أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - طوقتني العقارب














المزيد.....

طوقتني العقارب


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 7252 - 2022 / 5 / 18 - 13:21
المحور: الادب والفن
    


طوقتني العقـارب

اكتشفتُ أخيرًا، أنّ الأشياء المرقّطة بالسّواد في الحياة، تبقى خالدة كالذّكريات، لا ذكرى بدون اللون الأسود!
أصبحتُ الآن خارج منطقة العقارب السّامة، خرجتُ وحيدة بروحي، حملتها، وحمدتني على عودتي سالمة إلى الحياة مجدّدًا.
اتخذتُ مقعدي الثّابت في زاوية الغرفة الصغيرة ليكون شاهدًا، لم ترفق بي العقارب، وبقيت تدور وتدور، وفرضت عليّ عقوبة الانتظار.
أتمسّكُ بالثّواني، وكأنني أتمسّك بلوح من الثلج، أعلمُ إنه سيذوب وسيقذف بي إلى الأعماق، لا أملك في مساحة السّاعة، سوى قلم يختنق بين أصابعي.
حكايتي لم تنته، للتوّ بدأت، حكاية الدّوائر التي مرّت عليها العقارب على مرّ الأزمان، عقرب تلو الآخر.
لم أنسَ، دستُ ظهر الحياة، جبتُ سنواتها، ورقصتُ رقصة المعربد، اقتربتُ كثيرًا من مسرح الموت، خيط أسود يمسك الحياة من طرفيها، وعلى الذكيّ تحويل الخيط إلى ألوان، لتصبح أكثر ازدهارًا.
هززتُ جسدي داخل الكرسي وأخذتُ أطرق باب الانزياح، رأيتُ نفسي أتمسّك بعقرب لا يتحرك، خشيتُ أن يمضي العمر بلا إنجاز، توسّلتُ القلم البقاء بين أناملي المتعبة والمرتجفة، أردته أن يتحدّى عقارب السّاعة المنصوبة أمامي، خاطبني:
- كبرتِ كثيرًا؟
- الأشياء هي التي تكبر، وتشيخ، ولستُ أنا!
- الألوان تتبدّل، والأسوَد مهيمن! استفزّني
لم أعد أقوى على النقاش، ولم أسمح باستمرار الحديث، قتلتُ الحوار بقمّة قلمي، دوّنتُ الصّراخ، سمحتُ له التجوال في ساحة حياتي بحرّيّة، وبدأ يكتب مسرحية طويلة لا تنتهي.
دارت في سماء الحجرة ظلال من الصّمت، واستمرت العقارب في دورانها، سكن كرسيّ الهزّاز مكانه واستمرّ في المشاهدة.
انتابتني فكرة جنونية، صرختُ من بين ردفيّ الصّمت، اهتزت السّطور، تدفّقت الرّعشة في عروقي وبدأتُ أبحث عن الكلام، صرختُ وصرخ قلمي معي، خنقتهُ، فلت من بين أناملي، سقط عند الزاوية، تخيّلته عقربًا سامًّا من عقارب الصّحاري الموحشة، ينتفض ويهرول مسرعًا باحثًا لنفسه عن ملاذ في جحر معتم يختبئ داخله، ويخطّط للدغي:
- أحتاجُ إلى سكينٍ جميل به أقطع شرايين الذكرى! قلتُ
صرختُ في ثنايا الليل، نهضتُ، وهززتُ قاصدة الكرسيّ البارد، وكأنّي بذلك أطلب منه الكفّ عن المشاهدة والبتّ في الأمور، قلتُ: لا يستطيع حمل الكارثة إلى مكان آخر، ستبقى معه هنا، هو شاهد فقط.
ضحكتُ أمام الشّاهد وأنا أحترق، ضحكتُ وضحكتُ، أنا المسكونة بمواجع الأشياء، أحمل الكثير من الجّراح!
جميع الأشياء مظلمة في الخارج، البلاد غارقة في سبات، غفت على ضفاف الصّمت، أسكنتُ سكيني بعض شرياني، تدفّقَ الدّم وسال على ذراعي، أعاد الألم إليّ صحوي ووضع الذكريات مكانها، واصلتُ الكتابة وأنا أنزف، نزف نابع من روحي، أخذني عبر الزّمان، إلى كلّ السنوات، حتى إلى تلك اللحظات التي اعتقدتها ميتة.
فتحتُ النّار على قلمي، سوف يكشف النقاب عن أشياء كثيرة، حوّل السّكون إلى صراخ، صراخ متواصل، هربت العقارب بعشراتها، ارتجفت الأرض من تحتها، أطلقت هديرها المرعب ثمّ انزوت، وركنت في أطراف مظلمة، كمنت وانتظرتني، وعندما مررتُ بينها فارة هاربة، تحدّتني، طوّقتني، أحاطتني، اضطربَت، وغضبت، صاحت عيونها وبرقت مثل البرق، بأعجوبة هربتُ من هجوم مريع.
لا أحد يستطيع أن يطلق الرّصاص على الحياة، ولم يبق في مسدسي سوى رصاصة أخيرة، العالم ذراع مسكونة بالخبايا والخيبات، وأنا مُحتاجة إلى شرايين تنبض، لا أريدها أن تكفّ عن النّبض، وما تزال العقارب تدور، وتدور على الجدار، لكنها بطيئة، بطيئة جدًا، أريد تحريكها، لكن إن حصل وحرّكتها، فسأصاب بالكفر، سأكفر حتمًا بالزّمان الذي نحن فيه الآن!



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهر توود - أستراليا
- البحث عن مفقودين
- مسرح الخيالة - الفرسان في بئر السبع
- استفزاز
- أكيد الديك أخرس
- الهزهزة الخالدة وفيضانات بريزبن / أستراليا 2022
- مداخلة الشاعرة راغدة عساف زين الدين كتاب - جدار الصّمت - دين ...
- الهومليس يعرفون العشق أيضا
- - ربيع المسافات- ودينا سليم حنحن
- أمات شجرة ممتلئة حياة
- أشجار أسترالية مُدرجة في قائمة التراث الوطني.
- تأسيس أفقي للبحث عن هوية دينا سليم حنحن في سادينا
- للصمت جدار من ذكريات
- الكاسرولا
- صورة اليهود في رواية -قلوب لمدن قلقة- دينا سليم حنحن
- ليتنفس القلم
- جواز سفري غراب
- أواجه حروبًا شرسة مع -طائر الجزار الرمادي-.
- دينا سليم حنحن - رواية -ما دوّنه الغبار-. محمد معتصم - ناقد ...
- قطار منتصف الليل


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - طوقتني العقارب