أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين مبارك - وهم الثورة ولعبة الأمم















المزيد.....

وهم الثورة ولعبة الأمم


عزالدين مبارك

الحوار المتمدن-العدد: 7225 - 2022 / 4 / 21 - 21:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن ما يسمى بالثورة التونسية ثورة بأتم معنى الكلمة لأن الحراك الاجتماعي الذي وقع تحت ضغط الحاجة للحرية والعيش الكريم وبفعل فاعل أيضا لم يغير الواقع بعمق بل حدث تصدع بسيط على السطح وزلزال خفيف استغلته أطراف خارجية وداخلية للتموقع من جديد على أنقاض النظام المنهار دون مشروعية اجتماعية تمكن الطبقات المنفية في وطنها والمقصية قسرا من تقاسم الثروة وخيرات البلاد والتطلع لمستقبل أفضل.
وهكذا عاش الناس والنخبة على حد السواء وهم الثورة وانخدعوا بها ولم يفيقوا إلا بعد فوات الأوان ونحن الآن في المرحلة الأخيرة من انكشاف المستور وتعرية الذات والكفر بما يسمى ثورة حتى وصل الأمر إلى الحنين للعهد الماضي.
فكل واحد منا سيعود سريعا إلى حجمه الحقيقي وموقعه الطبيعي كما فرضته الطبيعة ومكر التاريخ والجغرافيا بعد انتهاء اللعبة والغشاوة والخداع والنشوة الكاذبة وستبقى فيافي الربوع البائسة فقيرة ومعدمة مثلما كانت على مر التاريخ وسيعود الباشوات إلى أوكارهم ودسائسهم وفسادهم ولعبتهم المفضلة وكأن شيئا لم يحدث.
وأكثر الناس انخداعا بما حدث هم من صدقوا الوهم وساروا في ركابه حتى لم يعد بإمكانهم التراجع والعودة للوراء وقد انغمسوا في لعبة خداع الذات طمعا في مكانة زائفة في صفحة التاريخ المثقوب الذاكرة والناكر للمعروف قبل الوداع الأخير وفوات الفرصة السانحة.
ونتيجة التفتت المؤقت للدولة المنهارة تكالبت على الفريسة الجريحة الرهوط من كل حدب وصوب تذكرنا بغزوات بني هلال وقد شدوا الرحيل لبلد العسل واللبن المسكوب والكلأ الوفير وأصبح صغيرهم في غفلة من التاريخ سيدا يفتي في كل شيء ويصول ويجول كالديك في حضرة الدجاج وقد انعدمت أخلاق السياسة وارتفع مقياس الفساد والمحسوبية إلى الأعلى في غياب كلي للمحاسبة الحقيقية وحملة التنظيف والمكاشفة مثلما نعلمه عن الثورات ونتائجها المستحقة.
فكل الأحداث اللاحقة تؤكد أننا خدعنا وأن خيوط اللعبة بيد جهات خارجية تعمل وتهندس الأجندات وخارطة الطريق من خلف الستار ولم تكن لنخبنا الموقرة غير هامش بسيط من حرية التصرف ضمن ضوابط محددة وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
والمشكل ليس في ما تقوم به الدول الفاعلة على المستوى العالمي فهذا واقع مفروض علينا تقريبا ومسلط على جميع الدول بطرق شتى وبمقادير مختلفة لكن السياسي المحنك هو الذي يتعامل مع هذه المعطيات وفق مصالح شعبه ولا يقايض بقاءه في الحكم بالتنازلات المهينة ورهن القرار السيادي بيد الخارج وهكذا وقع الوافدون الجدد للحكم في فخ لعبة الأمم وضاعت البوصلة من بين أيديهم.
فالشعب الصابر بطبعه والمتحمل على مر الدهور لقساوة الحياة أبا عن جد يمكن له أن يكابد المشاق والمعاناة ويصبر عقودا أخرى لو وجد من يسوسه باحترام بعيدا عن التعالي والوهم والخداع.
فالشعوب العربية مع الأسف الشديد تعيش كالنعاج والخرفان في أوطانها مفعول بها في كل الحالات وليس من حقها أن تحتج أو تثور رغم هول الظلم والقهر وقد تسلط عليها الحكام منذ أزمان غابرة وتحالفوا مع الأجانب للبطش بهم وإهانتهم والغاية من ذلك البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة.
وإن ثارت هذه الشعوب يوما على الظلم المسلط عليها فيتم قمعها بشدة وإسكات صوتها والتآمر عليها وخداعها وتضليلها وكبح جماحها والسطو على ثروتها وتبذيرها في غير منفعة للمجتمع.
كما أن الديون الخارجية التي تقرض للدولة باسم الشعب من أجل التنمية وخلق فرص عمل تذهب لرفاهية النخب الحاكمة فيزيد تسلطهم على الرقاب ونفوذهم وجشعهم وهم الساكنون في القصور والغارقون في النعيم والضالعون في الفساد وعندما يغادرون المركب يبقى سيف هذه الديون مسلطا على رقاب الفقراء والبسطاء وخاصة ضعاف الأجراء.
والدليل أن ما يسمى بالثورة التونسية لم تعد الآن في عقول الناس تحمل هذا المعنى النبيل للكلمة بما أن منظومة الفساد وعناصرها ورموزها وشخوصها ما زالت متمكنة في مفاصل الدولة بل زادت سطوة ونفوذ بحكم ضعف سلطة الدولة وغياب القرار.
والصراع المحتدم الآن يتمثل في تقاسم الكعكة بين القوى المتصارعة تحت مظلة الخارج وعصاه الغليظة مع تلهية وخداع الشعب بخطابات ثورية زائفة كانت في الماضي القريب بوق دعاية للنظام السابق.
ولولا العمل الذي يقوم به البسطاء والمهمشون وضعاف القوم من أجراء وفلاحين وتجار وبحارة والذين لم ينخدعوا بوهم الثورة ولعبة الأمم وتشبثوا بالأرض والبحر والعطاء للوطن لانهارت الدولة ككومة من القش في غفلة من التاريخ.
وقد واجهتهم دولة ما بعد ما يسمى بالثورة بالتهميش المتعمد والقسوة المفرطة من أجل إخضاعهم وكسر إرادتهم والدليل على ذلك أن المناطق التي انتفضت نالت السخط وعدم الاهتمام وكأنها تعاقب لأنها كانت عنوانا لثورة لم تكتمل وغدر بها من لم يشاركوا فيها وقد أتت بهم للحكم انتخابات متسرعة وغير ناضجة.
وأغلب المحللين يعتقدون أن الثورة الحقيقية لم تنجز بعد وأن الحالة الراهنة هي مخاض و مقدمات أولية جاءت من القاع ولم تتجاوب معها النخب إلا متأخرة وبانتهازية وهكذا يعمل الحكام الجدد خوفا من ضياع الفرصة التاريخية على إعاقة أي مشروع ثوري يلوح في الأفق مع التحالف ولو تحت الطاولة مع أعداء الأمس بنية قطع الطريق على الرعاع" والمهمشين من الوصول للقمة.
ويعتقد هؤلاء ومن كان قبلهم في نفس المكان أن الصراع الحقيقي والجوهري هو الصراع بين المركز المتكون من الحواضر المالكة للمال والنفوذ والقرار والمسنودة من الخارج بحكم علاقات المصالح التاريخية والأطراف المتكونة من أهل الأرياف وأحزمة المدن الساحلية الكبيرة البائسة والتي تعيش على هامش الحياة.
وهذا التناقض الصارخ بين عالمين متنافرين في علاقة قهرية كالعلاقة بين السيد الغني والمتسلط المتعالي والخادم المطيع المعذب سيكون محركا حاسما في قادم الأعوام والعقود خاصة بعد تمكن أهل القاع من الحصول على قدر كاف من الوعي والتعليم والمعرفة وانقشاع غشاوة خداع من هم في القمة والضالعين في لعبة الأمم بحثا عن فتات من السلطة الزائفة ومجد مرصع بالجماجم وعذابات البسطاء والمهمشين والفساد.



