أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - في -النسبية-















المزيد.....



في -النسبية-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 00:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"الجواب العلمي" لا تقوم له قائمة إذا لم يتضمَّن عبارة "بالنسبة إلى.."، فهذه العبارة هي في منزلة "الروح" بالنسبة إلى "الحقيقة العلمية". إنَّ مفاهيم مِثْل "الزمن" و"المكان (أو "الفراغ") و"الكتلة" تحتاج إلى تلك العبارة حتى تتمكَّن مِنْ أنْ تَضْرِبَ جذورها عميقاً في أرضية العِلْم، فـ "النسبية" هي "العِلْم"، على أنْ يُفْهَم "النسبي" و"المُطْلَق" فَهْماً دياليكتيكياً، وعلى أنْ تقوم "النسبية" على "الموضوعية"، وتَنْبُذ "الذاتيَّة"، فلـ "النسبية" مقاييسها ومعاييرها "الموضوعية" التي تنأى بها عن "الذاتية"، أو عن "المثالية الذاتية"، التي تَفْهَم الأشياء والظواهر في الطبيعة على أنَّها مُنْتَج لـ "الحسِّ الإنساني (الفردي)". "النسبية العِلْميَّة" إنَّما هي جزء لا يتجزأ مِنْ عالَم "الحقائق الموضوعية"، الذي لا مكان فيه إلا لـ "المقاييس الموضوعية الصرف".

كم الساعة الآن؟ إنَّها العاشرة صباحاً. هذا الجواب لم تكتمل عِلْميَّته بَعْد، فاكتمالها يستلزم أنْ نقول إنَّها العاشرة صباحاً "بالنسبة إلى" هذا المكان مِنَ الكرة الأرضية، فـ "جواب الزمان" يكتمل، علمياً، بـ "المكان".

أين يقع هذا الجسم في الفضاء؟ إنَّكَ لن تستطيع الإجابة إلا بحسب "النسبية"، فموضع هذا الجسم إنَّما هو موضعه "بالنسبة إلى " أجسام أُخرى (في الفضاء). أمَّا "انتقال" هذا الجسم في الفضاء فيعني تغييره لموضعه "بالنسبة إلى" أجسام أُخرى.

إرمِ حجراً مِنْ طائرة وهي تطير. بالنسبة إليكَ، يسقط الحجر في "خطٍّ مستقيم". أمَّا بالنسبة إلى "المُشاهِد"، أو "المُراقِبَ"، على سطح الأرض فالحجر يسقط في "خطٍّ منحنٍ"، فبحسب "مَوْضِع (محل، مكان) المُراقَبة"، نرى "الاستقامة"، أو "الانحناء"، في خطِّ سقوط الحجر. إنَّها لـ "حقيقة موضوعية خالصة" هي تلك التي تُرى في كلا "المَشْهدين"، فهل تنتفي "الحقيقة الموضوعية" إذا ما قُلْتُ، مثلاً، إنَّ هذا الجسم "بارد" مقارنةً بذاك، و"حارٌ" مقارنةً بذلك؟!

في الكون، ليس مِنْ جسم كبير أو صغير، سريع أو بطيء، فـ "الصفة المطلقة" لا وجود لها في أي جسم. إنَّ كل "صفة" مِنْ صفات الجسم (أي جسم أو جسيم) يجب أنْ تكون "نسبية"، فهذا الجسم ليس بـ "كبير"، وإنَّما "أكبر مِنْ ذاك"، وليس بـ "صغير"، وإنَّما "أصغر مِنْ ذاك"، وليس بـ "سريع"، وإنَّما "أسرع مِنْ ذاك"، وليس بـ "بطيء"، وإنَّما "أبطأ مِنْ ذاك". هذه التفَّاحة (حبَّة التفاح) كبيرة بالنسبة إلى حبَّة الفول، ولكنَّها صغيرة بالنسبة إلى البطيخة.

في السكون والحركة

ما معنى أنَّ هذا الجسم ينتقل في الفراغ، أو الفضاء؟ معناه أنَّ هذا الجسم قد غيَّر موضعه "بالنسبة إلى" أجسام أُخرى.

إذا راقَبْنا حركة جسم مِنْ "مواضِع مُراقَبَة" يتحرَّك بعضها بالنسبة إلى بعض فإنَّ حركة هذا الجسم ستبدو بأشكال مختلفة.

لو رَمَيْنا حجراً مِنْ طائرة وهي تطير لرأى راكِب الطائرة أنَّ الحجر يسقط في خطٍّ مستقيم. أمَّا بالنسبة إلى مُشاهِدٍ على سطح الأرض فالحجر يسقط في خطٍّ منحنٍ. كيف يتحرَّك هذا الحجر "في الحقيقة"؟ ليس لهذا السؤال مِنْ معنى، فحركة الحجر "نسبية".

أُنْظُر إلى كرة في حالة سكون على سطح طاولة. هذه الكرة ساكنة "بالنسبة إلى" سطح الطاولة، التي هي ساكنة "بالنسبة إلى" سطح الأرض، التي هي في حركة دائمة حَوْل محورها، وحَوْلَ الشمس، التي هي في حركة دائمة حَوْل محورها، والتي هي في حركة دائمة، مع كواكبها، حول مركز مجرَّتنا ("درب التبانة").

هذه الكرة ليس في مقدورها أنْ تتحرَّك على سطح الطاولة (أي بالنسبة إلى سطح الطاولة) مِنْ تلقاء نفسها، فلا بدَّ لي مِنْ أنْ أدفعها بيدي (ويدي هي "قوَّة خارجية") حتى تتحرَّك. عجز هذه الكرة عن التحرُّك على سطح الطاولة هو ما يسمَّى "القصور الذاتي" Inertia للكرة.

الآن، تحرَّكت، ولكن بَعْدَ مرور بعض الوقت تتوقَّف (بَعْدَ أنْ تتباطأ سرعتها) تماماً عن الحركة.

إذا أرَدْتُ جَعْلها تُعاوِد الحركة، أو منعها مِنَ التوقُّف، فلا بدَّ مِنْ أنْ أدْفعها ثانية، أو أستمر في دفعها، بيدي.

ولأنَّني أجهل وجود "قوَّة الاحتكاك" بين سطحي الطاولة والكرة، والتي أبطأت سرعة الكرة حتى أوْقَفَتْها تماماً عن الحركة، أقول مُسْتَنْتِجاً: "الكرة لن تتحرَّك، ولن تستمر في الحركة، إذا لم تخضع لتأثير "قوَّة خارجية"، تَنْقلها مِنْ حالة السكون إلى حالة الحركة، وتُبقيها في حركة دائمة.

وقياساً على ذلك قالوا بضرورة وجود "قوَّة خارجية" تَعْمَل، في استمرار، على بقاء الكواكب في حركة دائمة حَوْلَ الشمس.

يدي، بدفعها الكرة الساكنة، هي "القوَّة الخارجية" التي جَعَلَت الكرة تتحرَّك. ولو تَحَرَّيْتُ الدِّقة العلمية لَقُلْت إنَّ يدي هي "القوَّة الخارجية" التي تَغَلَّبت على "قوَّة الاحتكاك"، التي تَمْنَع، أو تُبطىء، حركة الكرة.

"القوى (الخارجية)" هي كل ما يؤثِّر في حركة الأجسام. هي ما يُحرِّكُ جسماً ساكناً. هي ما يزيد أو يقلِّل سرعة الجسم المتحرِّك. هي ما يَجْعَل الجسم المتحرِّك يُغيِّر اتِّجاه حركته، فيَخْرُج عن "الخطِّ المستقيم" في حركته إلى "خطِّ غير مستقيم".

الكرة كانت ساكنة على سطح الطاولة. ولأنَّها كانت ساكنة اسْتُنْتِجَ أنَّها بمنأى عن تأثير "قوَّة خارجية"، فالجسم الساكن إنَّما هو الجسم الذي لا تؤثِّر فيه "قوَّة خارجية".

الغرفة (في منزل) إنَّما هي "موضع مراقَبة" ساكن (بالنسبة إلى سطح الأرض). لو رَمَيْتُ حجراً في داخل الغرفة فسوف يتحرَّك في شكل معيَّن. لو نَقَلْتُ هذه الغرفة إلى الفضاء الخارجي، وجَعَلْتُها تسير بسرعة ثابتة منتظمَة في خطٍّ مستقيم، ثمَّ رَمَيْتُ الحجر الرمية ذاتها، لَرَأيْتُ الحجر يتحرَّك في شكل الحركة ذاتها، أي في شكل حركته في الغرفة (الساكنة) على سطح الأرض.

هذا يعني أنْ ليس مِنْ اختلاف في حركة الأجسام بين "الغرفتين"، فـ "حالة السكون" نراها، أيضاً، في الجسم الذي "يسير بسرعة ثابتة منتظَمة في خطِّ مستقيم".

أمَّا لو غَيَّرْنا سرعة الغرفة التي تسير في الفضاء، زيادةً أو نقصاناً، أو اتِّجاه حركتها، لاختلفت حركة الأجسام في داخلها.

الأجسام في قطارٍ يتحرَّك بسرعة منتظَمة (ثابتة) وفي خطِّ مستقيم لا تختلف، في سلوكها وتأثُّرِها، عن الأجسام في قطارٍ ساكن. الاختلاف يَظْهَر ما أنْ يُبْطئ، أو يُسْرِع، القطار في حركته، وما أنْ يُغيِّر اتِّجاه حركته، كأنْ ينعطف إلى اليمين أو اليسار. إذا أبطأ يندفع الراكب إلى الأمام، وإذا أسْرَعَ يندفع الراكب إلى الخَلْف. إذا انعطف إلى اليمين يُشَدُّ الراكب إلى اليسار، وإذا انعطف إلى اليسار يُشَدُّ الراكب إلى اليمين. لقد خَضَعَ الراكب لتأثير "قوى" شَدَّتْهُ إلى الأمام، وإلى الخَلْف، وإلى اليسار، وإلى اليمين.

إذا اختلفت خواص الحركة المُراقَبَة مِنْ "موضع مُراقَبة ما" عن خواصها المُراقَبَة مِنْ "موضع مُراقَبة ساكن" فهذا يعني، ويجب أنْ يعني، أنْ موضع المُراقَبة الآخر يتحرَّك.

وينبغي لنا أنْ نتذكَّر أنَّ "موضع المراقَبة الساكن" قد يكون جسماً يتحرَّك، ولكن بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطِّ مستقيم.

موضع المراقَبة هذا قد يختلف عن ذاك في السرعة. ولكن يكفي أنَّ كلاهما ثابت ومُنْتَظَم في سرعته (المختلفة عن الآخر) وأنَّ كلاهما يسير في "خطٍّ مستقيم" حتى نعتبره موضع مُراقَبة ساكناً.

وبحسب مبدأ، أو قانون "نسبية الحركة"، تَخْضَع حركة الأجسام، في "مواضع المُراقَبة" التي يتحرَّك بعضها بالنسبة إلى بعض بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم، لقوانين واحدة.

في مثال "الكرة الساكنة على سطح طاولة"، رأيْنا أنَّ هذه الكرة تظل في حالة سكون ما ظلَّت غير متأثِّرة بـ "قوَّة خارجية". وفي مثال "الجسم الذي يتحرَّك في الفضاء، أو الفراغ، بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم"، رأيْنا أنَّه يظل في هذه الحال مِنَ الحركة (مقداراً واتِّجاهاً) ما ظلَّ غير متأثِّر بـ "قوَّة خارجية". إنَّنا في كلا المثالين نرى فِعْلَ وتأثير قانون "القصور الذاتي".

لو دَفَعْنا الكرة في الفضاء لظلَّت تسير إلى الأبد بالسرعة ذاتها وفي خطِّ مستقيم، فبفضل "قصورها الذاتي" لا تحتاج إلى "قوَّة خارجية" تبقيها في هذه الحال مِنَ الحركة، مقداراً واتِّجاهاً.

ولو أنَّ الاحتكاك (وهو "قوَّة" تؤثِّر في حركة الكرة) بين سطحي الطاولة والكرة قد انعدم لظلَّت الكرة تسير، إلى الأبد، على سطح الطاولة بالسرعة ذاتها وفي خطٍّ مستقيم.

إنَّ إلغاء تأثير "القوى الخارجية"، كمثل "قوَّة الاحتكاك"، في الجسم هو الشرط لظهور تأثير قانون "القصور الذاتي".

نَسْتَنْتِج مِنْ ذلك أنَّ كل زيادة أو نقصان في سرعة جسم يسير في الفضاء، أو خروجه في حركته عن "الخط المستقيم"، يجب فهمه والنظر إليه على أنَّه دليل على أنَّ هذا الجسم يخضع لتأثير "قوَّة خارجية".

إذا ظلَّ الجسم يتحرَّك (في الفراغ أو الفضاء) بسرعة منتظَمة (ثابتة لا تَسَارُع فيها ولا تباطؤ) وفي خطِّ مستقيم فهذا إنَّما يدلُّ على أنَّه، أي الجسم، لا يتأثَّر بـ "قوَّة خارجية"، فلو تأثَّر فيها لتسارعت أو تباطأت حركته، أو لتحوَّلت في "الاتِّجاه"، أي لتحوَّل خطُّها مِنَ "الاستقامة" إلى "الانحناء".

وهذا الجسم يظلُّ في هذه الحال مِنَ الحركة بسبب "قصوره الذاتي"، فهو، مِنْ تلقاء نفسه، لا يستطيع أنْ يغيِّر حركته، زيادةً أو نقصاناً، أو اتِّجاهاً.

ونرى تأثير قانون "القصور الذاتي"، أيضاً، في الجسم الساكن، فهذا الجسم لا يستطيع مِنْ تلقاء نفسه أنْ ينتقل مِنَ السكون إلى الحركة. إنَّه يحتاج إلى "قوَّة خارجية" تُحرِّكهُ. فإذا تحرَّكَ احتاج إلى "قوَّة خارجية"، كـ "قوَّة الاحتكاك"، تُوْقِفَ حركته، أي تنقله مِنَ الحركة إلى السكون. وينبغي لنا أنْ نفهم تحريك الجسم الساكن على أنَّه جهد يُبْذَل في سبيل التغلُّب على قوى السكون، أي القوى التي تمنعه مِنَ الحركة.

هل مِنْ حركة "طبيعية (فطرية)" للأجسام والجسيمات في الفضاء؟ هل السير، أو الانتقال، في "خطٍّ مستقيم" أو في "خطٍّ دائري" هو هذه الحركة الطبيعية؟ إنَّ الحركة "الطبيعية" للجسم هي الحركة التي تُوافِق "قصوره الذاتي"، أي الحركة التي لا تَسْتَثير، ولا تَسْتَفِز، "قصوره الذاتي". إنَّها الحركة التي لا تَحْمِل "القصور الذاتي" للجسم على "الانتفاض"، أو إظهار "المقاوَمة". والجسم الذي يَنْعَم بـ "قصوره الذاتي" إنَّما هو الجسم الذي يعيش بمنأى عن تأثير "قوى خارجية" في حركته، مقدارأ أو اتِّجاهاً.

الجسم، أو الجسيم، إنَّما يتحرَّك في الفضاء، وبالفضاء. ولا أرى سبباً للقول بوجود جسم "ساكِنٍ (لا يتحرَّك)" في الفضاء، فالجسم، أو الجسيم، "يُوْلَدُ" متحرِّكاً بـ "الفطرة"، إذا جاز القول، فـ "حركته"، أي انتقاله في المكان، هي "الأصل"، فإذا "سَكَن"، فإنَّ "قوَّة خارجية" هي التي جَعَلَتْهُ "يَسْكُن". و"سكونه" هذا ليس "مطلقاً". إنَّه "نسبي". فهو "يَسْكُن" بصفة كونه جزءاً مِنْ شيء "متحرِّك".

نفترض أوَّلاً أنَّ الجسم، أو الجسيم، يأتي إلى الدنيا متحرِّكاً، أي منتقلاً في المكان. ونفترض ثانياً أنَّه يأتي إلى الدنيا وهو يسير بسرعة ثابتة منتظَمة بصرف النظر عن مقدار هذه السرعة. ونفترض ثالثاً أنَّه يسير بهذه السرعة الثابتة المنتظَمة في "خطٍّ مستقيم". ونفترض رابعاً أنَّ تعرُّضه لتأثير "قوى خارجية" هو الذي يزيد سرعته أو يقللها، أو يوقفه تماماً عن الحركة. وهو الذي يَجْعَلَهُ يحيد عن "الخطِّ المستقيم" في سيره، فينحني خطَّ سيره انحناءً متفاوت الشدَّة.

إذا كان الجسم يسير في "خطٍّ مستقيم" في ناحية مِنَ الفضاء تسمح له بـ "الاستقامة" في خطِّ سيره، فإنَّه، في هذه الحال، سيُبْدي "مقاوَمة" لكل "قوَّة خارجية" تُحاوِل جَعْلِهِ يحيد عن "خط سيره المستقيم".

أمَّا إذا كان انحناء الفضاء نفسه، بحسب نظرية "النسبية العامَّة" لآينشتاين، هو الذي جَعَلَهُ يحيد عن "خط سيره المستقيم"، ويسير، بالتالي، في "خطٍّ منحنٍ"، فإنَّ مِنَ الأهمية بمكان إجابة السؤال الآتي: "هل يُبْدي الجسم، في هذه الحال، "مقاوَمة" أمْ ينحني في مساره مِنْ غير أنْ يُبْدي "مقاوَمة"؟ لا بدَّ مِنْ إجابة هذا السؤال؛ لأنَّ آينشتاين فَهِمَ "الجاذبية" Gravity وفَسَّرَّها على أنَّها، في بعض أوجهها على الأقل، "انتفاضة" القصور الذاتي للجسم. والجسم لا ينتفض قصوره الذاتي إلا إذا "تسارَع (أو تباطأ)"، أو تحوَّل في سيره، في الفضاء، عن "الخطِّ المستقيم" إلى "خطٍّ منحنٍ". ومع غياب تلك "الانتفاضة"، لا تَظْهر تلك التأثيرات التي كان نيوتن ينسبها إلى "قوَّة خارجية"، دعاها "قوَّة الجاذبية".

هذا الانحناء في المسار الفضائي للجسم قد يتحوَّل إلى دورانٍ له حَوْلَ "الكتلة الكبيرة" التي تسبَّبت في "انحناء الفضاء" حَوْلها. وهذا الدوران لا بدَّ له مِنْ أنْ يُوَلِّد في الجسم، بحسب تفسير ما زال محتفظاً بوجاهته العلمية، "قوَّة" تسعى دائماً في إبعاده عن "المركز"، أي عن تلك "الكتلة الكبيرة"، التي قد تكون نجماً.

و"التوازُن" بين هذه "القوَّة الطاردة (للجسم) عن المركز" و"القوَّة" التي تعمل في الاتِّجاه المضاد هو ما يلغي تأثير كلتا القوَّتين، فيصبح "السير الدائري" للجسم مماثلاً لسيره في "خطٍّ مستقيم"، فلا فَرْق في "موقف" القصور الذاتي للأرض، مثلاً، في كلتا الحالين: حال سيرها في خطٍّ مستقيم، وحال سيرها في خطٍّ دائري حَوْلَ الشمس. وهذا الـ "لا فَرْق" يتعزَّز، أيضاً، بحال أُخْرى هي أنَّ الأرض تدور حَوْلَ الشمس بسرعة ثابتة منتظَمة. والأرض في حركتها على هذا النحو إنَّما تشبه جسماً يسير في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم.

وهذا "التوازن" مع تأثيراته قد يَحْمِل على الاعتقاد بانتفاء الحاجة إلى وجود وتأثير "قوَّة خارجية" هي "قوَّة الجاذبية الشمسية"، فكيف نقول بوجود هذه "القوَّة"، وبتأثيرها، إذا لم نَرَ شيئاً مِنَ "مقاوَمة" يُبْديها "القصور الذاتي" لهذا الكوكب؟!

حتى عندما تزيد سرعة الأرض عند الحضيض مِنْ مدارها، أو تنقص عند القمَّة مِنْ مدارها، لا نرى شيئاً مِنْ مثل هذه "المقاوَمة"، وكأنَّ حركة الأرض حَوْلَ الشمس لَمْ تتسارع، ولَمْ تتباطأ.

في بحثنا عن ماهيَّة "الجاذبية"، يجب أنْ نتذكَّر أنَّ التأثيرات ذاتها التي نراها بين "جسيمات المادة"، أي الجسيمات ذات "الكتلة السكونية"، والتي (أي التأثيرات) ننسبها إلى "قوَّة الجاذبية" نراها، أيضاً، في "عالَم الطاقة"، أي بين مقادير، أو كميَّات، مِنَ "الطاقة".

وكل الأبحاث والاختبارات أثبتت، حتى الآن، أنَّ "الجاذبية" ذات مدى "غير محدود"، وأنَّها تضعف مع تزايد "مُرَبَّع المسافة"، وأنَّ تأثيرها ينتقل دائماً بسرعة لا تزيد، ولا تقل، عن سرعة الضوء، التي تَبْلُغ 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

و"الجاذبية" ليست بالظاهرة التي يمكن أنْ ينعدم وجودها في "مكان ما"، أو "زمان ما"، فـ "الجاذبية"، و"المكان"، و"الزمان"، إمَّا أنْ تُوْجَد معاً، وإمَّا أنْ تزول معاً، فإذا ما انعدم وجود "الجاذبية" ينعدم، في الوقت نفسه، وجود "المكان" و"الزمان". ويكفي أنْ ينعدم وجود هذه الأشياء الثلاثة حتى ينعدم وجود "المادة" بأسرها.

كل ما جاءت به "النسبية العامَّة" لآينشتاين في شأن "الجاذبية" هو أنَّ أي شكل مِنْ أشكال الطاقة (و"جسيمات المادة" شكل مِنْ أشكال الطاقة) لا بدَّ له مِنْ أنْ يُسبِّب "تقوُّساً"، أو "انحناءً" في هذا النسيج المسمَّى "الزمان ـ المكان" Space-Time أو "الزمكان". وهذا "التقوُّس"، أو "الانحناء" قد يَبْلُغ أقصاه، أو نهايته العظمى، في جسم مثل "الثقب الأسود" Black Hole.

وقد نجحت "النسبية العامَّة" في إقامة الدليل على التكافؤ بين "الجاذبية" و"القصور الذاتي" للجسم، أو الكتلة، فجاذبية الجسم تقوى مع الزيادة في "قصوره الذاتي"، وتضعف مع النقص فيه.

وبسبب الضعف الشديد لـ "الجاذبية"، نحتاج إلى أنْ نُركِّز كميَّة هائلة مِنَ الطاقة في حيِّز، أو موضع، حتى نصنع تغييراً يُعْتَدُّ به مِنَ "الجاذبية المحلِّية".

وكلَّما كانت جاذبية الجسم أكبر عَظُمَت "سرعة الهروب" منه، فسرعة دوران الأرض حَوْلَ الشمس ما زالت دون "سرعة هروبها" مِنْ هذا النجم.

إنَّ مقدار الطاقة الإجمالي في جسم، أو جسيم، هو ما يُحدِّد جاذبيته. وهذا المقدار يتألَّف مِنْ "طاقة كتلة السكون" و"الطاقة الحركية" للجسم، أو الجسيم.

ما معنى أنَّ هذا الجسم يسير في الفضاء أو الفراغ بسرعة ثابتة منتظَمة (100 ألف كلم في الثانية الواحدة مثلاً) وفي خطِّ مستقيم؟ معناه أنَّه يسير بهذه السرعة (100 ألف كلم في الثانية الواحدة) بالنسبة إلى "موضع المُراقَبة الساكن" الذي منه أُراقِبَ حركة هذا الجسم، فـ "السرعة" هي أيضاً "نسبية".

وينبغي لنا أنْ نتذكَّر أنَّ "موضع المُراقَبَة الساكن" قد يكون جسماً يسير بهذه السرعة أو تلك، على أنْ تكون سرعته ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم.

إنَّ سرعة ذلك الجسم، الذي أُراقِبَ حركته مِنْ "موضع مُراقَبة ساكن"، أي مِنْ داخل جسم يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، مقدارها مثلاً 50 ألف كلم في الثانية الواحدة، وفي خطٍّ مستقيم، ستختلف عن سرعته عندما تُراقبهُ أنتَ مِنْ "موضع مُراقَبة (ساكن)" يسير بسرعة 150 ألف كلم في الثانية الواحدة وفي خطٍّ مستقيم.

حركة الجسم في الفضاء إنَّما هي "حركة نسبية". على أنَّ "نسبية الحركة" لا تلغي، ويجب ألا تلغي، "المُطْلَق" مِنَ المعنى الذي تنطوي عليه حركة الجسم أو الجسيم، فـ "المعنى المُطْلَق" في "الحركة" نراه في "التسارُع"، أو "التباطؤ"، أو "تغيير الاتِّجاه".

وحتى يكتمل وضوح "المفهومين"، أي مفهوم "السكون" و"الحركة"، نقول إنَّ "السكون المُطْلَق" لا وجود له البتَّة في الكون، فهذا "الجسم الساكن" إنَّما هو ساكن بالنسبة إلى سطح الأرض مثلاً، فهو لا يمكن أنْ يكون في حال السكون إلا إذا كان جزءاً مِنْ "كلٍّ متحرِّك" هو كوكب الأرض، فـ "السكون النسبي" هو وحده الذي تَعْرِفُهُ الطبيعة، التي فيها، وفيها فحسب، تكمن "القوى" التي تَجْعَل "الجسم" في حالٍ مِنَ السير، أو الانتقال، في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة.

