|
تحديدات أولية في العولمة ونمط الإنتاج المتمحور حول الذات
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 00:43
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
طرحت العولمة على بساط البحث منذ عدة سنوات , وما زالت الموضوع الأبرز على ساحة الممارسة النظرية والسياسية كحالة موضوعية راهنة تنتج بعض التناقضات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية . وقد تم تناول مفهوم العولمة وما زال من خلفيات ثقافية ومعرفية متنوعة ومتناقضة أحياناً , فالبعض يعتبرها الخطر الأعظم المدمر للبشرية وللطبيعة , والبعض الآخر يعتبرها ضرورة تاريخية لا بد منها كصيرورة منطقية وموضوعية لتطور النظام الرأسمالي , وهي في خدمة البشرية جمعاء , ورغم كل التناقضات التي تفرزها الرأسمالية أثناء صيرورتها التاريخية , فالعولمة لا تعدو كونها شكل متطور لمرحلة متطورة تتمهظر فيه الرأسمالية , في اللحظة الراهنة . واللافت أن الاختلاف في التحليل النظري والسياسي للاقتصاد المعولم ,ولعولمة رأس المال , ظهر بوضوح بين التيارات والمدارس التي تعتمد التحليل الماركسي كمرجعية معرفية . وإن دل هذا فهو يدل على العمق والسعة النظرية , والرؤية الدقيقة المعقدة أحياناً والواضحة حيناً آخر لماركس ,في عرضه ودراسته لتطور نمط الاقتصاد الرأسمالي المعولم من لحظات تكونه وتطوره الأولى . بحيث يغدو لاحقاً النمط الوحيد المسيطر عالمياً , وإن تمهظرت هذه السيطرة وهذا الانتشار بشكل متفاوت متناسباً مع التقسيم العالمي للعمل على مستوى النظام العالمي ككل ... وترتبط بلدان المحيط بدرجات مختلفة بحركة الاقتصاد العالمي ,ارتباطاً وظيفياً متحددة بحركة النظام العام باعتبارها أجزاء , والجزء متحدد بحركة الكل العام في حركة تناقضيه صراعية يحدد نتائجها موازين القوى المختلفة , ونزوع رأس المال وميوله العولمية مكسراً الحدود القومية , في سياق حركة تناقضيه ضمن البنية الرأسمالية الواحدة المتكونة من مجموعة من رؤوس الأموال الفردية , وبين البنى الرأسمالية المختلفة , وبين البنى الرأسمالية من جهة والبنى التي لا تعتمد النموذج الرأسمالي من ناحية ثانية , مدمرة العلاقات الإنتاجية المتخلفة لتفرض بالتالي علاقات إنتاجية متوافقة وظيفياً مع مصالح دول المركز . وليس عبثاً عبّر ماركس بالقول : "فبلد أكثر تطوراً من الناحية الصناعية لا يظهر لبلد أقل تطوراً منه سوى لوحة مستقبله هو " [مقدمة الطبعة الأولى لرأس المال دار التقدم ص13]. ويحكم نزوع رأس المال ميله العام لتحقيق الربح من خلال خلق القيمة والقيمة الزائدة في سياق حركة تراكمية موسّعة لتحقيق هذا الميل مهما كانت نتائج هذه الصيرورة على المستويات الاجتماعية "إذا كانت النقود تجيء إلى الدنيا وعلى خدها لطخة دم بالولادة , فإن رأس المال يولد وهو ينزف دماً من جميع مسامه من رأسه حتى قدميه " (1) " إن رأس المال يرعبه انعدام الربح مثلما قالوا أن الطبيعة تمقت الفراغ : إن ربحاً مناسباً يجعل رأس المال جريئاً , و10% تدفعه للعمل , و20% تزيد اندفاعه ,و50% تجعله طائشاً متهوراً و100% تجعله يدوس بالأقدام كل القوانين البشرية و300% لن بتورع عن ارتكاب الجرائم حتى لو عرضت مالكه لحبل المشنقة " (2) على العموم نجد أن طريقة الحماية في أيامنا هذه طريقة محافظة , بينما طريقة التجارة الحرة هي طريقة مهدمة , إنها تحطم القوميات القديمة وتدفع التناقض بين البروليتارية والبرجوازية إلى أقصاه, وهكذا تعمل التجارة الحرة لتحقيق الثورة وفي الشعور الثوري أيها السادة أصوت بجانب التجارة الحرة ." (3) بالتأكيد لسنا بصدد التصويت للرأسمالية أو الدفاع عنها , بقدر ما هي محاولة عرض صيرورتها وميلها التاريخي العام بوصفها نظاماً اجتماعياً إنتاجياً عولمياً , رغم كل التناقضات والأزمات التي تتجلى في مراحل تطور الرأسمالية . إن النظام الرأسمالي يعمل من خلال الإنتاجية التراكمية التنافسية والتنا قضية , على خلق الظروف الاجتماعية المناسبة لتطوير ذاته وتوطيد أركانه , مدمراً كافة الحواجز والعوائق الإنسانية والطبيعية ومزيلاً ما يتعارض معه , معيداً تكيفها بما يتلاءم مع حاجاته في صيرورة حركية مستمرة تعيد بشكل دائم وحثيث إنتاج شروط توسعه المتلاحق , في المراكز الرأسمالية وبلدان المحيط , من خلال عمليات دمج تشمل كافة البلدان ,وحتى المتخلفة منها ، ضمن آليات السوق الرأسمالية ، مطورة الطبقة الرأسمالية و الطبقة العاملة على كل المستويات، و كافة الفئات ، باعتبارهما شرطان ضروريان لوجود وتطور نمط الإنتاج الرأسمالي. و موسعة بالتالي الفئات والشرائح البروليتارية التي يزداد عددها عكسياً مع تقلص عدد الرأسماليين ، و ازدياد تمركز و احتكار الثروة من خلال آليات المنافسة الحرة، وعمليات الدمج المتناسية مع ازدياد تراكم رأس المال الكلي، المترافق و المولد للإفقار النسبي و أحياناً المطلق في حالات معينة للطبقة العاملة،مع خلق فائض إنتاجي يشكل و على نحو دوري أزمات متلاحقة و دوريه يعتبر الخروج منها تطويراً للنظام الرأسمالي