|
كَمَرَادْ عبد -العالي- الليبرالي ورفاقه
عبد الإله بوحمالة
الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 00:25
المحور:
كتابات ساخرة
يقول المثل الإنجليزي: "لا تقتل الإوزة التي تبيض ذهبا".. ويقول المثل المصري: "إن كان حبيبك عسل متلهطوش كله".. ويقول المثل المغربي: "حاول على حميْرك تحش عليه".. ويقول المثل العربي الفصيح: "ليومها تجرى مهاة بالعنق".. والرابط بين هذه الأمثلة موجود.. والمعنى متروك لواسع فهمكم ولبيب حكمتكم.. أصحاب السعادة. لقد أكرمتمونا، مشكورين، غاية الإكرام وخدمتمونا "خدمة" العمر لا ينساها إلا جاحد نكور.. وكان عهدكم، بالحق، عهد ارتخاء واسترخاء، بما في الكلام من معنى.. وبما في المعنى من إيحاء. لم نكن نتوقع منكم، مثل هذه الإنجازات العظيمة، ولا هذه الإصلاحات العبقرية، ولا هذه الفتوحات المباركة.. سامحنا الله، فكعادتنا، نظرتنا للأمور دائما ضيقة، ورؤيتنا غير حصيفة ومداها لا يتجاوز أرنبة الأنف.. بل إننا، والحق يقال، لا نفهم في السياسة حبة خردل ولا نفطن في الاقتصاد قطميرا، وإلا كيف لم يخطر ببالنا، منذ الاستقلال إلى الآن، أن بفضل التين والزيتون يمكن تحقيق التنمية وبناء الإنسان ودرء التخلف، وبفضل مهرجانات كمهرجان الحمير "شرف الله قدركم" تنشط الثقافة وتزدهر الفنون، وتتحرك عجلة السياحة وتنتعش. سبحان الله الذي خصنا بعنايته دون العالمين وأنعم علينا بأمثالكم، ونحمده ونشكره على لطفه ورحمته بنا، فقد خان بعض الأقوام ذكاؤهم الزميت فأرادوا أن يراهنوا في تنمية بلدانهم على الطاقة نووية بدل البترول بدعوى أنه آيل للنفاذ، فجروا على أنفسهم وبلادهم، بفعلهم هذا، ما جرت براقش على قومها ذات ليلة ليلاء. على كل حال، شكرا لكم من صميم القلب والفؤاد، فقد برهنتم، من بين ما برهنتم عليه، على كفاءة تدبيرية عالية خاصة في التسويق والتجارة والبيع والشراء.. ولولا مجهوداتكم الجبارة وسعيكم الحثيث ما تمكنا من تصريف قطاعات الدولة قطعة قطعة وقد كانت متآكلة ومهترئة وفي حكم الخردة والمتلاشيات، واستطعتم ببراعتكم المشهودة، أن تجنوا من وراء تصريفها الذكي مالا وأنزلتم بذلك من على أعناقنا ثقلا وأحمالا.. لكن مع ذلك اسمحوا لنا نؤاخذكم على ترددكم في بيع مزيد من القطاعات، فقد كان حريا بكم، وبحذقكم منقطع النظير، أن تسيروا قدما في هذا الاتجاه بلا حشمة أو حياء أو حرج، وكان من الجدير بكم ألا توفروا، في هذا الباب، تعليما ولا صحة ولا أوقافا ولارياضة ولا عدلا.. وألا تتركوها إلا قاعا صفصفا خالية.. فها نحن نرى، بأم أعيننا، النتائج الباهرة في ما بيع وما فوت وما تخوصص من نقل وماء وكهرباء وها نحن نغرق حتى الآذان في النظافة.. وهاهم النصارى.. أولئك اللئام المتكبرون المتعجرفون أصبحوا أخيرا خدما لنا وطوع أمرنا يجمعون نفاياتنا وأزبالنا ونتانة مصارين أضحياتنا من الشارع، وهم الذين لا يسمحون لإخواننا في بلدانهم بذبح ديك أعجف في مرآب.. من يدري، ربما لو كنتم تحليتم بقليل من الجرأة والحزم وأتممتم المشوار إلى منتهاه كنتم تمكنتم من بيع كل شيء وصرَّفْتمونا فوق الصفقة رعاة لأستراليا أو خماسين لكندا أو كسالين في تركيا.. وحللتم بذلك مشاكلنا ومشاكلكم من أساسها دفعة واحدة.. على