|
إيرانوفيليا : الجمهورية الإيرانية قطب تاريخي وحضاري متميز
المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 7260 - 2022 / 5 / 26 - 22:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فرضت الجمهورية الإيرانية الإسلامية قواعد جديدة في العلاقات الدولية ، سعيا منها لضمان الإستقلالية الذاتية، وتجاوز مفهوم القطب الأميركي الواحد الذي نشأ بعد اجتماع بريست وإعلان الكومنولث . وهذا ما يتجسد عمليا ، حيث استطاعت طهران تحقيق انتصارات دبلوماسية وسياسية فذة خلال الأيام القليلة الماضية ، لتشمل الأواصر الجديدة دولا كانت على خلاف معها مثل العربية السعودية .
ربما أكون الأول في التعبير عن مكانة إيران من خلال مفهوم "إيرانوفيليا" ، جريا على نظرائه ، مثل روسوفيليا وأوكرانيفيليا ، والذي يفيد حبُّ تاريخ وثقافة وحضارة إيران العريقة والخلاَّقة . إن تنزيل هذا المفهوم الحديث ، ممكن إلى أبعد حد ، لتوفر الشروط الموضوعية التي تسمح بأجرأته وتفعيله على كل المستويات وفي كل المجتمعات العالمية . لأن إيران تملك من الإرث التاريخي والمادي الاَني والقوة الإقتصادية والسياسية ما يجعلها تشغل مكانة سامية لدى كل الشعوب والدول .
هذا يقتضي بادئ ذي بدء ، على مستوى المغرب العربي تحديدا ، تملك شبكة إعلامية واسعة وجماعات ضغط ومنظمة علاقات عامة لتقديم الصورة الحقيقية عن الجمهورية الإيرانية لدى شعوب هذه البلدان . عدد من المغاربة على سبيل الذكر ، لا يفرقون بين الشيعة كمذهب ديني والشيوعية كفكر أيديولوجي . ولا أركن للمجاز إن قلت؛ أن هذه الفئة الواسعة من المغاربة تجهل أن القراَن هو المرجع الأول في المذهب الشيعي .
اتهم المغرب ، كما نُشر في وثائق ويكيليكس ، طهران بمحاولة جعله قاعدة لنشر التشيع في البلاد العربية وإفريقيا ، وهي إدعاءات فقط، لكن إيران لا تملك القوة الدعائية والإعلامية للرد على هذا الإتهام أمام المغاربة حتى يدركوا كنه الملف . العقل الجمعي المغربي يختزن أرشيفا مزيفا من المعطيات الخاطئة التي أسس لها الإعلام المغربي الموجه ، في محاولة من الدولة الإنحياز للطرح الأميركي- الغربي المعارض لإيران ومحور المقاومة ، من قبيل أن حزب الله يدعم جبهة البوليساريو بالصواريخ والتدريب ، وأن إيران تهدف لإعادة الإمبراطورية الفارسية أو الإمبريالية الإيرانية والقمر الشيعي المتكامل.
كانت إيران إبان حكم الشاه بلدا صديقا للمغرب ، وأحيانا حليفا كما كان مع الحلف الإستخباراتي "نادي السفاري" ، لكن مع الثورة الخمينية سنة 1979 ، وثبت إيران خارج منطقة السيطرة الأميركية ، وأضحت مستقلة القرار، إسلامية المرجعية وخمينية الفكر ؛ بما يتوافق مع تاريخ البلد وقيَّمه ونواميسه الطبيعية بعيدا عن الأمركة والإستيلاب الثقافي والإستعمار الناعم والمالينتشية .
الموقف المغربي المعزز للمحور الأميركي -الإسرائيلي ، يتسم بالتحامل على إيران والتوسل بالمرجعية الغربية ، ما يجعل قرارات القصر العامر الكيالة للتهم المغرضة دون قيمة قانونية . وما يعتبره المغرب اَنيا توددا ودعما مباشرا لأميركا في حربها السياسية ضد إيران ، سيغدو انتكاسة في السياسية الخارجية التي يقودها ناصر بوريطة ، الذي سيجد نفسه في المستقبل المنظور أمام قطب جديد تتزعمه موسكو وبكين وطهران .حينها لن تخرج الرباط من قنينة الهيمنة الأميركية ، ولن ترفع طهران ، في إطار المعاملة بالمثل، السدادة عن المغرب حتى يفقد كل موارده واوراقه إقليميا وحتى داخليا (قضية الصحراء مثلا) .
