|
داخل كل بيت مغلق هناك - صّياد - و - فريسة -
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7251 - 2022 / 5 / 17 - 03:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
داخل كل بيت مغلق هناك " صيّاد " وهناك " فريسة " ----------------------------------------------------------------------------------------- كوكب الأرض باسره ، مؤسس على العلاقات العمودية ، ولكن بأشكال ودرجات متفاوتة . والعلاقات العمودية ، هى العلاقات التى تقوم بين " أعلى " ، و " أدنى " ، أفرادا وجماعات . بعض هذه العلاقات تستطيع اخفاء هذا المبدأ ، بين " أعلى " ، و " أدنى " ، عن طريق غسل العقول بالاعلام والثقافة والمفاهيم والتعليم والأديان والفن . وبعض هذه العلاقات لا يهمه افتضاح الأمر ، بل ويفتخر بوجود أطرف " أعلى " ، وأطراف " أدنى " ، باعتبار أن هذا هو الوضع الأمثل لمسار الحياة . بالطبع لا يحتاج الأمر الى الكثير من التأمل العميق ، أو الى قراءة صفحات التاريخ ، لندرك أن العلاقات العمودية بين " أعلى " ، و " أدنى " ، هى من بقايا عصور العبودية ، من المفروض أنها انتهت ، بحكم الثورات وتطور المجتمعات ووعى الشعوب وحركة الحياة المتجددة . لكن النظرة السريعة لأحوال كوكب الأرض ، ذلك الكوكب البائس التعيس ، المتحضر شكلا ، الهمجى مضمونا ، المتعصب والعنيف خلقا ودينا وطباعا ، المتخم بآليات القهر ، الممتلئ بأوكار الفقر والبطالة ، والجريمة والمخدرات والبغاء وتجارة الأسلحة والأعضاء البشرية ، والبلطجة المحلية والدولية ، ومنطق الحروب والاستغلال ، وانتشار الأمراض العضوية والاضطرابات النفسية والعقلية ، والانحرافات الجنسية بأشكال مختلفة ، وتراجع حريات التعبير ، وبرطعة الأصوليات الدينية . وأعتقد أن الجذر الخصب الذى يغذى هذه العلاقات العمودية ، بين " أعلى " ، و " أدنى " ، هو أن الطرف " الأعلى " ، ينظر الى نفسه باعتباره " الصيّاد القوى البارع الماهر فى نصب الفخ ، أو القاء الصنارة ، والطرف الآخر " الأدنى " هو الفريسة الضعيفة معدومة القدرات المغلوبة على أمرها ، كل ما تجيده هو الوقوع فى الفخ ، أو التقاط طُعم الصنارة . وعملية الصيد هذه بين طرف " أعلى " ، وطرف " أدنى " ، أقدم مهنة فى التاريخ . مهنة أدرك بها البشر منذ الوجود البدائى ، أنها هى مصدر البقاء على قيد الحياة ، ومصدر الغذاء ، ومصدر الماء ، ومصدر القوة ، ومصدر الاستعلاء ، والهيبة . كم أكره عملية " الصيد " ، التى مارسها الجنس البشرى ، منذ الأزل ، وما زال يفتخر بها ، بل ويراها عنوانا للتحضر ، والتأقلم ، والارتقاء . وان كنت أغفر للكائنات غير البشرية مثل الطيور ، والحيوانات ، أنها للبقاء على قيد الحياة ، لابد لها من الصيد ، الا أننى مع البشر ، أعتبرها " جريمة " ، أو " عارا " ، يدعو الى الخجل ، والاشمئزاز ، لا الى الافتخار والتباهى بالتفوق . هل هذا معقول ؟ .. أن الانسان هو الكائن الوحيد الذى " يقتل " ، و" يصطاد " الآخرين ، وهو لا يشعر بالجوع ، ولا يحتاج الى سفك الدماء ، لكى يواصل الحياة ؟؟. بل يفعل ذلك وهو " شبعان " ، على عكس الطيوروالحيوانات ، حتى المتوحشة والمتنمرة ، والجارحة منها ، لا تؤذى ، ولا تقتل ، ولا تصطاد ، الا لتأكل ، أو تطعم صغارها . أكره " العقلية " التى تقف وراء " الصيد " ، والدوافع النفسية التى تحفز على عملية " الاصطياد " . عقلية " الصياد " الأقوى ، و " الفريسة " الأضعف . الصياد الذى يخطط ، ويتربص ، ويراقب ، ويترقب ، ويتجسس ، ويخطف ، يصنع الشِباك ، ويرتب الفخ ، ويعد المصيدة ، وعندما تقع الفريسة ، يحتفل ، ويفرح ، ويأكل ، ويشرب ، ويسمى الأمر " انتصارا " ، و " تفوقا " . اذن " الصياد " ، و " الفريسة " ، علاقة غير متكافئة ، أساسها " السيطرة " ، من جانب الصياد ، و " الخضوع " ، من جانب الفريسة . وهذا منطق نجده فى العلاقات الانسانية بين الأفراد ، بين النساء والرجال ، وبين الجماعات والدول . فى أى علاقة ، هناك منْ " يصطاد " ، وهناك منْ تخدعه " المصيدة " . هناك منْ يطعن بالسِكين ، وهناك منْ يسيل دمه . هناك منْ يأكل ، وهناك منْ يؤكل . هناك منْ يختبئ بين الأشجار ، فى الأدغال ، فى الغابات ، يرتدى قناعا ، مخادعا ، وربما لا يبالى ، و لا يرتدى أى قناع ، ينتظر دون ملل ، قدوم " الغنيمة " ، و " ينشن " بدم بارد ، وهناك منْ يتلقى الرصاصة البارعة فى الصدر ، أو فى القلب . ما أكثر محترفى الصيد ، وما أكثر محترفى الوقوع . اذا أردنا فهم علاقة معينة ، مشكلاتها ، واضطرابها ، وآفاق مستقبلها ، فما علينا الا تحديد منْ يقوم بدور " الصياد " ، ومنْ يقوم بدور " الفريسة " . وأليست " الذكورية " المتأصلة فى الجنس البشرى ، والواضحة فى الثقافة ، والاعلام ، والتربية الدينية ، وقوانين الأحوال الشخصية ، وعلاقات الحب ، هى التراكم التاريخى الطويل ، لعقلية " الصياد " ... الرجل ، و " الفريسة " ... المرأة ؟. لأننى كاتبة وشاعرة ، أرفض ما أسمعه دائما أن الكتابة ، أو الشِعر ، هى عملية " اصطياد " للكلمات . لا أقبل أن أكون " الصياد " ، وأن تكون القصيدة هى " الفريسة ". علاقة الكاتبة ، والشاعرة بالكلمات ، هى عناق حقيقى ، شغف متبادل ، ولقاء عاطفى ، ورغبة مشتركة . هى أبعد ما تكون عن عقلية " الصيد " المغرورة ، المتسلطة ، العنصرية . " الصيد فى الماء العكر " ، تصف الشخص الذى يصل على أكتاف الآخرين ، والشخص الذى ينتهز وجود ضعف ما ، أو سوء فهم ما ، أو مشكلة ما ، لكى يربح ، قيمة ، أو مالا ، أو مكانة ، أو علاقة ، أو شهرة . الصيد ، فى " الماء النظيف " ، لا يروق لى . ولكن " الصيد فى الماء العكر " ، أكثر افسادا ، وتلوثا ، ومتعة أشد مرضا . وما أكثر " الصيد فى الماء العكر " ، الذى يحيط بنا ، ويفسد حياتنا ، ويعطل رحلتنا وتقدمنا. بل أن هناك مجموعة من البشر ، كل اختصاصها ، هو التربص بالسقطة ، واللقطة ، والبحث عن القطط الفاطسة ، كما يقولون . تخصص قديم ، يتغير مع اختلاف العصر ، وتجدد التحديات ، والأزمات ، تتغير فيه " الشِباك " ، وتتفنن العقول فى صناعة الأفخاخ ، والمصائد . حصار من " الصيد فى الماء العكر " ، يخلق شائعات ، يفبرك أخبارا ، يزيف احداثا ، يزور أرقاما ، يقص ويلصق الصور والنشرات . هل نسمح لهذا الحصار المتربص ، الصائد فى الماء العكر ، أن " يعكر " حياتنا ، ويؤثر على ثقتنا ، وينال من ارادتنا ؟؟. لا أعتقد . فالماء العكر ، لم يحدث أبدا أن أطفأ ظمأ الناس . أرض " النيل " ، التى تعهدت على مر الزمان ، أن تحقق لنا الارتواء ، لن يلوثها " شوية " ، ماء عِكر ، يسرى هنا أو هناك . وعلى مستوى كوكب الأرض ، وفى بلادنا ، فان انتهاء العلاقات العمودية ، بين " أعلى " ، و " أدنى " ، مرهونة بنسف ثقافة " الصيّاد والفريسة " من العقول والقلوب . بكل أسف ، داخل كل بيت مغلق ، على كوكب الأرض ، هناك " صيّاد " ما ، وهناك " فريسة " ما . فى بعض الأحيان يتبادلان الأدوار بعض الوقت . لكن سرعان ما يأخذ كل واحد ، دوره الأساسى المرسوم المقنن الشرعى . -------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا ...... قصيدة
-
الاحتفال الحقيقى المثمر بالعمل .. سبب الوجود وأصل الحياة
-
لن يأتى ..... قصيدة
-
الكحك والفسيخ ... قصيدة
-
شاعر يكتب قصائده بدمه وحزنه وعشقه للبحر
-
مجد الكتابة
-
الأعياد بعد أمى - نوال - .... قصيدة
-
القبر الضائع ...... ست قصائد
-
الأحلام لا تتزوج قصة قصيرة
-
رمضان والدولة المدنية
-
الثامن من أبريل ... قصيدة
-
رسالة أخيرة الى - حبيبتى - .. قصة قصيرة
-
- مارس - شهر المرأة والفيروس المتحور
-
- اليها - الصعبة ... الخطرة
-
- نزار - كتابة ممتعة تنقض الوضوء
-
ماما .. فطيرة الدرة هتبرد .... قصيدة
-
ستجدنى كما تركتنى .... أربع قصائد
-
جدتى - زينب - و - أنريكو ماسياس - ... قصيدتان
-
الأم المثالية هى منْ تتحمل الأب غير المثالى
-
المرأة تحتاج الى ثورتين ... سبع قصائد ليوم المرأة العالمى 8
...
المزيد.....
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|