#عزالدين_مبارك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطنة والعدالة الاجتماعية لبناء الدولة الحديثة
- المواطن العربي المقهور إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا
- ثورة العقل لم تقع
- متى ينتصر العقل على الخرافة؟
- هل الأخطاء العلمية بالقرآن دليل على بشريته؟
- المنظومة العقابية بين الوضعي والديني
- الإنسان قبل وبعد الديانات
- العالم الإفتراضي ما له وما عليه
- الإنسان العربي المقهور
- حتى لا نغادر التاريخ
- شرعية السلطة والتفويض الشعبي
- علاقة الإسلام السياسي بالتطرف والإرهاب
- البحث عن حلول بعيدا عن الأجور ومنظومة الدعم
- التهميش عملية مدبرة
- هل الأديان من صنع البشر ؟


المزيد.....




- ترامب يختار سناتور أوهايو جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس في ال ...
- ترامب يحصل على أصوات كافية ليصبح مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة ...
- زفاف أمباني -الحدث الأكبر على الكوكب- ونهاية مؤثرة لمحاكمة ب ...
- كيف تفاعل السوريون مع رابع انتخابات برلمانية تشهدها البلاد م ...
- -جثث مقطعة ومحترقة ملقاة على الأرض-: نحو 80 قتيلاً فلسطينياً ...
- بطولتان مثيرتان للطائرات الورقية وركوب الأمواج في ساليناس بج ...
- جاؤوا لحضور مباراة كأس أمم أوروبا فكان الموت بانتظارهم.. مقت ...
- محاولة اغتيال ترامب.. هل بمقدور أمريكا تجنب العنف السياسي؟
- عقوبات أوروبية على -مستوطنين متطرفين- وكيانات إسرائيلية
- أرمينيا.. انطلاق مناورات -إيغل بارتنر 2024- بالشراكة مع الول ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين مبارك - وهم الثورة ولعبة الأمم