أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد















المزيد.....


مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7265 - 2022 / 5 / 31 - 18:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كثيرة هي الظواهر التي تقع في حياتنا اليومية ولا نُلقي لها بالاً، ظانين أنها "طبيعية" وتقع في حكم "العادي" و"المألوف"، ولا تحتاج إلى إمعان النّظر، أو أنها "تافهة" ولا ينبغي اشغال الفكر بها، والحال أن ما يعتمل في هذا "اليومي" من ظواهر، وما يختلج في بواطنه من أمور، لمن شأنه أن يضيء للمهتم الناظر بعين الارتياب لا الاطمئنان مساحات من العتمة والخفاء والزيف والاستلاب والصراع والحراك.... إن اليومي هو مجال لاشتغال غير المألوف، و بحكم التعود على الشيء يتبلّد الوعي، ويصير الناس في غفلة عما يفعلون!!
هكذا يتحول الوعي ب "اليومي" من مجرد معطى خام جاهز إلى موضوع مبني اجتماعياً وثقافياً، يحتاج من الباحث إرخاء السمع لتقاسيمه حتى يُفكّك مكوّناته الفاعلة والمنفعلة، ويكشف عن الوجوه الحقيقية للأقنعة المتخفية، لأن تعرية هذا اليومي المُبنين هو تعرية للمجتمع بكامله، وإماطة لحجب التحوّلات الكثيفة التي يمر منها هذا الاخير.
بهذا الصدد، نقترح الاشتغال على "لغة" اليومي، ما دام "الكلام" وجها آخر للفكر، وسنأخذ مفردة شعبية مغربية محضة كثر استعمالها في هذا "اليومي"، وزادت مواقع التواصل الاجتماعي من انتشارها وهي مفردة "الحزقة"!
في البدء نجد دال "الحزقة" ارتبط اجتماعياً بمدلول " الضراط أو الريح المنبعث من الاست"، وقد يتخذ صوتا ورائحة نتنة وقد لا يتخذ ذلك، لكن سرعان ما زحف هذا الدال إلى مجالات أخرى، وبات يعبّر عن مدلولات تحتاج من الواحد أن يقف أمامها نظراً لما تتيحه من إمكانات هائلة في الفهم والتفسير، وبدوري سأسلط الضوء على بعض منها، معولاً على القارئ اللّبيب مهمة تتميم التطبيق على الظواهر الاخرى.
"المقهى" هذا الفضاء الاجتماعي -الذي تناسل كالجراد في ما يُسمّى زُوراً وبُهتاناً مُدناً، والحال أنها مجرد قُرى يتكدس فيها آلاف البشر كما تتكدس البطاطس في الصناديق-، صار يؤدي أكثر من دور لرواده، وأضحى مجالاً خصباً لمن أراد البحث في "الاجتماعي" -عوض اجترار موضوعات بات الحديث فيها يثير التخمة ويبعث الغثيان-، نظراً لما يعتمل فيه من ظواهر قد تكون مدخلاً مهماً لفهم التغيرات القيمية التي يمر منها المجتمع المغربي.
لعلّ أوّل ما يثير انتباه الملاحظ المشارك هو اكتساح العنصر النسوي لهذا الفضاء، مكسراً بذلك الحصن الأمين الذي احتكره الرجال لفترة مهمة، بل المفارقة أن كثيراً من المقاهي التي صار يخطب ودها الذكور، هي ملاذ أثير للإناث!!، وبذلك يتحول المكان من مجرد تزجية لوقت الفراغ إلى فضاء لنسج العلاقات واستعراض الوجاهات، لكن ما هي نوع الطبقة الاجتماعية المرتادة له؟
هنا، نحتاج مرة أخرى إلى توظيف جملة من المهارات/التقنيات للكشف عن الأصول الاجتماعية والثقافية لهذه العينة، بدءاً بالانصات للحس المشترك ثم مروراً بالملاحظة المشاركة، ثم وصولاً إلى سِيرِ حياةِ نُدُل المقاهي ومعرفتهم الدقيقة بهندسة الفضاء. حقاً، لا وجود لمقهى بصيغة المفرد، فهي في العمق مقاهي بتعدد الشرائح الاجتماعية، فمقاهي المنعمين في الأرض تختلف عن مقاهي المعذبين، ومقاهي المنتحرين طبقيا تقع بين بين. لكن، ما يُثير الانتباه أن لفظ "الحزقة" الذي ذكرناه سابقاً، وكان محتكراً للمعنى البيولوجي، صار الآن يطلق على هذا الفضاء، وبتنا نسمع بمقاهي"الحُوزّاق" أو "الحازقين/الحازقات"، وهي مقاهي أغلب روادها من المنتحرين طبقياً، ذكوراً وإناثاً. زيارة هذه الفضاءات والتأمل في جنباتها، تشعرك وكأنك في قاعة زفاف للأعراس، التطاوس في المشي، التغنج في الكلام، الأكل بتؤدة، ونظرات العُجب بالذات المتبادلة.
في مقاهي "الحُوزّاق" يكثر الاستعراض والتمثيل المريض، فهذا/هذه يستهلك "بيتزا أو طاكوسا" ويرفقه بصور سيلفي غالبا لينشرها في حسابه التواصلي، وذاك /تلك يطلب "عصير ليمون أو أفوكا" حتى يبدي ذوقه الطبقي، وآخر/أخرى يتناول "مثلجات/ آيس كريم" ليدفع عن نفسه حرّ الجو. وهكذا يتحوّل الفضاء إلى حلبة لاستعراض الذات والبحث عن التعويض/التنفيس السيكولوجي لهذا الكائن "الحزقاوي".
