أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رامى جلال - مدحت الزاهد.. المناضل المهذب














المزيد.....

مدحت الزاهد.. المناضل المهذب


رامى جلال

الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 00:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


قليلة هى المرات التى جلست فيها مع الكاتب الكبير الأستاذ "مدحت الزاهد", ولكننى في كل مرة أخرج بذات الشعور بأننى في حضرة كائن ملائكى لا ينتمى إلى عالمنا الأرضى البشع! فالرجل يتميز بالحكمة والهدوء واللباقة والثقافة والقدرة على تحليل الأمور وربطها ببعضها البعض, إلى آخر هذه القائمة من الصفات النبيلة.. ورغم كل هذه الصفات فإن "مدحت الزاهد" وبحق مثالاً يُحتذى به في التواضع وحسن الخلق, فالرجل يتحدث مع من يصغره سناً وشأناً حديث الند للند, فحين أتحدث معه أرتفع إلى عنان السماء, ولا أشعر أبداً أن بيننا فارق سن يتخطى الثلاثة عقود, أجلس معه وأتأمله ملياً من حين لآخر- دون أن يشعر هو- وأنا لا أصدق أننى جالساً معه بالفعل! وأشعر بسعادة غامرة إذا ما نطق إسمى "رامى", أظننى أسمعها للمرة الأولى..
وأنعكست شخصية "مدحت الزاهد" الرائعة على كتاباته, فنظرة واحدة على أعماله تكفى لبيان مدى روعتها وإحكامها.. ورغم أن الأستاذ مدحت لم يكتب كتاباً متخصصاً في أدب الرحلات إلا أننى أزعم بأنه أفضل من يكتب هذا اللون من الأدب بين أبناء جيله! فمن يتأمل كتبه سيجد أنها لا تخلو من هذه اللمحة التى تختلط فيها السياسة بالإجتماع بالجغرافيا.. فمثلاً في كتاب (عولمة ضد العولمة), يبدأ بوصف دقيق لأحوال البرازيل وتحديداً مدينة بورتو أليجرى (مقر المنتدى الإجتماعى العالمى الذي كان الأستاذ مدحت مدعواً إليه) هذا الوصف يُعيدك إلى أحد كتب أدب الرحلات الرائعة لـ "إبن جبير" أو "إبن بطوطة".. أما وصفه الملحمى للمظاهرة العالمية التى تمت في هذه المدينة فهو يشعرك أن أبطال آرجوس السبعة يحاصرون طيبة أو أن "زيوس" يقود معركته الأخيرة ضد العمالقة.. وحين تقرأ مثلاً وصفه لمدينة "بومباى" الهندية تجد أنك بالفعل قد سافرت إلى هناك ورأيت الأربعة ملايين هندى الذين يفترشون أرصفة المدينة ليلاً, وهنا تجلى نبل أخلاق كاتبنا, فالرجل رفض إلتقاط صوراً للمشهد لأنه رأى أن ذلك "يخدش حياء أسر كاملة"..
والأستاذ مدحت كثير الأسفار, حكى لى يوماً أنه حين ذهب إلى النمسا وتحديداً فيينا ظنه بعض العرب من باعة الجرائد أنه جاء فيينا بحثاً عن عمل فطلبوا منه أن يستفز أى كلب ويجعله يعضه! وحين سألهم الأستاذ مدحت عن السبب قالوا له أن القانون النمساوى حينها سيُجبر صاحب الكلب على التكفل بنفقات علاجه من العضه مما سيوفر له الوقت الكافى للبحث عن عمل! وقد سجل الأستاذ مدحت هذة الواقعة الطريفة وغيرها في مقال حمل عنوان "واقى ضد الرصاص" وكان من أروع ما قرأت.
و"مدحت الزاهد" تنطبق عليه القصيدة التى أرتجلها إدوارد الخراط عند سماعه نبأ موت "شهدى عطية" في المعتقل عام 1961 حيث قال:
