|
الإبداع في زمن الكورونا
مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 7244 - 2022 / 5 / 10 - 15:47
المحور:
الادب والفن
أؤمن أن الكتابة إبداع خاص، ولذلك سأخلع على الإبداع ما أخلعه على الكتابة وسأتحدث عنها من خلال كلمة الإبداع. نظن نحن المشتغلون بالكتابة أننا في صراع أبدي مع الوقت، دائمًا يحدونا ونحن خلفه نسارع الأنفاس الكتابة، وكثيرًا ما نشتكي أننا لا نملك الوقت الكافي لإنجازاتنا، إلا أننا لم نختبر ذلك حقيقية، وهو ما جعل كلمتنا الدارجة "معنديش وقت" شماعة ممتازة لتعليق كثيرًا من التأخير وأسبابه عليها، بل نبالغ أحيانًا ونجعلها هاجسنا الأول والأخير، نحن لا نملك الوقت الكافي لمثل هذا الإنجاز! الحقيقة أن كثيرًا من المؤسسات العالمية في مقابلات العمل تشترط على المتقدمين أن يكونوا من أصحاب القدرات وأن يمتلكوا تلك القدرة المسماة "العمل تحت الضغط"، أي أنها تطلب أناسًا منجزين غير كسولين إن جاز التعبير، وهو ما يجعل الكثير من المبدعين دائمًا ما يفشلون في الانتماء إلى مؤسسات كبيرة تقضي منهم مثل تلك الالتزامات التي يرى فيها المبدعون أنها شرطًا مقيدًا للحرية الإبداعية، بينما يتهمها البعض بأنها تأخذ كل وقته، فتتأخر مشاريعه الإنتاجية والإبداعية كثيرًا. يواجه عالمنا الآن تحديًا إنسانيًا عظيمًا يتمثل في أزمة فيروس كورونا المستجد، وهو ما أثر بدوره على منتج المؤسسات والأفراد بشكل عام، حتى المحترفين منهم، إذ ضاعت مئات الآلاف من فرص العمل، وتقلصت ميزانيات كثير من المؤسسات التي وجدت نفسها في مواجهة اقتصادية صعبة مع تداعيات هذا الوباء، بينما وعلى الجهة المقابلة على مستوى الفرد المبدع، فإننا يمكن أن نتفهم أمرًا غاية في الأهمية، إذ لفتنا الانتباه إلى أن مشكلة المبدع دائمًا الشكاية من الوقت وعدم توفره، ومع تداعيات الوباء العالمي، والحظر المنزلي والعزل الاختياري الذي فرضته الأزمة، يمكن أن نتساءل عن هذا الوقت الكبير الذي اكتشفناه فجأة، وليس فقط المبدعين، بل كافة البشر، فعلى الرغم من تلك الأزمة وضغوطها إلا أنها أعطت فرصة ذهبية لمن يريدون أن ينعموا بالهدوء والبعد عن ضغوط الحياة اليومية والمقابلات الاجتماعية وتداعياتها، إذن هي فرصة ذهبية للمبدعين بشكل ما وحسب الظاهر. يبدو أن المثقف والمبدع بالفعل كائن عجيب لا يمكن التنبؤ بأفعاله أو ردود أفعال تجاه الأشياء، ربما ذلك ما يحدو بالبعض أن يروجوا لمقولة مشهورة بأن "الجنون فنون"، وتصير مفردة مثل المجنون مقابلة لمفردة مثل الفنان والمبدع، بل ويرى فيها البعض ملاحة ونوعًا من التميز، وبالنظر إلى المبدعين خلال تلك الأزمة سنجد البعض منهم كما قلنا يجدها فرصة مناسبة للعمل والإنتاج، بينما البعض الآخر يأخذنا إلى ناصية من الروح لم نكن نتخيلها، إذ يشعر رغم توافر كل هذا الوقت بأنه في محبس جديد، ويبدأ في