الأربعاء 21 مايو 2003 18:06
تحولّت ظاهرة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي على وجه التحديد إلى أعقد ظاهرة سياسيّة و أمنيّة و إجتماعيّة، وقد أنتجت هذه الظاهرة سلسلة لا مثيل من الدراسات والمقالات و الإنشغالات الفكريّة والبحث عن الجذور التاريخية و السياسية لهذه الظاهرة، و ما كتب عن هذه الظاهرة هو أضعاف ما كتب عن المشروع النهضوي والتنموي في واقعنا العربي والإسلامي حيث بحث ثلّة من مفكرينا في آليات النهضة و مرّت بحوثهم بدون عناية فكريّة تذكر ربمّا لأنّ الذاكرة العربية والإسلامية مصابة بخدوش خطيرة وربمّا لأننا لا نولي المشاريع الكبرى أهميّة تذكر.
ولعلّ أهم المراكز التي تناولت ظاهرة الإرهاب بالبحث و التنقيب هي مراكز الأبحاث و المعلومات التابعة لدوائر الإستخبارات العربية والغربية و تليها مراكز الدراسات الإستراتيجية ذات الإرتباطات المتعددّة ثمّ المراكز الإعلامية ودور النشر والمنتديّات الثقافيّة. ولأننّا منشطرون دوما حتى في فكرنا وثقافتنا ومشاريعنا فإنّ البحوث التي وضعت حول ظاهرة الإرهاب هي الأخرى منشطرة حول نفسها، فللسلطات وأدواتها الفكرية والإعلامية رأي في هذا الموضوع وللمعارضات رأي وللباحثين آراء مختلفة. والقراءة المتأنيّة و الإستقرائيّة لمجمل ما كتب حول الإرهاب وجذوره تفضي إلى تعداد مدرستين مختلفتين حول الإرهاب وجذوره، فالمدرسة الأولى وهي المدرسة الرسمية السلطويّة فترى سواء عبرّت عن ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر أنّ النص القرآني وتراكمات التاريخ الإسلامي و الأصولية الإسلاموية الظلامية بتعبير الخطابات السلطوية الرسمية هي التي أنتجت الإرهاب وأفرزت فكر التكفير و الحكم على السلطة أحيانا وعلى المجتمع أحيانا أخرى بالردّة وبالتالي مشروعية قتال المرتدين، ويذهب هذا الخطاب الرسمي إلى أنّ الذين يمارسون العنف ضدّ السلطات القائمة ينطلقون من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيرة السلف الصالح ويسقطون كل ذلك على الواقع المعيش ولعلّ أبرز آية تستخدم لشرعنة العنف ضدّ السلطات هي آيات سورة المائدة :
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وفي آية أخرى هم الظالمون، وما إلى ذلك من الآيات. ولتقزيم أصحاب هذا الإتجاه تعمد السلطات إلى إستمالة أصحاب الطرح الإسلامي المعتدل و تحاول وأد تيّار العنف من خلال الحصول على الشرعية من المعتدلين والمتخندقين في خطّها مقابل بعض المناصب هنا وهناك وبعض الإمتيازات التي يحضى بها رجالات القرار دون غيرهم.
ومقابل هذه المدرسة الرسمية التي تعطي للإرهاب بعدا دينيا هناك مدرسة قوامها مفكرون مستقلون ومعارضون وباحثون إجتماعيون وسياسيون يرون أنّ إرهاب السلطة هو الذي أنتج إرهاب المجتمع، وأنّ الديكتاتورية والتسلط والقمع والممارسات العدوانية والوحشيّة للحاكم وحاشيته هي التي أنتجت الإرهاب بدليل أنّ معظم الذين أطلقوا خطابات محاربة السلطة تعرضوا إلى أقسى أنواع التعذيب في السجون السلطوية، فبعضهم تمّ الإعتداء على كرامته وشرفه، وبعضهم تمّ حرمانه من نعمة الذريّة والإنجاب بالطرق المعروفة، ولا يمكن أن تلجأ السلطات الحاكمة في العالم العربي و الإسلامي إلى مصادرة مقدرات الشعوب و تسيّر الشعوب على أساس أنّها شعوب قاصرة مراهقة يتيمة تحتاج دوما إلى سوط الحاكم ليستقيم أمرها دون أن تتوقّع معارضات وردود من قبيل ما نراه في عالمنا العربي والإسلامي .
وفي نظر هذه المدرسة فإنّ إنعدام الحريّة السياسيّة و الديموقراطية و الشفافيّة و مصادرة خيرات الناس وسرقة أرزاقهم وأقواتهم هي سبب العنف الأعمى الذي بات الميزة الأسمى و الأبرز لراهن عالمنا العربي والإسلامي، فالحاكم منع الناس من حرية التعبير والإنتقاد وإذا وجّه أي شخص نقدا بسيطا للحاكم فإنّ مآله سجون الحاكم التي أقامها بإحكام للقضاء على رجولة من يقرّون أنّ فيهم بعض رجولة، و التداول على السلطة ممنوع، فالسلطة حكر لحكامنا لا يتزعزعون عن كرسي الحكم إلاّ بموت أو إنقلاب أو دبابة أمريكيّة، و غير مصادرة الحكم وحرمان الشعب من صناعة قراره وسياسته الكبرى و الصغرى فإنّ الحاكم يلجأ إلى البطش والقمع و الظلم وسجن الأحرار.