القادر على التكيف و الإبداع الخلاق ، ومتجاوزاً تناقضاته من خلال تطوير القوى المنتجة ، لتتناسب مع حركة تطور وسائل الإنتاج من خلال و عبر علاقة طردية لتطور الطرفيين معاً، لتغطية حاجة الأسواق المتوسعة باستمرار خارج الإطار القومي لتحقيق معدلات ربح مرتفعة سواء بتوظيف الرساميل في العمليات الإنتاجية أو في أسواق المال أو في الاتجاهين و هذا عائد إلى حجم الرساميل أولاً وإمكانية التوظيف في مجالات التوظيف في المجالات التي تحقق مستويات ربح مرتفعة و مدى تنوعها. ويمكن أن نحدد بدقة حركة الرأسمال المالي والإنتاجي ، وحركة تطورهما، وتراكمهما الموسع بفعل حركة ذاتية متجددة للبنية الإنتاجية الرأسمالية المتحققة عبر خلق القيمة والقيمة الزائدة الناتجة من رأس المال المتغير (م ) ومعدل الربح (ر ) الناتج عن الرأسمال الكلي. وذلك من خلال تتبع ماركس في رسمه لحركة تطور الرأسمال عبر مراحل تطوره المتعاقبة في وحدة تركيبية من الاستمرار و الانقطاع الذي يمكن أن يتعرض له رأس مال منفرد(فردي ) في حين أن رأس المال الاجتماعي الإجمالي يظهر على الدوام هذه الاستمرارية وتظهر عمليته على الدوام وحدة الدورات الثلاث : 1- دورة رأس المال النقدي : ن ــ ب ----- ج ------ بَ ـــ نَ حيث ج = قيمة قوة العمل + وسائل الإنتاج ن َ = ( ن+ ن ) 2- دورة رأس المال الإنتاجي : ج ---- بَ ـــ ن ـــ ب ---- جَ ج = رأس مال إنتاجي = ق ع + و ا جَ = رأس مال إنتاجي موسع ب = ق ع + و ا : (( ج ---- بَ ـــ نَ ــ ب < ق ع---- جَ)) 3- دورة رأس المال البضاعي : { بَ ـــ نَ ــ بَ ــ ج --- بَ } " رأس المال ك2 " ملاحظة : ب= بضاعة ، ن = نقد، ج = رأس مال إنتاجي = قيمة قوة العمل + وسائل الإنتاج (ق ع + و ا ) جَ = رأس مال إنتاجي موسع (ج.... بَ_____ نَ____ ب [ ق ع + و ا ] .... جَ ) نَ = [ن + ن ] تحول النقد إلى رأس مال يحمل قيمة زائدة تتحول إلى رأس مال نقدي . بَ = /ب + ب / = بضاعة حاملة لرأس مال ازداد من حيث القيمة وهي تساوي (ب + ب ) ...... = انقطاع تداول رأس المال من الملاحظ ومن خلال الدورات الثلاث لرأس المال التي تعبر عن مراحل تطور البنى الرأسمالية :أن حركة رأس المال وبأشكاله الثلاث يميل في صيرورته إلى : 1ـ تحويل النقد إلي رأس مال من خلال إعادة تدويره في العملية الإنتاجية للحصول على : - معدل قيمة زائدة متزايدة باستمرار . 1 ـ معدل ربح يتزايد مع تزايد كتلة رأس المال الكلي ، وتغير التركيب العضوي لرأس المال. 2ـ العمل على خلق فائض سلعي باستمرار. 3ـ توسيع الرأسمال الإنتاجي بعد انتهاء الدورة الإنتاجية " والتي ليست منفصلة عن دورانات رأس المال الكلي المتداخل في عدة دورات في آن واحد " من خلال تحويل النقد إلى رأس مال 4ـ توسيع القطاعات الإنتاجية 5ـ الانتقال من قطاعات إنتاجية مشبعة إلى قطاعات إنتاجية أقل إشباعاً . 6ـ الاستثمار والتوظيف النقدي في قطاعات إنتاجية مختلفة . إن العمل على تحديد آلية حركة النظام الرأسمالي وصيرورته العالمية تحتاج إلي الكثير من الجهد والعمل الموسع، مما استوجب التوقف عند ميلين أساسيين لحركة رأس المال , يحددان بالضرورة النزوع أو الميل التاريخي لتطور البنى الرأسمالية بشكل عام وعلاقتهما المتبادلة مع البنى المختلفة أولاً : التراكم الموسّع : ـ يميل رأس المال في حركته العامة إلى زيادة معدل الربح من خلال إعادة توظيف القيمة الزائدة في العملية الإنتاجية. وهذا التراكم المستمر لرأس المال المتزايد يفترض بالضرورة تطوير مستمر ضمن القطاع الإنتاجي للحصول على إنتاجية مرتفعة وبكلفة منخفضة عبر زيادة شدة العمل وتخفيض القوى الحية وزيادة التقنية وبالتالي الحصول على ربح مرتفع. إن عملية تطوير وسائل الإنتاج المستمرة تقوم على تغيير وتعديل في نسبة الرأسمال الأساسي وزيادة كتلته مقابل تخفيض في كتلة الرأسمال المتغير والذي يؤثر وبشكل مباشر على تخفيض كتلة الأجور العامة , وتخفيض كلفة الإنتاج وأيضاً تؤدي عملية التطوير التقني إلى ارتفاع معدلات الإنتاج وبالتالي إغراق الأسواق المحلية. إن عملية التطوير هذه لقطاع واحد أو مجموعة من القطاعات تصل إلى حد معين من الإشباع تستوجب توسيع القطاع الإنتاجي أو إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة أو الانتقال إلى قطاعات إنتاجية مختلفة عن سابقه الخ.. إن التراكم المالي المتزايد وإعادة توظيفه في العملية الإنتاجية بأشكال مختلفة , أدى إلى خلق فائض سلعي استدعى رفع الحماية عن المبادلات التجارية والعمل على خلق وحدات قومية متجاوزة للحدود الوطنية التي لم تعد قادرة على واستهلاك الفائض الإنتاجي , وما نراه وبشكل ملموس إن حتى هذه الأطر القومية لم تعد قادرة على امتصاص واستهلاك هذا الفائض مما أدى إلى توسيع الأسواق لتشمل معظم الأسواق الدولية إن لم نقل كلها وبالمطلق . وتم ربط هذه الأسواق بحركة الاقتصاد للدول المركزية من خلال تقسيم دولي للعمل , وترافق هذا التوسع للأسواق مع عملية تراكم متزايدة إضافة إلى دور الدولة المتمفصل مع التطور الاقتصادي من