إنَّ "الانفجار" هو "القوَّة" التي تَنْثُر وتَنْشُر "المادة" في الفضاء، فالنجم، مثلاً، قد ينفجر، فتتطاير (بقوَّة الانفجار) مادته في الفضاء. وكل "شظيَّة" مِنْ "شظاياه" تنطلق في الفضاء، فتستمر في السير فيه بسرعة ثابتة منتظَمة إلى أنْ تتعرَّض لتأثير "قوَّة"، فتتسارَع، أو تتباطأ، فسَيْر الجسم الكوني في الفضاء، أو الفراغ، بـ "سرعة ثابتة منتظَمة" يظلُّ "مؤقَّتاً" مهما طال زمنه؛ ذلكَ لأنَّ هذا الجسم يتعرَّض، دائماً، لتأثير قوى، بعضها في داخله، وبعضها في خارجه، ولا بدَّ لهذا التأثير المتراكِم مِنْ أنْ يُنْتِجَ، في آخر المطاف، تغييراً في حركة الجسم، مقداراً واتِّجاهاً.

أمَّا سَيْر الجسم في "خطٍّ مستقيم"، والذي يَنْظرون إليه على أنَّه "اتِّجاه الحركة الطبيعي (أو "الفطري")"، فلا أهميَّة عِلْميَّة له إذا لَمْ يُفْهَم فهماً نسبياً، فالفضاء الكوني كله منحنٍ، ولا مكان فيه، بالتالي، لـ "خطٍّ مستقيم" كاستقامة الخطِّ الذي نرسمه على الورق.

والتصوُّر الكوني الكوزمولوجي يقوم على فكرة أنَّ الكون كله، بفضائه ومجرَّاته ونجومه..، يشبه، ويَعْدِل، غشاء، أو سطح، كرة ضخمة.

ويكفي القول بهذا التصوُّر حتى تنتفي "الاستقامة المطلقة" مِنَ "الخطِّ المستقيم" الذي يسير فيه الجسم في الفضاء، فـ "الخط الأكثر استقامة" إنَّما هو "الخط الأقل انحناءً"، و"الخط الأكثر انحناءً" إنَّما هو "الخط الأقل استقامة"، فإذا نحن ضَرَبْنا صفحاً عن هذه العلاقة الجدلية بين "الاستقامة" و"الانحناء" في سَيْر الأجسام في الفضاء يتعذَّر علينا الوقوف على المعنى الحقيقي والعِلْمي لـ "الخط المستقيم" و"الخط المنحني".

في الفضاء بين المجرَّات، مثلاً، نرى "الخط الأكثر استقامة"، أي "الخط الأقل انحناءً"، وفي الجوار الفضائي لـ "الثقب الأسود"، نرى "الخط الأكثر انحناءً"، أي "الخط الأقل استقامة".

والجسم الذي يسير في الفضاء بين المجرَّات في "خطٍّ مستقيم"، بالمعنى النسبي لـ "الاستقامة"، لا بدَّ له، ما دام مُمْتَلِكاً لـ "كتلة"، مِنْ أنْ يُنْتِج، بحسب "النسبية العامَّة"، انحناءً، أو تقوُّساً، في جواره الفضائي، ولا بدَّ لهذا الانحناء مِنْ أنْ يقوى ويشتد مع كل زيادة في سرعة الجسم الذي يسير في "خطٍّ مستقيم"، فـ "تسارُع" الجسم، يزيد "كتلته"، ويزيد "قصوره الذاتي"، ويُقلِّص "طوله" في اتِّجاه حركته، ويقلِّل "حجمه"، ويضاعِف "كثافته"، ويُبطىء سَيْر "الزمان" الخاص به، ويقوِّي "حقل جاذبيته"، ويُشَدِّدَ انحناء "الفضاء" حَوْلَهُ.

"الحركة"، أي انتقال الجسم في الفضاء أو المكان، "مُطْلَقة"، فالجسم، أو الجسيم، الذي لا يتحرَّك، أي لا ينتقل في المكان، لا وجود له، فإذا رأيْناه "ساكناً"، أو "ثابتاً" في مكانه، فهذا معناه أنَّه، وهو في هذه الحال مِنَ السكون، جزء مِنْ "كلٍّ متحرِّك" في المكان أو الفضاء، كمثل منزل ثابت في مكانه بالنسبة إلى سطح الأرض، ولكنَّه لا يمكن أنْ يكون في هذا الحال مِنَ السكون، إلا بصفة كونه جزءاً مِنْ "كلٍّ متحرِّك" هو كوكب الأرض، الذي يدور حَوْلَ نفسه، وحَوْلَ الشمس. وعلى هذا النحو فحسب يمكننا وينبغي لنا أنْ نفهم كل "سكون ميكانيكي".

تَخَيَّل أنَّك في مَرْكبة فضائية تسير في فضاء يخلو تماماً مِنَ الأجسام الكونية كمثل المجرَّات والنجوم والكواكب وبسرعة ثابتة منتظَمة. في هذه الحال "غير الواقعية"، لن ترى مِنَ الظواهر ما يدل على أنَّ مَرْكبتكَ تتحرَّك، أي تنتقل في الفضاء، فكل الظواهر التي في داخل وفي خارج المَرْكبة إنَّما تُثْبِت وتؤكِّد لكَ أنَّك في جسم ساكن، مع أنَّه يتحرَّك بالفعل.

إنَّكَ لن ترى ما يدل على أنَّ مَرْكبتكَ تتحرَّك؛ لأنَّها تسير بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم، ولأنْ لا أجسام كونية مِنْ حَوْلكَ حتى تُقارِنَ موقع مَرْكبتكَ منها، وتُدْرِكَ، بالتالي، أنَّ مَرْكبتكَ تقطع وتجتاز مسافة فضائية.

حتى "الوقود" في مَرْكبتكَ لا يدلكَ على أنَّها تتحرَّك، فسَيْرُها بسرعة ثابتة منتظَمة لا يستلزم استهلاكاً للوقود؛ لأنَّها تسير على هذا النحو بقوَّة "قصورها الذاتي".

ولكن يكفي أنْ تَجْعَل مَرْكبتكَ "تتسارَع"، أو "تتباطأ"، حتى ترى مِنَ الظواهر والتأثيرات ما يؤكِّد لكَ أنَّها تتحرَّك. لن تُدْرِكَ أنَّها كانت تتحرَّك فعلاً مِنْ قَبْل، فزادت، مِنْ ثمَّ، أو قلَّت سرعتها. كل ما ستُدْرِكَهُ أنَّ مَرْكبتكَ كانت "ساكنة"، "ثابتة في مكانها"، ثمَّ انتقلت مِنْ حال السكون إلى حال الحركة.

كل وَسَط (مادي) يتحرَّك فيه جسم لا بدَّ له مِنْ أنْ يقاوِم حركة هذا الجسم. وهذه المقاوَمة، التي تؤدِّي إلى تقليل سرعة الجسم، تتأتى مِنَ "الاحتكاك" بينه وبين الجسم.

وحْدُهُ "الفضاء (أو الفراغ)" هو الوَسَط (المادي) الذي لا يُقاوِم حركة الأجسام فيه، فلو كان يقاوِمها لتناقصت السرعة (30 كلم في الثانية الواحدة) التي تدور فيها الأرض حَوْلَ الشمس منذ مليارات السنين.

لقد ثَبُتَ وتأكَّد أنَّ الحركة "نسبية" في معنى ما، وأنَّ سرعة الضوء "مطلقة"، وأنْ لا تناقض منطقياً بين هذا القول وذاك.

ليس مِنْ جسم أو جسيم، ولا مِنْ موضع في الكون، يمكن أنْ يكون في "سكون مطلق"، فـ "الحركة"، أي الانتقال في المكان، في معناها "النسبي"، هي مِنْ خواصِّه الثابتة.

الجسم (الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة) إنَّما هو في حال حركة "نسبية"، أي بالنسبة إلى جسم آخر.

في سرعة الضوء

"الضوء" لا ينتشر، ولا ينتقل مِنْ مكان إلى مكان، إلا "في الزمن"، و"في مقدارٍ محدَّد مِنَ الزمن"، ولو أنَّه ينتشر، أو ينتقل، في سرعة لا تفوقها سرعة في الطبيعة (300 ألف كلم في الثانية الواحدة) على ما هو مؤكَّد ومثْبَت حتى الآن.

سرعة الضوء في الفراغ ثابتة منتظَمة لا تتغيَّر، زيادةً أو نقصاناً، أي أنَّ الضوء (المنتقل في الفراغ) لا يمكنه، أبداً، أنْ "يتسارَع"، أو "يتباطأ".

و"المَصْدَر" الذي ينبعث، أو ينطلق، منه الضوء لا يؤثِّر، أبداً، في سرعة الضوء، زيادةً أو نقصاناً.

بعض المواد، كالزجاج، تُقلِّل (وليس مِنْ مادة في مقدورها أنْ تزيد) سرعة الضوء في أثناء اجتيازه لها، ولكنَّه ما أنْ يَخْرُجَ منها حتى يستأنف سيره بسرعة 300 ألف كلم في الثانية.

وإلى "استحالة" زيادة سرعة الضوء، أي جَعْلِهِ يسير بسرعة تزيد عن 300 ألف كلم في الثانية، تُضاف "استحالة" انقاص سرعته حتى السكون، فلا وجود لضوء انتقل مِنَ الحركة إلى السكون.

إنَّ الخاصية الجوهرية للضوء تكمن في أنَّ سرعته "مُطْلَقة"، أي أنَّها (في الفراغ) لا تزيد، ولا تنقص، عن 300 ألف كلم في الثانية، مهما كانت سرعة الموضع الذي فيه ومنه نقيس سرعة الضوء، ومهما كان "الاتِّجاه" الذي ينتشر، أو ينتقل، فيه الضوء.

وهذه السرعة "المُطْلقة" هي، أيضاً، السرعة "القصوى" في الطبيعة، فلا شيء يمكنه السير بسرعة تفوق سرعة الضوء، فالضوء إمَّا أنْ يسبق هذا الشيء أو ذاك، وإمَّا أنْ يصل معه.

سرعة الضوء هي وحدها التي لا يختلف مقدارها إذا ما قستها أنا وأنتَ، فهذه السرعة المحدودة (300 ألف كلم في الثانية الواحدة) والقصوى (في الكون أو الطبيعة) هي "السرعة المطلقة"، أي التي (في الفراغ) تظل ثابتة لا تزيد ولا تنقص.

تَخيَّل قطارين، يسير كلاهما بسرعة 60 كلم في الساعة. أحدهما يتَّجه شمالاً، والآخر يتَّجه جنوباً. إذا كنتَ واقفاً على الأرض بينهما عند انطلاقهما، فإنَّ كلاهما يسير، بالنسبة إليكَ، بسرعة ثابتة منتظَمة هي 60 كلم في الساعة. بالنسبة إلى راكب القطار المتَّجه شمالاً، يبدو قطاره "ساكناً لا يتحرَّك". وبالنسبة إليه، أيضاً، يسير القطار الآخر بسرعة 120 كلم في الساعة. أمَّا بالنسبة إلى راكب القطار المتَّجه جنوباً فيبدو قطاره "ساكناً لا يتحرَّك"، بينما القطار الآخر يسير بسرعة 120 كلم في الساعة. في هذا المثال، نَقِفُ على معنى مِنْ معاني "نسبية السرعة".

على أنَّ هذا المعنى لا وجود له في سرعة شيء واحد فحسب هو "الضوء"، فسرعته ليست بـ "النسبية" في أي حال. إنَّ سرعة الضوء المنبعث مِنَ المصباح في كلا القطارين تظل 300 ألف كلم في الثانية الواحدة بصرف النظر عمَّن يقوم بقياسها.

وبسبب أنَّ سرعة الضوء "مطلقة"، أي ثابتة لا تتغيَّر زيادةً أو نقصاناً، تتغيِّر "المقادير" و"الكميَّات" Quantities كمثل "الأطوال (المسافات)" و"الزمن". يجب أنْ تتغيَّر (زيادة أو نقصاناً) حتى تظل سرعة الضوء ثابتة لا تتغيَّر بالنسبة إلى "كل المراقبين" في "كل الكون".

إذا سار القطاران بسرعة قريبة مِنْ سرعة الضوء فإنَّ الراكب في كلا القطارين لن يرى تغييراً في "المقادير" و"الكميَّات" الخاصَّة بقطاره، أي أنَّه لن يشعر بـ "تباطؤ الزمن" في ساعته، ولن يرى في داخل قطاره أي جسم ينكمش طوله في اتِّجاه حركته. أمَّا إذا نَظَرَ عَبْرَ نافذته إلى القطار الآخر، أو إلى الأرض، فسوف يرى عقارب الساعة هناك تتحرَّك في بطء، وكل شيء يَقْصُر في اتِّجاه حركته.

لو أضأنا مصباحاً في إحدى نهايتي قطار ساكن فإنَّ الضوء سيسير حتى النهاية الأُخرى بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة. ولو أضأنا مصباحاً في مؤخَّرة قطار يسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة فإنَّ الضوء سيسير حتى مقدِّمة القطار بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة. ولو أضأنا مصباحاً في مقدِّمة هذا القطار المتحرِّك فإنَّ الضوء سيسير حتى مؤخَّرته بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

إنَّ الضوء، وبالسرعة ذاتها (300 ألف كلم في الثانية الواحدة) ينطلق مِنَ الجسم (أكان ساكناً أمْ متحرِّكاً.. أكان يسير بسرعة عادية أمْ بسرعة شبه ضوئية) أو ينتشر، في الاتِّجاهات المختلفة.

سرعة الضوء مطلقة، أي ثابتة لا تتغيَّر في أي مكان مِنَ الكون. إنَّها دائماً 300 ألف كلم في الثانية الواحدة (في الفراغ). ولكن لكل موضع في الكون زمانه الخاص به.

و"المراقِب" في موضع كوني ما (كوكب مثلاً) يقيس "المسافة" التي قطعها الضوء الذي وصل إليه بـ "الزمن الخاص به"، فهو، مثلاً، يقول: "هذا الضوء قطع مسافة فضائية (قَبْلَ أنْ يصل إليَّ) في ثانيتين اثنتين (بحسب الزمن الخاص به)". و"الثانية الواحدة" عنده قد تَعْدِل نصف ثانية، أو 100 ثانية، في موضع كوني آخر.

لو كان "المراقب"، أي هذا الذي يقوم بقياس سرعة الضوء، يسير بسرعة عادية، أو بسرعة "شبه ضوئية"، فلسوف يرى أنَّ سرعة الضوء في الفراغ تظل ثابتة لا تتغيَّر، أي أنَّها تظل 300 ألف كلم في الثانية، بحسب كل ما لديه مِنْ وسائل وأساليب لقياس "المسافة"، وبحسب سيْر الزمن في ساعته.

الحادثتان تقعان في المكان ذاته إذا ما حَدَثَتا في الزمان ذاته. ولكن "تَزامُن حادثتين"، أي حدوثهما في الزمان ذاته، في مكان ما، لا يعني تَزامُنِهِما تَزامُناً "مطلقاً"، فهما ليستا بـ "مُتزامتتين" في كل مكان مِنَ الكون.

لو أنَّكَ، في مكان ما مِنَ الكون، وَقَفْتَ في منتصف المسافة بين مصباحين فإنَّ شعاعي الضوء المنبعثان منهما يصلان إليكَ في الوقت ذاته. ولكنَّهما (أي الشعاعين) لا يصلان إلى "مُراقِب خارجي"، أي إلى شخص يراقبهما مِنْ مكان آخر في الكون، في الوقت ذاته، فأحدهما يصل إليه قَبْلَ الآخر، أي أنَّهما يَفْقِدان تزامنهما.

حركة جسم (مَرْكبة فضائية مثلاً) ما في اتِّجاه (نحو) مَصْدَر ضوء، أو بعيداً عنه، تُنْتِجُ تغييراً في "تردُّد" الضوء بالنسبة إلى الذي يراقبه مِنْ هذا الجسم. هذا "التردُّد" يراه أصغر مِنَ "الأصلي" إذا ما كان الجسم يتحرَّك بعيداً عن مَصْدَر الضوء. وكلَّما قلَّ "التردُّد"، بالنسبة إلى هذا المراقِب"، احْمَرَّ الضوء.

أمَّا إذا تحرَّكَ "المراقِب" مع "الجسم" في اتِّجاه مَصْدَر الضوء فإنَّه يرى "التردُّد" يَكْبُر حتى يتعادَل مع "التردُّد الأصلي"، ويرى الضوء، بالتالي، يَزْرَق أكثر فأكثر.

وبحسب "نسبية الحركة (أو السرعة)"، يرى "المراقِب الأرضي" أنَّ الضوء يقلُّ "تردُّداً"، ويَحْمَرُّ أكثر فأكثر مع ابتعاد، وازدياد ابتعاد، مَصْدَر الضوء عنه.

عندما يؤثِّر جسم (أو جسيم) في جسم (أو جسيم) نقول إنَّ الجسم (أو الجسيم) الثاني قد تعرَّض لتأثير "قوَّة"، تعود إلى الجسم (أو الجسيم) الأوَّل. هذا "التأثير"، وكل تأثير، لا بدَّ له مِنْ أنْ ينتقل بسرعة معيَّنة. لا بدَّ له مِنْ أنْ يتحرَّكَ في "المكان"، ومِنْ أنْ يَسْتَغْرِق انتقاله مقداراً محدَّداً مِنَ "الزمان". ولكن ليس مِنْ "تأثير (مادي)" يمكنه الانتقال (والانتشار) بسرعة تزيد عن سرعة الضوء.

ليس مِنْ شيء (جسم أو جسيم أو تأثير) أو ظاهرة في الكون يمكنه، أو يمكنها، الانتقال بسرعة تفوق سرعة الضوء. تَخيَّل أنَّكَ تَقِف في منتصف المسافة بين مَرْكَبتين فضائيتين، تسير كلتاهما (أي تبتعد عنكَ) بسرعة 225 ألف كلم في الثانية الواحدة (بالنسبة إليكَ). فكم تَبْلُغ سرعة كلتاهما بالنسبة إلى الأُخرى؟ الإجابة الخاطئة هي "450 ألف كلم في الثانية الواحدة"، فـ "النسبية" لا تَجْمَع السرعتين في هذه الطريقة. الإجابة الصحيحية هي التي يتأكَّد فيها أنَّ ابتعاد كلتا المَرْكَبتين عن الأخرى لا يمكن، أبداً، أنْ يكون بسرعة أكبر مِنْ سرعة الضوء، التي هي 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

الأجسام (المجرَّات مثلاً) تتبادل التأثير، فكل جسم يؤثِّر ويتأثَّر بغيره. و"التأثير" ينتقل مِنْ جسم إلى جسم عَبْر الفضاء. وليس مِنْ "تأثير" يمكنه الانتقال بسرعة تفوق السرعة القصوى في الكون وهي سرعة الضوء.

و"الجاذبية" Gravity تنتقل، أي ينتقل تأثيرها، عَبْرَ الفضاء، في سرعة الضوء، فـ "ضوء" الشمس، و"تأثير جاذبيتها"، يصلان إلى الأرض معاً، وفي خلال ثماني دقائق ونصف الدقيقة.

وبسبب هذا التماثل في "سرعة الانتقال" بين "الضوء" و"الجاذبية" لا يعبأ علماء الفلك بـ "موضع" الأجسام الكونية البعيدة "الآن"، فجاذبيتها التي تؤثِّر فينا الآن إنَّما هي جاذبيتها القديمة، التي وصل تأثيرها إلى الأرض مع ضوئها القديم.

ومِنَ الأهميَّة بمكان أنْ نَسْتَنْتِجَ مِنْ ذلك أنَّ حاضِرَنا (في الأرض) لا يتأثَّر بـ "حاضِر" الكون، وإنَّما بماضيه، فالجسم الكوني الذي نتأثَّر به، بشراً وكوكباً، إنَّما هو الجسم وَصَلَنا ضوءه الآن.

إنَّ كل المعلومات Information الفضائية (الكونية) التي نملك إنَّما هي معلومات "قديمة"، مَصْدَرها ليس "حاضِر" الأجسام الكونية وإنَّما "ماضيها". إنَّنا لن نتمكن أبداً مِنْ أنْ نرى أي جسم كوني في "حاضره".

لِنَنْظُر إلى مجرَّتين تبتعد كلتاهما عن الأُخرى بسرعة 225 ألف كلم في الثانية الواحدة. لو أنَّ سرعة هذا "الابتعاد" كانت بالنسبة إلى كلتاهما 450 ألف كلم في الثانية الواحدة لَمَا انتقل أي تأثير مِنْ كلتاهما إلى الأُخرى؛ لأنْ لا "تأثير" يمكنه الانتقال بسرعة تفوق سرعة الضوء.

إنَّ سرعة هذا "الابتعاد" ليست 450 ألف كلم في الثانية الواحدة وإنَّما أقل من 300 ألف كلم في الثانية الواحدة. وهذا ما يحفظ للأجسام الكونية، ومهما تباعدت، القدرة على تبادل التأثير، وحفظ "وحدة الكون" بالتالي.

إذا كان الصاروخ الفضائي يسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة فإنَّ "الساعة" فيه ستتأخَّر عن "الساعة" في الأرض بنحو 24 دقيقة (مثلاً). فمتى يزيد هذا التأخُّر، أي متى يصبح (مثلاً) 30 دقيقة؟ يزيد إذا ما زادت سرعة الصاروخ، أي إذا ما أصبحت 250 ألف كلم في الثانية الواحدة (مثلاً).

كلَّما تسارع الصاروخ "تركَّزَ"، أو "تَكثَّفَ"، الزمن الخاص به، فـ "الثانية الواحدة" في الصاروخ تَعْدِل "دقيقية واحدة" في الأرض، ثمَّ تَعْدِل "ساعة واحدة"، فـ "يوماً واحداً"، فـ "شهراً واحداً"، فـ "سنة واحدة"، فـ "ملايين السنين".

ومع كل "تَرَكُّزٍ" في الزمن الخاص بالصاروخ، "يَتَرَكَّز" طول الصاروخ، أي ينكمش ويتقلَّص (بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي") في اتِّجاه حركته.

ومع كل "تَرَكُّزٍ" في الزمن الخاص بالصاروخ، "تَتَرَكَّز"، أي تتقلَّص وتُخْتَصَر، بالنسبة إلى المسافِر في الصاروخ، المسافة بين الصاروخ وبين الأجسام (النجوم والمجرَّات..) في الفضاء.

ومع كل "تَرَكُّز" في طول الصاروخ، "يَتَرَكَّز"، أي يتقلَّص، حجمه. ومع كل "تَرَكُّزٍ" في حجم الصاروخ"، "تَتَرَكَّز"، أي تزيد، كثافته، فـ "تسارُع" الصاروخ يزيد كتلته، ويقلِّل حجمه، فتزداد، بالتالي، كثافته.

ومع كل زيادة في كتلته (وكثافته) تزداد جاذبيته، أي أنَّ الفضاء حَوْلَ الصاروخ يزداد انحناءً وتقوُّساً. وكذلك الزمن الخاص بالصاروخ.

على أنَّ كل هذه التغييرات (المتأتية مِنْ "تسارع" الصاروخ) لا تؤثِّر، أبداً، في سرعة الضوء، أكان قياسنا لها في داخل الصاروخ أم في خارجه.. أكان الذي يقيسها "المسافِر" أم "المراقِب الخارجي"، في الأرض، أو في أي موضع مُراقَبة آخر في الكون.

كل سرعة (باستثاء سرعة الضوء) يجب أنْ تكون "نسبية"، فأنتَ عندما تكون واقِفاً في مكانكَ على سطح الأرض إنَّما تكون ساكناً بالنسبة إلى سطح الأرض فحسب، فالأرض تدور حَوْلَ محورها، وحَوْلَ الشمس، أي أنَّكَ، في سكونكَ، تنتقل في الفضاء مع انتقال الأرض. والأرض، في الوقت نفسه، تدور مع الشمس وكواكب النظام الشمسي حَوْلَ مَرْكَز مجرَّتنا.

وحده الضوء يسير بسرعة ثابتة لا تتغيَّر، فسرعة "مَصْدَر الضوء"، أو سرعتكَ أنتَ الذي تراقِب شعاع الضوء، لا تزيد، ولا تنقص، سرعة الضوء التي هي 300 ألف كلم في الثانية الواحدة. وكلَّما زادت سرعتكَ اخْتُصِرَت "المسافات"، وتباطأ "الزمان"، بما يتناسب مع بقاء سرعة الضوء 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

في نسبية الزمن

في الزمان، ليس لـ "الآن" مِنْ معنى "مطلق"، فـ "الآن" لا وجود لها إلا حيث أقِف، وعلى بُعْد أمتار مِنْ حيث أقِف.