ما يقوي فرضية انعدام الموضوعية في السياسة الخارجية المغربية ، هو الموقف الإزدواجي (الإنفصامي) للرباط مع إسرائيل ، حيث جرى توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين الجانبين ، وتعهد المغرب بترميم الاَثار اليهودية وطنيا ، وتمكين المغاربة من إكتشاف الديانة اليهودية ، ما يعني ضمنيا غض الطرف عن اعتناقها ، على نفس الخط الذي يترأس فيه الملك المغربي لجنة القدس ويعلن دعمه للقضية الفلسطينية ، لكنه دعم سياسي صوري ، وراءه برغماتية التمتع بالوصاية على الأقصى كرمز ديني ، وهو نفس المنوال الذي تسير عليه الأردن في صراعها مع السعودية من أجل حمل لقب "خادم ثاني الحرمين" .
في هذا الصدد ، تدرك الساحة الفلسطينية جيدا ، ومعها فصائل المقاومة في الضفة وغزة ، التوازنات والمصالح الدولية الداعمة والمعارضة للمقاومة والتحرير . وهذا ما تبدَّى خلال الإحتفال يوم الجمعة الأخيرة من رمضان ، بيوم القدس العالمي ، الذي مهد له سماحة الخميني ، حيث قدم قادة حركة حماس والجهاد الإسلامي الإمتنان للجمهورية الإيرانية الإسلامية على موقفها المشرف ، سياسيا وعسكريا وشعبيا ، في دعم وتأييد القضية الفلسطينية في إطار مشروع متكامل ومتعدد الجوانب يروم إنهاء الإحتلال الإسرائيلي وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس . إن جنوح المغرب لتطهير البلد من المذهب الشيعي ، كما تجلى من خلال التضييق على حزب "الرساليون التقدميون " ، يقوم على سببين : المعارضة السياسية المطلقة لإيران على اعتبارها مركزا لهذا المذهب الإسلامي ، والحذر من هذا الفكر الديني الفقهي والعقدي الذي يهدد "إمارة المؤمنين" من جانب الشرعية ،أي أسس التصور التأصيلي للخلافة في المنظومة الإسلامية .
إن زعم تهديد التشيع للأمن القومي للمغرب ، هو فرط في الحساسية المذهبية ، لأن إيالة الأدارسة التي أمِرت على المغرب ، كانت تتبنى الولاية لاَل البيت النبوي ، ورغم حرص السلطات المغربية على رفض تقديم الإحصائيات الواقعية حول عدد الأفراد الشيعة وطنيا ، إلا أن عددهم يقدر ،حسب تقارير لوزارة الخارجية الأميركية سابقا ، بما يناهز عشرات الاَلاف ، إلا أن العدد الحقيقي يبقى مبهما في ظل تشبث الشيعة بالتقيَّة . فيما يخص البنيات التنظيمية الشيعية في المغرب ، فسبق أن أُعلن عن تيار "الرساليون التقدميون " ، الذي قدم نفسه كتيار علماني يساري ينهل من المرجع الشيعي اللبناني حسين فضل الله . هذا التيار الشيعي التقدمي انبثق عن "الخط الرسالي" بعد انهيار الشبيبة الإسلامية .
أما الكيان المُجهض الذي يدعو نفسه "لجنة الشيعة" في الجمعية المغربية للحقوق والحريات الدينية ، والتي سبق أن أدانت حزب الله اللبناني في إطار مساندتها للسلطات المغربية في حملة الإغتيال المعنوي لإيران وحزب الله بتهمة دعم البوليساريو ، فهي هيئة غير واضحة المعالم والأهداف ، ولا يمكن اعتبارها على أية حال تعبيرا عن الموقف الشيعي الرسمي في المغرب .
تظل إيران من سدنة البيت النبوي ، وسيخلُد فضلها في التذكير بمأساة كربلاء ، كما سيكون التوليف بين المذهبين السني والشيعي أكبر تحالف في التاريخ المعاصر، لأنه سيوحد أمما وشعوبا على غرار الإتحاد الأوروبي وباقي التكتلات السياسية والعسكرية والدينية .
