أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - قصة قصيرة:.........الكلب........














المزيد.....

قصة قصيرة:.........الكلب........


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17 - 07:45
المحور: الادب والفن
    


دخلنا مدينة ديزفول في الصباح ، كانت خرائب بعد نزوح أهلها هرباً من القصف المركز الذي قامت به مدفعيتنا طوال الليل .. كنا نحن جنود الفيلق العشرون مشاة والمسئولين عن تامين لمدينة ، بسام صديقي يسير بجواري شاهراً سلاحه ويبدو عليه الشرود ، انتشر بقية الجنود يجوسون بين الخرائب والانقاض ، تفرقنا ثم تجمعنا عند الطرف الشرقي للمدينة وأقمنا معسكرنا ونصبنا الخيام ، انتبهت بأن بسام قد اختفى عني وعاد متأخراً ، دخل وجلس جواري في الخيمة لمحت نتوء غير طبيعي يبرزعلى جانبه حدقت فيه في دهشة نظر الى في ارتباك .

- عمار .. أريد أن أخبرك بشئ .

حدقت فيه ساخرا وكالمعتاد .

- هل رأيت عفريتاً وتبولت على ملابسك .

- ليس كذلك .. أيها الوغد المعيدي *

فك أزرار سترته العسكرية ، أدخل يده الى النتوء في جانبه وأخرج جرو صغير كان يبصبص في سكينة وبدت أضلاعه بارزة ، غمرتني دهشة شديدة .

- ماذا تريد أن تفعل به ؟

- قد يطول مقامنا هنا ، سأتخذه صديقاً بدلاً عنك ونعيم وبشار .

ابتسمت له في دهشة ، بسام من الأسر العريقة والنبيلة في بغداد ، يرجع نسبه الى الشيخ عبدالقادر الجيلاني ، رغم جسده الفارع وجثته الضخمة إلا أنه يحمل قلب عصفور وإنساني لأبعد الحدود ، فأردفت .

- إذاً عليك أن تخبئ هذا الأمر عن قائد الفيلق وبقية الجنود .

- إني أخبرتك فقط لإني أعرفك جيداً لا شأن لي بهم ،سيبقى الكلب معنا في الخيمة ..

أخرج بسام كرتون حليب وعلبة ساردين فارغة ووضع الحليب للجرو الذي أخذ يعب من الحليب بشراهة ، يبدو أنه كان جائعاً جداً استلقى بسام بعد ذلك وراح في سبات عميق وأندس الجرو في صدره ، كانت جلبة الجنود تأتي لنا من بعيد وقد أرخى الليل سدوله وهم يعربدون ويصخبون كالمعتاد .

* * * * *

استمر الحال بيننا الثلاث ، أنا و بسام والكلب الذي استعاد عافيته وكأنما عرف خطورة وضعه وأن ينكشف أمره ، ظل دائماً يختبئ في حاجيات بسام الكثيرة في ركن الخيمة .. وكلما سمع خطوات تقترب من خيمتنا انسل من بين أيدينا واختبأ داخل حقيبة بسام العسكرية .. لكن مع ذلك .. دوام الحال من المحال .. تسربت أنباء الكلب من خيمتنا بواسطة نعيم وبشار الخبثاء وبدأت النكات التي يتفنن فيها زملاؤنا يضبح بها المعسكر وتنفجر الضحكات يومياً في العديد من الخيام ، كل جنود المعسكر يحبون بسام ويجلونه لنسبه الرفيع ورحابة صدره ولتقبله المزاح يطيب خاطر .. يبدو أن قائد الفيلق قد عرف بقصة الكلب وأراد أن يعبر عن شعوره لكن للأسف كانت مزحة ثقيلة أضحت نقطة تحول في حياة بسام .

في ليلة مقمرة والريح تسفع الوجوه ، خرج قائد الفيلق من خيمته مخموراً وصاح فينا بأن نجتمع ، تسلل الجنود من خيامهم مذعورين .. حدق قائد الفيلق فينا بعينيه المحمرتين ثم استقر بصره على بسام .

- بسام .. يقال أنك تأوي خائن في خيمتك .