إنَّ ما أراه مِنْ أشياء وأجسام ليس سوى "صورة" حَمَلَها "الضوء" الصادِر عن "الأصل"، أي عن الشيء أو الجسم، إلى عينيَّ. وهذا "الحامِل للصورة"، أي "الضوء"، إنَّما يشبه "عربة" تسير في سرعة هي السرعة القصوى في الطبيعة (300 ألف كلم في الثانية الواحدة). ينبغي لهذه "العربة" أنْ تجتاز "مسافة" هي المسافة بين "مَصْدَر الضوء" وعينيَّ قَبْلَ ومِنْ أجل أنْ أرى "الصورة". وهذا الانتقال مِنْ موضع إلى موضع يَسْتَغْرِق، ويجب أنْ يَسْتَغْرِق، زمناً. فهذا "الحادث الشمسي" الذي أراه الآن، أي أرى صورته الآن، إنَّما حدث (في الشمس) قَبْلَ ثماني دقائق ونصف الدقيقة. إنَّ "الآن" لا تشمل الكون بأسره.

الجسم، كل جسم، إنَّما هو "مكان" و"زمان" متَّحِدان. والأجسام تختلف في "خواصِّها المكانية والزمانية". وكل جسم لا بدَّ لـ "خواصه المكانية والزمانية" مِنْ أنْ تختلف باختلاف "سرعته"، فـ "سرعة" الجسم هي التي تُسبِّب اختلاف "خواصِّه المكانية والزمانية". إذا زادت سرعته، تقلَّص "طوله" في اتِّجاه حركته، وأبْطأ زمانه.

لقد تنبَّأت "النسبية العامَّة" بتباطؤ سَيْر الزمان بالقُرْب مِنْ جسم ضخم الكتلة. أمَّا سبب هذا التباطؤ الزمني فيكمن في العلاقة بين "طاقة" الضوء و"تردده"، فكلَّما تعاظمت "الطاقة" تعاظم "التردد".

إذا سافر، أو انتقل، الضوء (المنبعث مِنْ جسم، أو مادة) بعيداً عن حقل جاذبية (لجسم ضخم، نجم مثلاً) فإنَّه يَفْقِد، أو يَخْسَر، طاقة، ينبغي له أنْ يَفْقِدَها، أو يَخْسَرها، في سبيل التغلُّب على جاذبية النجم، مثلاً، والإفلات مِنْ قبضتها، للسفر بعيداً في الفضاء. وبسبب تضاؤل طاقته يقل تردده.

هذا يعني بالنسبة إلى مراقب خارجي يقف بعيداً عن "مَصْدَر الضوء" أنَّ كل شيء هناك (في النجم مثلاً) يستغرق زمناً أطول، فـ "الحادث" يبدو له بطيئاً. وهذا إنَّما يشبه مشاهدة فلم تُعْرَضُ مشاهِدِه، أو صوره، في بُطء.

لو جئنا بإنسانٍ، له توأم، إلى هذا المكان الفضائي الذي يَصْدُرَ عنه هذا الضوء، فمكث فيه ثلاثون دقيقة، بحسب ساعته هو، ثمَّ عُدْنا به إلى الأرض (التي حقل جاذبيتها اضعف كثيراً) حيث بقي توأمه، لرأيْنا أنَّ توأمه صار يكبره بعشر سنواتٍ (أرضية) مثلاً.

وبالنسبة إلى هذا الإنسان، لَمْ يطرأ أي تغيير على سرعة جريان الزمن في أثناء مكوثه في ذلك المكان الفضائي.

وعلى هذا النحو فحسب يمكننا فَهْم معنى "البطء في جريان الزمن" حيث يقوى حقل الجاذبية، أو حيث يبلغ الجسم (مَرْكبة فضائية مثلاً) في سرعته السرعة "شبه الضوئية".

هذا التنبؤ لـ "النسبية العامة" اخْتُبِرَ أوَّل اختبار سنة 1962 بأنْ وُضِعَت إحدى ساعتين دقيقتين على قمَّة بُرْج ماء، بينما وُضِعَت الأخرى في أسفل البُرْج. لوحِظَ أنَّ الوقت يجري في بُطء في الساعة التي وُضِعَت في أسفل البُرْج، أي قريباً مِنَ الأرض (أو مِنْ مركز الجاذبية الأرضية).

عندما ينتقل الضوء مِنْ حقل جاذبية قوي (لنجم) إلى الفضاء الخارجي يَفْقِد هذا الضوء مقداراً مِنْ "طاقته"، فيقل، بالتالي، "تردده". وكلَّما قلَّ "تردده" تباطأ سَيْر الزمن في كل جسم ينبعث منه هذا الضوء، فالثانية الواحدة هنا تَعْدِل ثوانٍ أو دقائق أو ساعات أو سنوات في الأرض مثلاً. إنَّ كل شيء في هذا النجم (المنبعث منه ضوء قليل الطاقة والتردد) يَحْدُثُ بطيئاً بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي"، الأرضي مثلاً. وفي مزيدٍ مِنَ الدقَّة نقول إنَّ هذا الضوء قليل الطاقة والتردد ليس هو "سبب" بطء سير الزمن في مَصْدَرِه (نجم مثلاً) فهذا الضوء إنَّما هو "ظاهرة" نَسْتَدِلُّ بها على أنَّ الزمن هناك يمضي بطيئاً (مقارَنةً بالزمن في الأرض مثلاً).

بُطء الزمان إنَّما يعني "بُطء التغيير"، فـ "الزمان"، ينبغي له، بـ "تسارُع" الجسم، أنْ "يتباطأ"، وينبغي له، بـ "تباطؤ" الجسم، أنْ "يتسارع". وهذا البُطء في التغيير لا أحس به (أو أُدْرِكهُ) أنا الذي في مَرْكبة فضائية تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة. فلو أنَّكَ أنتَ المقيم على سطح الأرض أضأتَ مصباحاً يعمل بـ "بطارية"، وتَرَكْتَهُ يضيء حتى نفاد طاقة البطارية، فإنَّ هذه العملية قد تستغرق 24 ساعة مثلاً. تَخيَّل أنَّكَ قمت بالعملية نفسها وأنتَ في رحلة فضائية إلى نجم يَبْعُد عن الأرض 40 سنة ضوئية، وأنَّ رحلتكَ ذهاباً وإياباً قد استغرقت دقيقة واحدة فحسب بحسب ساعتكَ. في هذه الحال ستعود إلى الأرض والمصباح لم ينطفىء بَعْد. إنَّه سينطفىء بَعْدَ 23 ساعة و59 دقيقة مِنْ عودتكَ إلى الأرض. وعلى هذا النحو فحسب يجب أنْ يُفْهَم معنى "تباطؤ الزمان" الناجم عن السير بسرعة "شبه ضوئية".

إنَّ كل "عملية فيزيائية" في الأرض تَسْتَغْرِق مقداراً مِنَ الزمن، ولا بدَّ لها مِنْ أنْ تَسْتَغْرِق المقدار الزمني ذاته إذا ما حَدَثَت أو أُجْرِيَت في مَرْكبة فضائية تسير بسرعة "شبه ضوئية، فإذا كانت هذه "العملية" تَسْتَغْرِق 10 ثوانٍ مثلاً في الأرض، فيجب أنْ تَسْتَغْرِق 10 ثوانٍ أيضاً في تلك المَرْكبة. هذا هو "الثابت" في هذا المثال. أمَّا "المتغيِّر" فهو أنَّ الثانية الواحدة في المَرْكبة قد تَعْدِل سنوات في الأرض.

والزمن يبطؤ مع كل "انتفاضة" لـ "القصور الذاتي". و"الانتفاضة"، في هذه الحال، معناها "التسارُع"، أي زيادة سرعة الجسم الذي يسير في "خطٍّ مستقيم"، أو "تغيير اتِّجاه" حركة الجسم، الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، أي جَعْلِه يسير في "خطٍّ غير مستقيم".

"التسارُع"، وليس "السرعة"، أكانت كبيرة أم صغيرة، هو ما يُنْتِج تلك "الضغوط الفيزيائية"، المُنْتِجَة لـ "تباطؤ الزمان"، و"انكماش الأطوال".

إنَّ "تباطؤ الزمان" لا يعدو أنْ يكون "وظيفة" يؤدِّيها "التسارُع". وهذه الضغوط لا تَظْهَر ولا تشتد في الجسم الذي يسير (في الفضاء) بسرعة ثابتة منتظَمة، أكانت هذه السرعة كبيرة أم صغيرة. ويكفي أنْ يَبْلُغ "تسارُع" مَرْكبة فضائية "حدُّه الأقصى" حتى تنهار "كتلة" المَرْكبة على ذاتها، بفعل جاذبيتها الذاتية، وتتحوَّل، بالتالي، إلى "ثقب أسود".

في "قصَّة التوأمين"، يجب أنْ نَعْرِفَ السبب الذي يُنْتِجُ هذا "الفَرْق العُمْري" بينهما. السبب هو مقاوَمة، أو انتفاضة، "القصور الذاتي" لـ "المَرْكبة الفضائية (ولِمَنْ فيها)"، فالزمن الخاص بـ "المَرْكبة" يبطؤ مع "تسارعها"، ويسرع مع "تباطؤها".

زمنها لا يبطؤ ولا يسرع إذا ما ظلَّت تسير بسرعة ثابتة منتظَمة في خطِّ مستقيم. إنَّه يبطؤ فحسب عندما "تتسارع". فالزمن الخاص بالمَرْكبة يظل يسير بسرعة ثابتة منتظَمة ما ظلَّ "قصورها الذاتي" بمنأى عن تأثير "قوَّة خارجية". فإذا أثَّرت "قوَّة خارجية" في المَرْكبة بما يؤدِّي إلى زيادة سرعتها (تسارُعها) انتفض "قصورها الذاتي"، وهبَّ للمقاوَمة، فتباطأ سَيْر الزمن الخاص بالمَرْكبة.

ويجب ألا ننسى أنَّ المَرْكبة الفضائية تُعدُّ "ساكنة (غير متحرِّكة)" إذا ما كانت تسير بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم.

أمَّا ذاك الذي بقي في الأرض (التي تدور حَوْلَ الشمس بسرعة ثابتة منتظَمة) فيُعَدُّ ساكناً غير متحرِّك، ولَمْ يتأثَّر، بالتالي، الزمن الخاص به، أي أنَّ الزمن الخاص به (وبالأرض) لم يبطؤ، ولَمْ يسرع. يجب أنْ يتعرَّض لتأثير "قوى التسارُع" حتى يبطؤ الزمن الخاص به، فليست "السرعة"، وإنَّما "التسارُع"، هو ما يبطئ الزمان الخاص بالجسم، ويقلِّص هذا الجسم (أو المكان). وكلَّما طال "التسارع" ازداد تباطؤ الزمان.

الجسم الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم يُنْظَر إليه، ويجب أنْ يُنْظَر إليه، على أنَّه جسم "ساكن". و"سكون" هذا الجسم لن يتحوَّل إلى "حركة" إلا عندما "يتسارع"، أو ينتقل مِنَ السير في خطٍّ مستقيم إلى السير في خطٍّ دائري.

إذا كان الجسم يسير في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم فإنَّ إبطاء حركة الزمن الخاص به يتطلَّب زيادة سرعته، أي تسارعه، أو جعله يسير في خطٍّ دائري. تسارعه، مع بقائه يسير في خطٍّ مستقيم، يؤدِّي إلى إبطاء حركة الزمن الخاص به. وهذا الإبطاء يمكن أنْ يَنْتُج مِنْ انتقال الجسم مِنَ السير في خطٍّ مستقيم إلى السير في خطٍّ دائري. ونحن نَعْلَم أنَّ "المسار الفضائي الدائري" تَصْنَعَهُ أو تُنْتِجَهُ "الكتلة" Mass.

فَلْنَفْتَرِض أنَّ هذه الكتلة هي كتلة نجم. سير الجسم في هذا المسار (أو المدار) لا بدَّ له مِنْ أنْ يؤثِّر فيزيائياً في طريقة تؤدِّي إلى إبطاء حركة الزمن الخاص بهذا الجسم، فـ "الحركة المدارية" للجسم تُعرِّضه لتأثير قوَّة جديدة ظهرت فيه هي القوَّة التي تسعى في طرده بعيداً عن "المَرْكَز"، أي عن كتلة النجم.

وكلَّما زادت هذه القوَّة بَطؤ أكثر سير الزمن الخاص بهذا الجسم. ولكن كيف تزداد "القوَّة الطاردة المركزية"؟ إنَّها تزداد مع انتقال الجسم إلى مدار أقرب إلى كتلة النجم. في هذه الحال، لا بدَّ للجسم مِنْ أنْ يسير في مداره الجديد (الأقرب إلى كتلة النجم) بسرعة أعظم، ولا بدَّ له، أيضاً، مِنْ أنْ يتأثَّر أكثر بحقل جاذبية هذا النجم. ومع هذا التأثير وذاك، لا بدَّ لحركة الزمن الخاص بالجسم مِنْ أنْ تبطؤ أكثر.

وكلَّما تسارَع هذا الجسم، أو اشتدَّ انحناء المسار الفضائي الذي يسير فيه، زاد تباطؤ الزمن الخاص به.

ويُعْتَقَد أنَّ جسماً يسير بسرعة الضوء (على استحالة ذلك) سيتقلَّص حتى ينعدم حجمه، بالنسبة إلى "مراقِب خارجي (أرضي مثلاً)"، وسيبطؤ زمانه حتى تتوقَّف عقارب الساعة فيه عن الحركة تماماً، بالنسبة إلى "مراقِب خارجي (أرضي مثلاً)".

في "قطار آينشتاين"، يبطؤ الزمن مع كل زيادة في سرعته، فإذا كانت المسافة بين محطتي الانطلاق والتوقف 864 مليون كلم، وإذا كان القطار يسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية، فإنَّ الرحلة ستستغرق بحسب الساعة في خارج القطار (في كلتا المحطتين مثلاً) 60 دقيقة (3600 ثانية).

أمَّا بحسب ساعة المسافِر في القطار فسوف تستغرق 36 دقيقة (2160 ثانية). لقد تأخَّرت ساعة المسافِر عن ساعة المحطة 24 دقيقة (1440 ثانية). وكلَّما زادت سرعة القطار زاد مقدار التأخُّر في ساعة المسافِر.

بالنسبة إلى "المُراقِب الخارجي"، في محطَّة القطار، قُطِعَت المسافة (864 مليون كلم) في وقت مقداره 60 دقيقة (3600 ثانية). وقُطِعَت، بالنسبة إلى المسافِر، في وقت مقداره 36 دقيقة (2160 ثانية).

المسافِر قد يعتقد أنَّ القطار سار بسرعة 400 ألف كلم في الثانية، أي بسرعة تفوق سرعة الضوء، التي هي السرعة القصوى في الكون.

مِنْ حقِّه أنْ يعتقد ذلك؛ لأنَّ القطار قد اجتاز مسافة 864 مليون كم في 36 دقيقة (2160 ثانية). ولكن هذا الاعتقاد لا أساس له مِنَ الصحة، فسرعة القطار ظلَّت ثابتة، أي 240 ألف كلم في الثانية، ولَمْ تتخطَّ؛ لأنْ ليس في مقدورها أنْ تتخطَّى، سرعة الضوء، أي أنَّها لَمْ تصل، ولن تصل، إلى 400 ألف كلم في الثانية.

إذا اقتنع هذا المسافِر بخطأ اعتقاده فقد يعتقد أنَّ "المسافة" هي التي تقلَّصت، أي أنَّها أصبحت 518.4 مليون كلم بعدما كانت 864 مليون كلم. إنَّه، وبحسب نظرية "النسبية"، مُصيبٌ باعتقاده هذا، فـ "المسافة" بالنسبة إليه قد تقلَّصت.

كان مقدار التأخُّر في ساعته 24 دقيقة (1440 ثانية). أمَّا مقدار النقص في المسافة فكان 345.6 مليون كلم.

ومع كل "تسريع" للقطار، يمكننا جَعْل الزمن في داخل القطار متناهياً في الصِغَر مقارنةً بالزمن في خارجه، أي في "المحطَّة" مثلاً.

وإذا كان "قطار آينشتاين" يسير بسرعة "شبه ضوئية"، في خطٍّ دائري، فإنَّه سيجتاز تلك المسافة (864 مليون كلم) في دقيقة واحدة (60 ثانية) فحسب (بحسب ساعة المسافِر). وهذه الدقيقة تَعْدِلُ مقداراً مِنَ الزمن، في خارج القطار، أعظم بكثير.

لِنَفْتَرِض أنَّنا سنقوم برحلة فضائية إلى نجم يَبْعُد عن الأرض مسافة يجتازها الضوء (الذي يسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة) في 40 سنة. ولأنَّنا لا نستطيع أبداً السفر بسرعة الضوء نَسْتَنْتِج أنَّنا لن نصل إلى هذا النجم في زمن يقل عن 40 سنة.

وبحسب هذا الاستنتاج الخاطئ، نتوقَّع أنْ نصل إلى هذا النجم بَعْدَ 50 سنة مِنْ انطلاق رحلتنا الفضائية نحوه، والتي نقوم بها بمركبة فضائية سرعتها 240 ألف كلم في الثانية.

بالنسبة إلى سكَّان الأرض، سنصل إلى هذا النجم بَعْدَ 50 سنة (بحسب آلة قياس الزمن عندهم) مِنْ بدء الرحلة. أمَّا بالنسبة إلينا، نحن المسافرين، فسنصل إليه بَعْدَ 30 سنة (بحسب آلة قياس الزمن في المَرْكبة) مِنْ بدء الرحلة، فالزمن، في مَرْكبة فضائية تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة يتقلَّص ليَعْدِلَ 60 في المئة مِنْ "حجمه الافتراضي (أو الأرضي)"، الذي هو في هذا المثال 50 سنة.

وكلَّما اقتربت سرعة مَرْكبتنا مِنْ سرعة الضوء تضاءل الزمن الذي تستغرقه الرحلة بحسب آلة قياس الزمن عندنا. وقد نصل إلى هذا النجم، ونعود منه إلى الأرض، في خلال دقيقة واحدة (60 ثانية) فحسب، بحسب "الساعة" في مَرْكبتنا. وعند العودة فقط، نَعْرِف أنَّ رحلتنا، ذهاباً وإياباً، قد استغرقت، بحسب آلة قياس الزمن الأرضية، 80 سنة. وفي خلال هذه الرحلة لَمْ تَزِدْ أعمارنا إلا دقيقة واحدة فحسب.

بالنسبة إلى سكان الأرض، يَقْطَع الضوء هذه المسافة الفضائية في زمن مقداره 40 سنة (أرضية). أمَّا بالنسبة إلينا نحن المسافِرين فإنَّ الضوء يَقْطعها في زمن مقداره أقل مِنْ نصف دقيقة، أو أقل مِنْ 30 ثانية. وَلْنَقُلْ أنَّه يَقْطعها في زمن مقداره 20 ثانية بحسب الساعة التي لدينا. وهذا يعني أنَّ المسافة بالنسبة إلينا تقل ولا تزيد عن 6 ملايين كلم.

تَبْعُد الشمس عن الأرض مسافة، يجتازها الضوء (الذي يسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة) في خلال 510 ثوانٍ. ومقدار هذه المسافة 150 مليون كلم.

إذا انطلقنا في رحلة فضائية نحو الشمس، بمركبة تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة فسوف نصل إليها في خلال 625 ثانية، بحسب "الحجم الافتراضي (الأرضي)" للزمن. أمَّا بحسب آلة قياس الزمن في مَرْكبتنا فسوف نصل إليها في خلال 375 ثانية.

هذا يعني أنَّه يحقُّ لنا، نحن المسافرين، أنْ نستنتج أنَّ المسافة الفضائية التي اجتزناها لم تكن 150 مليون كلم، وإنَّما 90 مليون كلم. وهذه المسافة (90 مليون كلم) المُخْتَصَرة يجتازها الضوء في خلال 300 ثانية.

بالنسبة إلى سكَّان الأرض، تَبْعُد الشمس عن هذا الكوكب 150 مليون كلم، يجتازها الضوء في خلال 510 ثوانٍ. وبالنسبة إليهم، اجتزناها نحن في خلال 625 ثانية.

أمَّا بالنسبة إلينا، نحن المسافرين، تَبْعُد الشمس 90 مليون كلم فقط، يجتازها الضوء في خلال 300 ثانية، ونجتازها نحن في خلال 375 ثانية فقط.

وفي رحلة فضائية بهذه السرعة، لا بدَّ لـ "طول" المَرْكبة مِنْ أنْ يتقلَّص (أو يُخْتَصَر) في اتِّجاه حركة المَرْكبة. ولو كان في المَرْكبة أداة قياس مسافة (أو طول) هي "المتر" لتقلَّصت أداة القياس هذه أيضاً في اتِّجاه حركة المَرْكبة.

نظرية "النسبية" لا تقوم لها قائمة إلا بـ "فرضيتين أساسيتين": فرضية أنَّ سرعة الضوء هي "السرعة المُطْلقة"، وفرضية أنَّ سرعته هي "السرعة القصوى".

بحسب "الفرضيتين"، لا بدَّ للضوء مِنْ أنْ ينتقل في الفراغ بسرعة ثابتة، فالمستحيل بعينه أنْ تزيد هذه السرعة، أو تقل، عن 300 ألف كلم في الثانية الواحدة، فهي تظل 300 ألف كلم في الثانية الواحدة في كل مكان، وفي كل زمان.

والمستحيل بعينه، أيضاً، أنْ يتجاوز أي جسم، وأي جسيم، في سرعته، هذه "السرعة القصوى" في الكون.

ولكن، هل مِنْ معنى "مُطْلَق"، أو "غير نسبي"، لعبارة "سرعة الضوء 300 ألف كلم في الثانية الواحدة"؟ كلا، ليس لها مِنْ معنى "مُطْلق"، فـ "المتر" و"الثانية" ليسا بالشيئين الثابتين المُطْلَقَيْن.

"المتر" في الأرض قد يَعْدل، في موضع كوني غير الأرض، أقلَّ مِنْ متر، أو أكثر. و"الثانية" في الأرض قد تَعْدِل، في موضع كوني غير الأرض، أقلَّ مِنْ ثانية، أو أكثر.

في نسبية المسافة

للجسم ثلاثة أبْعاد مكانية هي "الطول"، و"العرض"، و"الارتفاع (العُمْق، السُمْك)". إذا سار الجسم في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة (240 ألف كلم في الثانية مثلاً) في اتِّجاه "طوله" فلا بدَّ لـ "طوله" مِنْ أنْ ينكمش (يتقلَّص، يُخْتَصَر).

هذا الانمكاش إنَّما يراه "المُراقِب الخارجي"، أي الشخص الذي يراقب هذا الجسم مِنْ خارجه. أمَّا "عرض"، و"ارتفاع"، الجسم فلا يتأثَّران في سرعته، أو في انكماش "طوله"، أي لا ينمكشان. إذا كان طول هذا الجسم، قَبْلَ الحركة، 1000 سم فإنَّه يغدو بَعْدَها 500 سم مثلاً. ومع انكماش "الطول" لا بدَّ لـ "الحجم" مِنْ أنْ ينكمش هو أيضاً.

"طول" الجسم أصبح 500 سم، ولكن بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي" فحسب، فلو كان في داخل هذا الجسم شخص وأراد قياس "طول" الجسم مِنَ الداخل لوَجَدَ أنَّ "طوله" لَمْ ينقص ولَمْ يزْدد، أي ظل 1000 سم.

وسبب ذلك هو أنَّ "أداة القياس" التي يستعملها، كـ "المتر" أو "المسطرة"، قد انكمشت بالنسبة ذاتها، أي بنسبة 50 في المئة. إنَّ "المتر المتحرِّك" أقصر مِنَ "المتر الساكن"، بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي".

وهذا الانكماش في "طول" الجسم المتحرِّك ليس "خادعاً"، أو "وهمياً". إنَّه انكماش "حقيقي واقعي". إنَّ سيَّارة طولها أربعة أمتار يمكن إدخالها في مرآب طوله متران إذا ما سارت بسرعة تكفي لانكماش طولها بنسبة 50 في المئة. ولكن ما أنْ نُدْخلها في يسر وسهولة في هذا المرآب حتى تستعيد طولها الأصلي.

إذا سافرْتُ إلى الشمس بـ "صاروخ كوني" طوله 600 الف كلم ويسير بسرعة قريبة مِنْ سرعة الضوء (التي هي 300 ألف كلم في الثانية) فسوف أصلُ إليها في زمن مقداره 30 ثانية (مثلاً) بحسب "الساعة" في الصاروخ.

"طول" هذا الصاروخ سيتقلَّص، في أثناء الرحلة، بنسبة 50 في المئة (مثلاً) أي سيصبح 300 ألف كلم بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي". أمَّا بالنسبة إليَّ فسوف يظل 600 ألف كلم إذا ما قُمْتُ بقياسه بـ "المتر" الذي لديَّ، والذي تقلَّص طوله هو أيضاً بالنسبة ذاتها.

قَبْلَ أنْ ينطلق "الصاروخ" كان شعاع الضوء (في داخل الصاروخ) يقطع هذه المسافة، أي "طول" الصاروخ" بزمن مقداره ثانيتين اثنتين بحسب "الساعة" في الصاروخ الساكن، وبحسب "الساعة" في الأرض أيضاً.

وفي أثناء الرحلة، يظل شعاع الضوء (في داخل الصاروخ) يقطع هذه المسافة بزمن مقداره ثانيتين اثنتين بحسب "الساعة" في الصاروخ المتحرِّك.

