|
شيرين أبو عاقلة ... كانت معنا وستبقى معنا
وسيم وني
كاتب
(Wassim Wanni)
الحوار المتمدن-العدد: 7255 - 2022 / 5 / 21 - 16:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم د. وسيم وني / مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان
لم يسبق أن نال استشهاد صحفي بتغطية إعلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي ردود أفعال كالتي برزت عقب إغتيال الإعلامية شيرين أبو عاقلة، فعلى مدى ما يقارب ربع قرن لم تكن شيرين أول ضحية تسقط أثناء أداء واجبها المهني، فقد اغتالت قوات الإحتلال الإسرائيلي قبلها العديد من الصحافيين ،وقطعاً لن تكون آخرهم ، فمهنة الصحافة والإعلام، وخصوصاً حين تمارس في مناطق الحروب والصراعات الساخنة، تنطوي بطبيعتها على قدر لا بأس به من المخاطر وخاصة مع عدو لا يحترم القوانين والمواثيق الدولية، فإحتمالات التعرض للقتل، خطأ أو عمداً مع سبق الإصرار والترصد، مسألة واردة في كل وقت وحين وفي أي مكان ، وذلك لمنع الإعلاميين من نقل الوجه الحقيقي للإرهاب الإسرائيلي ضد شعبنا ومقدساتنا .
إلا أن إغتيال شيرين يختلف عن سابقاته من حالات الإغتيال وذلك من حيث طبيعة إغتيالها ومكانه وتوقيته، الأمر الذي يجعل من إغتيال شيرين علامة فارقة في التأسيس لبداية مرحلة مختلفة عن سابقاتها من مراحل، لا سيما وأن شيرين وعلى الرغم من اغتيالها مرتين، إلا أنها خرجت منتصرة على آلات القتل والدعاية الإسرائيلية والغايات المرجوة منها معبدة بإنتصارها هذا طريق الإنتصار لشعبنا الفلسطيني على الإحتلال وشركائه من الغرب الإستعماري وفي القلب منه الولايات المتحدة الأمريكية ومن يطبع ويهلل لهذا الكيان .
فهناك عوامل عديدة أسهمت في تحويل عملية الإغتيال إلى حدث استثنائي هز ضمير العالم بأسره أهمها ثلاثة: سمات شيرين الشخصية ومستوى أدائها المهني والفني، وطبيعة القضية التي ارتبطت بها في حياتها المهنية ، وتوقيت عملية الإغتيال نفسها وملابساتها .
أما من حيث طبيعة الإغتيال فقد جاء مرتبطاً بحضور شيرين الإعلامي ، إذ أصبحت وهي صاحبة القلب والعقل الفلسطينيان وقبلهما صاحبة البصيرة الفلسطينية والمهنية العالية كواحدة من أصدق من ينقلون الحقيقة عن واقع شعبنا الفلسطيني، عن بطش وإرهاب الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، ولا أبالغ بالقول بأن شرين تشبه في صدق روايتها المذيع الأمريكي في محطة (CBS) إبان الحرب في فيتنام (ولتر كرونكايت) الذي كان يوصف في أمريكا (بالرجل الأصدق) نتيجة لتقاريره الصحفية الصادقة عن الحرب الفيتنامية الأمريكية، حيث كان ينقل الحقيقة مردداً في كل تقرير له أن أمريكا لا تصنع النصر في فيتنام إنما ترتكب الجرائم، الأمر الذي كان له أثره في بناء رأي عام أمريكي ضاغط لإنهاء الحرب لصالح الثوار في فيتنام في بداية سبعينات القرن الماضي .
وهذا ماتميزت به تقاريرها والتي اتسمت بالرصانة والبعد عن الإنفعال والإفتعال، واهتمت بشكل خاص بالتفاصيل والأبعاد المتعلقة بأوجاع الإنسان الفلسطيني البسيط المسحوق في أرضه المحتلة، والذي يتعرض يومياً ودائماً لأشكال عديدة من المعاناة، حين يجد نفسه مضطراً إلى الوقوف ساعات طويلة أمام الحواجز الأمنية، أو حين يستولي المحتل الغاصب على أرضه ويهدم بيته ، أو حين يتعرض للاعتقال والسجن والتعذيب تارة، وللقتل تارة أخرى، إن قرر أن يصرخ ألماً أو يدافع عن حقوقه المغتصبة. لذا، يمكن القول إن شيرين كانت من أكثر الإعلاميين إحساساً بمعاناة الإنسان الفلسطيني البسيط والتصاقاً بهمومه، وهو ما تميزت به كثيراً وتفوقت به على نفسها وعلى غيرها كونها أيضاً شكلت مصدر إزعاج للإحتلال الإسرائيلي الذي أسهمت في تعريته وكشف طبيعته العنصرية، ما دفعه إلى اغتيالها بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد، لكنها تحولت، في استشهادها، إلى مصدر أرق له لن ينتهي إلا بزواله وتحرير فلسطين .
