عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7244 - 2022 / 5 / 10 - 20:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الروح أولا أم النفس؟ وما هي الروح ؟ وممن تكون النفس؟ ,سؤال لطالما تفكر به المتفكرون ومن اجله خاضوا الكثير من النقاش والجدال لبيان ماهيتهما وأسبقية من منهما عن الأخرى ,مع ما اشيع عن نهي القران لهذا السؤال وما النفس {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85 ,فهل هذا نهي عن السؤال أم بيان عن قصور العلم الذاتي للمخلوق عن ماهية الروح؟ وأضن أن الثاني هو الأرجح بدليل قوله تعالى وما أوتيتم من العلم أي ما عرفتم عن الروح بطريق العلم هو الشى القليل وان الروح هي اكبر من الفهم الإنساني الذي يجب أن يكبر ويكبر عن طريق التأمل والاستعانة بالمصدر العلمي الحقيقي لفهم ماهية الروح .
ومع ذلك يبقى الكثير من مفاهيم عالم الروح بعيدة عن الإدراك الإنساني القاصر أصلا لان الروح من أمر ربي وأمر الرب اكبر ممن أن تدركه الإفهام أو تستطلعه المدركات الحسية للمخلوق طبعا إلا من أوتي العلم من لدنه {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } مريم43 ,العلم الذي من الله لا يمكن أن نصنفه إلا من الحقائق التي لا جدال عليها وهي من المسلمات أما ما نقصده من علم الإنسان فهو العلم الدنيوي المبني على الملاحظة والمدارسة والبيان والبرهان والدليل إلى أخر ما يتصف به العلم الاكتسابي.
وبالعود إلى مسالة الإجابة على السؤال السابق المتعلق بماهية الروح والنفس فمما لا جدال فيه إنهما صنفان من الخلق لهما وظيفتان متكاملتان مختلفتان حسب القضية التكوينية الأولى وماهية الخلق وصورة التكوين وصيرورة الخلق لكل منها. فان كانت الروح من أمر ربي فهل النفس كذلك؟ وان لم تكن كذلك فما أمرها؟ وربي يقول {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}الشمس7, اي عدلها وابتدعها بالسوية والاستواء الغير قابل للميل أي بالعدل المستقيم فهل هذا الصنع لا يعني بالضرورة انه من أمره؟ إذن ما معنى من أمر ربي؟.
تضاربت أقوال الفلاسفة والمتكلمين المسلمين في بيان فهمهم لهذه الماهية فنجدها على سبيل المثال عند الغزالي إلى القول عن الروح فيقول:" بأنها البخار اللطيف الذي يصعد من منبع القلب، ويتصاعد إلى الدماغ بواسطة العروق. وإلى جميع البدن فيعمل فـي كل موضع كسـب مزاجه، واستعداده عملاً، وهـو مركب الحياة، فهذا البخار كالسراج، والحياة التي قامت به كالضوء، وكيفية تأثيره في البدن ككيفية تنوير السراج أجزاء البيت".
واظن إن هذا الرأي لا يستند إلى أي معيار علمي عقلاني يفسر الماهية بقدر ما هو كلام إنشائي بدليل أن الله سبحانه عند تصوير ادم من طين وتشكيله له على الصورة المعرفة كان آنذاك جماد خالي من أي عضويه تفاعليه أي خالي من الأعضاء العاملة بما فيها القلب وكذا الجنين في بطن أمه فهو روح متشكلة وان لم يتشكل له قلب وهذا التصور يمتد بلا تحفظ على المخلوقات التي لا قلب لها مثل الحشرات وما هو أدق منها وكلها ذوات أرواح .
هذا من جهة أما قوله فانه يقول عن الروح أنها البخار المنبعث فقد اثبت وجودية الروح المادية لان البخار جسم والانبعاث موصوف للجسم المادي أن كانت طبيعة هذا الانبعاث كما قال الغزالي مادية لمادية جسم البخار وهو حالة من حالات المادة فالفعل الصادر من المادة مادي بالضرورة ومشاكل له وهو بذلك نفى اللا مادية عن الروح باعتبارها أمر ربي.
أن ابن سينا يفرق بين الوجود الماهية وهذا رأي المعتزلة من قبله ولم يكن إبداعا تفرد به ابن سينا فالمعتزلة عندهم(وتميّز المعتزلة بين الوجود وصفات الذات. إذ تعتبر أن صفات الذات (صفات الأجناس) مثل الجوهرية واللونية لازمة للذات، غير أن الوجود ليس صفة ذات، على عكس الجوهرية. فالجوهرية صفة والوجود شرط تحقق الذات في الأعيان. ووجوب الوجود لا يثبت عند المعتزلة إلا للذات الإلهية. أما الصفات الأخرى فليست واجبة الوجود، ضرورة، إلا إذا كانت الشيئية والفعلية مُقومة لها. وعلاقة الذات بالوجود ليست علاقة عينية متطابقة. والشيئية لا تعني الوجود، وفي هذا تمييز بين الماهية والوجود، الأشياء والكلمات، الاسم والمسمى، الموجود والمعدوم) الوجود والماهية.