خلال رفع الحماية والعمل على حماية حركة رأس المال " دعه يعمل دعه يمر " ثم عملت الدولة لاحقاً على التدخل في الموازنة العامة والعمل على تحجيم الآثار السلبية لرأس المال على القوى المنتجة من خلال إجراءات اقتصادية متعددة اتسمت بها مرحلة دولة الرفاه0 ولاحقاً ومنذ نهاية السبعينات تحررت حركة رؤوس الأموال من خلال تحرير الأسواق والخصخصة والليبرالية لتصبح لاحقاً أيديولوجية اقتصادية لمعظم الاقتصاديات الرأسمالية وليصل رأس المال في حركته إلى الحرية المطلقة وليس هذا فقط بل يمارس ضغوطاً ملحوظة على بعض الدول وقياداتها السياسية وحكوماتها لإجراء تعديلات اقتصادية وسياسية تحقق له الربح المرتفع والاستثمار المريح . ويترافق مع توسع حركة رأس المال سواء في الإطار الوطني أو خارجه والمتأثرة بشكل مباشر بدول المركز, بعمليات إعادة هيكلية جديدة للقطاعات الإنتاجية بما يتلاءم مع حاجة الأسواق المتجددة . إن إعادة الهيكلة لبعض القطاعات الإنتاجية في بلدان المركز تقتضي تطوير بعض القطاعات أو توسيعها أو الانتقال إلى قطاعات جديدة, والهدف من هذه العملية هو رفع معدل الإنتاج والتخلص من القطاعات الصناعية التي تشكل خللاً بيئياً, أو تحتاج إلى عمالة زائدة , أو تنتج صناعات معمرة ... والاستعاضة عنها بقطاعات فائقة التقنية ومرتفعة الإنتاجية , مقلصة استخدام القوى الحية , ومحققة أعلى معدل ربح. وضمن هذه الآلية يصبح تغيير التركيب العضوي لرأس المال أمراً ملازماً للتطور التقني. إن عملية إعادة هيكلة القطاعات الصناعية يتطلبها التراكم الموسع والتي تنتج عن تراكم رسا ميل بحاجة إلى التوظيف , وطالما وصلت القطاعات الإنتاجية في دول المركز إلى حالة من الإشباع الجزئي فإن الخروج إلى الأسواق العالمية ضرورة تكاد تلامس الحتمية. وتجلى ذلك من خلال بعض الحالات التي تم ذكر بعضها سابقاً . وبقيت بعض دول المركز تحتفظ بما يسمى بالاحتكارات الخمسة إن بقاء بعض الدول خارج الإطار الاقتصادي الرأسمالي العام لا يعني مطلقاً أن هذه السياسات الاقتصادية صحيحة , لأنه ليس من المنطق البقاء خارج حركة التطور الاقتصادي العام , والانكفاء على الذات لا يعني إلا مزيداً من الانعزال والتخلف مع التأكد بأنه لا يمكن العودة في هذه المرحلة وفي المراحل القادمة إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي , وهذا ليس كلاماً في الهواء. فحركة التكتلات وتوسيع هذه التكتلات هو سمة من سمات المرحلة. فما نراه هو تزايد الجهود الأوربية لتوسيع الاتحاد الأوربي, والعمل على ربط الدول المتبقية خارج إطار الشراكة الأوربية بمعاهدات شراكة وأسواق مشتركة , ونلاحظ وبشكل ملحوظ الحكومة التركية وسعيها الدؤوب للانضمام إلى الاتحاد الأوربي وغيرها الكثير من الدول تحاول الالتحاق بأحد التكتلات الراهنة ... وليس هذا فقط بل يتجلى هذا أكثر من خلال السياسة الأمريكية التدخلية والتي تتمهظر أحياناً بأشكال عسكرية. وغير ذلك كثيراً من التكتلات التي تتزايد بشكل مطرد على المستوى الدولي , إضافة إلى حركة رأس المال التي تتصف بالعولمية والتي لم تعد قادرة حتى الحكومات في دول المركز التحكم في حركته. وبالتالي الحل ليس بالخروج من حركة التطور الاقتصادي المتسارع والدائب على دمج الاقتصاد العالمي بدرجات مختلفة لأسباب تخص الدول المحيطة وأخرى تخص الدول المركزية سواء كانت المندمجة في الاقتصاد الرأسمالي أو الدول التي بدأت في هذه المرحلة في الدخول في السوق العالمية بل قد يتجلى الحل ويتمهظر وفق آليات مختلفة قد تكون لها صفة العمل العالمي للرد على وضع اقتصادي معولم ليس فقط في حركة رأس المال المالي المنصرف إلى المضاربات بل في نمط العلاقات الإنتاجية ونمط الإنتاج . وهذا لا يقتضي إلغاء التفاوت الاقتصادي بين الدول بل يقتضي العمل على تطوير البنية التحتية للاقتصاديات المتخلفة بشكل مترابط مع الاقتصاد العالمي , والعمل على خلق دور فاعل وحقيقي للنقابات العمالية والتجمعات الإنسانية والمدنية والفاعليات السياسية ... على ممارسة دورها بجدية وذلك للتخفيف من الآثار السلبية لحركة رأس المال المعولم. ثانياً : ميل معدل الربح نحو الانخفاض. - إضافة إلى العملية التراكمية الموسعة على المستويين السلعي والنقدي , والتي لها الدور الأساس في انتقال نمط الإنتاج الرأسمالي خارج الحدود القومية ليصبح لاحقاً نموذجاً معولماً . يظهر انخفاض معدل الربح خلال صيرورة وتطور آلية الإنتاج الرأسمالي . ولهذا العامل أيضاً دوراً أساسياً في انتقال وانتشار الرأسمالية عالمياً, وإن ظهرت بأشكال مختلفة أو متخلفة أو متفاوتة التطور ويمكننا تحديد أسباب هذا الميل بعدة أسباب : 1ـ ارتفاع بنية رأس المال الأساسي بالنسبة إلى الرأسمال المتغير, مترافقاً مع انخفاض كتلة العمل الحي التي تتطور طرداً مع تطور وسائل الإنتاج. 2ـ انخفاض أسعار البضائع وازدياد الربح الماثل في كتلة متنامية من البضائع الأرخص ثمناً ، ليس سوى تعبير عن قانون هبوط معدل الربح وتزايد كتلته العامة . 3ـ تباطؤ دوران الرأسمال الاجتماعي . 