أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اتريس سعيد - الأرواح و عالم التكوين الإنساني الجزء الثاني















المزيد.....

الأرواح و عالم التكوين الإنساني الجزء الثاني


اتريس سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7253 - 2022 / 5 / 19 - 15:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أنواع الأرواح وهنا يؤدي هذا التنوّع إلى أمران مهمان الأول: فالأرواح وأقصد بها (روح القوة-وروح الحياة-وروح الشهوة) مرتبطة بشكل مباشر بجوانبها البايولوجية والفسيولوجية حصراً, لإرتباط كل نوع من هذه الأرواح بموضوع خاص بهذه المفاهيم, (فروح الحياة) مرتبطة بمفهوم (الحركة) لقوله (فيه دب ودرج), فيما إرتبطت (روح القوة) بمفهوم (الهمة والعزم وحُب البقاء) لقوله (فيه أكل وشرب ونكح النساء), وكما نلاحظ فكل هذه الفعاليات ذات طبيعة بايولوجية متعلقة بفسلجة عمل ووظائف الأعضاء, ويشترك بها جميع الناس بارهم وفاجرهم, وبذلك فهي تعطينا معنى كون هذا الأنسان يشترك مع بقية المخلوقات بهذه الصفات, لذا قلنا أن الكافر ليس فيه روح الإيمان وروح القدس, بل الأرواح الثلاثة اعلاه فقط, مما يجعله كموضوع مُطابق لغعاليات الحيوان, لأن الحيوان أيضاً فيهِ هذه الأرواح الثلاث فقط التي هي العناصر المُشغّلة للاعضاء, ووظائفها, وليس لها علاقة بالعلم والمعرفة.
الثاني: روح الأيمان وروح القدس مرتبطتان بمواضيع أخرى ذات بُعد (معنوي أخلاقي معرفي) فروح الأيمان هي التي تحوّل هذا الإنسان من إنسان بالمعنى البايولوجي إلى الإنسان بالمعنى الإنساني والأخلاقي والمعرفي, لذلك قال عنها (فيها أَمر وعدل) وهذه المفاهيم هي ليست مفاهيم بايولوجية, فروح الإيمان دالة مُتغيرة حسب إستعداد العبد نفسه, فهي تأتي وتروح حسب إستعداد الشخص, والذي نفهمه من أجواء الأحاديث أنها بمراتب حسب مراتب الإيمان المتعدد.
وبالنسبة للروح القدس فدلالتها واضحة كونها لصفوة عباد الله تعالى, بل هي من مستلزمات (النبوة).
بأختصار فإن الأرواح الثلاث (روح الحياة وروح القوة وروح الشهوة) إرتبطت بالمواضيع التالية (بايولوجي, إحيائي, كيميائي, فسلجي, فيزياوي), بينما إرتبطت (روح الإيمان وروح القدس) بمواضيع (الأخلاق, المعرفة, الإيمان, النبوة, الرسالة, الإمامة).
والنبوة مرتبة معرفية كما نفهم, وهو خلاف الكلام الذي قلناه في بداية البحث كون الروح ليس لها علاقة بالعلم, لكن هذه المعرفة تتناسب مع خصوصية هذه الرتبة من الروح, أن هذه المعرفة لا تظهر في (النفس) إلا بحلول روح الإيمان أو روح القدس, لذلك فهي لا تحل إلا في أشخاص محدودين و مميزين ومباركين, فالروح بالأصل ليس لها علاقة بالعلم و المعرفة وهي من وظائف العقل (كما في حديث العقل للامام ابي عبد الله إليه التسليم) لكن هذين النوعين من الروح (الإيمان-القدس) عامل حاسم ومُفعّل على توجيه النفس لهذه المواضيع الكبيرة, لأن هذين النوعين من الروح هما وسيلة الإنسان للإتصال بالعالم العلوي.
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ‏: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ» يَخْرُجُ كُلُّهُ، أَوْ يَبْقَى فِيهِ بَعْضُهُ؟ قَالَ: لَا يَبْقَى‏ فِيهِ‏ بَعْضُهُ‏.
نفهم من هذا الحديث أن روح الإيمان مراتب, فإذا تكامل في الإنسان حصل على مرتبة النبوة, وإذا قل حاز على مرتبة الإِيمان, وهكذا, لذلك فالمؤمن إذا إرتكب الفاحشة قلت فيهِ نسبة روح الإِيمان, ولكنها لا تخرج منه كلياً, لأنه سريع التوبة أما إذا خرجت فهو كالأنعام.