ولو أطْلَقْتُ شعاعاً مِنَ الضوء مِنْ صاروخي إلى الفضاء الخارجي فسوف أراه يسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة بحسب عقرب الثواني في "ساعة" الصاروخ.

قُلْتُ إنَّ رحلتي إلى الشمس ستستغرق زمناً مقداره 30 ثانية بحسب "الساعة" في الصاروخ المتحرِّك. وهذا المقدار الزمني يَعْدِل نحو 500 ثانية بحسب "الساعة" في الأرض. فكم تَبْلُغ المسافة التي قطعها صاروخي إذا كانت سرعته 240 ألف كم في الثانية؟ إنَّها تَبْلُغ 7.2 مليون كلم. وهذه المسافة يقطعها الضوء في زمن مقداره 24 ثانية بحسب "الساعة" في الصاروخ.

"طول" الصاروخ اختُصِر ليس بالنسبة إليَّ وإنَّما بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي (الأرضي)". و"المسافة" مِنْ صاروخي (الذي انطلق الآن) إلى الشمس اخْتُصِرَت ليس بالنسبة إلى سكَّان الأرض، وإنَّما بالنسبة إليَّ، فغدت 7.2 مليون كلم فقط.

"الزمن"، "الوقت"، في مفهومه "النسبي"، يعني أنَّ "قياسه" يختلف باختلاف "موضع"، أو "مكان" إجراء القياس، فـ "الدقيقة الواحدة" في "الموضع A"، الذي قد يكون "جِرْماً"، أو "مَرْكبة فضائية"، تَعْدِل "دقائق (أو ساعات، أو أياماً، أو أشْهُراً، أو سنوات) في "الأرض"، وتَعْدِل "ثانية واحدة، أو أقل" في "الموضع B".

و"مقاييس" الجسم هي أيضاً "نسبية"، فـ "طول" الجسم ليس بالخاصية الثابتة المطلقة التي لا تتغيَّر أبداً.

على أنَّ نسبية "الزمان" و"المكان" لا تَظْهران لنا حيث تسير الأشياء والأجسام بسرعة صغيرة جدَّاً بالمقارَنة مع سرعة الضوء.

دعونا نتصوَّر أنَّ "قطار آينشتاين" يمرُّ بـ "رصيف محطَّة" طوله 2.4 مليون كلم. بالنسبة إلى المسافِر في "قطار آينشتاين"، الذي قَطَع المسافة بين طرفي الرصيف، يقلُّ طول الرصيف عن 2.4 مليون كلم.

بحسب ساعة هذا المسافِر، اجتاز القطار (الذي يسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة) تلك المسافة (الأقل مِنْ 2.4 مليون كلم) في زمن مقداره 6 ثوانٍ فقط. أمَّا بالنسبة إلى "ساعة المحطَّة" فالقطار اجتاز المسافة (2.4 مليون كلم) في زمن مقداره 10 ثوانٍ.

"المسافِر" لديه كل الأسباب التي تحمله على الاعتقاد (وهو اعتقاد صحيح وموضوعي) بأنَّ المسافة التي اجتازها القطار 1.44 مليون كلم، فالقطار (الذي يسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة) اجتاز المسافة في زمن مقداره (بحسب ساعة المسافِر) 6 ثوانٍ.

لقد تباطأ سَيْرُ الزمن في داخل القطار الذي يسير بتلك السرعة الثابتة، فالزمن الذي مقداره 6 ثوانٍ في هذا "الموضع المتحرِّك"، أي القطار، يَعْدِلُ زمناً في "المحطَّة" مقداره 10 ثوانٍ. في هذا القطار، اخْتُصِرَ الزمن بنسبة 40 في المئة. و"المسافة"، أي طول الرصيف، اخْتُصِرَت هي أيضاً بالنسبة إلى "المسافِر". وكان اختصارها هو أيضاً بنسبة 40 في المئة، فـ "الزمان" و"الطول" يُخْتصران بالنسبة ذاتها.

بالنسبة إلى "المسافِر"، لا يُعَدُّ الرصيف "ساكناً". وهذا الرصيف "المتحرِّك" بالنسبة إلى المسافِر لا بدَّ لـ "طوله" مِنْ أنْ ينكمش ويتقلَّص ويُخْتَصَر في الاتِّجاه الذي يتحرَّك فيه (بالنسبة إلى المسافِر). وبالنسبة إلى "المراقِب"، أي الشخص "الواقِف" على الرصيف، يظلُّ طول الرصيف ثابتاً لا يقل عن 2.4 مليون كلم.

وعندما يَخْرُج المسافِر مِنَ القطار (بَعْدَ توقُّفه) يرى أنَّ الرصيف قد ازداد طولاً، أي أنَّه أصبح 2.4 مليون كلم بَعْدَما كان (في أثناء رحلة القطار) 1.44 مليون كلم.

بالنسبة إلى المسافِر (في القطار المتحرِّك) اخْتُصِرَ الرصيف. أمَّا بالنسبة إلى "المراقِب الساكن (بالنسبة إلى الرصيف)" فقطار آينشتاين هو الذي اختُصِرَ، وبالنسبة ذاتها، أي بنسبة 40 في المئة.

"طول" القطار، بالنسبة إلى المسافِر، لَمْ يتغيَّر، مع أنَّه تغيَّر (نَقَصَ) بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي". ولو كان في القطار أداة لقياس المسافة كـ "المتر" لاخْتُصِرَ طولها هي أيضاً (بالنسبة ذاتها) بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي". المسافِر سيقيس "طول" قطاره (الذي تقلَّص بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي") بـ "متر"، تقلَّص هو أيضاً وبالنسبة ذاتها (بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي"). وسيتأكَّد لديه، بَعْد القياس، أنَّ "طول" قطاره لَمْ يتغيَّر.

إذا كنتَ تسير في الفضاء، وفي أي ناحية مِنْ نواحيه، فاعْلَم أنَّكَ، في الثانية الواحدة، بحسب "ساعتكَ"، لن تتمكَّن أبداً مِنْ قَطْع مسافة تزيد عن 300 ألف كلم. بحسب سرعتكَ، يتباطأ الزمان (أو يتسارع) وتَقْصُرُ المسافة (أو تطول). وكل تباطؤ في "الزمن" يجب أنْ يقترن باختصار (مساوٍ) في "المسافة"، أو "الطول".

إنَّ الشمس تَبْعُد عن الأرض 150 مليون كلم. ولو دارت مركبة فضائية حَوْلَ الأرض بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة لأصبح بُعْد الشمس عن الأرض (بالنسبة إلى المسافِر في هذا المركبة) 90 مليون كلم.

نقول إنَّ الشمس تَبْعُد عن الأرض "بالنسبة إلى" سكَّان الأرض 150 مليون كلم، وإنَّها تَبْعُد عن الأرض "بالنسبة إلى" المسافِر في تلك المَرْكبة الفضائية المدارية 90 مليون كلم، فأيُّ "البُعْدين" هو "الحقيقي"؟ وإذا كان كلاهما "غير حقيقي" فما هو "البُعْد الحقيقي" للشمس عن الأرض؟ كلا "البُعْدين" حقيقي وموضوعي، وليس مِنْ مسافة بين الشمس والأرض يمكن قياسها قياساً مطلقاً، أي مِنْ غير تضمين قولنا عبارة "بالنسبة إلى..".

"المُطْلَق" هنا هو أنَّ ثمَّة مسافة بين الشمس والأرض، أي أنَّ ثمَّة فضاء، أو فراغ، بينهما. أمَّا "النسبي" فهو "مقدار هذه المسافة"، فمقدارها يختلف باختلاف سرعة الجسم الذي فيه نقوم بحساب المسافة.

وكلَّما أسرع هذا الجسم اخْتُصِرَت وتقلَّصت تلك المسافة. و"المسافة بين الشمس والأرض" تشبه "طول رصيف المحطَّة". طول هذا الرصيف سيتقلَّص في اتِّجاه حركته. ولكن، هل يتحرَّك الرصيف حتى نقول بأنَّ طوله يتقلَّص في اتِّجاه حركته؟ الشخص الواقف على الرصيف سيقول (ولديه كل الحق في أنْ يقول) إنَّ الرصيف ساكن لا يتحرَّك.

إنَّ لـ "الحركة" معناها "النسبي". وبحسب هذا المعنى، يمكن القول بأنَّ الرصيف يتحرَّك، فهو يتحرَّك "بالنسبة إلى" المسافِر في قطار آينشتاين.

ولا بدَّ لـ "طول" الرصيف مِنْ أنْ يُخْتَصَر في اتِّجاه حركته "بالنسبة إلى هذا المسافِر". ودليله على أنَّ "طول" الرصيف قد تقلَّص هو أنَّ القطار (الذي يسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة) استطاع في 6 ثوانٍ (بحسب ساعته) أنْ يجتاز المسافة بين طرفي الرصيف.

"طول" الجسم (الأبعاد، المسافات، المقاييس) ليس مطلقاً. إنَّه نسبي، فبالنسبة إلى هذا المراقِب يبلغ طول هذا الجسم خمسة أمتار، ولكنَّ الجسم نفسه يبلغ طوله، بالنسبة إلى مراقب آخر، ثلاثة أمتار. إنَّ المسافة بين نقطتين اثنتين لا يظل مقدارها ثابتاً، فهذا المقدار عُرضة للزيادة والنقصان.

و"التقلُّص" في طول الجسم، والناجم عن "سرعته"، لا يلاحظه إلا مراقِب خارجي، أي شخص غير متأثِّر بحركة هذا الجسم.

ليس مِنْ زمان "مطلق"، فكل الأزمنة محليَّة، أي أنَّ لكل "موضع كوني" زمانه الخاص به. وكلَّما اختلفت "الأزمنة المحليَّة" اختلف تقدير (حساب) الأطوال، فهذه النقطة تَبْعُد عنيِّ 100 مليون كلم، ولسوف أراها تَبْعُد عنى 50 مليون كلم إذا ما تباطأ الزمن الخاص بي، أي إذا ما تسارع كثيراً الموضع الكوني الذي أنتمي إليه.

في الجسم "المتسارِع" لا تظل المسافة بين نقطتين ثابتة المقدار، فكلَّما زادت سرعته قلَّ مقدار تلك المسافة. ولكن ما معنى ذلك؟ ما معنى أنْ يؤدِّي "التسارُع" إلى تغيير مقدار المسافة بين نقطتين؟ إذا تسارَعت المَرْكبة الفضائية، وإذا كان طولها قَبْلَ انطلاقها مِنَ الأرض (نحو الشمس مثلاً) 1000 متر، فإنَّ طولها، عندما تنطلق وتتسارَع، يظل 1000 متر بالنسبة إلى المسافرين على متنها، ولكنَّه يصبح 500 متر (مثلاً) بالنسبة إلى "المراقِب الأرضي".

ما يتغيَّر، بالنسبة إلى المسافرين، إنَّما هو "الأطوال"، و"المسافات"، في الخارج، أي في خارج مَرْكبتهم، فالمسافة بين الشمس والأرض تُصبح، بالنسبة إليهم، 75 مليون كلم (مثلاً). أمَّا بالنسبة إلى "المراقب الأرضي" فإنَّ هذه المسافة لا تتغيَّر، فَوِفْقَ حساباته قَطَعت المَرْكبة مسافة 150 مليون كلم قَبْلَ وصولها إلى الشمس.

بحسب سرعة الجسم، يختلف حساب، أو تقدير، "المسافة" بينه وبين غيره مِنَ الأجسام. إنَّ حساب، أو تقدير، "المسافة" بين الأرض والشمس يختلف باختلاف "سرعة" الجسم، الذي منه يُنْظَر إلى تلك المسافة.

وفي مزيدٍ مِنَ التفصيل، يمكن القول إنَّ "تسارُع" الجسم يؤدِّي إلى الآتي: "بطء زمانه"، "تقلُّص طوله في اتِّجاه حركته"، "تزايد كتلته" أو "تزايد طاقته"، "تقلُّص حجمه"، "تزايد كثافته"، "تزايد قصوره الذاتي"، "تزايد جاذبيته".

"النسبية الخاصة" هي النظرية التي تشرح وتبيِّن أوجه التغيير الفيزيائي الذي يطرأ على جسم يسير (في الفضاء) بسرعة "شبه ضوئية". إذا كان هذا الجسم مَرْكبة فضائية، وإذا كنتَ على متن هذه المَرْكبة، فإنَّكَ في الثانية الواحدة، بحسب أداة قياس الزمن لديكَ، أي بحسب ساعتكَ، لن تتمكَّن أبداً مِنْ جَعْل مَرْكبتكَ تقطع مسافة فضائية تزيد عن 300 ألف كلم. ومهما كانت المسافة الفضائية التي قطعتها مَرْكبتكَ فإنَّ سرعتها لن تزيد أبداً عن 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

إذا سارت مَرْكبتكَ بسرعة "شبه ضوئية"، أي بسرعة أقل قليلاً مِنْ سرعة الضوء، وإذا ما استغرقت رحلتكَ ثانية واحدة بحسب ساعتكَ، فهذا معناه أنَّكَ قد قطعتَ مسافة فضائية تقل (ولا تزيد أبداً) عن 300 ألف كلم. وإذا استغرقت ثانيتان، فهذا معناه أنَّكَ قطعت مسافة فضائية تقل عن 600 ألف كلم. وإذا استغرقت 3 ثوانٍ، فهذا معناه أنَّكَ قطعت مسافة فضائية تقل عن 900 ألف كلم. وعلى هذا المنوال ينبغي لكَ أنْ تحسب وتقدِّر كل مسافة فضائية تجتاز.

في مِرْكبتكَ تلك، يُخْتَصَرُ الزمن الذي تستغرقه الرحلة. وكلَّما سارت مَرْكبتكَ بسرعة أكبر (لكنَّها دائماً أقل مِنْ سرعة الضوء) اخْتُصِرَ أكثر الزمن الذي تستغرقه الرحلة ذاتها، فإذا استغرقت رحلتكَ (ذهاباً فقط) إلى الشمس مثلاً 3 ثوانٍ (بحسب ساعتكَ) عندما كانت مَرْكبتكَ تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية، فإنَّها ستستغرق ثانيتان فقط إذا ما سارت مِرْكبتكَ بسرعة 280 ألف كلم في الثانية.

وبناءً على أنْ لا سرعة تفوق سرعة الضوء، لا بدَّ لكَ، مِنْ أجل أنْ تصل إلى الشمس، مِنْ أنْ تجتاز مسافة فضائية مقدارها 720 الف كلم عندما تسير مَرْكبتكَ بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة. ولا بدَّ لكَ، مِنْ أجل أنْ تصل إلى الشمس، مِنْ أنْ تجتاز مسافة فضائية مقدارها 560 الف كلم عندما تسير مَرْكبتكَ بسرعة 280 الف كلم في الثانية الواحدة.

الشمس تَبْعُد عن الأرض 150 مليون كلم. على أنَّ هذا البُعْد يجب أنْ يُفْهَم فَهْماً "نسبياً"، فلو أنَّ الأرض دارت حَوْلَ محورها، أو حَوْلَ الشمس، بسرعة "شبه ضوئية" لأصبحت الشمس أقرب إلى الأرض، زمناً ومسافةً. في هذه الحال، قد تَبْعُد عن الأرض 3 ثوانٍ ضوئية، أي 900 ألف كلم!

هذا المقدار الجديد مِنَ "البُعْد في الزمان (3 ثوانٍ)" يَعْدل المقدار القديم (510 ثانية). وهذا المقدار الجديد مِنَ "البُعْد في المكان (900 ألف كلم)" يَعْدِل المقدار القديم (150 مليون كلم).

الساعة "المتحرِّكة" تُسجِّل، أو تُشير إلى، "وقتها الحقيقي (أو الصحيح)". وكلَّما تحركت بسرعة أكبر بطؤ جريان الزمن فيها.

الـ "ميون" Muon جسيم أوَّلي يُنْتَج عندما تَرْتطم "أشعَّة كونية" بـ "جوِّ الأرض". إنَّه يُنْتَج على ارتفاع 15 كلم. وإذا ما قيست حياة هذا الجسيم بـ "الزمن الخاص به" فإنَّه لا يبقى على قَيْد الحياة سوى زمناً في منتهى الضآلة. وهذا الزمن الضئيل جدَّاً لا يسمح له إلا بقطع مسافة ضئيلة (أقل بكثير مِنْ 15 كلم) في اتِّجاه سطح الأرض.

وبحسب "الميكانيك الكلاسيكي" لنيوتن، لن يتمكَّن هذه الجسيم أبداً مِنَ الوصول إلى سطح الأرض قَبْلَ أنْ ينحلَّ ويتفكَّك، ولكنَّه يصل مِنْ غير أنْ ينحلَّ ويتفكَّك، فكيف يتمكَّن مِنْ ذلك؟ الجواب يأتي، فحسب، مِنْ "نسبية" آينشتاين. تعليل وصوله إنَّما يكمن في "انكماش الطول (أو المسافة)"، أو في "تباطؤ الزمن". الـ "ميون"، وبسبب أنَّه يسير بسرعة قريبة مِنْ سرعة الضوء، يبدو "طويل العُمْر" بالنسبة إلى "ساعتنا الأرضية".

لنفتَرِض أنَّ الـ "ميون" يسير بسرعة قريبة مِنْ سرعة الضوء. بسبب ذلك يبطؤ سَيْر الزمن في هذا الجسيم الأوَّلي. وهذا "البطء" في زمانه إنَّما يعني أنَّ جزءاً مِنَ الثانية الواحدة في "ساعة" هذا الجسيم يَعْدِل ثوانٍ، أو دقائق، بالنسبة إلى "الساعة" في الأرض.

بحسب "ميكانيك نيوتن"، لن يتمكَّن الـ "ميون"، الذي يسير بسرعة قريبة مِنْ سرعة الضوء، مِنَ الوصول سالماً إلى سطح الأرض، فقِصَرُ عُمْرِه (بحسب الزمن الخاص به) يسمح له فحسب باجتياز مسافة (في اتِّجاه سطح الأرض) أقل بكثير مِنْ 15 كلم. ولا بدَّ له، بحسب "ميكانيك نيوتن" مِنْ أنْ ينحلَّ ويتفكَّك ما أنْ يجتاز هذه المسافة.

ولكنَّ الـ "ميون" يُخالِف هذا "التوقُّع"، فهو، وقَبْلَ أنْ ينحلَّ ويتفكَّك، يجتاز مسافة 15 كلم، أي يصل إلى سطح الأرض. هذا يعني أنَّه، وبحسب "ساعة" الأرض، يبقى على قَيْد الحياة زمناً أطول مِنَ الزمن الذي تُسجِّله "الساعة" الخاصَّة به. بالنسبة إلى سكَّان الأرض، يَبْلُغ سُمْك الغلاف الجوي 15 كلم. أمَّا بالنسبة إلى الـ "ميون" فيَبْلُغ 10 كلم.

عندما تسير مَرْكبة فضائية بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة، لا بدَّ لـ "طولها" مِنْ أنْ ينكمش، أو يُخْتَصر، في اتِّجاه حركتها، فإذا كان طولها (قَبْل الانطلاق مِنَ الأرض) 100 متر فقد يصبح (بَعْدَ الانطلاق والسير بتلك السرعة) 50 متراً (بحسب "المتر الأرضي").

ولكنَّ طولها، بالنسبة إلى المسافِرين على متنها، يظل 100 متر؛ ذلكَ لأنَّ كل شيء، وكل جسم، في المركبة ينكمش طوله ويُخْتَصر في اتِّجاه حركة المَرْكبة. وتتساوى المَرْكبة مع كل ما في داخلها مِنْ أشياء وأجسام في "نسبة" انكماش واختصار "الطول". وهذا يعني أنَّ "المتر"، أو "القضيب الذي طوله 100 سم"، الذي أخَذَهُ المسافرون معهم قد انكمش هو أيضاً واخْتُصِر بالنسبة ذاتها. وعليه، لن يرى المسافِر أبداً أنَّ مَرْكبته قد تقلَّص طولها.

ولو تَخَيَّلْنا أنَّ كوكب الأرض قد انطلق في الفضاء بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة لأصبح حجمه مساوياً (مثلاً) لحجم بطيخة. ولكنَّ حجمه سيظلُّ هو ذاته بالنسبة إلى سكَّانه؛ لأنَّ كل شيء في كوكب الأرض قد تقلَّص بالنسبة ذاتها.

دعونا نفترِض أنَّ طول تلك المَرْكبة كان قَبْلَ انطلاقها 600 ألف كلم، وأنَّه أصبح بَعْدَ انطلاقها وسيرها بسرعة 240 ألف كلم في الثانية 300 ألف كلم (بالنسبة إلى "المراقِب الخارجي الأرضي"). إذا أضأنا مصباحاً في إحدى نهايتي المَرْكبة (قَبْلَ الانطلاق) فإنَّ ضوءه (الذي يسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة) سيصل إلى "النهاية الأُخرى" بَعْدَ ثانيتين اثنتين.

وإذا أضأناه بَعْدَ الانطلاق والسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية فإنَّ ضوءه (الذي بالنسبة إلى المسافرين يظل يسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية) سيصل إلى "النهاية الأُخرى" بَعْدَ ثانيتين اثنتين بحسب ساعة المسافرين.

على أنَّ ضوءه (الذي بالنسبة إلى المراقِب الأرضي يظل يسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية أيضاً) سيصل إلى "النهاية الأُخرى" بَعْدَ ثانية واحدة بحسب ساعة هذا المراقِب.

ولو كانت تلك المَرْكبة قد انطلقت نحو نجم يَبْعُد عن الأرض 3 ملايين كلم، أي 10 ثوانٍ ضوئية، لوَصَلَتْهُ (مثلاً) في زمن مقداره (بالنسبة إلى ساعة المسافرين) 4 ثوانٍ، فهذا النجم (بالنسبة إلى المسافرين) يَبْعُد عن المَرْكبة (عند انطلاقها وسيرها بسرعة 240 ألف كلم في الثانية) 960 ألف كلم فقط. والضوء، بالنسبة إليهم، سيقطع هذه المسافة في زمن مقداره 3.2 ثانية، فسرعته، بالنسبة إليهم أيضاً، تظل 300 ألف كلم في الثانية. أمَّا بالنسبة إلى "المراقِب الأرضي" فالمَرْكبة وصلت إلى النجم (الذي بالنسبة إليه يَبْعُد 3 ملايين كلم) بَعْدَ 12.5 ثانية.

هذا يعني أنَّ الثانية الواحدة في تلك المَرْكبة تَعْدِل 3.125 ثانية في الأرض، وأنَّ المتر الواحد في المسافة الفضائية (بحسب قياس المسافرين) بين النجم وتلك المَرْكبة عند انطلاقها وسيرها بسرعة 240 ألف كلم في الثانية يَعْدِل 3125 متراً مِنَ المسافة الفضائية (بحسب قياس "المراقِب الأرضي") بين النجم والأرض.

بالنسبة إلى المسافرين، لَمُ يتقلَّص طول المَرْكبة، وإنَّما المسافة الفضائية. وبالنسبة إلى "المراقِب الأرضي"، لَمْ تتقلَّص المسافة الفضائية، وإنَّما طول المَرْكبة.

"المُطْلَق" في أمْر تلك المسافة الفضائية هو أنَّ ثمَّة فضاء (أو مسافة فضائية) بين النجم والأرض (أو المَرْكَبة عند انطلاقها). أمَّا "النسبي" في أمْرِها فهو "حسابها وتقديرها"، فهي 3 ملايين كلم في الحساب أو التقدير الأرضي، و960 ألف كلم في حساب أو تقدير المسافِرين في تلك المَرْكبة.

وما كان لهذا التباين في حساب وتقدير المسافة أنْ ينشأ لو لَمْ تَقُلْ نظرية "النسبية" بأمرين: "تباطؤ الزمن" الناشىء عن التسارُع، و"السرعة المُطْلَقة (والقصوى) للضوء". "التسارُع" يُرَكِّز (ويُكَثِّف) الزمن، فالثانية الواحدة في تلك المَرْكبة تَعْدِل 3.125 ثانية في الأرض. وتركيز الزمن (في هذا المعنى للتركيز) لا بدَّ مِنْ أنْ يَقْتَرِن بتركيز للمسافة، فالمتر الواحد يَعْدِل 3125 متراً.

افْتَرَضْنا أنَّ النجم يَبْعُد عن الأرض 3 ملايين كلم، وأنَّ المَرْكبة التي تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة قد وصلت إليه في زمن مقداره 4 ثوانٍ بالنسبة إلى ساعة المسافرين، الذين بالنسبة إليهم، أيضاً، قد اخْتُصِرت المسافة (كانت 3 ملايين كلم فأصبحت 960 ألف كلم فقط). فلْنَفْتَرِض أنَّ "المسافة" لَمْ تتغيَّر، أي أنَّها قد ظلَّت، بالنسبة إليهم، 3 ملايين كلم. في هذه الحال، لن تصل المَرْكبة إلى النجم في زمن مقداره 4 ثوانٍ (بالنسبة إلى ساعة المسافرين) إلا إذا سارت بسرعة 750 ألف كلم في الثانية الواحدة.