4ـ ارتفاع معدل الأجور ، وتزايد ضغط جمعيات حماية البيئة ، ومؤسسات الضمان الاجتماعي المختلفة على المستثمرين . 5ـ ارتفاع معدل الضرائب . ويعمل المستثمرون وحكومات الدول الرأسمالية على إيجاد آلية لمواجهة هذا الميل ، التي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية : 1_ زيادة درجة استثمار العمل . 2ـ زيادة شدة العمل . 3 ـ الانتقال من القطاع الأكثر إشباعا إلى القطاع الأقل إشباع ، أو الانتقال إلى قطاعات جديدة . 4 ـ خفض معدل الأجور دون قيمتها الحقيقية ، وتخفيض المكافآت والضمانات الاجتماعية . 5 ـ نمو فائض سكاني نسبي " جيش عمال احتياطي " . 6 ـ إطالة يوم العمل . 7 ـ تخفيض أسعار عناصر رأس المال الثابت . 8ـ زيادة رأس المال بواسطة الأسهم . 9 ـ التجارة الخارجية . 10 ـ هروب الرساميل من مناطق ذات معدلات ضريبية مرتفعة إلى مناطق ذات معدلات ضريبية منخفضة ، لتدير من تلك المناطق المصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار أموال الأثرياء ، وتخلعها من قبضة وطنها الأم " كيمن ، لوكسمبورغ ، قبرص ، ليشتنشتاين .. " . 11-احتفاظ بلدان المركز للاحتكارات الخمسة وتصدير : - الصناعات الملوثة للبيئة . - الصناعات التي تحتاج إلى عمالة زائدة . - صناعات ذات عمر مديد . 12ـ تصدير بعض الصناعات إلى دول تتمتع ببعض المواصفات التالية : - توافر المواد الأولية وبأسعار رخيصة . - انخفاض كلفة القوى العاملة . - حرية حركة رؤوس الأموال . - سوق استهلاك واسعة . - انخفاض معدلات الضرائب . - توفر البنى التحتية المناسبة لتوظيف رؤوس الأموال ( مصارف- كوادر إدارية – موانئ – طرق- مطارات..) - انخفاض مستوى الضمانات الاجتماعية المترافقة مع غياب المؤسسات والنقابات الاجتماعية الفاعلة . - حماية الدولة للاستثمارات ورؤوس الأموال . 12ـ إنشاء فروع للشركات الأم في بلدان المحيط التي تتمتع بالسمات المذكورة سابقاً ، مع المحافظة على إمكانية نقل هذه الفروع عند حدوث تهديد لمعدلات الربح . ونلاحظ أن الشركات المتعددة القومية والشركات العابرة للقومية تهيمن على ثلثي التجارة العالمية مثل شركة ABB لإنتاج الآلات والتي تمتلك ألف شركة موزعة على 40 دولة ، وشركة فورد ، ومؤسسة فولكان لبناء السفن ومايكروسوفت و IBM لصناعة الكومبيوتر – وسيمنز – وجنرال موتورز .. وكل هذه الشركات وغيرها تمتلك فروعاً في بلدان متعددة وبشكل متزايد . 13ـ هروب الرساميل من قطاع الصناعة إلى أسواق المال والمضاربات ، ويقدر حالياً نسبة رأس المال الموظف في المضاربات بـ 80% و 20% فقط موظفة في مجال الصناعة والخدمات .. لتصل حركة الرساميل المضاربة في اليوم إلى /1.5/ تريليون دولار . هذه الظاهرة التي أطلق عليها د. سمير أمين " التمييل " والتي تمثل أحد تناقضات الرأسمال اللاهث خلف الربح الهارب من التوظيف في المجال الصناعي إلى أسواق المال عبر عملية انتقال ملكية هذه الرساميل . يتضح مما تقدم أن المستوى الاقتصادي له الدور الأساسي في تحديد تطور البنية الاجتماعية الواحدة أو مجموع البنى. ولا يعني هذا إنه المستوى الوحيد المحدد لتطور البنى الاجتماعية , رغم تفرده في كونه المحدد للمستويات الاجتماعية , فإن دور المستوى الاقتصادي لا يكفي في رسم صيرورة البنى الاجتماعية. إن بقية المستويات الاجتماعية تتحدد بالمستوى الاقتصادي وتؤثر به في علاقة متبادلة التأثير ومن خلال توسطات وتشارطات تظهر ضمن البنية الاجتماعية الواحدة وبشكل يتناسب مع خاصيتها، و متحدد بحركتها بالكل العام. و يتميز المستوى السياسي بالتحديد عن باقي المستويات في علاقته بالمستوى الاقتصادي بكونه يملك القدرة على المساهمة في رسم ملامح التطور الاقتصادي و الاجتماعي ، و يتحدد بالمستوى الاقتصادي و يحدده في إطار علاقته متبادلة يعبر عنها المستوى السياسي بما يتلائم بالضرورة مع المستوى الاقتصادي. إن التطورات الجارية على المستوى العالمي و التي تتجلى بإحدى جوانبها من خلال الاندماج بين التكتلات الاقتصادية العملاقة ، وتوجه بعض الدول التي تنحو بصيرورتها للالتحاق والاندماج بإحدى التكتلات الدولية القائمة. إن بعض هذه الدول كانت تؤسس في المرحلة السابقة نمطاً اشتراكياً ، و البعض الآخر كانت تقيم علاقة قطع مع الدول الرأسمالية المتطورة ، لكن الواضح الآن أن هذه الدول بنت اقتصادياتها بشكل يتماهى مع الاقتصاد الرأسمالي السائد في الدول الرأسمالية ، معتمدة التخطيط المركزي و ملكية الدولية . وعلى أرضية القطبية الثنائية و مع بدايات القرن الماضي و حتى بداية التسعينات من القرن. نفسه تكونت و تطورت بعض النماذج الاقتصادية و التي استفادت و بجداره من مرحلة الحرب الباردة ، و ذلك من خلال دعم إحدى القوتين. أو بشكل مستقل من خلال الاعتماد على التناقضات الاقتصادية و السياسية بين القطبين ، أو مستفيدة من الحماية للاقتصاديات المحلية . - النموذج الاشتراكي المحقق: تمثل التجربة السوفييتية و الصينية نقطي ارتكاز لهذا النموذج إضافة إلى بعض الدول الأخرى. لسنا هنا بصد دراسة أسباب نشوء