أي إن المعتزلة يرون في الروح كوجود مميز عن الصفة للذات والأول ليس صفة للثاني ولكن الصفة لازمة للوجود إذا كانت مادية(شيئية أو فعلية) فعند وصف ابن سينا للروح فاثبت وجوده ولكن اخطأ في الوصف فانه اثبت جوهرية الروح لكنه فرق بين جوهرها الوجودي ومادية الصفة متجاوز على وصفه لجوهرية الروح دون أن تكون شيئية أو فعلية) ففي حين كانت الأشعرية ترى أن وجود كل ماهية عبارة عن نفس حقيقتها، وكل وجود هو عين الموجود، دون التمييز بين الشيئية (الذاتية) والوجود، أكدت المعتزلة على مبدأ ثبوت الذاتية في الموجودات.
وقال الباقلاني: أن الروح عرض من الأعراض، وهو الحياة فقط وهو غير النفس. ولم يجب على التساؤل ولم يفسر المجهول إلا بطرح المعلوم منه فقط .وكان الجبائي يذهب إلى أن الروح جسم، وأنها غير الحياة وزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض كالموت. وهذا مخالف للثابت من القول الفصل بان {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }القصص88.
فكل مخلوق لابد أن يكون هالكا يوما ما بما فيها الروح إلا إذا سلمنا إن الروح هي أمانة الله المودعة عند النفس الحية وهي من عند الله كجزء محدود من شي غير محدود. وأبعد من هذا، ذهب أبو هاشم الجبائي في نظرية الأحوال المبتكرة إلى اعتبار الوجود صفة زائدة على التحيّز، باعتبار أن التحيّز والكون ليس الوجود عينه وفي هذا تأكيد على تفرّد الحال. واعتبار أن مسألة ما حالا هو إثبات تمييزه عن ما عداه، باعتباره أساس التمييز والتحيّز والتمييز والاختلاف. واعتبار الذات حالاً هو افتراض اختلاف الحال عن ملزومة أي الذات، وعن لازمه، أي صفة الوجود أي اختلاف الذات عن الوجود وهو مبدأ المعتزلة الذي هو احد أركانها ومتكلميها.
والروح عند ابن القيم جسم مخالف بالأهمية للجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي خفيف متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وأنفصل إلى عالم الأرواح، ودليله على ذلك{ الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى}. ولكنه لم يبين وجه الدلالة من هذه الآية فهو يخلط مفهوم النفس مع الروح على أنهما واحد بوجهين, وهذا قريب من مبدأ الاشاعرة الذي جوهره(وكل وجود هو عين الموجود)،
و يعود و يذكر في كتابه (( كتاب الروح )) في المسألة الخامسة على نفس الخلط بين المفهومين فيقول أنها ذات القائمة بنفسها تصعد و تنزل و تنفصل و تخرج و تذهب و تجيء و تتحرك و تسكن , و على هذا أكثر من مائة دليل قد ذكرناها في كتابنا الكبير في معرفة الروح و النفس ,وبينا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة و إن من قال غيره لم يعرف نفسه .
وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول والخروج و القبض والتوفي والرجوع وصعودها للسماء وفتح أبوابها لها و غلقها عنها{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ {93} الأنعام ,وقال تعالى{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}الفجر, وهذا يقال عند المفارقة للجسد , وقال تعالى{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} الشمس .. الخ ص 50 )) .
ومن هنا يتبين الخلط الكبير الذي وقع فيه ابن قيم الجوزية بين الروح التي هي من أمر الله وبين النفس بسوقه الآيات المشيرات إلى النفس على أنها هي الروح سيما وإن البحث الذي سماه (الأرواح عند مفارقة الأبدان إذا تجردت بأي شيء يتميز بعضها من بعض حتى تتعارف وتتلاقى) فيستطرد في البحث نفسه ليبرهن إن الروح هي النفس بقوله (لقد اخبر سبحانه عن أرواح قوم فرعون أنها تعرض على النار غدواً و عشيا قبل يوم القيامة ,وقد اخبر سبحانه بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ,وهذه حياة أرواحهم ورزقهم دارً ,وإلا فالأبدان قد تمزقت)ص 51 ,ويستمر في خطله وتخبطه فيقول في أخر البحث (( و قلَ أن ترى شكلاً حسناً وصورة جميلة وتركيبا لطيفاً إلا وجدت الروح المتعلقة به مناسبة له , هذا ما لم يعارض ذلك ما يجب خلافه من تعلم و تدرب و اعتياد .وإذا كانت الأرواح العلوية وهم الملائكة متميزاً بعضهم عن بعض من غير أجسام تحملهم ,وكذلك الجن , فتميز الأرواح البشرية أولى )) . ص 53 .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