|
في البناء السيكولوجي لرجل الدين.
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7263 - 2022 / 5 / 29 - 20:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من المفردات التي تدرس بمعزل عن النظرية العامة هناك مواضيع أو قضايا تتميز لخصوصية منفردة تتعلق بجوهر الموضوع المدروس، أو بالحساسية التي تثيرها الدراسة بشكل خاص، ومن هذه المواضيع التي تشكل بذاتيتها مانعا صادا هو موضوع السلوك العام لرجل الدين في المجتمعات الدينية ودوره ليس المعرفي أو الديني، ولكن دوره من خلال الدوافع والأسس السيكولوجية التي تفرض نفسها كمقدمات لذلك، أبتداء من فكرة الإنسان أن يكون رجل دين وأنتهاء بنتائج هذه المعطيات والأسباب والعوامل التي تؤسس لصياغة هذه الشخصية غالبا وعموما، وليس بالتأكيد كحكم مطلق لا يقبل الأستثناء. نرى مثلا أن غالب رجال الدين وخاصة أولئك الذين ينحدرون من بيئة متزمتة أو لنقل محافظة ينظر لمن هو من غير طبقته الرعوية على أنه أدنى مستوى حتى في آدميته، فيسميه مثلا من العوام أو من العامة أو من الجمهور الذي يعني في المصطلح الديني أو الفهم الديني أولئك الذين يجب أن يكونوا محل قيادة دائما لأنهم يجهلون الدين ولا يمكنهم أن يتعلموه ولو أرادوا، وإن أرادوا ذلك فسيكون شأنهم مع ذلك أقل وأحط لأنهم غير مؤهلين تكوينيا على هذا المحمل، فالمتدين المهني أو المحترف لا بد أن يكون وفقا لمواصفات خاصة تعتمد على عوامل عدة في ملخصها أن مشروع رجل الدين يجب أن يتمتع أولا بالقدرة على أن يشعر بالأعلوية على غيره وأن يفرض هذه الأعلوية على الناس من خلال سلوكيات يفترق بها عن المجتمع من حيث الشكل الخارجي الإيحاءات التصرفات المقصودة وحتى في عملية النطق أو العلاقة المباشرة مع الأخر. هذا التميز المصطنع هو سلاح رجل الدين ليجعل من دائرته الشخصية محمية من الأنتهاك أو التجاوز، ولكن السؤال العلمي الذي يجب أن يفهم لماذا كل هذه القضايا يمارسها رجل الدين ليظهر بها وكأنه فرد متميز؟ وهل لهذه التصرفات أسباب نفسية خفية تدفعه لذلك من خلال شعور لا واعي ولا مسيطر عليه داخل الذات الإنسانية، بالتحليل العلمي لهذا الموضوع لا بد أن يتبين لنا أن ليس له علاقة بموضوع الدين ولا الإيمان بقضية الأنتماء هي التي تفرز تلك السلوكيات المدانة، بل أن الأصل في رجل الدين أنه النموذج الأمثل للإنسان الصالح طالما أنه يرى الفضيلة وينتمي لها ويشجع عليها، لكن لما يتمتع به الدين من حظوة أحترام مجتمعي أسست من خلال فهم هام لفضيلة الدين، يتسلق الإنسان الذي يشعر بأختلالات التوازن الطبيعي لديه ليستغل هذا الوضع للتغطية علة مكمن النقص والأعتلال عنده. حتى طريقة تصرفه اليومية المعلنة أما الخفية والتي تمارس في السر أو في حدود ضيقة فهي تختلف تماما عما يعلنه ويظهره للناس، هذه المظهرية التي يبديها بشيء من الرسمية المتعالية تدل فيما يظن على مستوى أرفع من الوضع الأجتماعي الملبي لحاجة سد النقص لديه وعليه لا يجب لأحد أن يشاركه فيها، هذا الميل السلوكي عند غالبية رجال الدين ليس له تفسير أخلاقي سوى السادية اللا شعورية وأحيانا سادية أختيارية والتعالي المفرط شعوريا بالأنتماء لمحدد لا بشري والنرجسية التي تعكس روح الأنتقام المتوطنة في داخل الذات المتكبرة، فغالب أولئك الذين يرون أنفسهم فوق الواقع وفوق المقاسات البشرية الطبيعية هم في الأصل مجموعة من العاهات النفسية التي تبدأ من الكبت والفشل والدونية القهرية وحتى الإدعاء بأن أصولهم البعيدة هي من مادة غير الطين البشري المعروف عقائديا، لذا تكون ردة فعلهم ضد الاخر والمجتمع عكس طبيعتهم حتى يحصلوا على أعلى درجات التقدير والتبجيل والتعظيم ليسدوا بها النقص النفسي المزمن. عند الرجوع لتاريخ النشأة وبدايات التفكير عند معظم من يتجه