مستقتلين.. ولا عمرنا نرمى السلاح من يدنا
مستموتين..نضحك لأيام الجراح إللى أرتوت
من دمنا
وإحنا كده.. من صنع أهوال النضال
عد السنين من عمرنا..
وإحنا كده.. نبدر حياتنا ع الطريق
ترويها أيام الضنا..
تطرح هَنا.. لا جلادين.. ولا سفاحين..
حيغيروا طعم الكفاح من بقنا..
هكذا هو "مدحت الزاهد" مناضل في زمن ضن علينا حتى بأنصاف المناضلين, وسلاح الأستاذ مدحت هو قلمه الذي لا يفارقه ولا يشغله عنه شيئاً فـ "الزاهد" إسم على مسمى; فلم أعرفه ولوعاً بمال أو منصب أو أى شئ آخر, فقط هو مخلص لعمله إلى أقصى درجه ولهذا فهو ناجح إلى الدرجة نفسها.. وقد سبق لمدحت الزاهد أن رأس تحرير إحدى الصحف فتركها إختيارياً بعد أن حولها من المحلية إلى القومية وضاعف توزيعها حوالى عشرة مرات (بحوزتى كشف بأرقام التوزيع) هكذا هم الكبار, ترك الرجل مكانه في رأسة التحرير بعد أن حقق المعجزة.
كنت قد عقدت العزم على إرسال هذا المقال على حالته إلا أن خبراً سمعته جعلنى أقرر تغيير الخاتمة إذ ذكرنى هذا الخبر بواقعة هامة فقررت إضافتها هنا.. الخبر هو إختيار الأستاذ "مدحت الزاهد" نائباً لرئيس تحرير جريدة "البديل" اليومية التى ستصدر في مصر أواخر العام الحالى برئاسة تحرير المفكر الكبير الأستاذ محمد السيد سعيد, وحتى هنا الأمر عادى; فكفاءة "مدحت الزاهد" تؤهله لأن يكون رئيساً لتحرير أكبر الصحف ولكننى حين سمعت هذا الخبر تذكرت على الفور "التجريدة" الأمنية التى حدثت عام 1989 وكانت بمثابة "ضربة وقائية" من الأمن ضد اليسار المصرى عقب إقتحام الأمن لمصنع الحديد والصلب وإستشهاد أحد العمال (عبد الحى محمود), حيث أحتُجز المعتقلين في سجن "أبو زعبل" الرهيب وهناك تمت أكبر عملية للتنكيل بالمعتقلين السياسين, وفي "عرس الدم"- كما أسماه أحد المعتقلين (الأستاذ/ عبد الخالق فاروق)- أخذ جنود الأمن المركزى يضربون المعتقلين بوحشية بالغة إلى أن سقط أحدهم مغشياً عليه بين الحياة والموت, ولم يكن هذا الرجل سوى الدكتور محمد السيد سعيد, و بعد إنتهاء العرس جاء أحد رفاق الدكتور محمد وحاول إسعافه ثم حمله على كتفيه إلى زنزانته, ولم يكن هذا الأخير سوى "مدحت الزاهد".. واليوم, وبعد حوالى 17 عام, يستعين الدكتور السعيد بمدحت الزاهد مرة أخرى, ولكن هذه المرة لا لكى يحمل جسده المثخن بالجراح بل ليحملا معا رسالتهما التى من أجلها ذاقا المرار من قبل.. فهنيئاً للصحافة الحرة بـ "البديل" وهنئياً للبديل بـ "مدحت الزاهد".. المناضل المهذب.



#رامى_جلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قط سيامى إسمه -ريكو-
- لهذا حمل محمود سيفاً
- خدعوك فقالوا
- الهجرة هى الحل
- الثعبان الأقرع وأخيه أبو ضفيرة
- هوس الإسلام.. شورت وموبايل وبنك
- السابحات في الفلك
- معذرة.. هل أنت -برعى-؟
- قراءة إجتماعية في جدول الدورى
- الصراع بين الحقيقة والخيال
- الحقيقة والأسطورة في اللص والكلاب


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رامى جلال - مدحت الزاهد.. المناضل المهذب