و انهيار التجربة السوفيتية التي تداخلت فيها مجموعة من العوامل الاقتصادية و السياسية و على المستويين الداخلي و الدولي. فقد استطاع السوفييت بناء قاعدة اقتصادية عملاقة وازت في تطورها البلدان الرأسمالية المتقدمة ‘ وتجاوزتها في جوانب أخرى. لكن هذا البناء الاقتصادي المتطور الذي بدأ يترسخ مع انطلاق الثورة البلشفية لتتكشف معالمه لاحقا وبالتدريج مع البدء بسياسة النيب ، وتأكيد لينين بأن ما يقوم به هو من المهام البرجوازية على المستويين الاقتصادي والسياسي وليتضح لاحقاً أن ما كان يبنى في الجمهوريات السوفيتية لم يكن انتصاراً اشتراكياً بقدر ما كان يعبر عن ملكية الدولة ( رأسمالية الدولة ) ، ليتبين لاحقاً أن إلغاء القطاع الخاص لا يقود بالضرورة إلى بناء الاشتراكية بل قاد إلى ملكية دولة تعاني من سيطرة الأجهزة البيروقراطية وسيادة النزعة الشمولية للحزب الواحد ، وهيمنة الأمين العام ... مترافقاً مع غياب الحياة الديمقراطية حتى مجيء غورباتشوف ومحاولته القيام بعملية التغيير المفاجئة ( التغيير بالصدمة ) والتي ساهمة بالكشف عن عوامل ضعف في البناء السوفييتي لتصل هذه التجربة في نهاية المطاف من خلال تشابك عوامل الضعف الداخلي وقوة وسيادة النظم الرأسمالية إلى انهيار التجربة السوفييتية ليترك هذا الانهيار أثره على معظم الدول الملتحقة بهذه لتجربة أو المرتبطة بها ، ولاحقاً على مجمل الوضع العالمي والذي تجلى في تفرد النموذج الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أما فيما يخص التجربة الصينية والتي تشكل المثال الأبرز ضمن مجموعة البلدان التي انتهجت التخطيط المركزي فقد عملت القيادة الماوية من عام 1950- 1985 على تشييد بناء صناعي يعتمد على الصناعات الأساسية والثقيلة وحققت من خلال التطور التقني معدلات نمو مرتفعة لتصل إلى 6.2% وارتفاع معدلات الاستهلاك من 2.2% عام 1952 إلى 7.4% عام 1977 واعتمدت القيادة الصينية في سياستها الاقتصادية على ملكية الدولة ، وإلغاء أشكال الاستقلالية الذاتية لقرار الوحدات الأساسية ، محاسبة مركزية لمجمل الاقتصاد كأنه مؤسسة واحدة. وظهرت حدود النموذج الصيني بغض النظر عن مشروعه الاجتماعي بـ : تقليد النموذج التكنولوجي للرأسمالية المتقدمة الذي يحكم بروز أشكال تنظيم العمل والتربية الاجتماعية – التناقض بين القومي و العالمي فقد قامت الرأسمالية كنظام عالمي يستند إلى قانون القيمة المعولم بخلاف ما يطرح في بلدان المحيط الرأسمالي من أن الأمر يتعلق باللحاق أو التغيير . نموذج التخطيط المركزي المتمحور حول تسريع التراكم الموسع يتحقق في فترة زمنية محددة وسيخضع إلـــــى: 1- التحول إلى تراكم كثيف شبيه بالتراكم في البلدان الرأسمالية المتطورة 2- أو تعزيز أبعاد البناء الاجتماعي بشكل مختلف يسمح بالتقدم نحو الشيوعية. مع بداية الثمانينات بدأت الصين بالقيام بتعديلات في سياستها الاقتصادية و بشكل تدريجي درءاً للعواقب المدمرة للبنية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية معتمدة الإصلاح أداري و المصرفي و الضريبي. و تقليص دور القطاع العام، وارتفاع معدلات مشاركة القطاع الخاص. و بناء على هذه التعديلات وغيرها نلاحظ انخفاض ملكية الدولة من 56% إلى 41% ،انخفاض الملكية الجماعية من43% إلى 35 % ، ارتفاع مشاركة القطاع الخاص إلى 24% من الناتج الاجتماعي. تراجع حصة الزراعة من 25% - 21%لصالح قطاع الخدمات الذي ارتفع من 24% -31 وانخفاض حصة الصناعات الثقيلة من 75% إلى 45% إضافة ألي ارتفاع نسبة التفاوت في القطاع المديني من 16% - 28% ، وفي الريف من 21% إلى 34%000 بعد إجراء مجمل هذه التعديلات على السياسة الاقتصادية الصينية هل مازالت تحافظ على برنامجها الاقتصادي الاشتراكي؟ أن النتائج النهائية للتطور الصيني وميوله تتوقف على نتائج الصراع الداخلي الدائر بين القيادة السياسية و التحالف القائم بين أصحاب الرساميل و الفئات البرجوازية وأصحاب الملكيات الزراعية 0 وبين الطبقات الاجتماعية المتضررة بين الانفتاح الاقتصادي و الاستثمارات الخاصة. إضافة إلى النموذج الاشتراكي توجد بلدان أخرى استفادت و بشكل واضح من الحرب الباردة في بناء اقتصاد متطور و خير مثال على هذه البلدان اليابان التي نشأ و تطور اقتصادها بعيداً عن المنافسة بين القطبين الأمريكي و السوفيتي ، و أيضاً النمور الآسيوية و التي استفادت أيضاً من المناخ السياسي للقرن الماضي ، إضافة إلى دعم الدول الرأسمالية و مستفيدة أيضا من نظام الحماية على منتجاتها في السوق العالمية ،و الظروف الداخلية المناسبة و المشجعة لاستثمار و التوظيف. إضافة إلى البلدان التي استفادت من مرحلة الحرب الباردة في بناء اقتصادياتها و بأشكال و أنماط إنتاج مختلفة ، فان بلدان العالم الثالث و بالإجمال بقيت تعاني التخلف الاقتصادي ، وتخلع قطاعاتها الإنتاجية ، أضافه إلى التخلف الاجتماعي و انعدام الاستقرار السياسي. أن استقرار هذه البلدان ،و التوازن الهش السائد فيها ارتبط وبدرجة كبيرة و بحالة الصراع الذي كان