|
المهرولون : قراءة في مخرجات الحوار الاجتماعي بين الحكومة و المركزيات النقابية
طارق الورضي
الحوار المتمدن-العدد: 7240 - 2022 / 5 / 6 - 15:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
النفايات" و العصابات" و السماسرة مصطلحات صارت ترتبط دلالاتها في المخيال الاجتماعي للشغيلة المغربية بالمركزيات النقابية، بعدما كان الفعل النقابي يعتد به و يراهن عليه كصمام أمان و طوق نجاة لكل المستائين و المستاءات من العمال و العاملين، التواقين و التواقات إلى الانعتاق من ربقة الوصاية المخزنية، و الحالمين بانتزاع حقوق تضمنها لهم بنود الدستور بينما تتحايل عليها الحكومات والباطرونا، تارة تحت مبرر التوازنات الماكرو اقتصادية و تارة تحت املاءات و تعاليم المؤسسات النقدية الرأسمالية الدولية كما هو الشأن بالنسبة لإقرار نظام التوظيف بالتعاقد الذي كانت تطمح من خلاله الحكومة السابقة برئاسة بنكيران و من بعده العثماني إلى تقليص كتلة الأجور في أفق تسديد مديونية رهيبة على عاتق الدولة وصلت حدود 91% من الناتج الإجمالي الخام و هو مؤشر على دخول البلاد نفق الاستعصاء الاجتماعي و السياسي. العمل النقابي الذي كان يحتذى به و يحتفى به في الماضي من كل العمال الطامحين و التواقين إلى إنتزاع الحقوق و تحصين المكتسبات و الذي بسببه اعتقل العديد من المناضلين الاحرار الشرفاء و تم الزج بهم وراء القضبان، في حين تمت تصفية آخرين ماديا و معنويا، صار في السنوات الأخيرة، ابتداءا من خفوت رياح الربيع العربي و اعتلاء حكومة العدالة و التنمية سدة الحكم، صار عملا محنطا، أجوفا و بدون جدوى بعد أن انبطحت المركزيات النقابية و تورط قياديوها في نسج اتفاقات حوار اجتماعي لم ير منه العمال بالمغرب و من ضمنهم الشغيلة التعليمية إلا بنودا تؤرخ لتراجعات و انتكاسات كبرى على مستوى الحقوق و المكتسبات، كما أنها تعد مؤشرا واضحا على فساد القيادات النقابية و انخراطها في الريع النقابي و السياسي. يجرنا ذلك إلى استحضار مخرجات الحوار الاجتماعي الأخير بين المركزيات النقابية و تتمثل في الاتحاد المغربي للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام لمقاولات المغرب و الكونفدرالية المغربية للفلاحة و التنمية القروية، وأقل ما يمكن أن يقال عن مخرجات هذا الحوار أنه تحصيل حاصل، وأنه لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، يطبل و يزمر له أولئك الذين مردوا على الهرولة إلى طاولة الحوار كلما دعت الحكومة إلى ذلك، فكل الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين رئيس الحكومة و الأمناء العامون لهاته المركزيات النقابية تظل دون مستوى الحد الأدنى من توقعات و آمال و طموحات الشغيلة المغربية، حصيلة هزيلة تذر الرماد في العيون و توهم القواعد أن القيادات قد وضعت أرجلها على سكة الوجهة الصحيحة، بينما يؤكد كل متأمل في واقعنا المعيش و كل متحل بحس نقدي مرهف و رؤية استراتيجية ثاقبة أن بنود الاتفاق الاجتماعي الأخير بين الحكومة والمركزيات النقابية لا يعدو كونها بقايا لا يعتد بها من الفتات المتناثر على طاولة الحكومة. إن فقدان القواعد للثقة في بعض قياداتها النقابية، و تلاشي رهاناتها على جدوى العمل النقابي ككل هو موقف و انطباع لم ينشأ من الفراغ أو من مجرد تأويلات معتسفة لمواقف معينة ، و لكنه موقف نابع عن تجارب و عن قناعات عميقة تراكمت على مر سنوات من الاحتكاك بالعمل النقابي عن كثب، و ليس من السهل أبدا إعادة بناء الثقة لدى القواعد في جدوى العمل النقابي و في قدرته على الارتقاء بحقوق الطبقة العاملة و تحصين مكتسباتها، على الرغم من الدور المحوري الرائد الذي يمكن أن تضطلع به القواعد في مراقبة و مسائلة قياداتها عن مواقفها النقابية وفي الثورة في وجه كل المتسللين إلى الواجهة و في كنس متاريس الانبطاح و الخنوع و رموز الفساد و الريع. إن مستقبل العمل النقابي بالمغرب رهين بحراك القواعد و توطيد لحمتها وتوحيد كلمتها و تسديد مواقفها في وجه ترهل المركزيات النقابية الحالية و هرولتها إلى طاولة الحوار الاجتماعي. ثورة القواعد على القيادات المتورطة في بيع الوهم لهم و في ترويج الأغاليط و تمويه الحقائق، والعزف على أوتار مشاعر الحماس للتغيير لدى كل الطامحين من العمال لغد أفضل و مستقبل مشرق، لا بد من كنس رموز الانتهازية و الوصولية وكل المستفيدين من سلة الريع النقابي و السياسي. لا يمكن أن نختلف حول جدوى الانضواء تحت غطاء نقابي و حول أهمية و مركزية الفعل النقابي في حياة الشغيلة المغربية عامة و الشغيلة التعليمية خاصة، في سياق انتزاع الحقوق الدستورية المشروعة و تحصين المكتسبات التي ضحى من أجلها المناضلون الشرفاء الأحرار بحياتهم و حرياتهم، لكن لا مناص من التحرك في اتجاه تحصين العمل النقابي من الميوعة و الترهل و التلاشي التي صارت صفات تلازمه منذ أن تخلت القيادات عن القواعد و صار منطق الربح و الخسارة هو المحرك الأساسي لديها من وراء أي حوار اجتماعي مع الحكومة ضاربة بعرض الحائط آمال و طموحات الملايين من جماهير العمال التواقين إلى تحقيق الكرامة و الحرية و العدالة الاجتماعية في ظل وطن يتسع للجميع.
#طارق_الورضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحراك الشعبي الأخير في ظل استعار موجة الغلاء
-
شهادة الباكالوريا و دلالاتها في الميزان
-
لماذا أقاطع التصويت في الانتخابات المغربية
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|