الحديث عن تلك الحبسة التي قيدت أفكاره ومشاريعه الإبداعية، وهو ما يضعنا في عجب من هؤلاء الذين كانوا دائمي الشكوى من ندرة الوقت، إذ ها هم الآن في فسحة منه، لكنهم يراوغون الآن، تحت شعور طاغ بالحبس والحظر، وأن ذلك الأمر قيد كبير على روحهم المبدعة، وحين نسمع ذلك منهم نستغربه وربما نستهجنه أو نتهمه. وهنا ينبغي أن نشير إلى أمر آخر هام إذ ربما كما أسلفنا يجد البعض تلك فرصة مناسبة لغزير الإنتاج والإبداع، مستغلا كل شيء من حوله لأجل ذلك "الإسهال الإبداعي"، وهو ما يضعنا أمام مواجهة حقيقة مع معايير إبداعية كالقيمة الفنية مثلا لمثل هذه المنتوجات الإبداعية في زمن الأزمات، ويثيؤر العديد من التساؤلات حولها، وهو ما يوازي السؤال الكبير مثلا حول الربيع العربي وثورات الشعوب، فهل يجوز أن نكتب أدب ثوراتنا خلال الفترة نفسها وخلال الحدث؟ أم يؤجل ذلك حتى يخرج ناضجًا ومكتملا؟ الإجابة ليست واحدة في كل الحالات، لكن خطورة الإنتاج في ظل الأزمات أنها ربما تكون إنتاجات غير مكتملة الجوانب وأن الزمن ربما يضيف على تجاربنا الإنسانية تلك جانبًا لم نكن نتوقعه، وهو ما يضع إنتاجنا الإبداعنا أمام سؤال أكبر حول حقيقة التجربة ومدى انعكاس واقعنا فيها. أعرف أن هذه وجهة نظر شخصية تحتمل الاختلاف حولها، لكن الحقيقة أكثر ما يثير خوفي خلال تلك الازمة أننا نكون أمام سيل من الإبداع لكنه كزبد البحر، لا يضيف أي جديد لمسيرة الإبداع بل ويمنح الإبداع "الرديء" بطاقة العبور نحو المجتمع. وفي المقابل أعرف أن المبدع لا بد أن يكون حرًا حتى النخاع لكن هل لتلك الحرية سقف واضح أم أنها حرية مطلقة كما يطالبون؟ أسئلة كثيرة يثيرها الوضع الحالي، ويبدو أن المبدع الحقيقي من نجا بنفسه وبإبداعه بعيدًا عن كل تلك الصراعات ومتصالحًا مع وقته بشكل أو بآخر. ربما كانت أزمة كورونا فرصة ذهبية للنظر في مسودات أعمالنا أو فرصة لبدء مشاريع مؤجلة، لكن تبقى الحقيقة أنها كلها لن تنتمي إلى الأزمة الحقيقة التي نعيشها الآن، وأن تلك الأزمة تستدعي منا سنوات حتى يمكننا الحديث عنها وكيف كُنا كمبدعين خلالها على المستوى الإنساني والإبداعي دون مبالغات.
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلتي حول السرد والتراث
-
ضع رهانك
-
جنازة خرساء
-
الاستعمار حمَّال أوجه
-
رسالة إلى الكلب البلدي المسكين
-
عيد ميلاد مجيد
-
عكازان ونصف ساق
-
في القطب الجنوبي
-
لقاء عابر في البار
-
الجيوب الثقافية والأديب الذري الجائل... -مبدع القرية مثالًا-
-
من تاريخ النشر والطباعة
-
التاريخ الحي وكتابة الحدث التاريخي المعاصر
-
وداع جديد
-
في انتظارك يا ربّ
-
مفاوضات البرد
-
يد الله
-
إعلان
-
سيرة ذاتية
-
يا الله!!
-
قراءة فائضة في كتاب -حتى ينتهي النفط- لصامولي شيلكه
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|