أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي العطار - اللاوعي في الوعي















المزيد.....

اللاوعي في الوعي


علي العطار
باحث اجتماعي

(Ali Alattar)


الحوار المتمدن-العدد: 7237 - 2022 / 5 / 3 - 00:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهدت بداية القرن التاسع عشر، اندلاع حروب، انفجار ثورات، انهيار إمبراطوريات، ظهور دول وكيانات، وانتشار أيديولوجيات غيّرت وجه العالم، باستثناء المنطقة العربية التي دخلت في متحرك ثابت ورتابة مدهشة، تمحورت فيها اتجاهات الفكر آنذاك حول إشكالية المقدّس والمدنّس، وما تزال في اتجاهين:

اتجاه أخذ منحًى عقلانيًّا مع مفكرين وعلماء أثْرَوا الحياة الفكرية، أمثال رفاعة الطهطاوي، محمد عبده، فرح انطون، طه حسين، زكي نجيب محمود، وآخرين كانوا مثل منارة في مغارة، عملوا على إحياء "التراث في ضوء العقل" فأنتجوا فكرا مبنيًا على التسامح وقبول الآخر، ضمن "حوار متمدن"، عزّز مفهوم الدولة المدنية التي ما برحت فكرة صعبة المنال، تُراوح مكانها، ومَطلبا يظهر عند اشتداد الازمات رغم الجهود التي بذلها مفكّرون كبار ذكرنا بعضهم وليس جلهم، لأنَّ المقام لا يسع هذا المقال. وبعد مرور أكثر من قرن على ارهاصاته الأولى بقي المجتمع المدني والدولة المدنية مجرد أفكار تراود الأجيال، كأنَّ ثقبا أسودًا ابتلع هذه المحاولات.

بعد محاولة اغتياله كتب نجيب محفوظ : " الى من يخالفني الرأي، أهدي سطورا كتبتُها لمصلحة مجتمع لن تنصلح حاله إلا بالثقافة". وعند مثول المتهم بمحاولة اغتياله في المحكمة سأله قاضي التحقيق: لماذا اقدمت على ذلك؟ أجاب المتهم: لأنه كافر! سأله القاضي: كيف عرفت أنه كافر؟ أجاب: من روايته "أولاد حارتنا". فسأله القاضي: هل قرأتها؟ اجاب: لا، انا لا أعرف القراءة.

واتجاه آخر؛ تمسّك بأطراف التراث وجلابيبه، متجاهلا وليس جاهلا المتغيرات وشروط الحداثة، فأشاع مصطلح "داعية" وفرضه مرجعا صالحا وأعلى، كاشفا عن فهم خاص واستنسابي في قراءة التراث لا يتلائم مع الوقائع والمستجدات، اعتمد النقل، وعطّل العقل، أهمل المضمون وتمسك بالشكل، أدخل القيم الدينية على السياسة. وأحد دعاته يردد مقولة؛ ديننا عينُ سياستنا وسياستُنا عينُ ديننا. وقطب اخر يشيع مقولة؛ نصف الدين سياسة. فكيف ندع النصف الأوّل بينما لا يمكن فهم النصف الثاني إلا اذا أخذنا بالنصف الأوّل؟ هذا الاتجاه بشقيه يظهر تمسكا بالسلف الصالح والمثل العليا، ويكشف في تطبيقه لهذه المثل، الكثير من الانحراف عنها، مما يدل على حالة انفصامية، وازدواج في الشخصية، يستند الى خطاب ديني يقدّمه رجال دين يؤكدون أنهم الأكثر حاجة الى الوعي، لأنهم ساهموا بنسبة كبيرة في تشويه صورة الدين، واستخدموه استخداما لا يليق بعظمته. تدّعي معظم الطوائف حصرية المعرفة، ولا تقبل بشريك لها. هذه الحصرية وهذا الرفض للآخر، يفسّر سبب الخلاف الدائم حول مسائل ثانوية -مثل رؤية الهلال- ويتحوّل الاختلاف الى خلاف، ويفيض حديثهم رياءً عن نعمة منع الفتنة، وكأنها قدر محتوم، وبجهودهم صارت قضاءً مخرومًا. نقمة، وأزمة مضافة تنتج ازمات دائمة. وتقود الى سؤال: متى كان الدين سياسة؟ هذه المفاهيم ما زالت مدار صراع ونزاع بين مقولات متضاربة، وقوالب جامدة، الجامع المشترك بينها انها فاقدة الاهلية، والواقعية السياسية.

بعض هذه الأزمات يختصرها حوار جرى بين سائق حافلة تسير على خط المدينة، وشخص استقلها، وعندما جلس في مقعده سمع لحنا صادرا من المذياع، فسأل السائق: هل كان هذا الجهازموجودا ايام السالفات الصالحات؟ اجاب السائق برفق: لا، رد السائل بعنف: اذًا اطفىء هذا الجهاز اللعين! ولما شغّل السائق الهواء، تفاجئ بسؤال اخر من الشخص نفسه: هل كانت هذه الآلة مستعملة أيام السالفات الصالحات؟ اوقف السائق الحافلة جانبا، ونظر الى الشخص متعجبا وأجابه : لا، لكن دعني اطرح عليك سؤال؛ هل كان ايام السالفات الصالحات وجود للحافلات؟ قال الرجل: لا. رد السائق قائلا: اذا اخرج من الحافلة وابحث عن دابة من ايام السالفات الصالحات وتنقل عليها.