العموم شكرا لكم.. وبالمناسبة، شكر خاص لمأمور الضرائب ومحتسب الأسعار ومهندس الغلاء السيد عبد "العالي" الليبرالي، على اختياره للأوقات المناسبة لمفاجأتنا بزياداته الطفيفة غير المحسوسة في الأسعار.. وإشادة منا ببركة حقناته الشرجية المتكررة التي لا يمكن لومه على سريان مفعولها من أثمنة البنزين والغازوال إلى أثمنة الخبز والشاي والزيت والسكر والصابون والنقل.. فهذا فقط بسبب أن البنزين قابل للإشعال والاشتعال، أما صاحبنا فهو اشتراكي صميم يعرف حق الفقراء والمعوزين، وأستاذ اقتصاد قديم لا يخونه توقع مضاعفات مثل هذه العمليات الحسابية البسيطة التي ينجزها غيبا مغمض البصر والبصيرة.. حقا تمتعنا برفقتكم، أصحاب السعادة والسرور والحبور، ونحن في غاية الأسف لأننا أتعبنا معاليكم طيلة هذه المدة بخدمتنا والسهر على شؤوننا، وأقلقنا راحتكم بالمجيء والذهاب والصعود والنزول وجشمناكم طول جلوس على الكراسي الوثيرة الدوارة، خصوصا ونحن نعرف أن كل وقتكم الثمين تخصصونه لقضايا الناس وسماع شكاواهم الغريبة والرد على ادعاءاتهم الباطلة بالتعرض للظلم أو العسف أو الحيف، وهذا أمر ممل يسبب الكآبة وضغط الدم وروماتيزم الملامح وتخشب الألسن.. سنشتاق إليكم فعلا.. ونخشى من بعدكم على المسار الديمقراطي الذي بنيتموه قشة قشة أن يطاله التحريف أو يناله التزييف بعد أن رسختم قيم التنافس السياسي الحقيقي على أساس الوضوح والشفافية، وأصبح ما كان يتم الأمس في السر يجري اليوم في العلن، وأصبحت الروح الوطنية العالية للنخبة السياسية تدفعهم إلى بيع الطارف والتليد ليتشرفوا بخدمتنا ويشرعوا قوانيننا ويراقبوا حكومتنا بكل أريحية وإيثار.. فما أسعدنا بكم وبهم، ووالله إننا لمحظوظون ما في الأمر شك. لا تؤاخذونا إن تسرعنا وخاطبناكم بنبرة المودعين الموقنين، ولا تتشاءموا منا أو تتطيروا، فقد قيل لنا، والله أعلم، أن السنة المقبلة ستكون الموعد الحاسم لبدء التناوب الحقيقي ونهاية التناوب الانتقالي.. وقد قيل لنا أن مؤسسة أمريكية مغرضة قالت أشياء على سبيل الشرك بالله وعلم الغيب تدل على أنكم مغادرون راحلون، وأن بعضكم، على الأقل، لن يعود من جديد إلى كرسيه الظليل، وبالتالي وجب أن نتبادل المسامحة والصفح من الآن. حقا يعز علينا فراقكم ويحز في أنفسنا بعدكم.. فقد ألفناكم وألفنا أن نعلق كل خيباتنا على مشجبكم الذهبي الجميل، وسيلزمنا وقت طويل لنفعل نفس الشيء مع من سيأتون من بعدكم من رهط، لأنهم سيتعللون لا محالة بالإرث الثقيل وبجيوب مقاومة التغيير والإصلاح، ( يقصدونكم أنتم بطبيعة الحال )، وسيعلنون بادء ذي بدء بأنهم لا يملكون خزائن سليمان ولا عصا موسى، وبأنهم سيحتاجون إلى وقت لتحليل الأمور والوقوف على طبيعة الأشياء، والبدء في ترميم ما خربتموه، وقد يستمر هذا الوقت ست سنوات كاملة، كما فعلتم أنتم بالضبط، وبذلك سوف نضطر نحن إلى الصبر عليهم فترة والاكتفاء بتقريع أنفسنا ونذب حظنا التعيس. بودنا لو تعودوا مرة أخرى لحكمنا طُزّا في أي مؤسسة أمريكية وضدا على كل انتخابات يطمع فيها العادي والبادي، وشماتة في أي تناوب يمكن أن يبعدكم عنا، وأن نكمل ما بدأناه من لعبة في لعنة الظلام والشكوى من سقم الأيام والتذمر من الواقع