لذلك تلاحظ أن الإنسان الكافر هو كالأنعام يمكن أن يميز الأشياء ويتعامل معها, بل يمكن حتى أن يصبح طبيباً و مهندساً أو أن يتقن أي علم آخر لوجود عنصر النفس كونها ذات الإنسان وبها يتعلق العقل, إلا أنه يمكن أن يرتقي العلوم الخاصة كالنبوة والإمامة والإيمان إلا بروح الأيمان وروح القدس.
هنا نفهم أن الأنسان إذا فقد الإيمان وبقيت له الأرواح الثلاث فقط (روح القوة والشهوة والحياة) فهو كالأنعام, فيفقد خصيصة الإسم, لأن الحيوانات لكل جنس إسم خاص مثل جنس البقر وجنس الأسماك وجنس الطيور وغيرها, أما أفراد هذا الجنس فليس له إسم خاص به, أي أن كل بقرة تسمى بقرة وليس لها إسم يميزه عن غيره, فإذا فقد الإنسان روح الإيمان فقد معه إسمه الخاص, لأنه أصبح حيوان وإن كان الناس يسمونه بإسمه إلا أنه عند الله (تغيّر أسمه), لذلك ورد في الدعاء (اللهم لا تغير أسمي), أو كما ورد عن رسول الله (صلوات الله عليهِ وآله) وهو يُكلم أبا ذر (بما معناه) {يا أبى ذر أدعوا الله أن لا يغيّر أسمك}.لذلك لفظة (روح) لم تجمع قرانياً لتكون (أرواح) لأنها بالأصل ماهية واحدة كالماء لا يُجمع, ولكن إذا تعددت أنواعه جُمِع (مياه), أما في الإستخدام فإنها تجمع (أرواح) كما يجمع النهر (أنهار) والماء واحدُ.
ومن هنا نقول أن هناك أنسان (كنوع) قبل أن يُخلق آدم (عليه السلام) كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (إن قبل آدمكم ألف ألف آدم), وهذا الإنسان فيه الأرواح الثلاث (روح الحياة-روح القوة-روح الشهوة) وهذا ما يؤكده النص القراني التالي قوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖوَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖوَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚقَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ).الآيات في القرآن الكريم تبين أن هذا الإنسان قبل نفخ الروح فيه كان يتناسل بواسطة (الماء المهين) ووجود الأداة، (ثم) يدل على الترتيب أي أنه في البداية خلق من طين ثم بدأ بالتناسل ثم جرت عليه عملية التسوية، وبعدها تم نفخ روح خاصة فيه (روحه)، فلولا وجود الأرواح الثلاث (الحياة والقوة والشهوة) فيه لم يستطيع التناسل، ولكن ما ميزه ونقله إلى رتبة أعلى إستحق بها الإصطفاء هي (روح الايمان)، وهذه لم تنفخ فيه إلا بعد (التسوية)، فعليه تكون عملية التسوية هي التي جعلت هذا الكائن الطيني مؤهل للإستقبال (روح الإيمان- روحه)، لذلك هذا المخلوق سمي آدم بعد نفخ روح الإيمان به، أي أن خصيصة (الإسم) هي ناتج حتمي لإضافة روح الإيمان، لأنها ستميزه عن أمثاله، فيجب أن يكون له إسم لكي يتميز به ومن هنا نفهم أن الإنسان إذا فقد روح الإيمان وبقيت له الأرواح الثلاث فقط (روح القوة أو الشهوة والحياة) فهو كالأنعام، فيفقد خصيصة الأمم، لأن الحيوانات لكل جنس إسم خاص مثل جنس البقر وجنس الأسماك وجنس الطيور وغيرها، أما أفراد هذا الجنس فليس له إسم خاص به، أي أن كل بقرة تسمى بقرة وليس لها إسم خاص يميزها عن أفراد جنسها، خلاف الإنسان الذي لكل شخص فيه إسم خاص يميزه عن غيره، فإذا فقد الإنسان روح الإيمان فقد معه إسمه الخاص، لأنه أصبح حيوان وإن كان الناس يسمونه بإسمه إلا أنه عند الله تعالى (تغير إسمه)، لذلك ورد في الدعاء (اللهم لا تغير إسمي)، أو كما ورد عن رسول الله (صلوات الله عليه وآله) وهو يكلم أبا ذر (بما معناه) ( يا أبا ذر أدعوا من الله أن لا يغير إسمك).
وبالنتيجة فأن الأوادم (كجنس) الذين قبل آدم (المسمى) الذي سجدت له الملائكة كلهم متشابهون، لان فيهم الأرواح الثلاث (الحياة - القوة - الشهوة)، وأنفرد عنهم آدم بروح الإيمان، لذلك فهو أول الأوادم الذي (عرف الله)، وإلا فإن قبله عدة أوادم مشابهون له بالتركيب البايولوجي، إلا أنه أنفرد عنهم لحلول روح الإيمان به ومن هنا تم (الاصطفاء)...
