|
-العصر الوسيط- يُبعث حيا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17 - 07:43
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بكامل قواه العقلية، ارتكب البابا بينيديكتوس السادس عشر جريمة كبرى في حق البشرية إذ أعلن رسميا انضمامه إلى إدارة الرئيس بوش في قيادتها الحروب الإمبريالية العالمية للولايات المتحدة عبر زجِّه في الحرب تلك بقوى "روحية" مستمَدة من زمن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350 ـ 1415).
عربة الحروب الإمبريالية لإدارة الرئيس بوش تحتاج إلى "وقود"، فمن أين تجيء به؟ جاءت به أولا من الشيخ أسامة بن لادن، فـ "11 أيلول" زوَّدها كمية من الخوف كانت هي مُنْتِجها الحقيقي؛ ثم شرعت تملأ به قلوب مواطنيها، مُظْهِرة لهم العقيدة الإسلامية على أنها المُنْتِج الطبيعي والحتمي لـ "العداء الإسلامي الإرهابي" لنمط حياتهم، وللحضارة الغربية على وجه العموم، ولكل ما تقوم عليه الحياة في الغرب من قيم ومبادئ ديمقراطية. ومُظْهِرة لهم، أيضا، أن الحل لمشكلة "الوحشية السياسية للإسلام" يقوم على المزاوجة بين الحرب بالحديد والنار (في أفغانستان والعراق..) و"حرب الأفكار"، التي يجب أن تنتهي إلى شحن الفكر الإسلامي بما تحتاج إليه مصالحها وأهدافها الإمبريالية من الفكر الليبرالي حتى يصبح ممكنا أن تنزل هيمنتها الإمبريالية، النفطية الهدف في المقام الأول، بردا وسلاما على العرب.
الخوف من الإرهاب هو السلاح الأول الذي استخدمته إدارة الرئيس بوش في حربها من أجل إعماء أبصار وبصائر مواطنيها، وزجِّهم، بالتالي، في حروبها الإمبريالية التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل. لقد خوَّفتهم من الإرهاب الذي يُنْتِجه الإسلام في عقول وقلوب المسلمين، فاختاروا بيع حقوقهم وحرياتهم الديمقراطية والمدنية بثلاثين من الفضة هي "الأمن"، مُطْلقين يد المحافظين الجدد في حروبهم الإمبريالية.
وفي الذكرى الخامسة لـ "11 أيلول"، ظهر وتأكد أن تلك الكمية من وقود الخوف توشك أن تنفد، فما العمل؟ لا بد من ضم زعيم الكنيسة الكاثوليكية، الذي يملك ما له تأثير الأفيون، إلى الحرب التي لم تنتهِ بعد. لقد نقص "وقود الخوف"، فقرروا بالتعاون مع "الحبر الأعظم" تعويض هذا النقص بعصبية دينية مسيحية كاثوليكية أحيوا عظامها وهي رميم، فلتتصوروا حال الإنسان في الغرب عندما يتوفر "الخوف" و"التعصب الديني" على إعادة خلقه. إنَّ إنسانيته، مع محتواه الحضاري والديمقراطي وسلطان العقل الذي نعم بالخضوع له زمنا طويلا، هي الضحية الأولى.
وغني عن البيان أن استئناف حكم الأموات للأحياء يحتاج إلى إحياء الرعية ذاتها التي كان يحكمها الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني. وغني عن البيان، أيضا، أن البابا بينيديكتوس السادس عشر، في محاضرته "الأكاديمية"، لم يستحضر موقف ذاك الإمبراطور من الإسلام إلا من أجل استحضار الروح الأوروبية في العصر الوسيط، وإدخالها في جسدي الحاكم والمحكوم في الغرب في القرن الحادي والعشرين.
ما أشبه "روما الجديدة" بـ "روما القديمة".. في "القديمة" ما كان للمسيحية أن تنتشر وتسود وتغدو ديانة عالمية لو لم يعتنقها "الإمبراطور الروماني"، الذي بفضل عصاه الغليظة جعلها ديانة رعايا إمبراطوريته العالمية. على يديِّ ذاك الإمبراطور فحسب تمكَّنت فكرة "تهويد الرب" من أن تغزو عقول وقلوب رعايا إمبراطوريته.