بَيْدَ أنَّ هذه السرعة لا تُقرُّها نظرية "النسبية"؛ لأنَّها أعظم كثيراً مِنْ سرعة الضوء (300 ألف كلم في الثانية) وليس مِنْ جسم أو جسيم في مقدوره السير بسرعة أعظم مِنْ سرعة الضوء، التي هي، أيضاً، سرعة مُطْلَقة ثابتة لا تتغيَّر، زيادة أو نقصاناً، مهما كان الموضع الكوني الذي فيه، أو منه، تُقاس سرعة الضوء.

لو كان ممكناً أنْ تسير المَرْكبة بسرعة أعظم مِنْ سرعة الضوء لانْتَفَت الحاجة النظرية ـ الفيزيائية إلى القول بـ "نسبية المسافة"، وباختصارها وتقلُّصها في هذا المثال.

إنَّ المَرْكبة لا يمكنها، بالتالي، أنْ تصل إلى هذا النجم في زمن مقداره 4 ثوانٍ (بالنسبة إلى ساعة المسافرين) ومِنْ غير أنْ تَخْرِق قانون "السرعة القصوى والمُطْلقة للضوء" إلا إذا اخْتُصِرت وتقلَّصت "المسافة" بالنسبة إلى المسافرين على متنها.

بالنسبة إلى هؤلاء المسافرين، ظلَّت المَرْكبة تسير بسرعة دون السرعة الضوئية، أي ظلَّت تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة. وهذه "الثانية الواحدة" إنَّما تَعْدِل 3.125 ثانية في الأرض. وبالنسبة إلى سكَّان الأرض، ظلَّت المَرْكبة تسير بسرعة 240 ألف كلم في الثانية الواحدة. وهذه "الثانية الواحدة" إنَّما تَعْدِل 0.32 ثانية في المَرْكبة.

مِنْ كل ذلك نَسْتَنْتِج أنَّ "المُطْلَق" في "قانون السرعة الضوئية" يَفْقِد معناه إذا لَمْ نَقِفَ على "النسبي" فيه، ففي عبارة "الضوء يسير (في الفراغ) بسرعة 300 ألف كلم في الثانية الواحدة مهما كان الموضع الكوني الذي فيه أو منه نقيس هذه السرعة" لا بدَّ لنا مِنْ أنْ نَفْهَم "المتر" و"الثانية" على أنَّهما شيئان نسبيان متغيِّران، فـ "المتر" في هذا الموضع الكوني أو ذاك قد يكون أقل، أو أكثر، مِنْ 100 سم أرضي، و"الثانية" في هذا الموضع الكوني أو ذاك قد تكون أقل، أو أكثر، مِنْ ثانية أرضية. "المتر" و"الثانية" هما "المتغيِّر" و"النسبي" ضِمْن ذلك "الثابت" و"المُطْلَق" في "قانون السرعة الضوئية".

ما معنى أنْ نقول، نحن سكَّان الأرض، إنَّ سرعة الضوء 300 ألف كلم في الثانية الواحدة؟ معناه أنَّنا توصَّلْنا إلى هذه التحديد، أو التقدير، لسرعة الضوء مِنْ خلال شيئين هما "المتر"، وهو قضيب نقيس به المسافة، و"الساعة".

ولكنَّ "قضيب المتر" ليس واحداً في كل مكان مِنَ الكون، فطول "قضيب المتر" في مكان (أو جسم) ما مِنَ الكون قد يَعْدِلَ نصف طوله في الأرض. و"الثانية الواحدة" هناك قد تَعْدِل دقائق في الأرض.

إنَّنا بحسب "مِتْرنا الأرضي" و"ساعتنا الأرضية" نقيس ونحدِّد سرعة الضوء، التي، مع ذلك، تظل 300 ألف كلم في الثانية الواحدة في أي مكان أو جسم في الكون.

في الجسم، الذي يسير في سرعة "شبه ضوئية" لا بدَّ لـ "الكمِّيَّات" أو "المقادير" Quantities كـ "الطول (المسافة)" و"الوقت" مِنْ أنْ تتغيَّر. سرعة الضوء هي القصوى في الطبيعة. وإذا كان السفر إلى "المستقبل" يقتضي السير في سرعة "شبه ضوئية" فإنَّ السفر إلى "الماضي" يقتضي، بحسب تَصوِّرٍ ما زال افتراضياً حتى الآن، السير في سرعة "فوق ضوئية".

إنَّكَ لن تستطيع أبداً أنْ تسافر في مركبة فضائية تسير بسرعة 300 ألف كلم في الثانية، أي بسرعة الضوء. فلنفترض أنَّكَ سافرت في مركبة فضائية بسرعة "شبه ضوئية". ولنفترض أنَّ كوكباً يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية هو وجهة رحلتك.

إنَّكَ في هذه الحال ستُسافِر وستعود في أقل مِنْ دقيقة واحدة بحسب ساعتكَ. أمَّا بالنسبة إلى سكَّان الأرض فإنَّ رحلتك، ذهاباً وإياباً، استغرقت نحو 220 مليون سنة مثلاً.

إنَّ الدقيقة الواحدة عندك تَعْدِل 220 مليون سنة عندنا (في الأرض). لقد "تركَّزَ"، و"تكثَّفَ"، لديكَ الزمن، أي "تقوَّس"، و"انحنى". تباطؤ الزمن في ساعتكَ ليس مِنْ قبيل الوهم أو الخداع. إنَّه "حقيقة موضوعية"، فـ "الساعة"، أكانت "ميكانيكية (أصطناعية)" أم "طبيعية"، تتأثَّر بـ "تسارُع" الجسم، أي بزيادة سرعته.

عقربا الساعة (الميكانيكية أو الاصطناعية) يتحرَّكان في بطء (بالنسبة إلى المراقِب الخارجي الأرضي) يزداد مع ازدياد تسارع المَرْكبة الفضائية. وهذا "التباطؤ الزمني" يراهُ "المراقِب الأرضي"، أيضاً، في كل ما يمكن النظر إليه على أنَّه "ساعة طبيعية"، كـ "نبض قلبكَ".

على أنَّ هذا "التباطؤ الزمني" لا تراهُ أو تَشْعُرَ به أنتَ، فبالنسبة إليكَ، كل "الساعات" تُريكَ الزمن يجري جرياناً عاديَّاً وطبيعياً. وحده الذي يراقب ساعتكَ مِنْ على سطح الأرض، ويُقارِن حركة عقربيها بحركة عقربي ساعته، هو الذي يرى "التباطؤ الزمني" عندكَ.

إنَّكَ في أقل مِنْ دقيقة واحدة، بحسب ساعتكَ، أي في أقل مِنْ سبعين دقَّة مِنْ دقَّات قلبكَ، قَطَعْتَ مسافة فضائية، يقطعها الضوء في مليوني سنة أرضية، أي في مليوني سنة بحسب قياس الزمن في كوكب الأرض. عُمْرُكَ لَمْ يزِدْ، في هذه الرحلة الفضائية، إلا خمسون ثانية مثلاً.

الشمس تَبْعُد عن الأرض 150 مليون كلم، أي 510 ثوانٍ ضوئية. في مَرْكَبَتِكَ الفضائية تلك، أي التي تسير في سرعة "شبه ضوئية (200 ألف كلم في الثانية مثلاً)"، تستطيع أنْ تسافِر إلى الشمس، وأنْ تعود منها إلى الأرض، في زمن يَعْدِلُ، بالنسبة إلى ساعتِكَ 60 ثانية مثلاً، ولكنَّه يَعْدِلُ بالنسبة إلى سكَّان الأرض نحو 18 دقيقة مثلاً.

ما معنى هذا؟ معناه أنَّ "المراقِب الأرضي"، أي الشخص الذي يراقِب مَرْكبتكَ مِنْ على سطح الأرض، سيرى الآتي: أنَّ مَرْكبتكَ تسير في سرعة 200 ألف كلم في الثانية الواحدة، بحسب ساعته، وأنَّها لا تستطيع أبداً أنْ تسير في سرعة الضوء، وهي 300 ألف كلم في الثانية الواحدة. وأنَّ مَرْكبتكَ قد وصلت إلى الشمس بَعْدَ 9 دقائق مِنْ انطلاقها مِنْ على سطح الأرض. وأنَّها قد عادت إلى الأرض بَعْدَ 9 دقائق مِنْ مغادرتها الشمس، وأنَّ رحلتها، ذهاباً وإياباً، قد استغرقت، بالتالي، 18 دقيقة، بحسب ساعته.

ولو استطاع أنْ يراقِبَ ساعتك، في أثناء الرحلة، لرأى أنَّ رحلتكَ، ذهاباً وإياباً، لَمْ تستغرق سوى 60 ثانية، بحسب ساعتكَ، فالوقت عندكَ يمضي بطيئاً مقارنةً بالوقت عنده.

ومعناه أيضاً أنَّكَ في رحلتكَ إلى الشمس، ذهاباً وإياباً، قد قَطَعْتَ مسافة فضائية، في خلال 60 ثانية بحسب ساعتكَ، يقطعها الضوء في 17 دقيقة (أو 1020 ثانية) بالنسبة إلى ساعة "المراقِب الأرضي"، وكأنَّ مَرْكبتكَ كانت تسير في سرعة 5 ملايين كلم في الثانية الواحدة، بحسب ساعتكَ.

لِنَفْتَرِض أنَّ هذا "المراقِب" لَمْ يكن يراقِب مَرْكبتكَ مِنْ على سطح الأرض وإنَّما مِنْ مَرْكبة كانت تدور حَوْلَ الأرض (وعلى مقربة مِنْ سطحها) في سرعة 200 ألف كم في الثانية. في هذه الحال، سيرى أنَّ رحلتكَ، ذهاباً وإياباً، قد استغرقت 60 ثانية، بحسب ساعته، فالوقت عندكَ وعنده يمضيان في السرعة ذاتها.

وسيرى أنَّ الضوء المنبعث مِنَ الشمس يصل إلى الأرض في زمن يقل كثيراً عن ثماني دقائق ونصف الدقيقة، بحسب ساعته. ولْنَقُلْ أنَّ هذا الضوء يصل إلى الأرض في 20 ثانية، بحسب ساعته، وكأنَّ سرعة الضوء عنده 7.5 مليون كلم في الثانية الواحدة.

في نسبية "الأطوال" نرى أنَّه كلَّما زادت سرعة الجسم (مركبة فضائية مثلاً) انكمش طوله وتقلَّص في اتِّجاه حركته. لو كان في داخل هذا الجسم (الذي هو مِرْكبة فضائية مثلاًُ) مِتْر، وقضيب معدني طوله مِتْر واحد، لانكمش المِتْر والقضيب المعدني (في اتِّجاه حركة الجسم) في القدر ذاته.

نحن نقيس المسافة بين الأرض والشمس بـ "المِتْر (أو الكيلومتر)". في كوكب الأرض، نرى أنَّ الضوء يَقْطَع في الثانية الواحدة (بحسب آلة قياس الزمن عندنا) 300 ألف كلم (بحسب أداة قياس المسافة عندنا وهي المتر) أي نحو 300 مليون متر.

ولو نَقَلْنا هذه "الأداة"، أي "المتر"، إلى كوكب آخر سرعته تفوق كثيراً سرعة كوكبنا لانكمش طولها، ولأصبح يَعْدِل، على سبيل المثال، نصف طولها الأرضي.

ولو نَقَلْنا "حَبْلاً"، طوله 300 ألف كلم، مِنَ الأرض إلى هذا الكوكب لأصبح طوله يَعْدِل، هنا، وعلى سبيل المثال، نصف طوله الأرضي. ولكن لو قِسْنا طول هذا "الحَبْل" هنا، وبهذا "المتر" الذي هنا، لكان طوله 300 ألف كلم.

هنا يتركَّز "الزمن"، فالثانية الواحدة تَعْدِل ثوانٍ، أو دقائق، أو ساعات، أو سنوات، في الأرض. وهنا يتركَّز "الطول"، فالمتر يَعْدِل متران، أو أكثر، في الأرض.

ولو جئنا بهذا الكوكب الأسرع كثيراً مِنَ الأرض، وجَعَلْناهُ يدور حَوْلَ الشمس في مدار الأرض ذاته، لغدا طول المسافة بينه وبين الشمس يَعْدِل نصف طولها بين الأرض والشمس، أي نحو 75 مليون كلم.

وإذا كان ضوء الشمس يصل إلى الأرض في ثماني دقائق ونصف الدقيقة، بحسب آلة قياس الزمن الأرضية، فإنَّه يصل إلى هذا الكوكب الأسرع كثيراً مِنَ الأرض في عشرين ثانية، بحسب آلة قياس الزمن فيه. على أنْ سرعة الضوء، بحسب قياسها في هذا الكوكب، تظل 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

لِنَفْتَرِض أنَّ لشعاع الضوء ساعته، وأنَّه يَقْطَع المسافة مِنَ الشمس إلى الأرض في ثانية واحدة، بحسب ساعته. هذه الثانية تَعْدِل 510 ثوانٍ، بحسب آلة قياس الزمن الأرضية، وتَعْدِل 20 ثانية، بحسب آلة قياس الزمن في ذلك الكوكب الأسرع كثيراً مِنَ الأرض، والذي يدور حَوْلَ الشمس في المدار الأرضي ذاته.

سرعة الضوء (في الفراغ) هي 300 ألف كلم في الثانية، أي 186 ألف ميل في الثانية. وهذه السرعة ثابتة لا تتغيَّر مهما كانت سرعة "الموضع"، أو "الجسم"، الذي منه تُقاس، فإذا أنت قِسْتَ سرعة الضوء، الذي تُرْسِل أو تَسْتَقْبِل، مِنْ مكانكَ على سطح الأرض، فسوف تَجْدها 300 ألف كلم في الثانية. وإذا أنت قِسْتَها مِنْ مكانكَ (مِنْ مركبة فضائية مثلاً) الذي ينتقل في الفضاء بسرعة 200 ألف كلم في الثانية، مثلاً، فسوف تَجِدْها 300 ألف كلم في الثانية.

سرعة الضوء (في الفضاء أو الفراغ) هي دائماً ذاتها بصرف النظر عن "الإطار المرجعي" Reference Frame.

تخيَّل أنَّكَ في مركبة تدور حَوْلَ الأرض بسرعة 200 ألف كلم في الثانية، وأنَّكَ أطْلَقْتَ شعاعاً مِنَ الضوء نحو الشمس، وأنَّكَ قد رأيْتَ هذا الشعاع لدى وصوله إلى الشمس. ستَجِد أنَّ رحلة هذا الشعاع إلى الشمس قد استغرقت، بحسب ساعتكَ، 20 ثانية، تَعْدِلَ 510 ثوانٍ أرضية، فالشمس تَبْعُد عن مَرْكبتكَ 6 ملايين كلم، بحسب آلة قياس المسافة عندكَ. وهذا البُعْد (6 ملايين كلم) يَعْدِل بُعْد الشمس عن الأرض (150 مليون كلم) بحسب آلة قياس المسافة الأرضية. إنَّ الثانية عندكَ، أي في مركبتكَ تَعْدِل ثوانٍ (أو دقائق) في الأرض، وإنَّ المتر عندكَ يَعْدِل أمتار في الأرض.

سرعة الضوء (في الفراغ) ثابتة لا تتغيَّر، أي لا تزيد ولا تنقص، وهي 300 ألف كلم في الثانية. إذا أنتَ أطْلَقْتَ شعاعاً مِنَ الضوء مِنْ مَرْكبتكَ نحو كوكب بعيد فإنَّ سرعة هذا الضوء (عندما تقيسها) لن تزيد، ولن تنقص، عن 300 ألف كلم في الثانية، بحسب "المتر" الذي لديكَ، و"الساعة" التي لديكَ. وإذا أنتَ زِدتَّ كثيراً سرعة مَرْكبتكَ فإنَّ سرعة هذا الضوء تظل 300 ألف كلم في الثانية، بحسب "المتر" الذي لديكَ والذي انكمش طوله في اتِّجاه حركة مَرْكبتكَ، و"الساعة" التي لديكَ والتي تباطأت حركة عقاربها.

وإذا أنتَ قَلَّلْتَ كثيراً سرعة مَرْكبتكَ فإنَّ سرعة هذا الضوء تظل 300 ألف كلم في الثانية، بحسب "المتر" الذي لديكَ والذي استطال، و"الساعة" التي لديكَ والتي تسارعت حركة عقاربها.

في الحالة الأولى، أي حالة تسارُع المَرْكبة، ينبغي لنا أنْ نفهم "الثانية الواحدة" على أنَّها زمن يَعْدِل ثوانٍ، أو دقائق، أو ساعات، أو سنوات، أرضية. وأنْ نفهم "المتر"، في جملة "300 ألف كلم متر"، على أنَّه مسافة تَعْدِل عشرات، أو مئات، أو آلاف، أو ملايين، الأمتار الأرضية.

وفي الحالة الثانية، أي حالة تباطؤ المَرْكبة، ينبغي لنا أنْ نفهم "الثانية الواحدة" على أنَّها زمن يَعْدِل جزءاً مِنَ الثانية الأرضية (على افتراض أنَّ سرعة المَرْكبة أقل مِنْ سرعة الأرض). وأنْ نفهم "المتر"، في الجملة ذاتها، على أنَّه مسافة تَعْدِل جزءاً مِنَ المتر الأرضي.

في الكتلة ـ الطاقة

"كتلة" الجسم ليست بـ "المقدار الثابت". إنَّها "مقدار متغيِّر". و"مقدار الكتلة" مِنْ "مقدار السرعة"، فكلَّما زادت سرعة الجسم زادت كتلته. إنَّ مقدار الكتلة في الجسم المتحرِّك لا بدَّ له مِنْ أنْ يزيد عن مقدارها في الجسم الساكن، الذي تسمَّى كتلته "كتلة السكون".

"الكتلة"، أو ما يسمَّى "كتلة السكون" Rest Mass، هي ما يمنع "الجسم"، أو "الجسيم"، مِنْ أنْ يبلغ سرعة الضوء مهما سَرَّعْناه. و"الكتلة" تتضمن "الطاقة" التي يختزنها حقل جاذبية الجسم في داخل الجسم.

ويحتاج "التسريع" إلى أنْ نزوِّد "الجسم"، أو "الجسيم"، "طاقة (حركيَّة)". كل مقدار مِنَ "الطاقة" نضيفه إليه، أو ندخله فيه، يزيد سرعته، ويزيد، في الوقت نفسه، كتلته (أي يزيد قصوره الذاتي).

هذا "الجسم"، أو "الجسيم"، لن يفقد شيئاً مِنْ طاقته الحركية في الفضاء، فالفضاء ليس بـ "الوسط" الذي يأخذ شيئاً مِنْ الطاقة الحركية لـ "الجسم"، أو "الجسيم"، الذي يسير فيه.

"تسارُع" الجسم، أو الجسيم، يتطلَّب تزويد الجسم، أو الجسيم، "طاقة حركية" Kinetic Energy. ولا بدَّ لهذه "الطاقة الحركية" مِنْ أنْ تتحوَّل إلى "كتلة" Mass.

الضوء يملك "كتلة سكون صفرية" Zero Rest Mass. هذا يعني أنَّه "عديم الكتلة". ومِنَ الجسيمات التي تملك "كتلة سكون صفرية": Photon, Graviton, Gluon .

حتى الإلكترون، على ضآلته، لا يملك خاصِّيَّة الضوء تلك. فلو حاولنا "تسريع" الإلكترون ليبلغ سرعة "شبه ضوئية" لرأيْنا أنَّ كتلة السكون التي يملك (Non-Zero Rest Mass) وعلى ضآلتها تمنعنا مِنْ أنْ نبلغ في تسريعه سرعة الضوء.

"كتلة الأرض"، على سبيل المثال، هي "مقدار متغيِّر"، فبعض مِنْ مقدار كتلة الأرض يجيئها مِنْ حركتها حَوْلَ نفسها، ومِنْ حركتها حَوْلَ الشمس. وسرعة دوران الأرض حَوْلَ الشمس ليست بـ "المقدار الثابت"؛ لأنَّ مدار الأرض حَوْلَ الشمس ليس بـ "الخطِّ الدائري"، فعندما تكون الأرض في أقرب نقطة (الحضيض) إلى الشمس تزيد كتلتها؛ لأنَّ سرعتها تزيد. وعندما تكون في أبْعَد نقطة (القمَّة) عن الشمس تقل كتلتها؛ لأنَّ سرعتها تقل، وكأنَّ الأرض في اقترابها مِنَ الشمس تقترب مِنْ "خطر السقوط" في هذا النجم، فتقاومه بأنْ تزيد سرعتها (وكتلتها بالتالي). وهذه الزيادة في سرعة دوران الأرض حَوْل الشمس تَقْتَرِن بزيادة في القوَّة التي تسعى في طردها بعيداً عن "المَرْكَز"، أي عن الشمس. ولكن قيام "توازن جديد" بين هذه القوَّة والقوَّة التي تَشُدُّ الأرض إلى الشمس يُمَكِّن الكوكب الأرضي مِنَ البقاء في مداره حَوْلَ الشمس.

الأرض كوكب يدور حَوْلَ نجم هو الشمس. وهي لا تدور (أو تسير، أو تنتقل) في خطٍّ دائري تماماً، فتارةَ تكون في "الحضيض"، أي في أقرب نقطة إلى الشمس، وطوراً في "القمَّة"، أي في أبعد نقطة عنها.

يترتَّب على هذا: بُعْد الأرض عن الشمس ليس ثابتاً، فالمسافة بينها وبين الشمس تختلف في السنة الواحدة. كتلة الأرض تختلف، فهي في "الحضيض" مِنَ "المدار" أكبر منها في "القمَّة".

ولو كانت الأرض لا تدور حَوْلَ الشمس لتضاءلت كتلتها كثيراً، فالدوران وسرعته يزيدان مقدار كتلتها. سرعة دوران الأرض حَوْلَ الشمس (30 كلم في الثانية الواحدة في وجه عام) تختلف، فهي في "الحضيض" أكبر منها في "القمَّة".

سكَّان الأرض، الذين هُم جزء منها، ويشاركونها في الحركة، حسبوا المسافة بين كوكبهم والشمس فتوصَّلوا إلى أنَّها نحو 150 مليون كلم، يقطعها شعاع الضوء في زمن (أرضي) مقداره نحو 500 ثانية.

ولو أنَّ كائناً فضائياً عاقلاً في كوكب بعيد عن الأرض، ويختلف عنها في سرعته، قام بحساب المسافة بين الأرض والشمس لتوصَّل إلى أنَّها ليست 150 مليون كلم، فتقدير، أو حساب، المسافة يختلف باختلاف سرعة العالَم الذي ينتمي إليه الشخص.

إننا نرى "تسارُعاً" و"تباطؤاً" في حركة الأرض حَوْلَ الشمس، فالأرض لا تسير دائماً، أي في كل السنة، بـ "سرعة ثابتة منتظَمة"، فهل مِنْ "قوَّة (خارجية)" أثَّرت في سرعة الأرض، فزادتها تارةً، وأنقصتها طوراً؟ وما هي هذه "القوَّة"؟ بحسب قانون "القصور الذاتي" للأجسام، نَعْلَم أنَّ الجسم الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة (وفي "خطٍّ مستقيم") يميل إلى "مقاوَمة" كل "تسريع" أو "إبطاء" لحركته، يَنْتُجُ مِنْ تَعرُّضه لتأثير "قوَّة خارجية". فهل تَعْرِف الأرض في مدارها حَوْلَ الشمس ما يسمَّى "مقاوَمة"، أو "انتفاضة"، "قصورها الذاتي"؟ والأرض لا تسير في "خطٍّ مستقيم"، وإنَّما في "خط دائري" تقريباً، فهل يعني هذا أنَّ "قصورها الذاتي" في حالٍ دائمة مِنَ "المقاوَمة" و"الانتفاض"؟ سير الجسم في "خطٍّ مستقيم" لا يُوَلِّد فيه "قوَّة طاردة مركزية". أمَّا سيره في خطٍّ دائري حَوْلَ جسم أعظم منه كتلة، كنجمٍ، فيُوَلِّد فيه هذه "القوَّة"، التي تشدُّه بعيداً عن "الكتلة المركزية"، أي عن النجم مثلاً. إنَّها تشده مِنْ غير أنْ تتمكَّن مِنْ فصله عن مداره؛ ذلكَ لأنَّ ثمَّة قوَّة أُخرى تشده في الاتِّجاه المعاكس، فتتوازَن القوَّتان، أي تلغي كلتاهما تأثير الأخرى، وكأنْ لا وجود لهما.

على أنَّ هذا التوازن ليس بالدائم أو الأبدي، فكوكب الأرض مثلاً لن يظل إلى الأبد في مداره الحالي. قد ينتقل إلى مدار أقرب إلى الشمس، أو إلى مدار أبعد عنها. وقد ينفصل عن النظام الشمسي برمَّته. وقد يسقط في فَمِ الشمس ذاتها.

في ابتعادها عن الشمس، تحتاج الأرض إلى "مؤثِّر خارجي" يُمكِّن قوَّتها الطاردة المركزية مِنَ التغلُّب على القوَّة التي تشد الأرض في الاتِّجاه المعاكس. وفي اقترابها منها تحتاج إلى ما يعينها على قهر قوَّتها الطاردة المركزية.