قائماً بين المنظومتين الاشتراكية و الرأسمالية. بمعنى آخر إنها كانت مستقرة على أرضية التناقضات العالمية 0 إن هذه البلدان كانت عاجزة ولأسباب كثيرة عن بناء بنى اقتصادية محلية متطورة قادرة من خلالها على منافسة الصناعات الرأسمالية المتطورة ، إضافة إلى فرض نظام حماية على حدودها و منتجاتها و أسواقها ، مما أبقى معظم هذه البلدان بحالة من العزلة عن التطورات الحاصلة على المستوى العالمي. و أيضاً عانت معظمها من حالة التفكك و القطيعة البينية، فلم تكن قادرة على القيام بأية تكتلات أو تحالفات أو العمل على التأسيس لتكامل اقتصادي تكون قادرة من خلال هذه الأشكال و الآليات مواجهة الصناعات الغربية بصناعات ذات قدرة تنافسية. مع التنويه بأن الكثير من هذه البلدان تمتلك ميزات مناسبة لمثل هذه الأشكال التضامنية سواء منها القومية أو الإقليمية. ولكن ولأسباب خاصة بكل بلد لم تقم هذه الحالات وإن تشكلت فإنها لا تعدو وأن تكون هشة و عابرة وتعاني جملة من التناقضات. لقد خضعت هذه البلدان إلى تقسيم دولي للعمل يقوم على استيراد هذه البلدان لوسائل الإنتاج و المواد المصنعة الثقيلة منها و الخفيفة، و تصدير المواد الخام الأولية والمواد الاستخراجية و بعض المحاصيل الزراعية. إضافة إلى إن هذه البلدان بالإجمال تعاني من تضخم المديونية الذي يؤثر سلباً على تطور اقتصادياتها المرتبطة و التابعة بآن واحد بأشكال مختلفة مع القطاعات الإنتاجية لدول المركز الصناعي ، مترافقة مع جملة من التناقضات على المستوى الإداري و النظام المصرفي و التنظيم الضريبي. و الأهم من هذا و ذاك هو انخفاض مستوى و حجم التراكم للرساميل الوافدة من الدول الصناعية، وهروب الرساميل المحلية إلى بلدان المركز بغرض الاستثمار أو الإيداع أو المضاربة. مما يؤدي إلى بقاء المشاريع و القطاعات الصناعية متخلفة ، و عاجزة عن التلاؤم مع التطور الحاصل في الدول الصناعية ، وأيضاً انعدام إمكانية توسيع هذه القطاعات مما يؤدي إلى زيادة حجم الكوارث الاجتماعية واقتصادية و المتمثلة في ارتفاع حجم البطالة ، و انخفاض مستوى الدخل ، و انخفاض القدرة الشرائية، و إعدام القدرة التنافسية للمنتجات ، مترافقاً أيضاً مع انخفاض مقدرة البنى التحتية على جذب الرساميل و الاستثمارات و تفشي البيروقراطية و سوء الإدارة ، وهشاشة الاستقرار السياسي و الاجتماعي. بالتأكيد هذا العرض لا ينطبق على مجمل بلدان العلم الثالث لأنه بالضرورة توجد تمايزت و تباينات على مستوى تطور المستويات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، وفي درجة ترابط اقتصاديات هذه البلدان مع الدول الصناعية المتطورة. إن البعض من هذه الدول حقق مستويات من النمو جعلته قادراً على التعاطي مع تطورات الظروف العالمية الجديدة سواء الدول التي اعتمدت التخطيط المركزي أو الدول التي انتهجت التطور الرأسمالي ، مستفيدة من المناخ السياسي المناسب الذي كان سائداً في أواسط القرن الماضي، و لم تزل بعض الدول تعاني من تناقضات اجتماعية و سياسية ، وتخلف اقتصادي مع وهم لدى القادة السياسيين بأنهم يحكمون زمام السيطرة على أوطانهم و مازالوا قادرين على التكيف مع الواقع المتغير، و تكييف السياسات الدولية للبلدان المتطورة مع سياساتهم المحلية و لا يدرون أن التاريخ لا يتكرر و أن حدث ذلك فإنه سيكون على صورة مهزلة. وفي رد للأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي:" فبصفتهم قادة بلدانهم ، فإنهم لا يزالون يتصورون بأن السيادة الوطنية ما فتئت في أيديهم و أن بمقدورهم السيطرة على العولمة في النطاق الوطني. إن القادة السياسيين لم يعودوا يمتلكون الكثير من مجالات السيادة الوطنية الفعلية التي تمكنهم من اتخاذ القرار أو أنهم يتصورون بأنهم قادرون على حل المسائل الرئيسية. إني أقول أنهم يتوهمون ، أنهم يتخيلون ، إن هذا ليس بوسعهم. إن الإفلات من مصيدة السوق العالمية من خلال مساع وطنية مستقلة أي بمعزل عن مساعي باقي الأمم أمر غير ممكن . و لهذا السبب يتعين علينا التفكير بأساليب أخرى تنسجم مع ما نهدف إليه. فمن يريد أن يتلافى العودة إلى المشاعر القومية[ العدوانية] في الشؤون الاقتصادية يتعين عليه أن يبقى مصراً على تهذيب السوق عابرة الحدود من خلال نظام حكومي.(7) إن الهدف من هذا التدليل لايعني الموافقة على ما يجري من جراء تحرير لأسواق و الخصخصة و اللبرلة إنما التأكيد على أن التاريخ لايتكرر0 وإن الظروف الملائمة لبناء اقتصاديات متمحورة حول الذات، و العودة إلى حماية الأسواق الوطنية ، وإخضاع الاستثمارات و التوظيفات المالية و لقانون قيمة وطني أو قومي أو إقليمي وإلى ما هنالك من سياسات اقتصادية ترى بان مازالت هناك إمكانية لإخضاع التطور العام للتطور الخاص، وأيضا بالإمكان إخضاع قانون القيمة المعولم لقانون القيمة الوطني فهو حقاً واهم . أن هذه الإجراءات أو السياسات الاقتصادية تحاول أن تعيد إلى الأذهان إمكانية بناء اقتصادي متمحور حول الذات متناسية مع التطورات العالمية و على كافة المستويات. إن