وإنَّ أحدا من المؤرخين لا يستطيع أن يأتي ولو بدليل واحد على أنَّ ذاك الإمبراطور، الذي شحن سلطته السياسية الزمنية بسلطة روحية إنجيلية، قد نشر عقيدته الجديدة بين رعاياه بـ "الحوار العقلاني"، فـ "الإيمان عبر العقل" ما كان هو الأسلوب الذي اتُّبِع في نشر العقيدة الجديدة. لقد آمن الإمبراطور فآمنت الرعية بما آمن. ومذ آمن الإمبراطور بدأ استخدام الدين الجديد في الحروب، وزُجَّ بالسماء في حروب الأرض.
وفي "روما الجديدة"، اشتد الميل الإيديولوجي إلى الإمعان في تهويد المسيحية التي يريدها المحافظون الجدد مسيحية متصالحة في الجوهر مع أوهام العهد القديم. وقد اقتُرِفت الجريمة الأولى والكبرى سنة 1965 حيث برأ المجمع المسكوني الثاني اليهود من جريمة صلب المسيح، فبيع مرتين بثلاثين من الفضة.
ولا شك في أن البابا بينيديكتوس السادس عشر سيدخل التاريخ بصفة كونه البابا الذي، في القرن الحادي والعشرين، أحيا التحالف بين البابوية وملوك أوروبا في العصر الوسيط، نافخا في حروب إمبراطور "روما الجديدة" الروح الدينية التي لا تدخل في الجسد الغربي إلا لتُخْرِج منه الروح العلمانية والديمقراطية، وكأنَّ قوام التحالف الجديد هو أن يمد البابا قيصر "روما الجديدة" بكل ما تحتاج إليه حروبه الإمبريالية من أسلحة دينية وروحية في مقابل دعم إدارة الرئيس بوش للبابا بينيديكتوس السادس عشر في مساعيه لتوسيع النفوذ الروحي للكنيسة الكاثوليكية في الغرب.
كلاهما يحتاج إلى أفيون يعمي أبصار وبصائر البشر في الغرب؛ وقد مزجا "الخوف من الإرهاب" و"العصبية الدينية" ليُنْتِجا أفيونا جديدا لا مثيل له لجهة قدرته على تعطيل وإلغاء عقول البشر عندهم.
"الحبر الأعظم" قاء (أقول قاء ولا أقول قال) كل تلك الأقوال متوقِّعا ومتمنيا الآتي: أن يغضب المسلمون غضبا عارما، يولِّد فيهم من روح التعصب الديني ما يغذِّي روح التعصب المسيحي الكاثوليكي، فينجح الفاتيكان في التصيد في المياه التي عكَّرها، فيستعيد الكرسي البابوي نفوذه الروحي ـ الشعبي المفقود منذ مئات السنين من التطور العلماني والديمقراطي للغرب.
إنَّ أسوأ تفسير لتاريخ الأديان والعقائد هو هذا الذي جاء به، أو تبناه، البابا الألماني إذ صوَّر انتشار الإسلام على أنه ثمرة العنف وحدِّ السيف، وكأن العقائد، في انتشارها، تشذ عن القوانين الموضوعية للتاريخ التي بحسبها يستحيل أن ينتشر فكر ويستمر إذا لم يلقَ سندا قويا له في حاجات ومصالح البشر.
إننا لا ننكر الأهمية التاريخية للسيف في نشر الإسلام؛ ولكن من الحماقة بمكان إنكار الأهم من السيف وهو أن الإسلام كان كامنا في حاجات إنسانية أساسية قبل أن يصبح حقيقة تاريخية واقعة.
إمبراطور روما القديمة لم يحتج إلى إرسال الجيوش لنشر المسيحية التي اعتنقها، فإمبراطوريته كانت عالمية، وكان يكفي أن يدين بالديانة الجديدة حتى تدين بها رعيته من شتى المنابت والأصول. أما الرعيل الأول من المسلمين فما كان في مقدورهم نشر الإسلام عالميا بغير "الفتوحات"، التي لم تُتَّخذ وسيلة لإكراه غير المسلم على اعتناق الإسلام، فـ "الجزية" فحسب هي الثمن الذي كان يدفعه كل من لم يقتنع بالإسلام.
الآن، يملك البشر من الوسائل ما يسمح لهم بنشر معتقداتهم عالميا من غير حروب. أما عند ظهور الإسلام فلم يملك الرعيل الأول من المسلمين من وسيلة للوصول إلى عقول وقلوب سائر البشر غير "الفتوحات"، التي لم يتخذها المنتصر المسلم وسيلة لإكراه غير المسلم على اعتناق الإسلام.