لذلك تجد أن لفظة (روحه) في القرآن الكريم أقترنت مع (الإنسان فقط كما في مورد السجدة السابق، فيما اقترنت لفظة (روحي) مع البشر فقط كما في الموردين التاليين:
قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) عن ابن عباس قال: قوله عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)، نزلت في النبي (صلوات الله عليه وآله) وعلي (إليه التسليم)، زوج النبي (صلوات الله عليه وآله) عليا (إليه التسليم) ابنته وهو أبن عمه، فكان له نسبة وصهرا)، ومن طرق العامة عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) بالاسناد يرفعه إلى ابن سيرين قال: أنزلت في النبي (صلوات الله عليه وآله) وعلى (إليه التسليم).
وهذا يدل على تمايز الموضوعين (الإنسان والبشر)، فالبشر هنا أرقى بروحه المنسوبة إليه، وهو المعني بعملية السجود.وعليه نفهم من خلال هذه النصوص الثلاثة ان آیات (السجدة/۷۹) تتحدث عن روح الإيمان (روحه التي بها (أمر وعدل)، وآيات (الحجر/۲۸۲۹) وآيات (ص ۷۱۷۲) تتحدث عن روح القدس (روحي) التي بها (حمل أعباء النبوة)، لذلك فهي لا تحل إلا في صفوة عباد الله، لذلك لو تابعت آيات سورة (الحجر) و (ص) لوجدتها مرتبطة بموضوع (السجود) الذي هو محور الخلاف في عملية الخلق، فيما لم ترتبط آیات (السجدة) مع السجود لأن موضوع السجود (للبشر) وليس (للإنسان).
إذن هذا المخلوق سمي آدم بعد نفخ روح الإيمان به، وإلا فهو قبلها (مخلوق) إنسان شابه أقرانه في كل شيء، فالمخلوقات التي لم تحل بها روح الإيمان هي (الإنسان)، أما الذي حلت به روح الإيمان فهو (آدم النبي الذي عرف الله وعرف الأسماء)، والذي حلت به روح القدس هو (البشر) مع التأكيد على وجود فرق بين لفظتي ( بشر و بشرا)، لأن عملية السجود (للبشرا) وليس (للبشر) والتي تؤكد نصوص قرآنية أخرى انه خلق من الماء ( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا).
إذن نعود إلى أصل الموضوع وتقول أن عملية (النفخ) هي أضافة رتبة معينة من الروح إلى كائن (ذو نفس)، وعليه فإن النفس الإنسانية لا ترتقي إلى مستوى المعرفة إلا من خلال تعاملها مع هاذين النوعين من الأرواح (روح الإيمان - روح القدس)، لذلك قال (إليه التسليم) في الحديث: (روح الإيمان به أمر وعدل) و (روح القدس فيه حمل النبوة) وإلا فإن أصل العلم و الفكر هي النفس التي عليها مدار الحساب والثواب والتكليف، أما ترقي النفس لهذه المستويات العليا فيتم بالتعامل المشترك مع الأنواع الخاصة من الروح وفي هذا التصور تأييد لكلام بعض المتنورين الحكماء كما قلنا كونهم يعتقدون أن الروح برزخ بين العقل والنفس.
هنا قد يقول البعض: أن أدم عندما حلت به روح الإيمان أصبح نبيا بينما الحديث يؤكد صراحة أن روح القدس هي التي تحمل أعباء النبوة فكيف يكون آدم نبي بدون روح القدس ، أقول: أن الحديث الخاص بهذه الأرواح الخمس فيه عبارة جداً مهمة ودقيقة نرجو الانتباه لها وهي قوله (اليه التسليم): (إن الله تبارك وتعالى جعل النبي (صلوات الله عليه وآله) خمسة أرواح، فهي لم تجتمع إلا في رسول الله (صلوات الله عليه وآله) و اهل بيت (إليهم التسليم) كما ذكر الحديث، لذلك فلنا أن بعض النصوص مشعرة أنها لم تحل إلا في الرسول محمد (صلوات الله عليه وآله) و آلهِ (إليهم التسليم)، وكذلك النص القرآني الذي يؤكد أن عیسی (عليه السلام) قد أيَّدهُ الله بروح القدس، وهذا فرق واضح من بشر يؤيّد بروح القدس وأخر (جعلت له أي تَحِّلُ فيه)، لذلك فاعباء النبوة التي حملها رسول الله (صلوات الله عليه وآله) أستوجبت وجود روح القدس (لانه الخاتم)، أما من كان دون هذه المرتبة من كل الأنبياء فهم أنبياء من خلال روح الإيمان لأن روح الإيمان لها مراتب عند المؤمنين وأعلاها عند الأنبياء.
عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (إليه التسليم): (إن روح الإيمان واحدة خرجت من عند واحد وتتحرق في أبدان شتى فعليه أئتلفت وبه تحابت وستخرج من شتى ويعود واحد ويرجع عند واحد) والحديث الشريف فيه دلالة على أن الروح، بل كل مرتبة منها، هي عنصر يشترك فيه كل من دخل في هذه الرتبة، فروح الإيمان وأحدة داخلة بعدة أشخاص وتعود.
واحدة كما قال رسول الله (صلوات الله علي وآله): (المؤمن أخو المؤمن)، وهذا يؤكد ما قلناه ان الروح عنصر مشترك على خلاف النفس التي هي موضوع متعدد بتعدد الاوادم وهنا يمكن أن نستشف معناً معيناً ونقول: (إن الروح قرآنياً لم تستخدم إلا مع عملية الخلق والأمور العلوية فيما، إقترنت النفس مع الأطوار النهائية، مما يؤكد أن الروح وجوداً على النفس كماهية ووظيفة، وهذا ماتؤكده جملة من النظريات الفلسفية بأسبقية عالم الروح على عالم النفوس.
ربما كلامنا السابق قد تناول وظيفة الروح، ولكن ماهي (ماهية) الروح؟
عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (إليه التسليم) عن قول الله عز وجل: ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ), وكيف هذا النفخ فقال: (أن الروح متحرك كریح وإنما سمي روحاً لأنه أشتق إسمه من الريح وإنما إخراجه على لفظ الريح لأن الروح مجانس للريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه إصطفاه على سائر الأرواح كما إصطفى بيتا من البيوت فقال : بيتي وقال لرسول من رُسله خليلي وأشباه ذلك وكل ذلك مصنوع محدث مربوب مدبر). وقوله (إليه التسليم): (إن الروح متحرك). أن الروح (كماهية) أقرب شيء إلى (الريح)، لاحظ قوله (إليه التسليم): ( أن الروح مجانس للريح)وعن الصادق (إليه التسليم): ( إن الروح بمنزلة الريح في الزق إذا نفخت فيه أمتلأ الزق) لاحظ قوله (إليه التسليم):(إن الروح متحركة فالحرکة تضفي لهذا الموضوع الطابع المادي وهي ليس كما يقولون بأن الروح (مجرد أو خالي من المادة وبالنتيجة لها وزن). (وأما ما ورد من أنه هو الهواء، فالمراد بالهواء في إستعمال أهل البيت (إليهم التسليم) في أمثال هذه المقامات الشيء الموجود الغائب من غير نوع الأجسام). لذلك ترى الإنسان إذا أنقطع عنه الهواء أنقطع نفسه وفارقته الروح. عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (إليه التسليم) قال: ( إن الأرواح لا تمازج البدن ولا تواكله، وإنما هي كلل للبدن محيطة به): هذا الحديث عبارة مهمة تحدد خصيصة من خصائص الروح وهي قوله (إليه التسليم):(هي كلل للبدن محيطة به)، وهو ما تشير إليه الأبحاث العلمية حاليا والتي تؤكد وجود غلاف غير مرئي يشع على هيئة موجات كهرومغناطيسية ذات ألوان تحيط الانسان، وإستطاعت أجهزة خاصة من رصدها وتصويرها، و إتضح ان لها عدة مراکز على جسم الإنسان، وهذه (الهالة) لها علاقة وثيقة بالحالة البدنية والنفسية والفكرية للإنسان، و هي تتأثر سلبا أو إيجابية مع هذه العوامل، فهي بمثابة محطة إرسال وإستقبال إذا جاز التعبير، وهناك حالية جهود علمية حثيثة وجبارة لدراسة هذه الظاهرة التي من المؤمل من خلالها معرفة الكثير عن تركيب الإنسان وخواصه وعلى الرغم من أننا في هذا البحث نتبنى كون الروح والنفس لها خصائص مادية، إلا أن حجم المادة المكونة لها قليلة جدا إذا ما قورنت بكثافة المادة الجسدية للإنسان، فالروح والنفس شيء محسوس وإن كان غير ملموس كما تحس بحركة التراب عندما تحركه الريح، أو كما تحس بالحرارة الناتجة من إحتراق المادة ولا تلمسها، فالطاقة والمادة ثنائيان متلازمان، لذلك فالروح والنفس الرقة خصائصها.