و بالإنتقال إلى المتورطين في حركة العنف نجد أنّ معظمهم من المحرومين من أبسط مقومات الحياة فأغلبهم من القاطنين في البيوت القصديريّة والشعبية و الأحياء الفقيرة، وكثير منهم لا يجد عملا كريما ومقابل ذلك يشاهد هؤلاء الثروات الوطنية مغانم بين الحاكم العربي وأسرته و حاشيته، وإذا أرادت معارضة جادة أن تغيّر الأوضاع لصالحها فإنّ الدبابات التي أشتريت على أساس الدفاع عن الوطن أستخدمت ضدّ الشعوب المقموعة وبناءا عليه يخلص أصحاب المدرسة الثانية إلى القول بأنّ إرهاب السلطة وممارستها الطاغوتيّة هي التي أفرزت الإرهاب، فلو عدلت الحكومات العربية و وزعّت الثروة توزيعا عادلا على الناس و حكمت الناس بأطروحة سياسية يساهم الناس في إنتاجها لما ثارت شرائح من الناس ضدّ السلطات القائمة، ومشكلة الحاكم العربي كما تقول هذه المدرسة أنّه لا يسمع ولا يغادر قصره العاجي ليقابل الناس ويطلع على أخبارهم بل يكتفي بجلسة ساعة أو نصف ساعة مع مدير مخابراته الذي يزيّن له الكثير من الأمور.
وأكثر من ذلك فإنّ أصحاب المدرسة الثانية يرون أنّ السلطة صاحبة المدرسة الأولى وتأكيدا لخطابها السياسي وأدبياتها السياسية التي تنص على أنّ النصّ القرآني هو الذي أفرز الإرهاب أوجدت تيارات إسلامية مسلحة عنيفة وسخرتّها لخدمة مصالحها الإستراتيجية من جهة ولإدامة عمر العنف في واقعنا العربي والإسلامي ليكون العمل بقانون الطوارئ مبررا ولكي لا تطرح النخب السياسية مسألة الإسراع في الإنتخابات والإصلاحات بحجّة تدهور الوضع الأمني، و قد أعلن أحد رجال المخابرات في دولة عربية أنّ رئيسه في العمل أعطاه أمرا بإطلاق اللحية و التعود على إرتداء العباءة و إستخدام المسك الأظفر – وهو عطر يستخدمه المصلون عادة في المساجد – للشروع في مهمة معينة، وقد ساهمت الأجهزة الأمنية في أكثر من دولة عربية في إقامة جماعات إسلامية مسلحة لغرض سياسي وإستراتيجي قد يطول شرحه ويمكن القول أنّ رجل المخابرات في العالم العربي أطلق لحيته والإسلامي حلقها حتى إشتبه الأمر على كثير من الناس. وعلى الأرجح فإنّ السلطات القائمة في العالم العربي سوف تستمر في إستخدام هذه الورقة و التي من خلالها تحققّ العديد من الأهداف المتشعبة والمتداخلة ومنها :
التشكيك في مقومات الدين الإسلامي الحنيف وبالتالي تكرّس العلمنة والتغريب كبديل لا مناص منه للحكم والتغريب كما هو معروف البوابة الطبيعية نحو العمالة والإرتباط بالإرادات الدولية، و الإيهام بأنّ المجتمع يعيش مخاضا أمنيا وبالتالي حالة الطوارئ تصبح مبررة ومع هذه الحالة تلغى كل مصاديق الديموقراطية من حرية الإعلام والتظاهر والتجمهر والإنتخابات، وفوق هذا وذاك فإنّ إدامة الصراع في المجتمعات الإسلامية وخلق تيارات عنف إسلامية من شأنّه أن يقرّب المسافة بين كثير من حكامنا والدوائر الغربية حيث القاسم المشترك بات كبيرا بين الطرفين وهو محاربة الإسلام ، وفوق هذا وذاك فتحت عنوان محاربة الإرهاب يستباح الجميع وتقلّم أظافر الجميع و يقمع المعارضون المخلصون والصحفيون المخلصون ومريدو التغيير والإصلاح وإذا جرؤ شخص على الإعتراض يقال له : أنت إرهابي.
و إذا كان المخالف للسلطة إرهابيا فماذا تكون هذه السلطة التي تقتل بالجملة والمفرق، وتميت بالجملة وتبكي المستضعفين بالجملة وتفقر بالجملة وتفرض على الناس أن يعبدوا صنما واحدا لا شريك له، أليس إرهابا عندما تعمد هذه السلطات إلى فرض فكر أحادي شمولي على الناس، سؤال برسم السلطات العربية الديموقراطيّة جدّا!!!!!
خاص بأصداء