرب وتونس دول أقل ثراءً ويشترك مواطنوها (بمن فيهم الأطباء) في الهجرة المُكثّفة للعاملين في كافة قطاعات العمل اليدوي كما في قطاعات الطب والبحث العلمي، بينما أولت دولة كوبا الفقيرة والمُحاصرة، منذ ستة عُقُود، أهمية للطب والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية...

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات