|
في تحطيم الجدار
سعد سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 1675 - 2006 / 9 / 16 - 10:08
المحور:
المجتمع المدني
"العالم مكان ضيق والحب وحده يخترق الجدران". أين انت ايها(العنفوان/الحب) الذي يختصر القدرة على الانفتاح والتسامي والتسامح؟ أين انت ايها (القوة/الحب) للخروج من تناهينا وضعفنا الى فضاء معانقة ما هو عام وتأسيس ما هو دائم؟ أين انت ايها (السر/الحب) للوحدة والتوحيد في بناء برج بابل الذي تتطلع اليه عيوننا منذ سقوط جدار الدكتاتورية؟ أين انت ايها(الكلمة-الوجود) في لغز الكينونة العراقي؟ أين انت ايها(الحب/المعرفة) في بلاد الرافدين؟ تزاحمت مثل هذه (الاسئلة/الجروح) في(عقلي/قلبي) اثناء العمل على اخراج العدد السادس من مجلة مسارات الى الوجود ، في وقت كنت فيه اقرأ عن المنازعات وانا اضع في ذهني ما يحدث في بلدي لعلي أجد تفسيرا أو أصل الى تدبير ولو على الورق. وقد ادهشني مثلما ادهش الاخرين وشل وعيهم الانحدار البغيض نحو الكراهية في بلد التسامح والتسامي. وقد شاركت الجميع في الادراك غير السعيد بإن بناء العالم بالكلمات يقابله القدرة على تحطيمه باللغة،فقد لمسنا بايدينا كيفية تحول اللغة الى جدار للفصل العرقي والطائفي بين مكونات المجتمع،وغذا ذلك مساهمة الاعلاميين والسياسيين في بناء الجدران التي تتسور بها مصالحهم وتحتمي داخلها منازلهم. كما راقبت مع غيري الهندسة الخبيثة (للمصطلحات-الجدران) التي تبغي الفصل بين أعضاء الجسد الواحد وتشويه الحقيقة وذر رماد الكراهية في العيون وتحويل التنوع الثقافي الى تباين وتضاد،فقد أشير الى جزء من الامة العراقية بمصطلح "العرب السنة"، وكأن الشيعة في العراق ليسوا عرباً،ومن جانب اخر أتهم السنة بأنهم "ارهابيون". وأتهم الشيعة بأنهم "عجم وموالون لايران".واتهم الاكراد بأنهم "انفصاليون"،وبرز أصطلاح "الاطياف العراقية" وكأنها كائنات خرافية من اطراف المجرة سقطت بفعل الجاذبية الارضية ومحض الصدفة الجغرافية على ارض الرافدين! هذا في الوقت الذي تغافل فيه البعض عن كون السنة والشيعة في العراق من (العرب)، والعرب والاكراد (مسلمون)،وبقية الاقليات الممتزجة بروح هذه الارض (عراقيون) يولدون ويموتون على ارض بلاد مابين النهرين منذ الاف السنين. بل تغافل الكثير من المراقبين عن ان بلدان العالم البالغ عددها قرابة المائتين تضم نحو 5000 مجموعة عرقية،ويشتمل ثلثا هذه البلدان على أقلية كبيرة واحدة على الاقل-أي على مجموعة عرقية أو دينية تشكل ما لا يقل عن 10% من السكان. فلماذا ستصبح قصتنا مثارا للخلاف والاختلاف؟. وليست هذه المرة الاولى التي يحاول فيها بناة الجدران نشر حمى الفوضى الخلاقة على جسد الارض الممتدة بشكل لا أنفصال فيه ففي يوغسلافيا السابقة أظهر النزاع الدموي بوضوح مرعب كيف يمكن ان تتحول المجتمعات التي كانت متمازجة وودودة الى فصائل متقاتلة بسبب دعاية تقوم بتعزيز ما يعرف بالاختلافات العرقية في ما بينها. وفي الوقت المناسب افضى هذا الامر الى الابادة الجماعية والى التطهير العرقي واصبحت محاولات ازالة او طرد المجموعة المعارضة هدف الحرب الصريح.فوحشية الحرب هناك قد أثيرت بواسطة كلمات مثل سائر الكليشهات التي أطلقها المثقفون واستولى عليها السياسيون.فبالاضافة الى الكتاب القوميين الصرب امتاز الالبان ب(الوحشية) والكروات ب(الابادة الجماعية) والسلاف ب(الوضاعة) ومقابل ذلك أعتبر السلاف والكروات،الصرب( برابرة وبلقانيين وبيزنطيين)وسرعان ما تداول الصحفيون هذه العبارات وتم ارسال المجندين الشباب الجدد حاملين معهم مثل هذه الشعائر التي تدوي في اذانهم. هذا مع انه تجدر الاشارة الى ان الصرب والكروات والبوسنيين كلهم (سلاف جنوبيون)يتكلمون نفس اللغة ولا يمكن تمييزهم من الناحية الجينية ولا يفرقهم الا المنطقة التي يعيشون فيها ودينهم الكاثوليكية والارثذوكسية والاسلام. جعلني ذلك اتطابق مع الادراك بانه ليس ثمة مهرب من أعتبار الكلمة قوة جبارة والكلمات التي يتم تداولها مهما بدت غرابتها وبعدها عن توصيف حقيقة التباينات الثقافية،سرعان ما تترسخ بعمق في وعي البشر وشيئا فشيئا تكتسب سلطة هائلة وترتفع الى مستوى الايديولوجيا ولا تعود وسائل تعبير سلبية فقط بل تسيطر على المجال الفكري بآسره وتدفع الناس الى الجنون،وإلى الاستسلام لخرافات جديدة.