وفي المقارنة الموضوعية بين اليهودية والإسلام، نرى في العقيدة الأولى عنصرية نبذتها العقيدة الثانية، فاليهودية قامت على تفضيل اليهود على العالمين، ورفضت دخول غير اليهود فيها. أما الإسلام فلم يُقِم وزنا للاختلاف في اللون والعرق والجنس، مُظْهِرا الانتماء إليه على أنه حق لأي إنسان.
كان على "الحبر الأعظم" أن يشرح لنا أوجه العلاقة بين الاستعمار الأوروبي القديم ونشر المسيحية بين الشعوب والأمم غير الأوروبية. لقد جاءوا بجيوشهم أولا؛ ثم جاء "المبشِّرون"، لينشروا المسيحية، بوسائل عديدة منها "الحوار العقلاني"، حيث سيطرت جيوشهم. ويا ليتهم اكتفوا بما يشبه "الجزية".. لقد مارسوا من النهب والسرقة ما لم يعرفه التاريخ من قبل.
البابا يرفض كل قتال أو حرب باسم الدين، فَلِمَ لم يعتذر إلى البشرية جمعاء عن كل الحروب الداخلية والخارجية التي خاضها الأوروبيون باسم الدين؟! ولِمَ لم يستنكر كل الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة باسم "ديانتها الرابعة"، أي باسم الديمقراطية والحرية؟! لِمَ لم يوبِّخ بوش لزعمه غير مرة أن الرب هو الذي ألهمه قرارات الحرب، ولزعمه أنه والرب يناقشان في استمرار كل أمر سياسي يعتزمه الرئيس المؤمن؟!
دعانا البابا الألماني إلى استخدام عقولنا في مناقشة المشيئة الإلهية، فهل استخدم عقله في مناقشة "الوعد الرباني" لإبرام العبراني؟! ليشرح لنا الحكمة في موقف الرب من بني إسرائيل.. في جعلهم شعبا له من غير سائر البشر، وفي تفضيلهم على سائر البشر، حتى على بينيديكتوس السادس عشر نفسه، وفي تمليكهم أرضا يملكها غيرهم!
حتى سنة 1965، كانت الكنيسة الكاثوليكية تتهم اليهود بارتكاب جريمة صلب المسيح، فهل أوضح لنا الفاتيكان الأسباب التي حملت المجمع المسكوني الثاني على تبرئة ساحة اليهود؟! هل ألَّفوا "لجنة تحقيق تاريخية" انتهت إلى جمع أدلة على أن اليهود أبرياء؟!
"الإيمان" و"العقل" متى اجتمعا وتصالحا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية التي في ربع الساعة الأخير من القرن العشرين فحسب اعترفت بأن غاليلو كان على حق إذ قال بدوران الأرض؟!
لقد عقد البابا بينيديكتوس السادس عشر قرانه غير الشرعي على الرئيس بوش، فبئس العالم الذي سيُنجبان!
أما نحن فخير عمل يمكننا وينبغي لنا القيام به هو إحباط سعي البابا وتوقعه، أي أن نربأ بأنفسنا عن كل تعصب ديني يحتاج إليه التحالف الجديد بين السلطتين الروحية والزمنية في "روما الجديدة"، فهذا التحالف إنما هو حرب على الحضارة والديمقراطية، وفي سبيل إعادة البشرية إلى عهود الهمجية والبربرية!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرصة التي يتيحها ضعف أولمرت!
-
في -النسبية-
-
بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!
-
بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
-
الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
-
بعض من تجربتي في الفساد!
-
-العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
-
لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
-
حلالٌ أن يتزوَّج الرجل ابنته.. حرام أن يتزوَّج مجتمعنا الديم
...
-
صناعة تسمَّى -الاحتواء الإيديولوجي-!
-
الحوار المستوفي لشروطه
-
لهذا السبب ينبغي لإسرائيل استئناف الحرب!
-
تناقض يطلب تفسيرا!
-
-الأخلاق النووية- للولايات المتحدة!
-
رياح الحرب ذاتها تتجه نحو إيران!
-
غيض من فيض الدروس!
-
-الدولة الأمْنِيَّة-.. قانون -الرعب المتبادَل-!
-
لغز الموت!
-
حزيران الذي انتهى في تموز!
-
نصر يريدون إهداءه إلى إسرائيل!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|