مخاطر رأس المال المعولم لا تقتصر على الدول المتخلفة و لكن حتى الدول المتقدمة تعاني من التناقضات التي يسببها رأس المال المعولم و ما يخلفه من كوارث اجتماعية و سياسية و اقتصادية ، تهديد الرساميل العابرة للقوميات لسلطة الدولة والحكومات و تأثيرها على قراراتها المحلية. بالرغم من أن آثار العولمة على هذه البلدان أكثر كارثية. و لكن الخطر يعم جميع البلدان التي يدخلها رأس المال المعولم و بنفس الوقت فإن الحماية من إخطار العولمة ليست بالانكفاء ضمن الحدود الوطنية أو القومية أو ما شابه ذلك بل في وسائل وطرق أخرى و سياسات اقتصادية أخرى. إن ما نلاحظه من تطورات على المستوى العالمي لبعض البلدان التي انتهجت التخطيط المركزي أو الاقتصاد المتمحور حول الذات هو الارتباط بالنموذج الرأسمالي من خلال إعادة هيكلة البنى الاقتصادية المحلية بما يتلاءم مع متطلبات السوق العالمية من تحرير السوق و اللبرلة و الخصخصة وبنفس الوقت تقوم بعض الدول بالالتحاق بالاتحادات الدولية أو التحالفات أو التكتلات الاقتصادية مفترضة إن هذه الطريقة تساعدها في التخفيف من الآثار السلبية لإعادة هيكلة بناها الاقتصادية. وأيضاً نلاحظ حالات الاندماج المتلاحقة و المتكررة للاحتكارات العالمية لتوسيع دائرة الاستثمار و رفع شدة احتكار القوى العاملة. إضافة إلى محاولات إعادة تقسيم عالمي لمناطق النفوذ من جديد على أرضية تفرد النظام الرأسمالي. إن هذه التطورات لا تدل على انتفاء الآثار السلبية للنظام الرأسمالي. إن ما يحصل يعزز ظاهرة الاستقطاب بين دول المركز أو ضمن دول المحيط أو بين المركز و المحيط لتتجاوز نسبة الفقراء الذين يتقاسمون 1.4 % من الدخل العالمي( 80 % ) و 20 % فقط من الأغنياء يتقاسمون // 82 % // من الدخل العالمي. إضافة إلى ظاهرة الاستلاب المتفاقمة عالمياً ، حتى المكاسب التي تحققت في دولة الرفاه تعاني الطبقات العاملة فيها من إجراءات متلاحقة لتقليص بعض الامتيازات التي تحققت سابقاً إن آثار عولمة رأس المال وتدويل الاقتصاد الرأسمالي السلبية لا تنحصر في بلدان المراكز الصناعية فقط بل يشمل أثرها معظم الدول المحيطة ، ولمواجهة هذا الخطر العلمي يجب التوقف ملياً لقراءة التغيرات العالمية ودراسة الميول التاريخية العامة للتطور الاقتصادي و بناءاً عليه يتم وضع السياسات الاقتصادية التي تخفف من التناقضات السلبية و انعكاساتها على الأوضاع المحلية. مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ظروف الحرب الباردة لم تعد قائمة ، و أن مجمل التطورات الجارية تتم ضمن النمط الرأسمالي و لتطويره عالمياً . و التغيير الحاصل في المناخ السياسي و الاقتصادي العام هو لخدمه وتطوير وتوسيع هذا النموذج الذي ينمو بصيرورته نحو ميول عولمية بتجاه الاندماج الطوعي و الدمج القسري في الاقتصاد العالمي، و الانفتاح و التكيف مع السوق العلمية ، وهذا التطوير لايعني التسليم بما هو قائم بقدر ما يعني البحث عن آليات مختلفة لإعادة هيكلة الاقتصادات المحلية بعيداً عن ماكان متبعاً في المراحل السابقة،لغياب المناخ المناسب اقتصادياً و سياسياً . وإن الإصرار على إتباع الآليات القديمة لا يعني إلا الدمار على كافة المستويات. وزيارة العزلة . وما يجري في هذه المرحلة يدل على انعدام إمكانية الانكفاء على الذات و الخروج عن الصيرورة العامة التي تميل إلى التوحد و الاندماج من خلال مجموعة من التجارب التي حاولت سابقاً بناء اقتصاد متمحور على الذات وفي هذه المرحلة تتخلى عن الآلية ويندرج ضمن هذه الدول " الصين الاتحاد السوفييتي وبعض دول أوربا الشرقية , ودول الخليج العربي وشمال أفريقيا , ودول الشرق الأوسط . إن جميع هذه البلدان وغيرها تميل إلى إعادة رسم سياساتها الاقتصادية التي تقود بالضرورة إلى التكيف مع الاقتصاد الرأسمالي وسياسة السوق من خلال جملة من الإجراءات الاقتصادية. إن التوجه المتزايد للانضمام إلى التكتلات الاقتصادية يقتضي إعادة الهيكلة للقطاعات الإنتاجية لتتلاءم مع الاقتصاد العالمي الخاضع لتحرير الأسواق , والذي يقتضي أيضاً إعادة رسم السياسة الاقتصادية لهذه البلدان وتغيير نظمها الإدارية والمصرفية والضريبية , والتخفيف من دور الدولة ومن سيطرة البيروقراطية وتخفيض حدة التخطيط المركزي. ومن الواضح ومن خلال بعض التجارب لبعض البلدان المتخلفة بأن هذه الهيكلة قد تقود إلى إفلاس بعض الشركات والقطاعات الإنتاجية , أو إغلاق هذه القطاعات ولاحقاً بيعها , والذي يؤدي بالضرورة إلى تسريح أعداد كبيرة من القوى العاملة ... وبالتالي فإن من الضروري أن تتزامن حالات الاندماج مع الاقتصاد العالمي وإعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية مع سياسات اقتصادية تؤمن الحماية لهذه القطاعات ليعاد تطويرها وتحديثها لتتلاءم وبدرجة نسبية مع الصناعات المتطورة ومع سياسة تحرير الأسواق ... هذا التوجه يشمل عولمة رأس المال وقانون القيمة , وعلاقات الإنتاج الرأسمالية العولمية من بداياتها, ولكن ظروف الحرب الباردة حدت من انتشارها وتوسعها