وبعيدا عن الأثر المباشر الذي تتركه جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، فإن غياب هذا الوجه الإعلامي البارز والذي كانت له مساهمات كبيرة في فضح الاحتلال ومواكبة نضال شعبنا الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المشروعة، سيجدد التأكيد هنا بأن الحسم العسكري الذي ينتهجه الاحتلال لن يكون مجديأ ، حتى لو كان ميزان القوة يميل لصالح آلة القتل الإسرائيلية. فآليات المواجهة باتت مختلفة وهناك تفهم دولي متزايد للحقوق الفلسطينية، بل إن هذا التفهم وصل شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي الذي أدرك متأخرا أن كلفة الاحتلال ستكون باهظة، وأن آفاق هذا الاحتلال هي آفاق مظلمة، وأن إسرائيل نفسها ستدفع عاجلا أم آجلا ثمنا لاحتلالها، وأن الصعوبات التي ستواجهها مع استمرار الاحتلال ستجبرها على دفع أثمان أكبر من تلك التي يطالب بها المجتمع الدولي حاليا. وأخيراً إن إغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة يعيد القضية الفلسطينية لمربعها الأول، فما يحدث في الضفة الغربية وفي القدس وفي كل فلسطين، يؤكد أن جذور المقاومة للاحتلال لا تزال فاعلة ومتقدة، وقادرة على التذكير بالحاجة إلى مقاربة جادة وعادلة لإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين ، في إطار تنفيذ القرارات الدولية الصادرة بهذا الخصوص، وفي إطار الشرعية الدولية التي لا يمكن لأحد تجاوزها مهما طال الزمن، ومهما كثر عدد الذين ينالون شرف الشهادة في الميدان ضحايا للمواجهات مع الاحتلال فشعبنا لن يكل ولن يمل حتى تحرير فلسطين كل فلسطين. رحلت شيرين ولم تُعد بيننا نسمع كلماتها وتغطياتها الصحفية التي اعتدنا على سماعها ومشاهدتها كل يوم، وهي توثق وترصد وتفضح ألة القتل الإسرائيلية، رحلت ولكن رسالتها الإعلامية ما زالت تصدح في عقولنا، وسنكمل المشوار في حمل رسالتها ونقل جريمة اغتيالها إلى المحافل الدولية إلى أن يلقى الجاني المجرم عقابه فشيرين أبو عاقلة كانت معنا وستبقى معنا .
#وسيم_وني (هاشتاغ)
Wassim_Wanni#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رعد حازم ..أسطورة الرعب التي لا تنكسر
-
أسرانا البواسل وضرورة نصرتهم
-
سامي العمور شهيد الإهمال الطبي المتعمد لكيان الاحتلال
-
أداة جديدة للتنكيل بالأسرى في سجون الإحتلال
-
استهداف الصحفيين حلقة جديدة في سلسلة الإعتداءات الإسرائيلية
-
أسرى الحرية ... في يوم الأسير الفلسطيني
-
قرار الجنائية الدولية .... وغطرسة الاحتلال
-
سياسية الإهمال الطبي المتعمد أداة تعذيب ضد الأسرى الفلسطينيي
...
-
جرائم الاحتلال ... لن تنال من عزيمة شعبنا الفلسطيني
-
التنمر على مُصابي فيروس كورونا جريمة إنسانية بإمتياز
-
أقصانا بات في مرحلة الخطر
-
قلعة شقيف قتال وصمود حتى الرمق الأخير
-
الإلتزام الصحي مسؤولية إنسانية ووطنية في مواجهة -فيروس كورون
...
-
أسرانا البواسل في معركة مواجهة الكرونا وكيان الاحتلال
-
التطبيع قُربان مجاني لصفقة القرن
-
أين المجتمع الدولي من المحرقة الصهيونية المتواصلة ضد شعبنا ا
...
-
إعلامنا العربي في ظل الفورة الإعلامية
-
الأسرى ومعاناتهم حكاية شعبنا وقضيتنا جميعاً
-
يوم النكبة على أعتاب صفقة القرن
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|