ضج الجنود بالضحك لهذه المزحة من القائد الذي أردف مستديراً نحو الجنود :

- هيا أحضروا هذا الجاسوس !!

اندفع نعيم وبشار الى داخل خيمتنا جاءوا يحملون الكلب ووضعوه في وسط الحلقة وكان الكلب المذعور يدور حول نفسه وذيله بين رجليه ، اندفع نحو بسام المرتبك صاح قائد الفيلق .

- ملازم بسام !! أعدم هذا الخائن ! .

صمت الجميع فجأة كأن على رؤوسهم الطير ، صعق الجميع لم يتوقعوا أن تصل المزحة الى هذا الحد .

- هيا أعدمه ألا تسمع .!!

خيم الحزن على الجميع وكأنما عرف الكب مصيره المحتوم ، اندفع بعيداً عن صديقه وجلس يدور حول نفسه في جزع ويطلق عواء حزين ، صرخ القائد للمرة الثالثة .

- اقتله .. اقتله .

وانتزع مسدسه وصوبه نحو بسام .. انتبه بسام من شروده وأخرج مسدسه وبيد مرتجفة وجهه نحو الكلب .. ثم تخطاه وسط همهمات الجنود ، كنت أنظر الى وجه بسام الطفولي وقد انقلبت سحنته تماماً وبقية الجنود يحدقون في الكلب في إشفاق ، تخطت يد بسام الكلب ورأيتها تتجه نحو ..!

- " يا إلهي ماذا يريد أن يفعل ؟! "

صحت فيه

- بسام !!

تراجعت يده مرة أخرى ، وأطلق النار ، عوى الكلب في ألم ممض واستدار حول نفسه وسقط مضرجاً في دمائه ، ألقى بسام المسدس جانباً تقدم في تثاقل نحو صديقه المغدور وركع جواره في إنكسار ، تفرق الجنود الى خيامهم وعاد القائد الى خيمته وهو يقهقه وصدى ضحكاته تجلجل في المكان ، جلست جوار بسام وأخرجت سكيني وحفرت قبر للكلب ودفنته ثم انهضت بسام من يده وعدنا الى الخيمة ، استلقى بسام على فراشه ودفن وجهه بين ساعديه ، جلست جواره استدار نحوي وعيناه مشربتان بالدمع وقد كسى وجهه الحزن النبيل .

- بسام .. لن أقول لك لا تحزن إنه مجرد كلب .. ولكن ..

أجهش في بكاء مرير .

- كنت أريد أن أعود الى بغداد .. دون أن أقتل أحد .

- عزيزي لا يمكننا أن نأخذ الكلب معنا الى هناك ، كما لا يمكننا أن نتركه يموت جوعاً ، إن ما فعلته يسمونه في الغرب قتل الرحمة .

- لا تقل ذلك يا عمار .. إن هذه المخلوقات لها خالق وهو الكفيل برزقها .. لعنة الله عليهم الخبثاء نعيم وبشار ، هم الذين أوعزوا للقائد بذلك .

* * * * *

في الصباح كان كل شئ قد تغير ، انتشر الجنود وهم لا يطيقون النظر الى بسام وابتعد أصدقاؤنا عنا وتتابعت الأيام ثقيلة وبسام غارق في صمته المخيف ، ومرت الأيام تباعاً وانتهت مهمتنا في المدينة وعدنا الى العراق .. وتفرقنا بعد أن وضعت الحرب أوزارها .. ذهبت الى مدينتي القادسية ، بعد فترة وصلتني رسالة من صديقنا نعيم من بغداد .. أخبرني بأن صديقنا بسام قد تدهورت حالته تماماً ، أصبح يجمع الكلاب الضالة ويطعمها في بيتهم العامر ثم يستدرجها ويحملها بالسيارة الى ضواحي بغداد ويطلق عليها النار .
-من مجموعة الامام الاخضر القصصية-اصدارات مركز عبادي للدراسات والنشر2005 -صنعاء-اليمن))



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاصولية المزعومة والعلمانية المفترى عليها
- العراق والسودان في مخيلة النخبة العربية
- الدولة الدينية والدولة المدنية-الحلقة الاولى


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - قصة قصيرة:.........الكلب........