ليتبين لاحقاً بأن هذه الدول الاشتراكية لم تكن تبني نموذجاً اشتراكياً بقدر ما كانت تساهم في بناء اقتصاد يقوم على رأسمالية الدولة. ورغم التناقضات المعتملة في البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ... للمنظومة الاشتراكية فإنها ساهمت من خلال وجودها على قيام دولة الرفاه على أفكار كينز والتي قامت للحد من تناقضات الرأسمالية ولمواجهة المد الاشتراكي. إضافة إلى مساهمة المنظومة الاشتراكية في دعمها المباشر للبلدان التي أقامت قطيعة مع البلدان الرأسمالية . ومع انهيار التجربة السوفييتية تصدع التوازن الدولي السياسي والاقتصادي ليكون المناخ الدولي العام مهيئاً لهيمنة النموذج الرأسمالي والذي تتضح معالمه باستمرار. إن الميل العام لتعميم وعالمية النمط الرأسمالي بأشكاله الحالية لا يعبر عن رغبات ذاتية , بل تعبير عن ميول تاريخية ونزوع موضوعية عامة للاقتصاد الرأسمالي من خلال حركته المتوسعة أفقياً وعمودياً , والتي يعاد من خلالها إعادة تقسيم العالم وظيفياً بما يتناسب مع تصاعد نفوذ وهيمنة الدول الرأسمالية , واقتصاد السوق. ويؤكد الاختلال في التوازن العالمي الناتج عن انهيار التجربة السوفييتية وسيادة قانون القيمة المعولم بأن الظروف الاقتصادية والسياسية التي كانت متوفرة والمناسبة لبناء الاقتصاديات المتمحورة حول الذات لم تعد قائمة . بالتالي فإن عودة التاريخ القهقرى لا يعدو أن يكون وهماً . وما يحصل في هذه المرحلة من تطورات في الكثير من البلدان يؤكد بأنه لا يمكن الخروج عن إطار النمط الرأسمالي وقانون القيمة المعولم. إن النماذج التي تأسست في القرن الماضي والتي حققت معدلات نمو مرتفعة تنمو وتنحو باتجاه الانفتاح على السوق العالمية والاندماج في اقتصاد السوق المعولم , مهدمةً مرتكزات النموذج الاشتراكي مؤكدة بذلك الميول المحددة للتطور الاقتصادي وتأثيره على البنية الاجتماعية وتناقضاتها, ومحدداً آليات الصراع على المستوى الداخلي المترابط دولياً . أما فيما يخص البلدان المتخلفة فالوضع مختلف , فإن استمرار هذه البلدان كان على هامش القوى العظمى وعلى هامش التاريخ. وبالتالي يحق لنا أن نتساءل عن دورها في هذه المرحلة . وهل بإ مكانها بناء اقتصادياتها المتمحورة حول الذات. وما هي مؤشرات الإجراءات الداخلية لهذه البلدان التي تؤسس إلى ليبرالية سياسية واقتصادية ...ألا تعتبر هذه الإجراءات مقدمات للاندماج في الاقتصاد الرأسمالي. وما هي قدرات هذه البلدان على مواجهة تحديات العولمة الاقتصادية وعولمة رأس المال تحديداً . ما هو دور المؤسسات الاجتماعية والإنسانية والسياسية في مواجهة التناقضات السلبية للرأسمالية العابرة للقوميات . وهل تتمفصل هذه الحركات مع الحركات العالمية المناهضة للتناقضات الرأسمالية ليصار لاحقاً إلى تشكيل آليات مواجهة معولمة للتحديات المتمثلة في ازدياد حدة الاستقطاب والاستلاب. هل في هذا الميل العام للتطور الاقتصادي , وفي الميول العامة لمواجهة تناقضاته العولمية , بديات تشكل لوحة جديدة من لوحات الصراع العالمي. نعود لنؤكد أن الميل العام للصيرورة الرأسمالية المعولمة يتحدد : 1ـ قانون التراكم الموسع والمتجدد. 2 ـ قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض. 3ـ تناقض الاقتصاد المتمحور حول الذات في إطاره القومي مع النموذج الرأسمالي القائم على قانون القيمة المعولم. 4 ـ تسريع التراكم الموسع الذي يتم الوصول إليه في فترة محددة يصطدم في الدول التي تتبع التخطيط المركزي بـ إما ـ 1ـ التحول إلى التراكم الكثيف المشابه للتراكم الذي يتم في البلدان الرأسمالية المتطورة . أو ـ 2ـ التحول إلى تعزيز البناء الاجتماعي والتقدم نحو الشيوعية. ـ ماذا يتحقق على أرض الواقع: التراكم الكثيف والاندماج في إطار البلدان الرأسمالية المتطورة أم تعزيز البناء الشيوعي المراجع : ==================================================== 1- كارل ماركس "رأس المال" الكتاب الأول الجزء الأول دار التقدم 1987 ص 367- 368 2- كارل ماركس " رأس المال" مرجع مذكور الكتاب الثاني ص 368 3- ماركس بؤس الفلسفة دار اليقظة دار مكتبة الحياة ترجمة أندريه يازجي طبعة ثانية 1979 ص249 4- رأس المال الكتاب الثاني مرجع مذكور ص 40-90 5- رأس المال الكتاب الثاني مرجع مذكور ص 91-124 6- رأس المال الكتاب الثاني مرجع مذكور ص 125-144 7- هانس بيتر مارتين و هارولد شومان "فخ العولمة" عالم المعرفة طبعة ثانية 2002 العدد 295 ص 297 8- الطريق العدد الثاني 2003 . " ا إشتراكية السوق " سمير أمين " 9- كارل ماركس رأس المال الكتاب الثالث منشورات وزارة الثقافة 1977 ترجمة أنطون حمصي ص 325- 366 //// انتهى /////
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في الخارطة الجيوسياسيةواحتمالات المرحلة المقبلة
-
جدل اللحظة الراهنة
-
الوهم الديمقراطي
-
ضرورة التلازم بين المستويين الديمقراطي والتنموي في ضبط التنا
...
-
الرأسمالية الراهنة
-
بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|