ويكفي أنْ تتوازن القوَّتان المتضادتان حتى يَعْدِل دوران الأرض حَوْلَ الشمس، في أثره وتأثيره، سيرها في "خطٍّ مستقيم".

إذا انتقلت الأرض مِنْ مدارها الحالي إلى مدار أقرب إلى الشمس فلا بدَّ لـ "سرعتها" مِنْ أنْ تزيد حتى تزيد قوَّتها الطاردة المركزية زيادةً تكفي لقيام "توازن جديد"، ولبقاء الأرض، بالتالي، في مدارها الجديد الأقرب إلى الشمس. وإذا انتقلت إلى مدار أبْعَد فلا بدَّ لـ "سرعتها" مِنْ أنْ تقل.

وفي المثال ذاته، نرى أيضاً أنَّ الأرض لا تَبْعُد عن الشمس 150 مليون كلم إلا بالنسبة إلى سكانها فحسب، فـ "المسافات الفضائية" هي جميعاً "نسبية"، أي تختلف، مقداراً، باختلاف سرعة الجسم الذي ينتمي إليه "المراقِب"، ففي "الجسم الأسرع" يبطؤ الزمان الخاص به، وتنكمش الأبعاد والأطوال والمسافات.

بالنسبة إلى ذاك "المراقِب غير الأرضي"، والمنتمي إلى جسم (أو كوكب) أسرع مِنَ الأرض، قد تَعْدِل الثانية الواحدة عنده ثوانٍ أو دقائق في الأرض. وسيرى أنَّ الضوء المنبعث مِنَ الشمس يصل إلى الأرض في زمن مقداره (مثلاً) ثانيتين اثنتين بحسب ساعته. وتأسيساً على حقيقة أنَّ سرعة الضوء ثابتة لا تتغيَّر، أي لا تزيد ولا تنقص عن 300 ألف كلم في الثانية الواحدة، يقول هذا المراقِب إنَّ الأرض تَبْعُد عن الشمس 600 ألف كلم فحسب.

وهذا يعني أنَّ "التركُّز" في "الزمن" يقترن دائماً بـ "تَرَكُّزٍ" في "المسافة"، فإذا كانت الثانية عند ذاك "المراقِب غير الأرضي" تَعْدِل ثوانٍ أو دقائق في الأرض، فإنَّ "المتر" عنده يَعْدِل أمتار لدى سكان الأرض.

بالنسبة إليه، تَبْعُد الأرض عن الشمس 600 ألف كلم. وهذه المسافة يقطعها الضوء بثانيتين اثنتين. إنَّ هذه المسافة تَعْدِل، بالنسبة إلى سكان الأرض، 150 مليون كلم. "المُطلق" هو أنَّ ثمَّة "مسافة فضائية تَفْصِل بين الأرض والشمس". أمَّا "مقدارها" فهو "النسبي".

"سرعة الضوء" هي "السرعة القصوى" في الكون. والدليل على ذلك أنَّ تسارُع الجسم يشتدُّ صعوبة مع تزايد اقتراب سرعته مِنْ "سرعة الضوء".

وتزايد كتلة الجسم، الناشئ عن تزايد سرعته، هو ما يَمْنَع أكثر فأكثر الجسم مِنْ أنْ يبلغ في تسارعه "سرعة الضوء". وكلَّما زادت كتلة هذا الجسم تقلَّص طوله. وقد ثَبُتَ وتأكَّد أنَّ كتلة الإلكترون المتحرِّك بسرعة 270 ألف كلم في الثانية الواحدة تزيد عن كتلة الإلكترون الساكن، أو الذي يتحرَّك بسرعته العادية. وكل زيادة في "طاقة" الجسم لا بدَّ لها مِنْ أنْ تزيد كتلته. ولزيادة كتلة الجسم غراماً واحداً لا بدَّ مِنْ تزويده طاقة تَعْدِل 25 مليون كيلوواط ساعة.

"الكتلة" هي "مقاوَمة التغيير في الحركة"، فاشتداد مقاوَمة جسم ما للتغيير في حركته (زيادةً أو نقصاناً) إنَّما يعني أنَّ كتلته كبيرة، أو زادت، فهذا الجسم الساكن يقاوِم التغيير في حركته (أي يقاوِم تحريكه) أكثر مِنْ ذاك؛ لأنَّ كتلته أكبر. كما يمكن القول إنَّ كتلته أكبر؛ لأنَّه يقاوِم التغيير في حركته أكثر.

وهذا الجسم ذاته ستشتد مقاوَمته للتغيير في حركته إذا ما أصبح (بَعْدَ سكونه) يسير بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم، فكتلته في "سكونه الثاني" أكبرمنها في "سكونه الأوَّل".

كلَّما زادت "الكتلة (بزيادة "السرعة") زادت "المقاوَمة" للتغيير في الحركة (وزاد "القصور الذاتي" للجسم). وكلَّما زادت "المقاوَمة" تطلَّب التغلُّب عليها "قوَّة خارجية" أكبر. والجسم، أو الجسيم، الذي استحالت زيادة سرعته أكثر، أي الذي استحال التغلُّب على مقاوَمته للتغيير في حركته، إنَّما هو الجسم، أو الجسيم، الذي أصبحت كتلته "لا نهائية".

إنَّكَ لا تستطيع أنْ "تُسَرِّع" مركبتكَ الفضائية لتَبْلُغَ في سرعتها سرعة الضوء؛ لأنَّ لها "كتلة". وبسبب "الكتلة" يحتاج هذا "التسريع" إلى تزويد المَرْكبة طاقة يَعْدِل مقدارها كل كتلة الكون، فـ "الطاقة" هي "الكتلة".

إنَّ كل زيادة في السرعة، تأتي بها كميَّة إضافية مِنَ الطاقة، لا بدَّ لها مِنْ أنْ تقترن بزيادة في كتلة المَرْكبة. وكلَّما زادت كتلتها تباطأ "التسارُع". ويكفي أنْ يبلغ الجسم في سرعته نحو 10 في المئة مِنْ سرعة الضوء حتى يشرع يتغيَّر في بعض خواصِّه وجوانبه (الفيزيائية) تغيُّراً لَمْ تتنبأ به، أو تتوقَّعه، الفيزياء الكلاسيكية لنيوتن.

لـ "الطاقة" أشكال وصور عديدة، منها "الضوء". وفي انتشار الطاقة (أو الضوء) نرى أنَّ جسماً يُطْلِق (يُرْسِل، يَبْعث) طاقة، وآخر يمتَّصها (يستقبلها). إنَّ "الطاقة" تشبه مياه نهر تجري مِنْ منبعها إلى مصبِّها، فهذا الجسم يُطْلقها، فتجري في الفراغ (أو الفضاء) ثمَّ يمتصها ذاك الجسم. فكيف تجري، أو تنتشر الطاقة (أو الضوء)؟ إنَّها تجري، أو تنتشر، رزمة رزمة، أو حزمة حزمة.

الرزمة، أو الحزمة، تشبه "الوحدة" في "المادة"، والتي هي "الجزيء"، الذي هو أصغر جزء مِنَ "المادة" يشتمل على خواصِّها الجوهرية والأساسية، كـ "جزئ الماء".

وكل "وحدة" منفصلة عن الأُخرى، فالجسم يُطْلِق، أو يمتَّص، "نبضات" منفصلة، متتالية، متعاقبة، مِنَ "الطاقة". وكل "نبضة" تشتمل على مقدار، أو كميَّة، مِنَ "الطاقة"، فـ "الطاقة"، في جريانها وانتشارها، هي "أجزاء"، أو "مقادير"، أو "كميَّات"، منفصل بعضها عن بعض، وكأنَّها خطٌّ يتألَّف مِنْ نقاط. وكل جزء مِنْ أجزاء "الطاقة" يسمَّى "كم" Quantum.

إنَّ الطاقة (أو الضوء) وحدات، منفصلٌ بعضها عن بعض، يُطْلِقها جسم، فتجري في الفراغ، أو الفضاء، قَبْلَ أنْ يمتصها جسم آخر. وهذه "الوحدة"، أو "الكم"، تشبه "الجزيء". وهي تتضمن مقداراً مِنَ الطاقة. والـ "كم" Quantum في الضوء يسمَّى "الفوتون". و"الفوتونات"، أو "جسيمات الضوء"، تختلف وتتفاوت في مخزونها مِنَ الطاقة، فهذا "الفوتون" يختزن كميَّة مِنَ "الطاقة" أكبر، أو أقل، مِنْ ذاك "الفوتون". إنَّ "شعاع الضوء" الذي نراه متَّصِلاً ليس سوى وحدات منفصلٌ بعضها عن بعض. وكل وحدة تختزن مقداراً مِنَ الطاقة.

هل لـ "الضوء"، أو "الفوتون"، كتلة؟ إنَّ "الفوتون" هو "وحدة غير قابلة للانقسام أو التجزئة". والضوء، يُطْلَق، أو يُمْتَص، في شكل "فوتونات".

كيف يتأثَّر "الضوء" بـ "حقول الجاذبية"؟ لقد حار العلماء زمناً طويلاً في إجابة هذين السؤالين، وظلَّوا يكافحون في سبيل معرفة هل الضوء يتألَّف مِنْ "جسيمات" أم مِنْ "موجات".

إذا كان مؤلَّفاً مِنْ "موجات"، فكيف له، عندئذٍ، أنْ يستجيب لـ "الجاذبية". وإذا كان مؤلَّفاً مِنْ "جسيمات" فإنَّ جسيماته ستتأثَّر بـ "الجاذبية" كما تتأثَّر بها "حبَّة تفاح" أو "كوكب".

وزدات حيرة العلماء إذ اكْتُشِفَ أنَّ سرعة الضوء ليست بـ "اللا محدودة"، فهي وإنْ كانت السرعة القصوى في الكون لا تزيد، ولا تقل، عن 300 ألف كلم في الثانية الواحدة.

متسلِّحاً بهذه الحقائق، نَشَر جون ميتشيل سنة 1783 بحثاً أشار فيه إلى أنَّ النجم الضخم الكتلة، والشديد الكثافة، يملك حقل جاذبية مِنْ فرط قوَّته لا يستطيع حتى الضوء الإفلات منه، فلا ضوء، بالتالي، يمكن أنْ ينبعث مِنْ سطح هذا النجم. إنَّ كل ضوء يَصْدُر عن سطح هذا النجم لا بدَّ مِنْ أنْ يُجَرَّ أو يُسْحَب، بفعل جاذبية النجم، إلى النقطة التي انطلق منها، وقَبْلَ أنْ يذهب بعيداً في الفضاء. وقد توصَّل العالِم الفرنسي لابلاس إلى استنتاج مشابه في الوقت ذاته تقريباً.

والاستنتاجان جاءا في وقت اشتد مَيْل العلماء إلى "النظرية الموجية"، وإنْ ظلوا عاجزين عن فَهْم كيف يمكن أنْ تستجيب موجات الضوء للجاذبية حتى جاء آينشتاين بنظريته "النسبية العامَّة"، سنة 1915، ليشرح كيفية تأثير الجاذبية بالضوء.

"حقل الجاذبية"، وخصوصاً "القوي"، لا يؤثِّر، بحسب نظرية آينشتاين، "مباشَرةً" بـ "الفوتونات" عديمة الكتلة، وإنَّما مِنْ خلال التغيير الذي يُحْدِثُهُ "حقل الجاذبية" في شكل "المكان ـ الزمان" Space-Time فـ "الفوتونات" لا تستجيب مباشَرةً لـ "حقل الجاذبية".

إنَّها تستجيب لانحناء الفضاء. النجم بكتلته (أو بحقل جاذبيته القوي) يُغيِّر ممرات أو مسارات أشعة الضوء القريبة منه، فيجعلها تنحني "نحو الداخل"، أي نحو سطحه.

ولا بدَّ لشعاع الضوء، الذي يسير على مقربة مِنَ النجم، مِنْ أنْ ينحني عندما يسير في ممر أو مسار منحنٍ. وكلَّما انكمش النجم وتقلَّص زادت قوَّة حقل الجاذبية عند سطحه، وزاد، بالتالي، انحناء مسار الضوء على مقربة مِنْ سطح النجم. واشتداد هذا الانحناء يُصَعِّب على الضوء المنبعث مِنَ النجم الهروب منه، فيَظْهَر النجم لنا معتماً.

إذا زاد انكماش النجم حتى وصل نصف قطره (في التضاؤل) إلى حجم محدَّد، فإنَّ انحناء مسار الضوء (المنبعث منه) يَبْلُغ في شدَّته حدَّاً لا يسمح لشعاع الضوء بمغادرة النجم إلى الفضاء الخارجي، فيعود إلى النجم نفسه.

في الجاذبية

نرى "الجاذبية" في الظاهرتين الآتيتين: ظاهرة "جسم يُشَدُّ إلى جسم"، فيتحرَّك الجسم المشدود نحو الجسم الشَّاد. وظاهرة "دوران جسم حَوْلَ جسم أكبر منه كتلة"، كدوران الأرض حَوْل الشمس.

نيوتن فسَّر الظاهرتين بـ "قوَّة"، سمَّاها "الجاذبية الكونية". آينشتاين نَبَذَ هذا التفسير، فـ "الجاذبية"، في رأيه، ليست بـ "قوَّة".

إنَّنا، وبحسب تفسير آينشتاين، نحتاج إلى كلمتي "التقعُّر" و"التحدُّب" في وصف وشرح الظاهرتين. "التقعُّر" نراه، مثلاً، في قطعة القماش المشدودة أُفقياً، والتي وَضَعْنا في وسطها كرة مِنَ الرصاص. "القماش"، في هذا المثال، هو "الفضاء"، و"كرة الرصاص" هي "كتلة نجم" مثلاً.

ما الذي نراهُ عندما نُلْقي كرة صغيرة مِنَ الخشب على هذا "السطح القماشي المقعَّر"؟ نرى أوَّلاً أنَّ الكرة الخشبية قد سارت في "خطٍّ مستقيم"، استقامته ليست تامَّة. ثمَّ نرى الكرة الخشبية تنزلق انزلاقاً على سطح "المُنْحَدَر القماشي"، فسيرها في "خطٍّ مستقيم" تَحوَّل إلى سير في "خطٍّ منحنٍ". وهذا الانحناء في السير يشبه "سقوطاً" للكرة الخشبية مِنْ أعلى نقطة إلى أوطأ نقطة.

ما الذي حرَّكَ "الكرة الخشبية" على هذا النحو؟ هل "كرة الرصاص" هي التي شدَّتها إليها، فحرَّكتها على هذا النحو؟ كلا، فـ "كرة الرصاص" ليست هي السبب. السبب إنَّما هو "تقعُّر سطح قطعة القماش"، مع أنَّ "كرة الرصاص" هي سبب هذا "التقعُّر".

إنَّ حركة "الكرة الخشبية" على هذا النحو يمكن ويجب أنْ تُفسَّر بهذه "الخاصيَّة المكانية"، أي بـ "تقعُّر السطح القماشي".

بَعْدَ ذلك، نرى أنَّ "الكرة الخشبية" ما أنْ وصلت في انزلاقها إلى أوطأ نقطة حتى شرعت تدور حَوْلَ "الكرة الرصاصية". لو أنَّ "الاحتكاك" بين سطحي "الكرة الخشبية" و"قطعة القماش" قد انعدم لظلَّت "الكرة الخشبية" تدور إلى الأبد حَوْلَ "الكرة الرصاصية"، وبالسرعة ذاتها.

هذا "الدوران" هو ثمرة اجتماع عاملين: "خاصيَّة المكان"، التي أنْتَجَها "وجود الكرة الرصاصية"، و"القصور الذاتي" لـ "الكرة الخشبية"، والذي يَظْهَر فعله وتأثيره في غياب تأثير "قوى خارجية" كـ "قوَّة الاحتكاك".

وفي "أرضٍ مقوَّسة (أو محدَّبة)"، نرى "الكرة" تحيد عن خطِّ سيرها المستقيم، لتتدحرج، أو تنزلق، على هذا السطح المقوَّس حتى أوطأ نقطة فيه.

"الانزلاق" في كلا المثالين هو ما يسمَّى "الانجذاب"، فـ "انزلاق" الكرة، أو "انجذابها"، لم تتسبب فيه "قوَّة" تتناسب عكساً مع "مربَّع المسافة". إنَّ الأجسام الصغيرة، المجاوِرة لجسم كبير في كتلته، تنزلق انزلاقاً على ما يشبه "سطح منحَدَرٍ فضائي"، فتدور حَوْلَ هذا الجسم الكبير. وكلَّما اقتربنا مِنَ الجسم الكبير الكتلة زاد واشتدَّ انحناء الفضاء، أو المكان، حَوْلَهُ.

"الجاذبية"، عند آينشتاين" ليست سوى "انتفاضة القصور الذاتي". وهذه "الانتفاضة" إنَّما هي "المقاوَمة" التي يبديها الجسم لتأثير قوَّة خارجية في سرعته، أو في اتِّجاه حركته.

"الجاذبية" هي "الشد".. هي أنْ يُشَدُّ جسم إلى جسم. وهذا "الشد" هو ذاته تأثير، أو أثر، "انتفاضة القصور الذاتي" للجسم، فإذا كنتَ في سيارة تسير في خطٍّ مستقيم، وفي سرعة ثابتة منتظَمة، فإنَّ كل تغيير في سرعتها، زيادةً أو نقصاناً، أو في اتِّجاه حركتها، لا بدَّ له مِنْ أنْ "يشدكَ" في اتِّجاه مختلف، وكأنَّ "قوَّة" هي التي شدَّتْكَ.

هذه "القوَّة"، التي تُدْعى "الجاذبية"، إنَّما هي "انتفاضة القصور الذاتي"، أي "مقاوَمة التغيير (في السرعة أو الاتِّجاه)" التي يبديها الجسم.

لو أنَّ مصعداً في بناية عالية انقطع حبله فأخذ يهوي (أي يَسْقُط مقترباً مِنْ مَرْكَز الجاذبية الأرضية) لرأى الذي في داخله مِنَ الظواهر ما يشبه ما نراه مِنْ ظواهر حيث تنعدم الجاذبية.

سقوط المصعد إنَّما هو "التسارُع" في حركته. وهذا "التسارُع" ناشئٌ عن الجاذبية الأرضية. إذا كنتَ في داخل هذا المصعد الهاوي، وأمْسَكْتَ بيدكَ شيئاً، ثمَّ تركتهُ يسقط، فإنَّه يظل معلَّقاً في الهواء، أي لا يسقط إلى أرضية المصعد. كل ما في المصعد مِنْ أشياء وأجسام ينعدم وزنه. وإذا رميتَ بقطعة مِنَ النقود في اتِّجاه أُفقي فإنَّها تسير بسرعة ثابتة في خطٍّ مستقيم حتى تصطدم بجدار المصعد. لقد انعدمت الجاذبية في داخل المصعد بسبب تسارعه. "المراقب الخارجي" لن يرى ما تراه. سيرى أنَّ المصعد (وَلْنَفْتَرِض أنَّه "شفَّاف") بما فيه ومَنْ فيه يهوي بالسرعة ذاتها.

في هذا المثال، نرى كيف ينعدم تأثير الجاذبية في داخل جسم يخضع لتأثير الجاذبية، فـ "تسارُع" الجسم الهاوي، والناشئ عن الجاذبية، يُنْتِجُ في داخله ظواهر على غرار تلك التي نراها في مواضع انعدام الجاذبية في الفضاء. ونرى فيه كيف أنَّ الجسم "يستقيم" في حركته حيث تنعدم الجاذبية، فتلك القطعة مِنَ النقود أظْهَرَت فِعْلَ وتأثير قانون "القصور الذاتي" إذ سارت بسرعة ثابتة، وفي خطِّ مستقيم.

ولو نُقِلَ هذا المصعد إلى الفضاء حيث تنعدم الجاذبية، وربطنا سقفه بحبل، واستخدمنا هذا الحبل في رَفْع المصعد، ليسير (صعوداً) سيراً متسارِعاً تسارُعاً ثابتاً، فسيرى الذي في داخله ظواهر على غرار تلك التي نراها حيث تعمل وتؤثِّر الجاذبية، فالشيء الذي اُسْقطه مِنْ يدي يقع على أرضية المصعد، أي لا يظل معلَّقاً في الهواء، وتلك القطعة مِنَ النقود لا تسير في خطٍّ مستقيم وإنَّما في خطٍّ منحنٍ، وكل شيء أو جسم في داخل المصعد يصبح له وزناً.

في المثال الأوَّل، رأى الذي في داخل المصعد "ظواهر انعدام الجاذبية" تنشأ عن "تسارُع" المصعد الهاوي. ولمزيدٍ مِنَ الوضوح، دعونا نَفْتَرِض أنَّ "غرفة زجاجية" في داخلها شخص وأجسام هي التي تهوي. إنَّها تهوي ضِمْنَ حقل الجاذبية الأرضية. وإنَّها تهوي نحو مَرْكَز الجاذبية الأرضية، أي نحو باطِن الكرة الأرضية الذي فيه تَتَرَكَّز جاذبية الأرض. إنَّها لن تصل إلى هذا الباطِن؛ لأنَّها ستتحطَّم على سطح الكرة الأرضية. سقوط "الغرفة" إنَّما هو حركة في اتِّجاه عمودي (وليس أُفُقي) بالنسبة إلى سطح الأرض. وهذا السقوط إنَّما هو سير "الغرفة" بسرعة غير ثابتة، وغير منتظَمة، أي أنَّه القوَّة المُنْتِجَة لـ "تسارُع الغرفة". إنَّ الجاذبية الأرضية، في هذا المثال، تَشُدُّ "الغرفة" إليها، وتُسْقِطُها نحو مَرْكزها، أي نحو مَرْكَز الجاذبية الأرضية، بسرعة متزايدة (التسارُع).

ومع تلبية كل تلك الشروط يصبح ممكناً أنْ يرى الشخص الذي في داخل "الغرفة" كل "ظواهِر انعدام الجاذبية"، فبالنسبة إليه فحسب، تُرى تلك الظواهر. إنَّه يرى أنَّ كل جسم (له كتلة) في داخل "الغرفة" قد انعدم "وزنه"، وكأنْ لا جاذبية أرضية تشدُّ إليها هذا الجسم بقوَّة تتناسب مع كتلته وبُعْدِه عن مَرْكزها. ويرى قطعة النقود معلَّقة في الهواء (في داخل الغرفة) إذا هو أمسكها بيده ثمَّ تَرَكها تَسْقُط منها، وكأنْ لا جاذبية في أرض الغرفة تَشُدُّ قطعة النقود إليها، وتُسْقطها، بالتالي، عليها. أمَّا إذا هو أمسكَ قطعة النقود ورماها في اتِّجاه أُفقي فإنَّها تسير بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم حتى اصطدامها بجدار الغرفة، وكأنْ لا قوَّة خارجية (في داخل الغرفة) تؤثِّر في سرعة قطعة النقود، زيادةً أو نقصاناً، أو في اتِّجاه حركتها (السير في خطٍّ مستقيم).

ومع أنَّ الغرفة "تتسارَع" في سقوطها نحو مَرْكَز الجاذبية الأرضية فإنَّ الأجسام (والشخص) التي في داخلها لا تُشَدُّ في اتِّجاه معاكس كما يُشدُّ راكب سيَّارة عند تسارعها، وكأنَّ هذه الظاهرة (ظاهرة الشد في اتِّجاه معاكس لاتِّجاه التسارُع) تنعدم في مثل هذا التسارُع للغرفة.

أمَّا "المراقِب الخارجي"، أي الشخص الذي يراقِب سقوط الغرفة مِنْ حيث يَقِف على سطح الأرض، فلا يرى في داخل الغرفة "الشفَّافة" تلك الظواهر مِنْ انعدام الجاذبية. إنَّه يرى سقوطاً (نحو سطح الأرض) بالسرعة ذاتها للغرفة، ولكل ما في داخلها مِنْ أجسام. ويرى، أيضاً، "التسارُع" في هذا السقوط.

وفي المثال الثاني، رأى الذي في داخل المصعد "ظواهر الجاذبية" تنشأ عن "التسارع الثابت في تصاعُد المصعد" حيث تنعدم الجاذبية. هذا المثال يوضِّح كيف تنشأ "ظواهر الجاذبية" حيث "تنعدم الجاذبية".

فَلْنَفْتَرِض أنَّ "غرفة شفَّافة" تقع (في الفضاء) حيث تنعدم الجاذبية (الأرضية مثلاً). ولْنَفْتَرِض أنَّها تُشَدُّ بحَبْلٍ في اتِّجاه صاعِد، وأنَّها تسير في هذا الاتِّجاه سيراً متسارعاً تسارُعاً ثابتاً.

في هذه الحال، سيرى الشخص الذي في داخل الغرفة كل ما يراه الشخص على سطح الأرض مِنْ "ظواهر الجاذبية"، وكأنَّ "الغرفة" هي "الكرة الأرضية". سيرى أنَّ قطعة النقود التي يُسْقِطُها مِنْ يده تقع على أرضية الغرفة، أي لا تظل معلَّقة في الهواء. وسيرى أنَّ قطعة النقود التي يرميها في اتِّجاه اُفقي لا تسير في خطٍّ مستقيم وإنَّما في خطٍّ منحنٍ. وسيرى وزناً لكل جسم في داخل الغرفة.