الجمهورية الإيرانية الإسلامية التي يعود تاريخها إلى حوالي سبعة اَلاف سنة قبل الميلاد ، وما حوته من حضارات وديانات وثقافات ، تشكل في مجموعها رأسمال مادي غني وفريد ، يجعلها قطبا جديرا بالإكتشاف والإرتباط والإستثمار .
تقود إيران ثورة إقتصادية وسياسية هائلتين ، ورغم العقوبات الإقتصادية إلا أنها صمدت كمحطة مركزية في العالم ، جعلتها تبسط شروطها المشروعة في مفاوضات فيينا ، وهي تعيد حاليا العلاقات الدبلوماسية مع السعودية والإمارات ، في إطار شراكة استراتيجية كبرى ، تمهد لمرحلة ما بعد التدخل الروسي في أوكرانيا ، الذي يأذن بإنبعاث القطب الجديد ، كما توضح بجلاء في تعزيز الروبل الروسي واليوان الصيني ، ورفض السعودية الطلب الأميركي بالرفع من إنتاج النفط وما استتبعه من سن قانون "نوبك" الأحادي الذي سينضاف إلى قانون "جاستا " المجحف .
إن الجمهورية الإيرانية الإسلامية أرض سلام وتاريخ وحضارة ، وهي الحليف الموثوق لجميع الدول ، فقط يجب التخلص من الهيمنة الأميركية -الإسرائيلية حتى تتمكن الدول العربية من الرؤية بعين حيادية .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار واليمين على دائرة مستديرة
-
الإنسانية المطلقة ونسبية الدين والتاريخ والعِرق
-
متلازمة الطفل ريان
-
أنا والعفريت
-
عبد الإله بنكيران رجل المطافئ في حكومة عود الثقاب
-
ٍالميركاتو الإنتخابي في المغرب... من هو صديق المخزن الجديد ؟
-
المقاربة الأمنية لإزدواجية الجنسية لدى كوادر الدولة
-
حدود و امتدادات معركة حد السيف في ضوء المواقف الأممية
-
المقاربة الأمنية ضد أساتذة أفواج الكرامة تنهي دعاية حقوق الإ
...
-
من صنعَ و ماذا يصنعُ حزب العدالة و التنمية المغربي ؟
-
الأستاذ عبد الكبير الصوصي العلوي .. و سؤال نزاهة و راهنيَّة
...
-
مدخل إلى المنطلقات الإصلاحية الوطنية الكبرى
-
«تنظيم الدولة» واستراتجية بناء القوة اللامركزية الجديدة
-
الفكر الخميني ميثاق للوحدة الدنيوية و الوحدانية الدينية
-
الأساتذة الوطنيون : الإدماج أو الطوفان
-
«القهر» كمفهوم أساسي في السياسة الداخلية للدول العربية
-
أكاديمية أبو غريب للبحوث الحيوانية
-
التطبيع مع العِبرية في اليوم العالمي للغة العربية
-
المغرب يتحدث لغة الواقع التوافقي في صفقة القرن
-
برقية عاجلة إلى مغاربة تندوف
المزيد.....
-
صور بعض قتلى فاجعة اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية في واش
...
-
شاهد كيف ردّ ترامب على سؤال صحفي بشأن رفض مصر والأردن اسقبال
...
-
سموتريتش: إذا تضمنت المرحلة الثانية من الصفقة إنهاء الحرب دو
...
-
من هو محمد الضيف الذي أعلنت حركة حماس مقتله؟
-
تحليل: عندما توجه الجزائر بوصلتها نحو أمريكا كيف يستجيب ترام
...
-
الكشف عن 3 حوادث تقارب جوي سبقت كارثة اصطدام الطائرتين في وا
...
-
إنقاذ 60 شخصا في حريق شمال غربي موسكو (فيديو)
-
للمرة الخامسة على التوالي.. موسكو تسجل رقما قياسيا لدرجة الح
...
-
رئيس الأركان الروسي يتفقد قوات -الشرق- في دونباس (فيديو)
-
مصر.. حريق ضخم يلتهم السفن في السويس
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|