كان النكوص رفيقا دائما للاتجاه الاول، وديمومة هذا الفشل تعود الى حيوية الاتجاه الثاني! والى تداخل الضغوط الجوانية (غياب التنمية)، وتسعيرالاصطراعات البرانية (سوريا x العراق) في مجتمعات مثقلة براوسب ماضٍ لم تخرج من سلبياته، وحاضر لم تستوعب ايجابياته. فكانت اللازمة الشهيرة؛ على صخرة الصمود والتصدي ستتحطم مؤامرات الصهيونية والرجعية والاستعمار. هذا الاضطراب الفكري، اوجد بيئة مناسبة "لتحطّم الصخرة" وانتشار ايديولوجيات بعضها تم استيراده جاهزا للاستهلاك مثل ـ الشيوعية ـ التي كانت دائرة معارف مكتظة بأفكار تثير جدلًا بلا حدود، وتحاكي واقعًا منفصلة عنه، مثل ـ الرفيق البيك ـ وكان نقدها من المحرّمات، فحملت إطارا معرفيا ناجحا على مستوى الفرد، فاشلا على مستوى المجتمع. وبعضها الآخر ـ القومية ـ نادت: وحدة، حرية، اشتراكية ... وبددت نشاطها في ترتيب اولوية شعارها؛ أيّهم أسبق؟ كأنها أحجية رُكبت على عجل بلا وجل من المحاسبة.

وكانت تقام عروضًا عسكرية في دول توتاليتارية، تميزت بانضباط صارم أثارت إعجاب بعض النخب فحذت حذوها، وحاولت تقليدها فعمدت الى قطع ولصق افكار متضاربة، مقتطعة من تاريخ يحمل خلافًا، لا اختلافًا، وجغرافيا موضع نزاع، لتخيط ثوبا بلا مقاسات، ظهر فضفاضا مهلهلا في زاوية، وضيقا "مزمركا" في اخرى. تحمل هذه الاحزاب المبتسرة والهجينة رؤيةً جزئية قاصرة، ذاتوية، غير واقعية، انتجت اطارا معرفيا مثلوما، ووعيا جماعيا مأزوما، أبّدت في خطابها واقعا تدعو الى تغيره! لم تحمل حلولا لمشكلات قائمة او ناشئة، وشكلت عبئا إضافيا كرّس واقعَ التخلف.

إنَّ الايديولوجيات التي تم استيرادها نشأت في مجتمعات حديثة، أنجزت هويّاتها بخطوات عقلية. الامارات الالمانية كانت في تقاتل دائم فقُيِّضَ لها رجل دولة -بيسمارك- الذي كان يقول : "كثرة العدد ليست دليلًا على الصواب، والا كان تسع حمير يفهون اكثر من رجل واحد". وحّد المانيا التي تقلّبت في انظمة حكم متعددة، نازية، ديموقراطية... ومع سقوط جدار برلين عادت الوحدة بلا عقد رغم اختلاف الآراء والعقائد، ولم يظهر خلاف بين ألماني وآخر حول الهوية والانتماء. كذلك غاريبالدي موحّد ايطاليا التي شهدت انظمة مختلفة؛ ملكية، فاشية... حكمتْها ولم تتحكّم فيها. تتغير أنظمة الحكم في الدول، تسقط السلطة، وتبقى الدولة.

تجاوزت هذه الدول مفاهيم الخيمة ومندرجاتها وحلّقت في فضاء حر، بعد انجاز هويتها الوطنية والقومية، دافعة مجتمعاتها الى آفاق أعمق وأعقد، متخطية اشكاليات نشأت فيها بايجاد حلول لها، تعبر عن مسارات فكرية، سياسية واقتصادية، تسير على ايقاعات عقلية ومفاهيم علمية، مستفيدة من تجارب الماضي، متحرّرة من رواسبه التي تشكل دافعا للتقدم وليس عائقا امام التطور الذي دفعها في حلقات متصاعدة، وطنية، قومية وأممية، انتشرت في اوروبا والغرب عموما، وكانت انعكاسا لتطور الفكر السياسي المبني على عقد اجتماعي ومفاهيم منجزة كالدولتية، والمواطنة، والهوية.

اما في معظم الشرق، الدولة كائن غريب. ما زالت مفاهيم الخيمة ومندرجاتها (عائلة، عشيرة، قبيلة...) لها سحر الشرق، تمارس سلطتها بقوة. ولا فصل بين أُفهوميّ الدولة والسلطة، والوصل بينهما أنتجَ دولًا كاريكاتورية، فيها تجمّعات بشرية لم تبلغ سن الرشد، تُحرّكها عصبيات بدائية أوليّة، تعيش حالةً انتظارية، مع هطول الأمطار تهرب الى خيمة مزدانة بالرايات، مُهدَّدَة دائمًا بالزوال عند هبوب العاصفة.



#علي_العطار (هاشتاغ)       Ali_Alattar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التهديد النووي


المزيد.....




- اللعبة التي طال انتظارها تعود قريباً.. الكشف عن موعد الموسم ...
- بتنسيق من تركيا... تبادل 26 سجينا بين روسيا وعدة دول غربية ب ...
- الكويت ترد على ادعاء استخدام أراضيها -لاستهداف دول الجوار-
- قطاع غزة.. اغتيال هنية وتواصل الحرب
- نمر يفترس طفلا في ليبيا والسلطات تقرر حظر تربية الحيوانات ال ...
- إسماعيل هنية.. ما هي سيناريوهات الرد الإيراني بعد تصريح خامن ...
- من هو محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في غزة؟
- كيف كانت أبرز ردود الفعل العربية والإسرائيلية على اغتيال إسم ...
- كيف سترد إيران هذه المرة على مقتل هنيّة؟ خبراء يكشفون!
- تركيا تؤكد: تبادل كبير للأسرى مع روسيا يشمل صحفيا أمريكيا


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي العطار - اللاوعي في الوعي