المرير، فنندد جميعا بالغلاء الفاحش.. ونتأفف من الركود المقيت.. ونسب شركات البترول الجشعة.. ونلعن الجفاف البنيوي.. ونتحسر على تدنى أثمان الفوسفاط.. ونشجب حصار أوربا على حوامضنا وخضرنا، ونستنكر استنزافها لثروتنا.. ونلوم السياح على تجاهل طبيعتنا وشمسنا والاستهانة بآثارنا وتقاليدنا وعدم الاحتفاء باستعراض قرودنا وأفاعينا.. بودنا أن تظلوا جاثمين على صدورنا إلى ما لا نهاية.. وأن تمتصوا دماءنا إلى آخر قطرة.. لكن ما باليد حيلة فقد يقع المحظور، وكما تعرفون أن الأيام دول والسلطة متقلبة ومن يمارسها عليه أن يكون متأهبا كل صباح لمغادرتها في المساء.. ثم إن السلطة والوزارة بالخصوص، وهذا بيني وبينكم، أصبحت مجرد مجلبة لصداع الرأس، ومدعاة لكيد الكائدين وتخرص المتخرصين وحقد الحاقدين.. والمسؤول المسكين منكم أصبح في هذا الزمن الأغبر عرضة، يوميا، لتطاول الصحفيين النزقين المتهورين، ومضغة سائغة في أفواه الفضوليين الواشين.. بل أصبح مرمى لحجارة الناقمين المتسكعين. غير أن هذا لا يمنع أن المغرب، بلد الوفاء لرجاله، والعرفان لخلصائه، أبوابه كثيرة ونوافذه أكثر.. وما خرج خارج من هنا إلا دخل من هناك.. وما انقطع رزقه في هذه الوزارة إلا وُصِل في تلك الإدارة أو السفارة.. فلا يمكن والحال هذه أن تُخدلوا أو تُضاموا أو تُرموا إلى الهامش كسقط متاع، وأنتم، ماشاء الله، خبرة وتكوين ولغات.. أناقة وأبهة وهيبة.. ماضي سياسي وكاريزما وحضور.. دهاء وحنكة وقدرة على التلون والتسلل إلى أصعب الجحور. وحتى، فرضا، إن حدث وأقصي البعض منكم أو ركن ـ لا سمح الله ـ إلى الرف مؤقتا فسيكون قادرا بدون شك بما اكتنز وحول، وبما استثمر وضارب وفوت واحتكر على الحفاظ على مستوى عيشه كما هو إن لم يكن أحسن.. وهي على الأقل فرصة للمبعدين للسفر واكتشاف العالم وكتابة المذكرات.. أما من لم يضرب منكم حسابا ليوم لا ريب فيه، فيمكنه أيضا بخبرته التي اكتسب أن يبدأ من الصفر بمزرعة أرانب إسبانية مثلا، أو بزريبة عنزات دانماركية.. أو يشارك في كاستينغ ستار أو ستار أكاديمي.. أو ينتظر ربما يأتيه الفرج من شركة مثل النجاة الإماراتية إياها.. المهم أن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.. والبلد الذي يُراهَن فيه على الحمير لا يمكن أن يموت بالجوع فيه وزير. ولكي لا أطيل عليكم، أصحاب السعادة الكرام.. أدامكم الله ذخيرة حية لهذا الوطن.. والسلام.
#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مواطنة الخم.. للدجاج أيضا حقوق(!).
-
على تغييرها قدراء
-
خيمياء التراكم: البطالة.. حل(!)
-
الوسط المعتل والفعل الأجوف: عن التعددية الحزبية في المغرب
-
مورفولوجية الرمز وخطاب التميمة
-
كفايات التناظر التلفزيوني
-
تلك الطريق.. ذلك النمو
-
نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة
-
أكاديمية الآلهة
-
الأنظمة العربية.. طبعة مزيدة ومنقحة
-
الفساد.. ينزل من أعلى
-
عم.. يتنافسون؟
-
خطاب التشغيل في المغرب: الهروب بلغات متعددة
-
من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في الم
...
-
الأحزاب السياسية في المغرب
-
تخلف جهل.. وحضارة جهالة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|