من هنا تبرز الحاجة لدور الثقافة والمثقف في تعرية الاساطير وكشف زيف الخرافة وتعميق الوعي بأساليب أدارة سياسات التنوع الثقافي بحكمة،على سبيل المثال،اثبات ان الهوية ليست مسألة كسب يرتب خسارة موازية،فكما تذهب الدراسات الحديثة ليس ثمة صلة حتمية في الاختيار بين وحدة الدولة والاعتراف بالتباينات الثقافية،كما تؤكد هذه الدراسات على عدم وجود دليل تجريبي على ان التباينات الثقافية تشكل بحد ذاتها سببا لنزاعات عنيفة،بل انها تذهب للقول بأن التعددية الثقافية تخفف خطر النزاع،لانها تزيد صعوبة تعبئة المجموعة،وتقدم الدراسات تفسيرات عدة للنزاعات في مقدمتها الصراعات على السلطة السياسية أو الارض او قيم أقتصادية أخرى،والنتيجة التي تم التوصل اليها بهذا الشأن انه ليس ثمة صفقة مقايضة بين السلام واحترام التنوع،لكن من الضروري أدارة سياسات الهوية بحكمة كي لاتنقلب الى عنف. تضع هذه النتيجة اليد على الجرح العراقي،فالادارة السيئة للتنوع الثقافي الذي يحيله الى اختلاف هدام،مؤشر على إن بناة الجدران يمثلون نخبا لا يخدمها فضاء الوطن المفتوح وهم يريدون للبلاد ان تصبح ساحة خلفية لمخلفات القوى الاقليمية والدولية.وصوت الحكمة يصرخ بهولاء إن "ما يبنى بالحيلة يسقط بقوة الوعي".وإن "ما لا يثبت بالقلب لا يرسخه العقل".وسيدرك الجميع عاجلا أم أجلا إنه يوم تتخلص البلاد من زارعي الجدران والحواجز وسادة الفصل العنصري والطائفي،سيرحل جدارهم معهم،وتتبخر معه المنظومة المفاهيمية والثقافية التي تتبرر لوجوده وبقاءه.وحينها نبقي على قطعة من الجدار في متحفنا الوطني ونقنن الادراك بأن : "من يزرع الجدران لن يحصد سوى الاختناق".أنه الدرس الذي تعلمته أجيالنا المطحونة في عراق ما بعد التغيير،سواء اكانت في الداخل او في الخارج. أمام الثقافة اليوم مهمة شاقة للهدم: جدار الدكتاتورية الذي يفصل الشعب عن الحكومة،الجدار بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج،الجدار بين المثقف والسياسي،جدار الطائفية الذي يفصل مكونات المجتمع عن بعضها،جدار الفساد الذي يفصل البلاد عن الازدهار والمدنية والتنمية والمستقبل،جدار الخوف الذي يفصلنا عن ممارسة حرية التعبير وتطوير وعينا وتأسيس مستقبلنا. لن ندمر هذا الجدار بقذيفة دبابة او صاروخ ينطلق من طائرة بل "بقوة الوعي سنهدم الجدار"،فعندما يكون هناك انقسام،من الصعب رأب الصدع بتبني العنف،اذ من طبيعة العنف تعميق الانقسام وتدعيم الحواجز ،لايمكن ردم الهوة وهدم الجدار إلا بالعودة لمرجعية العقل والاجماع على الشراكة وتفعيل الوعي وطمأنينة الذات الى السلام بمعنى ان مجرد احداث تغييرات سياسية او حكومية او على صعيد الدستور والتشريعات غير كافية ما لم يتحطم الجدار الداخلي بانتصار الذات على تناقضاتها وحل صراعاتها،فقوة الوعي هي ما يخترق الجدار.ورباط الحب هو ما يضع مواطنتنا على الطريق الذي حجبه الجدار. انه رهان حقيقي على الدور الوظيفي للثقافة والدور الوطنيي للمثقفين في عملية الهدم والبناء.
#سعد_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحكم بالحدث من تدمير برجي نيويورك الى تدمير قبتي سامراء
-
المالكي ومعادلة الاستقرار السياسي : الامن هو التنمية-الفساد
...
-
عراق الدولة... حلم ام اسطورة؟
-
تسونامي عراقي لكل يوم
-
حكومة سرية لشعب علني:اسئلة قديمة على طاولة حكومة جديدة
-
عبد شاكر وقضية الحوار المتمدن
-
حين تسقط التاء عن الثورة
-
من نحن؟الهوية الضائعة بين العراق التاريخي والعراق الاميركي
-
عام مسارات
-
من يسرق النار هذه المرة؟
-
هل من غاندي أو مانديلا عراقي؟ الانتخابات وعملية البحث عن رمز
...
-
حرية الصحافة والاعلام في الدستور العراقي
-
حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة السادسة
-
حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الخامسة
-
حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الرابعة
-
حرب قصف العقول وكسب القلوب: الحلقة الثالثة
-
حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الثانية
-
حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الاولى
-
المحافظون الجدد في بابل:الحلقة الخامسة
-
المحافظون الجدد على ارض بابل:الحلقة الرابعة
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|