لأن الروح ليس بداخل البدن كدخول الشيء في الشيء، ولا خارج عنه كخروج شيء عن شيء حيث أن الروح على ثلاثة أقسام روح حيواني مقره القلب اللحم الصنوبري، وروح نفساني مع وبه الادراك والحس، وروح طبيعي مقره الكبد وبه النمو والذبول فالروح هي مصدر الحياة وربما تقسيمه لهذه المواضيع هو لشرح تعدد وظائف وظائف الأعضاء عند حلول الروح فيها، وربما هو لنفس السبب في تعدد الأرواح في أحاديث الأئمة (إليهم التسليم).
المادية لا تتجانس ولا تعمل في عالم المادة (عالم الملك) إلا من خلال الجسد، أي في عالمها (عالم الملكوت) فهي مجانسة له تماماً لأنها من نفس مادته، فتكون، أقصى حالات عملها إذا كانت في عالمها الأصلي الذي جاءت منه، فالروح وإن كان لها حصة مادية إلا أننا لحد الآن لا نعقلها مادياً لأنها شيء أقرب إلى سنة العقل.
لذلك فنحن لا نؤيد مقولة أن الروح والملائكة من عالم المجردات، لأن هذه المواضيع لها خصائص مادية وبالتالي يجري عليها الزمان والمكان، بل في الحقيقية أن كل شيء واقع ضمن إطار الزمان والمكان، لأن كل شيء له خصائص مادية قوية أو ضعيفة.
وبما أننا في فقرة لاحقة سنبين أن الموت هو ( قوة تفكك الأشياء ولا تفنيها)، وبما أن الموت هو القانون المقابل للحياة، نستطيع أن نقول أن الحياة هي (القوة الماسكة للأجزاء والتي تمنعها من التفكك)، وبما أن الروح هي مصدر الحياة، فالأجزاء لا تعمل بطريقة كاملة إلا إذا أجتمعت، وعليه نقول:
الروح: هي قوة ذات مراتب متعددة مانحة للحياة (بل هي الحياة)، يشترك بها الخلق، وهي ماسكة للأجزاء ومحيطة بها ونافذة فيها لا بمعنى الممازجة وهي متصلة بعالمها قبل وبعد الموت، وعند تفاعلها مع النفس بمراتب معينة تُنتِج المعرفة.لذلك تكون عبارة (خرجت روحه) عبارة خاطئة، لأن الإنسان عند الموت نفسه تخرج وروحه (تنقطع)، لذلك فالروح ليست مدفونة بداخلنا بل محيطة بنا ومخترقة لنا، وكما يقول الإمام الصادق (إليه التسليم): (كلل تحيط بالإنسان)، ولا يمكن وضع تعریف شامل للروح والحياة لأنها ليست ظواهر يمكن مراقبتها كالوزن والسرعة والكثافة وغيرها، وأنه من المجحف أن نتصور الكائنات عبارة عن ذرات متراكمة على بعضها بنسق معين ونحن نرى وجود الوعي في أبسط أنواع الكائنات، وإن القول بأن الكائنات مجرد إصطفاف للذرات هو أشبه بمن يقول أن قصيدة الشعر هي مجرد مصفوفة، وكلنا ندرك أن للكلمات واقع وجداني على مشاعرنا لا يدركها إلا وعينا الإنساني.

͜ ✍ﮩ₰ الماستر الأكبر سعيد اتريس



#اتريس_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرواح وعالم التكوين الإنساني الجزء الأول
- التكوين الكوني و الهندسة الإلهية المقدسة
- البعد السابع عالم الصوت الكوني
- النورانية الإلهية المقدسة
- خِيِمَّيَاء التَّكْوِين النُورَانِّيَةْ فِي الْعَوَالِم الدّ ...
- طبيعة الأبعاد الكونية
- خيمياء العوالم الداخلية
- البعد الرابع أو المستوى النجمي
- المدارس السرية الإبليسية
- الحواجز الزمنية والأبعاد الكونية
- الأبعاد الكونية العليا
- الأبعاد الكونية -Cosmic Dimensions-
- حاول أن تحب حزنك لعله يرحل
- الموقف الماركسي من الصهيونية
- البناء الكوني في الهندسة الإلهية المقدسة
- تجربتي مع كوان ين -kuan yien-
- الميركابا التيتاهايدرون
- مهما قلت لك في القلب أكثر
- أمة الفقر تنجب بلا تفكير؟
- ماذا تعرف عن البعد الرابع؟


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اتريس سعيد - الأرواح و عالم التكوين الإنساني الجزء الثاني