للدين كمهنة نجد أن هناك ثلاثة مؤشرات أساسية تدفع بهذا الأتجاه، الأول العادات والتقاليد داخل العوائل التي تمتهن الدين كحرفة بأي شكل من الأشكال فهي تحاول تثبيت واقعها الديني والأجتماعي من خلال زج أبنائها وهم صغار في هذا المسلك دون خيار أخر، فينشأ رجل الدين المشروع المستقبلي وهو مسلوب الإرادة وخاضع لإملاءات عائلية أو عرفية، وبالتالي فهو لا يفهم معنى حرية القرار ويؤسس فكره وسلوكه على الجبرية والفهرية التي نشأ عليها، النموذج الأخر هم المتأثرين بالفكر الديني والذين يفشلون في شق طريق حياتهم في مجالات عملية أخرى تؤمن لهم الحد الأدنى من الشعور بالرضا الأجتماعي والمجتمعي، فيسيطر عليهم هاجس الفشل والخوف من المجتمع فيلجؤون إلى الواقع الديني الذي ينتمون له لا شعوريا لسد هواجس وعوامل الخوف، وبالتالي تنشأ طبقة داخل المنظومة الدينية المهنية ذات حساسية عالية من الوقوع بالفشل مرة أخرى فتتعالى وتنعزل عن المجتمع دفاعا عن وضعها القلق. أما المجموعة الثالثة والتي تشكل الجزء الأقل من أصحاب الحظوة الدينية وهم ما يعرف بالدعاة الجدد أو المنتمين للمهنة الدينية لأسباب كثيرة منها أقتصادية ومنها الحاجة للبحث عن أستقرار مجتمعي، نتيجة الشعور العام لدى غالبية أفراد المجتمع أن العلاقات الأجتماعية في مجتمع ما كثيرا ما تتعرض للأهتزازات السياسية أو الاقتصادية أو الأجتماعية، ويكون الملاذ الأمن لهم هو الدين ومهنيته والمكاسب التي تعوض عن الحاجة مما يعرف بالملاذ الأمن، هذه الطبقة نفعية أنتهازية تتوسل بالوضع المريح مقابل الجد والأجتهاد وتكون في الغالب هامشية في حياتها ما قبل المهنة الدينية وحياتها بعد ذلك لأنها تساوم على كل شيء من اجل مصالحها وليس لها موقف مبدئي أو أخلاقي أو ديني ثابت، وتتميز هذه الفئة بتغير الولاءات الدينية وسرعة تغير المواقف الأنتهازية العامة في كل خياراتها الخاصة والعامة. هذه أهم العوامل السيكولوجية التي تراف تحول الإنسان من مساره الطبيعي نحو المسار الديني كمهنة والعوامل التي تدفع الكثير منهم لسلوكيات تتنافى مع طبيعة وأخلاق الدين، هذا لا يعني بالتأكيد أنه قانون هام ولا يعني خلو المؤسسة الدينية من رجال لهم رسالة واهداف تتعدى الشخصية والفئوية، فالواقع الديني في محصلته هو واقع أجتماعي أولا وإنعكاس عن قيم ومؤثرات أجتماعية تشاركت فيها الكثير من العوامل لتظهر بالشكل الذي يطبع واقعها، وعموما تبقى المجتمعات التي تشهد تحولات معرفية وفكرية متطورة هي الأقل في تأثيرات العوامل النفسية التي تكلمنا عنها في كل الخيارات التي تعرض على أفرادها، لأن مبدأ الحرية والخيار المتعدد بروح معرفية يوفر حماية نفسية وأجتماعية للإنسان في تحديد مصيره.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلاحية المحكمة الأتحادية في حل مجلس النواب العراقي بموجب قرا
...
-
لست مطبعا ولكن .
-
الدين والوجودية ... تقارب وتباعد
-
ويسألون.... كيف نحرر إرادة الوطن
-
بناء السلطة التشريعية في دستور العراق لسنة 2005 أخطاء لا تغت
...
-
حول الدعوات إلى أحترام أستقلال القضاء العراقي
-
رسالة إلى مولانا السلطان
-
إضاءة على بعض جوانب الشخصية العراقيىة
-
هل نحن متخلفون حقا؟.
-
اليرهم والما يرهم بحكومة كوكو وبرهم
-
الأيام القادمة أراها حبلى بالجديد القديم
-
الديمقراطية الناشئة ومشكلة الوعي بخلافها
-
تسع سنوات في الحوار المتمدن
-
السلام جوهر الوجود
-
الأنعامية كمفهوم توصيفي سلوكي
-
مفهوم الروح عند الفلاسفة المسلمين
-
الخلط بين دلالات النفس ومفاهيم الروح
-
في أطوار المظهرية الدينية
-
في سيكولوجية العقل الديني
-
من مداخلة الروائي الشهيد الدكتور علاء مشذوب أثناء تقديمه لرو
...
المزيد.....
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|