"التسارُع" Acceleration و"الجاذبية" Gravity إنَّما هما شيء واحد، فالظواهر التي نعزوها إلى "الجاذبية" هي ذاتها الظواهر التي نعزوها إلى "التسارع". وتمييز "الجاذبية" مِنَ "التسارع" إنَّما هو المستحيل بعينه.

تخيَّل أنَّكَ تقفُ على أرض صاروخ فضائي يقفُ على سطح الأرض، أي ثابت في مكانه. الجاذبية الأرضية ستَشُدُّكَ، أي ستَشُدُّ "كتلتكَ"، نحو مركز الجاذبية الأرضية. لو قِسْتَ وزنكَ لوَجَدْتَهُ 70 كلغم مثلاً.

وتخيَّل أنَّكَ قد انطلقتَ بهذا الصاروخ نحو الفضاء الخارجي، حيث لا جاذبية تُؤثِّر فيكَ، أي نحو موضعٍ في الفضاء الخارجي تَبْعُد فيه كثيراً عنكَ الأجسام. وتخيَّل أنَّكَ قد سَرَّعْتَ الصاروخ. إنَّكَ ما أنْ تُسَرِّعهُ حتى تشعر بتأثير مماثِل لتأثير "الجاذبية"، فهذا "التسارُع" أنْتَجَ "قوَّة" شَدَّتْكَ في الاتِّجاه المعاكِس، فتُرْجِمَ هذا التأثير بظهور وزن لكَ. هذا التأثير الذي ننسبه إلى "الجاذبية" ستَشْعُرَ به (حيث تنعدم الجاذبية) إذا ما زِدْتَّ أو أبطأتَ سرعة صاروخكَ، وإذا ما غيَّرْتَ اتِّجاه حركته.

تسريع "جسيم" قد يجعله يبلغ سرعة "شبه ضوئية". في هذه الحال، لا بدَّ لـ "كتلته" مِنْ أنْ تَعْظُم، ولـ "حجمه" مِنْ أنْ يَصْغُر، ولـ "كثافته" مِنْ أنْ تشتد، ولـ "حقل جاذبيته" مِنْ أنْ يقوى. وقد يفضي كل ذلك إلى تحوُّله إلى "ثقب أسود".

قُلْنا إنَّنا نرى على سطح الأرض "ظواهر الجاذبية" التي يراها ذاك الذي في داخل ذلك المصعد المتصاعد (أو الغرفة المتصاعدة) في الفضاء حيث تنعدم الجاذبية. أمَّا سبب هذه الظواهر مِنَ الجاذبية (على سطح الأرض) فليس "التسارُع الثابت في التصاعد"، وإنَّما "القوَّة الطاردة عن المركز"، فتأثير هذه القوَّة في الأجسام على سطح الأرض يَعْدِل ويُماثِل تأثير "التسارُع الثابت في التصاعد" في الأجسام التي في ذاك المصعد أو تلك الغرفة.

وبسبب هذه القوَّة يَظْهَر في الأجسام والأشياء (على سطح الأرض) فِعْلَ وتأثير قانون "القصور الذاتي"، وكأنَّ الكرة الأرضية (التي تدور حَوْل الشمس بسرعة ثابتة منتظَمة) هي المصعد الذي يتصاعد في الفضاء حيث تنعدم الجاذبية، ويتسارَع في تصاعده هذا تسارعاً ثابتاً. إنَّ ما نراه في الأجسام على سطح الأرض مِنْ ظواهر نَنْسبها إلى "قوَّة الجاذبية الأرضية" ليست سوى ظواهر أنْتَجها "القصور الذاتي" لهذه الأجسام في "انتفاضته".

إنَّ "القوَّة الطاردة عن المركز"، والمعادِلة في تأثيرها لـ "التسارع الثابت في التصاعد"، هي التي تسبب انتفاضة القصور الذاتي لكتلة الأرض، فتُشَدُّ الأجسام في الاتِّجاه المعاكس، أي إلى سطح الأرض.

"الجاذبية"، عند آينشتاين، ليست بـ "القوَّة". إنَّها صنو "القصور الذاتي" للأجسام. إنَّها "انتفاضة القصور الذاتي"، فالظواهر التي كانت تُنْسَب إلى "قوَّة الجاذبية" ليست سوى ظواهر ناشئة عن "انتفاضة القصور الذاتي"، فهذا الذي كان يُنْسَب إلى "قوَّة الجاذبية" نفهمه الآن على أنَّه النتيجة (أو الظاهرة) التي تتمخَّض عن مقاوَمة الجسم لكل تغيير في حركته، أي في سرعته (زيادةً أو نقصاناً) وفي الاتِّجاه الذي يسير فيه. إنَّ "انتفاضة القصور الذاتي" هي التي "تشدُّ" الجسم في "الاتِّجاه المعاكِس".

و"القصور الذاتي" للنجم، أو الكوكب، مثلاً، هو المُنْتِج لحركته. وهذا النجم، أو الكوكب، إنَّما يتحرَّك في مسار مِنْ صُنْع فضاء (أو مكان ـ زمان) منحنٍ. وهذا "الانحناء" إنَّما تُنْتِجُهُ "كتلة أعظم (مِنْ كتلة هذا النجم أو الكوكب)".

"انتفاضة القصور الذاتي" نرى تأثيرها (أي هذا الذي كان يسمَّى تأثير الجاذبية) عندما تؤثِّر "قوَّة خارجية" في جسم فتنقله مِنَ "السكون" إلى "الحركة"، وعندما تؤثِّر "قوَّة خارجية" في جسم يسير بسرعة ثابتة، فتزيدها، أو تقلِّلها، أو توقفه عن الحركة، وعندما تؤثِّر "قوَّة خارجية" في جسم يسير في خطٍّ مستقيم، فتُحوِّل استقامته إلى انحناء، فلا ظاهرة مِنْ ظواهِر الجاذبية يمكن أنْ نراها حيث تنعدم "انتفاضة" القصور الذاتي.

وهذه "الانتفاضة" تنعدم في الجسم الذي يسير في الفراغ بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم. "القصور الذاتي" للجسم "ينتفض"، أو "يبدي مقاوَمة"، إذا ما تعرَّض لتأثير "قوَّة خارجية"، فـ "تسارَع"، أو "تباطأ"، أو تحوَّل في سيره (في الفضاء) عن "الخط المستقيم" إلى "خطٍّ منحنٍ".

وهذه "الانتفاضة"، أو "المقاوَمة"، نراها (ونسمِّي تأثيراتها "ظواهر الجاذبية") في الأجسام على سطح الأرض مع أنَّ هذا الكوكب يسير بسرعة ثابتة منتظَمة.

هذا يعني أنَّ سبب تلك "الانتفاضة"، أو "المقاوَمة"، يكمن في "دوران" الأرض حَوْلَ الشمس، فهذا "الدوران" يُوَلِّد في كوكب الأرض قوَّة تسعى في طرده بعيداً عن "المَرْكَز"، أي عن الشمس. وإلى هذه القوَّة تُنْسَب "انتفاضة" القصور الذاتي للأجسام على سطح الأرض، فلو سارت الأرض في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم لَمَا "انتفض" القصور الذاتي للأجسام على سطحها، ولَمَا رَأيْنا، بالتالي، في هذه الأجسام تلك الظواهر التي ننسبها إلى "قوَّة الجاذبية الأرضية".

كوكب الأرض يدور حَوْلَ الشمس، فما معنى هذ الدوران؟ معناه، بحسب افتراض أو تصوِّر قديم، أنَّ ثمَّة "قوَّة" في الشمس تشدُّ الأرض، دائماً، إلى هذا النجم، فتمنعها، بالتالي، مِنَ الإفلات والهروب مِنْ مدارها حَوْله، وكأنَّ هذه "القوة الافتراضية" تَنْسِج "خيوطاً قويَّة غير مرئية" تشدُّ بها، دائماً، الأرض إلى الشمس، مبقيةً الكوكب في مداره حَوْلَ النجم. وهذه "القوَّة" سُمِّيَت "الجاذبية الشمسية".

على أنَّ فرضية "الجاذبية الشمسية" لَمْ تُجِبْ عن أسئلة عديدة مهمَّة في شأنْ كيفية عملها. فالفضاء بين الشمس والأرض فُهِمَ على أنَّه "وسط لا مادي"، و"فراغ مثالي"، وإنْ تموضعت، وانتقلت، فيه "مادة".

لقد حاروا في تفسير هذا التأثير "عن بُعْد"، متسائلين، في حيرة واستغراب، عن كيفية تأثير الشمس في الأرض "عن بُعْد"، وعَبْرَ هذا "الوسط اللا مادي"، أي الفراغ بين الشمس والأرض.

وتساءلوا عمَّا إذا كان هذا التأثير (تأثير الجاذبية الشمسية في الأرض) مِنْ نمط "فوري"، أي لا زمان له حتى يمكننا حسابه.

وسرعان ما فسَّروا ظواهر طبيعية أُخْرى على أنَّها مِنْ صٌنْع تلك القوَّة المجهولة الخفيَّة، التي تؤثِّر "عنْ بُعْد"، و"فوراً"، أي في زمن لضآلته ليس بالزمن. ودُعِيَت هذه "القوَّة" بـ "الجاذبية" Gravity.

آينشتاين بدا غير مُحبِّذ لهذا لهذا التفسير الافتراضي (أي الجاذبية كما فهمها نيوتن). ولا شكَّ في أنَّ ظاهرة "الجذب المغناطيسي" قد أثَّرَت في فهمه لـ "الجاذبية الكونية"، معنى وعملاً. وأحسب أنَّ شيئاً مِنْ معنى "الجاذبية الكونية" يمكننا الوقوف عليه في تأمُّل ظاهرة "الجذب المغناطيسي".

إنَّ قطعة مِنَ المغناطيس يمكنها أنْ تجذب، أو تشدَّ، إليها "عَنْ بُعْد" قطعة مِنَ الحديد. هذا المثال لا يعيننا على فهمٍ لـ "الجاذبية" يتخطَّى ما ذُكِرَ مِنْ عقبات. ولكن هذا التخطِّي يصبح ممكناً إذا ما وَضَعْنا "برادة مِنَ الحديد" على "ورقة"، وضَعْنا "قطعة مِنَ المغناطيس" تحتها.

في هذا المثال، سنرى، أوَّلاً، أنَّ قطعة المغناطيس قد جَذَبَت، أو شدَّت، إليها، عَبْرَ الورقة، برادة الحديد، وسنرى، مِنْ ثمَّ، أنَّ "البرادة" قد توزَّعت وانتشرت فوق الورقة في شكل محدَّد. لقد جَعَلَت قطعة المغناطيس لـ "المكان"، أو لـ "الفراغ"، أو "الفضاء"، المحيط بها خصائص محدَّدة.

الفضاء، أو الفراغ، حَوْلَ قطعة المغناطيس إنَّما يشبه "قطعة مِنَ العجين"، أثَّرَ فيها (أي في شكلها وهيئتها وخواصِّها) وجود قطعة المغناطيس. وهذا الفضاء المحيط بقطعة المغناطيس، والذي اختلفت وتغيَّرت خواصه الفيزيائية بسبب وجود قطعة المغناطيس، يسمَّى "المجال (أو الحقل) المغناطيسي". وبسبب وتأثير هذه "الخواص المكانية" حَدَثَ الجذب، أو الشد، وفي شكل محدَّد، وطريقة محدَّدة.

لقد خَلَقَت قطعة المغناطيس حَوْلها خصائص فيزيائية محدَّدة لـ "المكان (أو الفراغ، أو الفضاء)". وهذه "الخصائص المكانية" هي التي تتحكَّم في حركة "البرادة"، وتتولَّى تنظيمها، وكأنَّها شرطي السير الذي يقوم بتنظيم سَيْر السيَّارات.

وجود كتلة الشمس يَخْلِق خصائص فيزيائية محدَّدة للفضاء المحيط بها. إنَّه يَخْلِق ما يشبه "مسارات دائرية" في الفضاء المحيط بالشمس، فـ "يُجْبَر" كوكب الأرض، مثلاً، على السير في مسارٍ (مدار) منها، أي "يُجْبَر" على الدوران حَوْلَ الشمس. وهذا الدوران يشبه تَدَحْرُج كرة على أرض مقوَّسة. وفي التدحرج تنتقل الكرة إلى أوطأ نقطة في الأرض المقوَّسة.

و"المسار"، أو "المدار"، الأقرب إلى الشمس هو الأشد انحناءً، أو تقوُّساً، أو تحدُّباً، وهو الذي يسير فيه الجسم، أو الكوكب، بسرعة أكبر. وكلَّما ابتعدنا في الفضاء عن جسم (نجم، أو مجرَّة) كبير الكتلة قلَّ وتلاشى "الانحناء"، وتمكَّنت الأجسام، بالتالي، مِنَ السير في "خطوط مستقيمة". وكلَّما زادت كتلة الجسم (النجم مثلاً) زادت انحناء الفضاء حَوْلَهُ.

كتلة الشمس خَلَقَت في الفضاء المحيط بها مسارات "دائرية"، ينبغي للكواكب أنْ تسير فيها، فالأرض ينبغي لها أنْ تسير في مسارٍ منها. وسَيْرها في هذا المسار، أو المدار، هو مِنْ تأثير قوَّة "قصورها الذاتي".

الجسم الآتي إلى الشمس مِنْ بعيد، أي مِنْ حيث لا انحناء في الفضاء، إنَّما يأتي إليها سائراً في "خطٍّ مستقيم"، فيقع في أسر مسارٍ منحنٍ عندما يقترب منها، فيتحرَّك حَوْلها وكأنَّه كرة تدحرجت على أرض مقوَّسة.

وفي مثال توضيحي، نأتي بقطعة قماش مشدودة أُفقياً، فنُلْقي فيها كرة مِنَ الخشب، فتسير هذه الكرة في خطٍّ مستقيم. نَضَع في وسط قطعة القماش تلك كرة مِنَ الرصاص، فيتقعَّر وسطها، فإذا ألْقينا في قطعة القماش كرة مِنَ الخشب فإنَّها تسير في خطًّ مستقيم، ثمَّ تقع في "الغَوْر" مِنْ هذه القطعة، ثمَّ تدور حَوْلَ كرة الرصاص.

و"النجم" يحفر في الفضاء المحيط به ما يشبه هذا "الغَوْر"، الذي عمقه (أو أنحناؤه) يتناسب مع مقدار كتلة النجم.

ويستطيع الجسم، أو الجسيم، الإفلات مِنَ "الأغوار الفضائية" للنجم، والتي تشبه "المصائد"، إذا ما امتلك مقداراً كافياً مِنَ "السرعة"، ففي حال امتلاكه ما يكفي مِنَ السرعة يستطيع الإفلات، فينحرف مساره قليلاً عند اقترابه مِنَ النجم، ثمَّ يستأنف السير في خطٍّ مستقيم.

و"الفوتون"، أي جسيم الضوء، هو قذيفة في منتهى السرعة (300 ألف كلم في الثانية) تخترق فلك الشمس مِنْ دون أنْ تسقط في "غورها الفضائي"، ولكنَّ مسارها ينحني قليلاً على مقربة مِنَ الشمس، ثمَّ تستأنف السير في مسار مستقيم.

مدار الأرض حَوْلَ الشمس إنَّما يشبه "سطح (أو محيط) كرة فضائية كبيرة" تتدحرج عليه "كريَّة"، هي كوكب الأرض. وبسبب "القصور الذاتي" لهذه "الكريَّة"، لا تتغيَّر سرعتها، زيادةً أو نقصاناً، ولا يتغيَّر الاتِّجاه الذي فيه تتحرَّك.

المسارات حَوْلَ الشمس، والتي تخلقها كتلة الشمس في الفضاء المحيط بها، "تٌكْرِه" الأجسام المتَّجهة نحوها في مسارات مستقيمة على السير فيها، فتشرع تدور حَوْلَها، أو ينتهي بها السير إلى السقوط فيها، فهذا المسار المنحني يَجْعَل الجسم في مدار دائم حَوْلَ الشمس، وذاك قد يقود الجسم إلى السقوط في الشمس. وليس مِنْ سبيل لتغلُّب الجسم على تأثير هذا الانحناء الفضائي أو ذاك سوى "السرعة"، فهي وحدها التي تقيه شرَّ السقوط في قبضة الانحناء الذي خلقته كتلة الشمس في الفضاء المحيط بها.

إنَّ الفضاء حَوْل جسم كبير الكتلة يتأثَّر، حتماً، بوجود "الكتلة"، فيُتَرْجَم هذا التأثُّر بتغيير في اتِّجاه حركة الأجسام، أو الجسيمات، المتَّجِهة نحو هذا الجسم.

كوكب الأرض، مثلاً، يدور، في مدار خاص به، حَوْل الشمس، فَلِمَ يدور؟ لِمَ لا يكون "ثابتاً"، أو "ساكناً"، في جوار الشمس؟ الإجابة هي "لأنَّ الشمس تدور حَوْل محورها".

وقد اكتشف علما الفلك ما لَمْ يتوقَّعه نيوتن في نظريته الخاصَّة بالجاذبية. اكتشفوا أنَّ كل جسم ضخم الكتلة يدور حَوْل محوره لا بدَّ له مِنْ أنْ "يَجُرَّ"، أو "يَسْحَب"، الفضاء مِنْ حَوْلِه بما فيه مِنْ أجسام، وكأنَّه يُحوِّل الفضاء المحيط به إلى ما يشبه ريحاً تَجْعلُ كل جسم (كوكب مثلاً) في طريقها يدور حَوْلَ ذلك الجسم، أي حَوْلَ النجم مثلاً.

لو كان وجود "الكتلة" لا يؤدِّي إلى إنحناء الفضاء (والزمان) مِنْ حَوْلها مع ما يترتَّب على هذا الانحناء مِنْ ظواهر نَسَبَها نيوتن إلى "قوَّة الجاذبية" لَصَحَّ فَهْم "الجاذبية" على أنَّها "قوَّة" تعمل وتمارِس تأثيرها مِنْ على بُعْد.

على أنَّ "الجاذبية"، وبحسب "النسبية العامَّة" لآينشتاين، ليست بـ "القوَّة (التي تعمل مِنْ على بُعْد)"؛ لأنَّها لا تنشأ وتَظْهَر إلا عندما ينحنى الفضاء بسبب وجود "الكتلة" فيه، فـ "الكتلة الكروية الشكل"، كالنجم، تُنْتِجُ "تشويهاً" deform في الفضاء (أو في المكان ـ الزمان) يُشبه كثيراً التشويه الذي تُحْدِثهُ كرة مِنَ الرصاص في سطح غطاء (أو ملاءة) مِنَ المطاط.

وهذا "التشويه" هو ما يَجْعَل الكواكب تدور حَوْلَ الشمس، والقمر حَوْلَ الأرض. إنَّ كل "الحركات المدارية" هي نتيجة تأثُّر الأجسام (التي تتحرَّك مدارياً) بـ "انحناء (أو تقوُّس)" الفضاء (أو "الزمكان") الذي تتحرَّك فيه.

كيف يتسبَّب وجود الكتلة (كتلة نجم مثلاً) في انحناء الفضاء القريب منه؟ التفسير يكمن في "موجات الجاذبية" Gravitational Waves التي تنبعث مِنَ النجم، فتنتقل (في الفضاء) بسرعة الضوء.

انتشار "موجات الجاذبية" يشبه انتشار "موجات الماء"، فإذا أنتَ رميتَ حجراً في بركة ماء فإنَّ "موجات الماء" تشرع تنتشر مِنَ "المَرْكَز"، أي مِنْ حيث ضَرَبَ الحجر سطح ماء البركة. إنَّها تنتشر على سطح الماء بعيداً عن ذلك "المَرْكَز".

في الطريقة ذاتها، تنتشر "موجات الجاذبية" في الفضاء بعيداً عن "مَرْكَزها" فَتُنْتِجُ انحناءً في الفضاء المحيط بالنجم المنبعثة منه.

ويتوقَّع بعض الفيزيائيين وجود جسيم "غرافيتون" Graviton عديم الكتلة، يسير بسرعة الضوء، ويَنْتَقِلَ عَبْره تأثير الجاذبية مِنْ "المَصْدَر (مِنْ نجم مثلاً)" إلى الفضاء الخارجي، فـ "الموجية" و"الجسيمية" تَتَّحِدان في "الجاذبية" كما تَتَّحِدان في "الضوء".

في الاستقامة والانحناء

هل مِنْ وجود لـ "الفضاء الخالص"؟ لا شكَّ في أنَّ آينشتاين فكَّر مليَّاً في هذا السؤال، وفي كل ما أفضى إليه مِنْ إجابات. وقد توصَّل إلى استنتاج في منتهى الأهمية (الفلسفية والفيزيائية) إذ قال: "الفضاء الخالص إنَّما هو العدم بعينه".

"الفضاء الخالص" هو الفضاء الذي لا وجود فيه لـ "المادة"، على افتراض (لا أساس له مِنَ الصحة) هو أنَّ الفضاء ذاته ليس بـ "مادة"، أي ليس بحالة مِنْ حالات وجود المادة. ونفي "العلمية" عن "الفضاء الخالص" ينفي "العلمية"، بالتالي، عن القول بانبثاق مادة مِنْ لا شيء (في الفضاء).

"المادة"، و"القوَّة"، هما "محتوى" الفضاء. وهذا "المحتوى المادي" للفضاء هو الذي يجعله هو هو، ويجعل له خصائصه، فليس مِنْ موضع في الفضاء، مهما صَغُرَ أو كَبُرَ، يخلو تماماً مِنَ الأجسام، أو الجسيمات، أو الضوء، أو الحقول والقوى.

والفضاء ليس بـ "الوعاء" الذي تُوْضَع فيه الأشياء، وليس بـ "الوسط السلبي"، فهو وسط يؤثِّر في "المادة"، ويتأثَّر فيها، في الوقت نفسه، أي أنَّه في تفاعل دائم مع محتواه مِنَ "المادة" و"القوى".

الفضاء ينحني موضعياً، فإذا نَظَرْنا إلى "النجم"، أو "المجرَّة"، على أنَّه، أو على أنَّها، "كرة (جسم كروي)" فإنَّ الفضاء (في جوار هذه "الكرة") هو الذي "يُغَلِّفها"، وكأنَّه غلاف فوقه غلاف فوقه غلاف.. فـ "كروية" هذا الفضاء المحلي، أو الموضعي، مِنْ كروية الجسم أو الكتلة.

و"الانحناء" يشمل، أيضاً، الكون بأسره، فالكون، في شكله، هو، أيضاً، كرة.. كرة ضخمة. على أنَّ "الكرة الكونية" ليس كمثلها كرة، فالكون كله، أي الفضاء والنجوم والمجرَّات..، إنَّما هو "غشاء"، أو "سطح"، أو "محيط"، هذه الكرة فحسب. وهذا "الغشاء الكروي" لا شيء تحته، ولا شيء فوقه، وكأنَّ "الكرة الكونية" لا جوف لها، ولا شيء حَوْلها.

و"المجرَّات"، و"الكيانات الكونية الأكبر حجماً"، تشبه "النتوءات"، أو "التضاريس"، في هذا "الغشاء الكوني"، والتي هي في حجمها قطرة في بحر الفضاء الكوني، الذي هو، أيضاً، لا وجود له إلا في غشاء، أو على سطح، "الكرة الكونية".

والكون، عند نشوئه، كان كرة متناهية في الصِغَر، وتتركَّز فيها المادة تركُّزاً لا مثيل له في عظمته، ثمَّ شرعت تتمدَّد وتنتفخ، متحوِّلةً إلى ما يشبه "فقاعة الصابون"، أي أنَّ هذه "الكريَّة" اشتملت على "قوَّة" أفْرَغَت "المادة" مِنْ جوفها، لتنشرها على سطحها الآخذ في التمدُّد والاتِّساع، فأصبح الكون كله، أي الفضاء والنجوم والمجرَّات..، في "غشاء"، أو على "سطح"، هذه الكرة الكونية، التي لا تشبهها كرة، والتي ما زالت في تتَّسِع وتتمدَّد.

كل جسم يميل (بطبعه) إلى المحافَظَة على سَيْره بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم، فإذا ما أثَّرت في حركته هذه قوَّة خارجية هبَّ لمقاومتها.

إنَّ "الحركة الطبيعية" لكل جسم، أو جسيم، هي تلك الحركة، أي سَيْر، واستمرار سَيْر، الجسم، أو الجسيم، بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم.

وليس "الفضاء"، الذي تسير فيه الأجسام والجسيمات، سوى "سطوح متفاوتة الانحناء. و"الانزلاق"، أو "التدحرج"، هو شكل سَيْر الجسم، أو الجسيم، على هذا "السطح (الفضائي) المنحني"، أو ذاك.

الجسم، أو الجسيم، يأتي مِنَ الفضاء البعيد سائراً في خطٍّ مستقيم، فيقترب مِنْ "كتلة (نجم مثلاً)" ينحنى الفضاء حَوْلها، فـ "يُكْرَهُ" على السير، إنزلاقاً أو تدحرجاً، على سطح مِنَ السطوح الفضائية لهذه الكتلة.

وعندما يصل إلى نهاية هذا "الانحدار"، أو "المنحدَر الفضائي"، وهو النقطة الأوطأ والأقرب، بالتالي، إلى "الكتلة"، يشرع يدور حَوْلها (بسرعة ثابتة منتظَمة).

ومع هذا الدوران تتولَّد في الجسم قوَّة تحاوِل، أو تسعى في، طرده (أو إبعاده) عن "المركز"، أي عن الكتلة التي يدور حَوْلَها، او عن مركز هذه الكتلة.

والجسم الأسرع في دورانه إنَّما هو الجسم الأقرب إلى تلك الكتلة. والجسم الأسرع في دورانه إنَّما هو، أيضاً، الجسم الأكبر في قوَّة الطرد المركزي التي تولَّدت فيه. و"السرعة" هي القوَّة التي بفضلها يتمكَّن الجسم مِنْ تفادي الوقوع في مصيدة الدوران حَوْل الكتلة النجمية، أو مِنَ الإفلات مِنْ "مداراتها".

وينبغي لنا أنْ نفهم دوران الجسم حَوْلَ كتلة نجمية على أنَّه "حركة حرَّة طليقة مِنْ كل قَيْد"، فـ "جاذبية الكتلة النجمية" ليست بـ "القوَّة" التي تشد الجسم إليها، أو تُرْغمه على الدوران حَوْلَها.

إنَّ انحناء الفضاء حَوْل "الكتلة النجمية"، والذي تسبَّب فيه وجود هذه الكتلة، هو ما يضطر الجسم إلى أنْ ينحني في خطِّ سيره (الذي كان مستقيماً) فيدور حَوْلَ كتلة النجم بسرعة ثابتة منتظمة.

هذا الجسم يسير على هذا النحو بقوَّة "قصوره الذاتي". وهو لا يبدي "مقاوَمة"؛ لأنَّه لَمْ يتعرَّض لتأثير "قوَّة خارجية"، فجاذبية الكتلة النجمية ليست بـ "القوَّة الخارجية" التي تُغيِّر في حركته حتى يهب لمقاوَمتها.

خطأ نيوتن يكمن في كونه تصوَّر دوران جسم (كوكب) حَوْلَ كتلة نجم على النحو الآتي: هذا الجسم تَغيَّر اتِّجاه حركته، كان يسير في خطٍّ مستقيم فأصبح يسير في خطٍّ دائري. ولَمَّا كان "القصور الذاتي" للجسم يمنعه مِنْ أنْ يحيد عن "الخط المستقيم"، استنتجَ أنَّ "قوَّة خارجية" هي التي جعلته يسير في خط دائري. وقد سمَّى هذه القوَّة الافتراضية "الجاذبية الكونية".

بتأثير "قوَّة خارجية" يحيد الجسم، في سيره في الفضاء، عن الخط المستقيم، فينحني خطَّ سيره. ولكن ليس كل انحناء في "المسار" يجب أنْ يَنْتُجَ مِنْ ضغوط "قوَّة خارجية"؛ فـ "الفضاء المنحني (المُقوَّس)"، وهو ليس بـ "القوَّة"، يؤدِّي إلى انحناء مسار الجسم. وهذا الانحناء لا يستثير "مقاوَمة" مِنْ جانب "القصور الذاتي" للجسم، أي أنَّ فِعْل قانون "القصور الذاتي" للجسم لا يَظْهَر إذا ما سار الجسم بسرعة ثابتة منتظَمة حَوْلَ كتلة نجمية، وكأنَّ هذا "الدوران" يماثِل السير في "خطٍّ مستقيم".

اكتشف غليليو الآتي: إذا ألْقَيْنا أجساماً مختلفة الحجم والكتلة مِنْ محل مرتفع فإنَّها تَسْقُط إلى الأرض بسرعة واحدة، على أنْ يُجْرى هذا الاختبار في وعاء مفرَغ مِنَ الهواء. يُضاف إلى ذلك أنَّها (أي الأجسام) تتسارع في أثناء سقوطها، فالجسم الساقط (أي المُنْتَقِل في خطِّ عمودي) لا يسقط بسرعة ثابتة منتظَمة.

أمَّا لو دُفِعَت الأجسام ذاتها (بقوَّة خارجية واحدة) في خطٍّ أُفقي فإنَّها تَخْتَلِف وتتفاوت في سرعة انتقالها (الأُفقي).

هذا التناقض بين الظاهرتين يَحْمِل على الاعتقاد بأنَّ قانون "القصور الذاتي" لا يَظْهَر فِعْله وتأثيره إلا في الأجسام المتحرِّكة في اتِّجاه أُفقي فحسب.

هل حلَّ نيوتن هذا التناقض، وكيف؟ لقد حلَّه بأنْ قال إنَّ الجاذبية الأرضية تشدُّ إليها الأجسام الساقطة (أي المنتقلة عمودياً) والمختلفة الكتلة بقوى مختلفة ومتفاوتة، فتَصِلُ جميعاً إلى سطح الأرض في الوقت عينه، فـ "قوَّة الجَذْب (الخفيَّة)" تشدُّ الجسم (الساقط إلى سطح الأرض أو نحو مركز الأرض حيث تتركَّز الجاذبية الأرضة) بما يتناسب مع حاصِل جَمْع كتلتيهما (أي كتلة الجسم وكتلة الأرض) ومُربَّع المسافة بينهما، فالجسم الأكبر في كتلته، أو الذي بينه وبين سطح الأرض مسافة صغيرة، تشدُّه الجاذبية الأرضية بقوَّة أعظم.

وبما أنَّ الأرض تشدُّه بقوة أعظم فهذا معناه أنَّ "قصوره الذاتي"، أو ميله إلى مقاوَمة الحركة، أكبر وأعظم.

إنَّ الأجسام الساقطة (أو المنتقلة عمودياً) مِنْ المحل المُرْتَفِع ذاته، تُدْفَع، بحسب حل نيوتن، نحو (أو تُشدُّ إلى) سطح الأرض بقوى شد مختلفة باختلاف كتلة كلٍّ منها، أو "قصوره الذاتي"، فالأكبر كتلة يُشدُّ بقوَّة أكبر، فتكون النتيجة أنَّ الأجسام جميعاً، وعلى اختلافها في الكتلة والحجم، تصل إلى سطح الأرض في الوقت عينه.

وفي حال "الانتقال الأُفقي"، يمكننا الوصول إلى النتيجة ذاتها لو أنَّنا دَفَعْنا كل جسم بقوَّة تنناسب مع كتلته، أو قصوره الذاتي. ويمكننا جعل الأجسام تتماثل في تسارعها لو أنَّنا زِدْنا قوَّة الدفع زيادة تتناسب مع كتلة كلٍّ منها.

جاذبية نيوتن (الأرضية) تغلَّبت على "القصور الذاتي" للأجسام فأسْقطتها، أي نقَلَتْها مِنَ السكون إلى الحركة نحو سطح الأرض، ثمَّ جعلتها تتسارَع.

وعليه فَهِمَ نيوتن الجاذبية على أنَّها "قوَّة خارجية خفيَّة" تَقْهَر "القصور الذاتي" للأجسام، فتُحرِّكها (أي تُسْقِطها) وتجعلها تتسارَع، عَبْرَ التأثير فيها تأثيراً متفاوِت الشدَّة، أي تختلف شدَّته باختلاف كتلة الجسم أو بُعْدُه عن سطح الأرض.

وفَهِمَ هذا "السقوط الحر" للأجسام نحو سطح الأرض (أو نحو مركزها) على أنَّه سَيْرٌ لها، أو انتقال، في خطًّ مستقيم، أو عمودي.

"الجاذبية" عند نيوتن كانت "القوَّة الخارجية الخفيَّة" التي بها يتغلَّب الجسم الأكبر كتلة على "القصور الذاتي" للجسم الأصغر كتلة إذا ما كانت المسافة بينهما لا تتجاوَز "حَقْل (أو مجال) جاذبية" الجسم الأكبر كتلة.

أمَّا عند آينشتاين فهي ليست بـ "القوَّة"، ولا بـ "القوة التي تقهر القصور الذاتي لجسم"، وإنَّما هي "انتقاضة" القصور الذاتي، فـ "الجاذبية"، بكل مظاهرها، تؤكِّد ذاتها ووجودها عندما "ينتفض" القصور الذاتي لجسم.

ولكنَّ "القصور الذاتي" لا ينتفض إلا عندما يتعرَّض الجسم لتأثير قوَّة خارجية، فإذا سعت "قوَّة خارجية" في تحريك جسم ساكن، أو في تغيير سرعة جسم متحرِّك (بأنْ تزيدها أو تنقصها) أو في تحويل "الخطِّ المستقيم" الذي يسير فيه إلى "خطٍّ منحنٍ"، فإنَّ هذا الجسم يهب، عندئذٍ لـ "المقاوَمة"، أي أنَّ قصوره الذاتي ينتفض. وفي هذه "المقاوَمة"، وبها، تُنْتَج تلك المظاهر الفيزيائية التي تُنْسَب إلى "جاذبية نيوتن".

وهذا يعني أنَّ هذه المظاهِر يمكن ويجب أنْ تختفي عندما يكون "القصور الذاتي" للجسم بمنأى عن كل ما يمكن أنْ يستثير مقاوَمته، أو يدفعه إلى الانتفاض، أي عندما يكون الجسم في الحال الآتية مِنَ الحركة: السَيْر (في الفضاء أو الفراغ) بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم.

ونحن يكفي أنْ نَعْرِضَ الأمر على هذا النحو حتى يتضح لنا أنْ لا نيوتن وحده، ولا آينشتاين وحده، قد أجاب بما يكفي مِنَ الوضوح والدقَّة عن سؤال "ما هي الجاذبية.. وكيف تعمل؟".

إذا كانت "الكتلة" قطرة في بحر "الفضاء" فإنَّ الاستناج الذي لا مفرَّ منه هو أنَّ "الغالبية الفضائية العظمى" لا تعرف مِنَ "الانحناء" إلا ما يشبه "الاستقامة"، فـ "الفضاء بين المجرَّات" مثلاً، أقل انحناء بكثير مِنَ "الفضاء حَوْلَ الشمس" مثلاً.

وهذه "الاستقامة النسبية" لـ "الفضاء بين المجرَّات" تعني أنَّ "السير في خطٍّ مستقيم" هو الغالب على النطاق الكوني، على أنْ نفهم "استقامة المسار" فهماً نسبياً.

وبحسب هذا الفهم النسبي لـ "الاستقامة" و"الانحناء" في "المسار الفضائي"، يمكن القول بأنَّ "الفضاء المستقيم" هو "معظم الفضاء الكوني"، فـ "الفضاء المنحني" إنَّما يًعْدِل قطرة في بحر "الفضاء المستقيم".

بين المجرَّات مثلاً يستقيم الفضاء، أي السير في الفضاء، فإذا دفعنا كرة فإنَّها تتحرَّك. ولسوف تظل تسير في "خطٍّ مستقيم"، وبسرعة ثابتة، أي لا تزيد ولا تنقص، إلى الأبد، أي إلى أنْ تؤثِّر فيها "قوَّة خارجية"، فتُغَيِّر اتِّجاه حركتها، أو تزيد، أو تقلِّل، سرعتها، أو تُوْقِفها عن الحركة.

على أنَّ هذا القول ليس "مُطْلقاً" في صحَّته، فهذه الكرة، وإنْ كانت تسير في ذلك الفضاء، ليست بـ "المخزون الثابت مِنَ الطاقة"، فاحتفاظها بـ "طاقتها الحركية"، بلا زيادة أو نقصان، لا يعني أنَّها لا تتبادل الطاقة مع محيطها الفضائي والكوني. إنَّها، دائماً، تُطْلِق وتمتص طاقة. وهذا التفاعل، الذي ينبغي لنا ألا نضرب عنه صفحاً، لا يبقيها إلى الأبد في حركتها تلك، أي لا يبقيها (إلى الأبد) في السرعة ذاتها، والاتِّجاه ذاته.

ولكن دعونا نفترض أنَّ هذه الكرة، وبقوَّة قصورها الذاتي، قد ظلَّت تسير في خطٍّ مستقيم، وبالسرعة ذاتها. هذه الحال ليست بـ "أبدية"، فلا بدَّ للكرة مِنْ أنْ تتأثَّر، عاجلاً أو آجلاً، بـ "انحناء فضائي" لـ "نجم"، أو "مجرَّة". فكيف ستتأثَّر؟ إنَّ الكتلة في الجسم (نجم أو مجرَّة) يَنْطَلِقُ مِنْ مركزها، وفي كل الاتِّجاهات في الفضاء المحيط بها، ما يشبه "الخيوط". والنجم، مثلاً، يُلَفُّ عليه "الخيط" كما يُلَفُّ على "بكرة". وهذا "الخيط" هو "الانحناء الفضائي" للنجم.

و"الانحناء الفضائي" يشبه، في تأثيره، "ريح" تَضْرِبُ زورقاً مُبْحِرٍ في "خط مستقيم"، فينحني خطَّ سيره. وللتغلُّب على تأثير "الريح"، ومتابعة سيره في خطٍّ مستقيم، ينبغي لهذا الزورق أنْ يسير بسرعة كافية.

إذا انطلقت "قذيفة" مِنْ على سطح نجم إلى الفضاء الكوني فإنَّ سيرها في خطٍّ مستقيم يتعرَّض، في استمرار، لتأثير "قوَّة الانحناء الفضائي" للنجم، فكل "انحناء" يحاوِل أنْ يَشُدَّ إليه "القذيفة" المنطلقة في خطٍّ مستقيم حتى تسير فيه، أي في هذا "الانحناء"، أو "المسار الفضائي المنحني (المُقَوَّس)". فإذا كانت "القذيفة" لا تملك مِنَ السرعة ما يكفي لتغلُّبها على تأثير "قوَّة (أو ريح) الانحناء"، ومتابعة سيرها، بالتالي، في خطٍّ مستقيم، فإنَّها تَدْخُل، لا محالة، في هذا "المسار الفضائي المنحني"، أو ذاك، فتسير فيه وكأنَّها كريَّة تتدحرج على سطح مُقَوَّس (مِنْ وجهه الخارجي أو مِنْ وجهه الداخلي) فتعود إلى حيث انطلقت، أي إلى سطح النجم، أو تدور، وتستمر في الدوران، حَوْلَه بقوَّة قصورها الذاتي.

"المنحنى الفضائي"، وللنجم ما لا عدَّ له ولا حَصْر مِنَ "المنحنيات الفضائية"، يشدُّ إليه كل جسم، أو جسيم، يسير في خطٍّ مستقيم. أمَّا وسيلة التغلُّب على تأثيره فهي "السرعة"، فكلَّما "تسارعت" المادة، المنطلقة مِنَ النجم، أو المنطلقة إليه، أو السائرة على مقربة منه، نجحت في التغلُّب على تأثيره.

على أنَّ نجاحها هذا لن يحفظ لخطِّ سيرها استقامته التامة، فهذه "الاستقامة" لا بدَّ لها مِنْ أنْ تنحني، قليلاً أو كثيراً.

إنَّ الجسم ما أنْ يَدْخُلَ في "فَم" أحد تلك "الخيوط" حتى "يُشد" و"يُسْحَب"، فينحنى خطَّ سيره. وكلَّما اقتربنا مِنَ النجم ازدادت "كثافة الخيوط"، واشتد انحناؤها، وعَظُمَ تأثير قوَّة (أو ريح) الانحناء.

إنَّ الجسم المنطلِق مِنْ نجم إلى الفضاء الكوني لا يمكنه، أبداً، السير في "خط (صاعِد) مستقيم"، والاستمرار في السير فيه، إلا وهو في مقاوَمة مستمرة لـ "قوى" تحاوِل شدِّه، أو سَحْبِه، أو جَرِّه، إلى السير في هذا "المسار الفضائي المنحني" أو ذاك، فإذا كانت سرعته غير كافية للإفلات فسوف يقع في أسْر "منحنى فضائي"، فيَسْقُط إلى سطح النجم، أو يشرع يدور حَوْلَهُ.

وإذا جاء مخترِقاً فضاء النجم فسوف يتعرَّض لـ "الشدِّ" مِنْ هذا "المنحنى الفضائي" أو ذاك. وتبقى "سرعته" هي القوَّة التي بها يُقاوِم، فتَنْجَح مقاوَمته أو تَفْشَل.

نجاحها هو أنْ يحافِظ على أكبر قدر ممكن مِنَ الاستقامة في خطِّ سيره، وفشلها هو أنْ يقع في أسْر هذا "المنحنى الفضائي" أو ذاك.

الجسم في سيره في مسارٍ منحنٍ حَوْلَ نجم إنَّما يسير بسرعة تتناسب مع ما يتعرَّض له مِنْ شدٍّ في اتِّجاه مركز النجم. والدوران بهذه السرعة يقترن، ويجب انْ يقترن، بـ "شدٍّ في اتِّجاه معاكس"، تقوم به "القوَّة الطاردة عن المركز". و"التوازن" بين قوَّتي الشد المتعاكستين يبقي الجسم دائراً حَوْلَ النجم بالسرعة ذاتها.

وكلَّما انتقل الجسم إلى مدار أقرب مِنْ مركز النجم احتاج إلى سرعة أكبر يسير فيها في هذا المدار الجديد. و"التوازن الجديد" إنَّما يقوم، هذه المرَّة، بين قوَّتي شد متعاكستين زادتا شدَّة.

الجسم لديه، دائماً، مِنْ "القوَّة الطاردة عن المركز" ما يجعل ابتعاده عن مركز النجم أمراً ممكناً، فإذا تهيأ له مِنَ الأسباب ما يعزِّز تأثير هذه القوَّة الانفصالية خَرَج عن مداره بعيداَ عن مركز النجم.

وقد يقع في اسْر "منحنى فضائي جديد" يخصُّ النجم ذاته، أو نجماً آخر، وكأنَّ قدر هذا الجسم أنْ ينتقل، بَعْدَ سَيْره، إلى حين، في خطٍّ أقل انحناءً أو أكثر استقامة، مِنْ أسْر "منحنى فضائي" إلى أسْر منحنى فضائي آخر.

وسَيْرُ الجسم في "منحنى فضائي" حَوْلَ نجم إنَّما يشبه "تدحرج" كريَّة على سطح كرة. وفي هذا "التدحرج"، وبسبب "القصور الذاتي" للجسم، يستمر الجسم في دورانه بسرعة ثابتة لا تزيد ولا تنقص حَوْلَ النجم. ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ هذا الجسم لا يتعرَّض، دائماً، لتأثير قوَّة تشده إلى مركز النجم (أو إلى مدار أقرب إلى هذا المركز) وقوَّة تشده بعيداً عن مركز النجم. إنَّ "التوازن المؤقَّت" بين هاتين القوَّتين هو ما يبقي الجسم خاضعاً لتأثير "قصوره الذاتي"، أي مستمراً في دورانه حَوْلَ النجم بسرعة ثابتة منتظًمة.

الأرض تدور حَوْلَ الشمس بسرعة ثابتة، فهي في أسْر هذا "المنحنى الفضائي" مِنَ "المنحنيات الفضائية" الكثيرة للشمس. وسَيْرها الدائم في هذا المسار، وبالسرعة ذاتها، إنَّما يُعْزى إلى "قصورها الذاتي".

ولكنَّ مسار الأرض حَوْلَ الشمس يتعرَّض دائماً للضغوط، التي بعضها يَشُد الأرض نحو الشمس، وبعضها يَشُدها للإفلات مِنْ مدارها بعيداً عن الشمس. و"التوازن" بين هذه الضغوط وتلك لن يستمر إلى الأبد.

قد تُكْرَه الأرض على الإقتراب أكثر مِنَ الشمس. وقد يَنْتُج مِنْ ذلك أنْ تتَّخِذ الأرض مداراً جديداً لها حَوْلَ الشمس، أقرب إلى هذا النجم مِنْ مدارها الحالي. إذا حَدَث ذلك فسوف تدور الأرض في مدارها الجديد بسرعة أكبر مِنْ ذي قَبْل، فإذا لَمْ تستوفِ هذا الشرط، وهو زيادة سرعتها، فإنَّها ستسقُط لا محالة في الشمس.

إنَّ "الشدِّ الشمسي" للأرض هو "فِعْلٌ دائم". وهذا الشد يُتَرْجَم بتغيير في حركة الأرض. وهذا التغيير يتضمن خروج الأرض عن مدارها الحالي، والاقتراب أكثر مِنَ الشمس. وهذا الاقتراب يعني سقوط الأرض نحو الشمس. وهذا السقوط قد ينتهي إمَّا بابتلاع الشمس للأرض وإمَّا بوقوع الأرض في أسْر "منحنى فضائي" أكثر قُرْباً إلى الشمس.

ولا بدَّ لوقوع الأرض في أسْر هذا المنحنى الفضائي الجديد والأكثر قُرْباً إلى الشمس مِنْ أنْ يقترن بزيادة في سرعة الأرض في دورانها الجديد حَوْلَ الشمس.

أمَّا خروج الأرض عن مدارها الحالي، وسيرها بعيداً عن الشمس، فيستلزمان زيادةً في تأثير القوَّة المعاكِسة لقوَّة الشدِّ الشمسي. وفي أثناء هذا "الانفصال"، وبسببه، تتضاءل الطاقة الحركية الجديدة للأرض. وهذا التضاؤل يترتَّب على سعي الأرض للتغلُّب على قوَّة الشد الشمسي. فإذا لَمْ يُعوَّض هذا الفَقْد في الطاقة الحركية فسوف تَجِدُ الأرض نفسها مضطَّرة إلى السير في "منحنى فضائي شمسي جديد" أكثر بُعْداً عن الشمس مِنْ مدارها الحالي.

وفي هذا المدار الجديد تحتاج الأرض إلى سرعة دوران أقل مِنَ سرعة دورانها في مدارها الحالي حَوْلَ الشمس.

إنَّ حركة الأرض، مقداراً واتِّجاهاً، تخضع لتأثير عاملين متداخلين لا انفصال بينهما هما "الشد (أو الجذب) الشمسي" للأرض، و"انحناء الفضاء حَوْلَ الشمس"، فمهوم "الجاذبية" Gravity يمكن، ويجب، استخلاصه مِنْ تصوُّري نيوتن وآينشتاين معاً، فكلاهما ينطوي على "نصف الحقيقة".

ونحن نحتاج إلى "جاذبية نيوتن" في سعينا إلى فهم "تكتُّل المادة"، فـ "انحناء الفضاء (أو المكان)" يمكن أنْ يُفسِّر ظاهرة مِنْ قبيل دوران الأرض حَوْلَ الشمس، ولكنَّه لا يُفسِّر تكتُّل المادة في الشمس ذاتها، واتِّخاذ الكتلة الشمسية شكل الجسم الكروي.

وأحسب أنَّ لدوران الشمس حَوْلَ محورها، وحَوْل مركز مجرَّة "درب التبانة"، تأثيره هو أيضاً في سير الجسم في هذا "المنحنى الفضائي الشمسي"، أو ذاك.

إنَّ كتلة الشمس، مع حركتها حَوْلَ محورها وحَوْلَ مركز المجرَّة، تَخْلِق انحناءً في الفضاء المحيط بها، والقريب منها. وهذا الانحناء، الذي لا يُقْهر تأثيره إلا بسرعة الجسم، يُرغِم الجسم على الانتقال مِنَ "الاستقامة" إلى "الانحناء" في خطِّ سيره.

ومرَّة أُخرى أقول إنَّ "الاستقامة"، و"الانحناء"، في خطِّ سير الجسم في الفضاء يجب فهمهما فهماً "نسبياً"، فلا "استقامة مطلقة"، ولا "انحناء مطلقاً". قريباً مِنَ "الكتلة" يقوى "الانحناء" وتضعف "الاستقامة"، وبعيداً عنها تقوى "الاستقامة" ويضعف "الانحناء". ولكن مهما قوي "الانحناء" يظل منطوياً على "الاستقامة"، ومهما قويت "الاستقامة" تظل منطوية على "الانحناء".

وفي ظاهرة مثل "الثقب الأسود" Black Hole لا تكفي حتى سرعة "الفوتون"، وهي السرعة القصوى في الكون بحسب نظرية "النسبية"، لإفلاته مِنْ انحناء وتقوُّس الفضاء ما بين مركزه ومحيطه المسمَّى "أُفْق الحدث"، وكأنَّه كلَّما حاول الإفلات وقع في أسْر منحنى مِنْ منحنيات الفضاء الداخلي لـ "الثقب الأسود"، فيسير فيه حتى يرجع إلى النقطة التي انطلق منها



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!
- بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
- الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
- بعض من تجربتي في الفساد!
- -العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
- لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
- حلالٌ أن يتزوَّج الرجل ابنته.. حرام أن يتزوَّج مجتمعنا الديم ...
- صناعة تسمَّى -الاحتواء الإيديولوجي-!
- الحوار المستوفي لشروطه
- لهذا السبب ينبغي لإسرائيل استئناف الحرب!
- تناقض يطلب تفسيرا!
- -الأخلاق النووية- للولايات المتحدة!
- رياح الحرب ذاتها تتجه نحو إيران!
- غيض من فيض الدروس!
- -الدولة الأمْنِيَّة-.. قانون -الرعب المتبادَل-!
- لغز الموت!
- حزيران الذي انتهى في تموز!
- نصر يريدون إهداءه إلى إسرائيل!
- الاحتلال -الفارغ-!
- هذا القرار يجب أن يسقط!


المزيد.....




- ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف ...
- زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
- -خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - في -النسبية-