ما يصدق عن المقهى من توصيف، نجد له حضوراً في المدرسة، فهي كمؤسسة تدعي لنفسها الحياد والبراءة، نجدها في المقابل تكرس الروح الطبقية للمجتمع، وتشرعن بلغتها الرمزية العنيفة هذه الوضعية باعتبارها حالة "طبيعية" و"مألوفة"؛ لذلك، لا غرابة أن نجد ماصدق "الحزقة" ينطبق عن المدرسة كما انطبق سابقاً عن المقهى، فتصير المؤسسة التعليمية التي يرتادوها أغلب أبناء المجتمع بما فيها الكثير من الخصوصي عندنا الممسوخ مؤسسة لأبناء "الحازقين والحازقات"، بينما قشدة المجتمع لها تعليمها اللائق بوضعها الطبقي، مع حرصٍ شديدٍ على انتقاء من يُدَرّسُ فلدات أكبادها من غير المنتمين -كما هو الأمر- من سلالة "الحزقة والتمحزيق".
سيكولوجية الكائن "المحزوق" قد نجد لها حضوراً قويا في العالم "الافتراضي" أيضاً، فهو عالم أمسى يفرض نفسه بجد على آل البحث والسؤال، وبات "واقعا" جديداً يعتمل فيه من الظواهر بالقدر الذي يجري في العيني المحسوس ، إن لم يكن هو الآن الفاعل والمؤثر فيه عبر شبكاته الاجتماعية الجديدة، وهذه إحدى مفارقات عالم التقنية!!
في هذا الفضاء المرقمن، صار سلوك "الكائن الحازق" قابلاً للملاحظة والرصد، فكثير من "سطورياته" أو "صوره" أو "منشوراته" عبارة عن استعراضات سيكولوجية يُنفّس من خلالها على رغباته النفسية المكبوتة، ويعوّض بها عن فاحش نُقصٍ شاب لواعج فؤاده. لذا، حاله في هذا العالم الشبكي كحال المتسوّل وهو يستجدي اللايكات وإيموجيات الاعجاب، وكأن ديدن وجوده في هذا الكون متوقف عند عدد الجيمات التي سيحصدها. هذا الخواء النفسي، وهذا التعويض المرضي في العالم الافتراضي يكون أكثر حدة عند الفئة "المنتحرة طبقيا"، أي "الطبقة الحازقة" فكرياً والمستلبة روحياً، فحجم التوشهات عندها فظيعة حدّ الهول، لذلك التباهي والاستعراض يبلغ ذروته عندها.
في نفس السياق السيكولوجي أيضاً، نجد عالم الفكاهة غير خالٍ من حس الدعابة والتنكيت بأحوال "الحوزاق" وعوالم شخصياتهم الفصامية، التي ينطبق عليها المثل القائل:"العين بصيرة واليد قصيرة"، فالصورة التي أغشت أبصارهم، وغزت حياتهم اليومية، صارت تحرض قواهم النفسية العاقلة منها والشهوانية على الاستهلاك، لكن قصر ذات اليد، وعدم وجود ما يكفي من المال لتلبية الكماليات، بات يدفع هذه الفئة إلى التفكير في أشكال أخرى للاشباع، وهي ما منحت للكوميدين مجالاً خصباً لخلق قصص ونسج حكايات قطب رحاها هو "التنمر".
ختاماً، يبدو أن موضوع "الحياة اليومية" بما يشتغل فيها من جزئي وعيني من الظواهر، هو مجال خصب للبحث والمساءلة وإعادة التفكير فيه، فهو وإن بدى "مألوفاً" و"عادياً" لدى الحس المشترك، فهو غير ذلك عند تفكيكه وإعادة بنائه.
والله أعلم.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد
- فصل المقال في تقرير ما بين العلم والعوام من انفصال
- مجتمع الحشية.. نحو نموذج تفسيري جديد
- في رحاب الزاوية
- رمضانُ في الذّاكرة (ج2)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج3)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج4)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج1)
- حُبٌّ فِي زَمَنِ التُّيُوسِ
- Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines»: بين ...
- مَقَاهِي المِلْحِ
- فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل
- سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ
- حُبٌ فِي زَمنِ التّفاهَةِ


المزيد.....




- شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با ...
- متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من ...
- المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي ...
- الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر ...
- اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن ...
- -روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
- الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
- زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
- سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد