أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل السراي - هبوط اضطراري















المزيد.....

هبوط اضطراري


محمد اسماعيل السراي

الحوار المتمدن-العدد: 7224 - 2022 / 4 / 20 - 17:17
المحور: الادب والفن
    


شَعَر حارس السجن ، قدري، بحركة غريبة كأن يد تتحسس جيب بنطاله الخلفي، الذي كان يضع فيه هاتفه النقال الابيض. ولما التفت الى الوراء وجد السجين السمين الذي كان يعمل على جمع القمامة، خلفه مباشرة، يدس شيئا في عربة القمامة، وينظر الى حارس السجن بنظرة بلهاء وابتسامة متوجسة.
ضحك حارس السجن ضحكة عالية ماكرة، وتوجه الى عربة القمامة وراح يعبث بها، ليجد هاتفه النقال وقد خبأه السجين الخائب في اعلى طبقة القمامة في العربة.
لوح الحارس بهاتفه النقال للسجين .وقال له بنبرة ساخرة:
-ايها الابله الساذج هل فكرت ان تسرق سجاناً متمرساً بهكذا سهولة؟
والسجين صامت ومطرق ببصره نحو الارض بلا كلمة ولاحراك، كمن شعر بفداحة الذنب الذي ارتكب.
اردف الحارس قدري :
-سأُعيدُكَ الى الاستعلامات الخارجية، ليعيدوك بدورهم الى الداخل، الى الزنازين، ولما اعود لاحقا ستلاقي مني عقابا خاصا غير العقاب الذي ستتخذه بحقك الادارة.

قبل هذه الأحداث...
وفي ليلة امس ،كان السجين السمين يتوسل امر الردهة التي اُودع فيها هذا السجين، ان يسمح له بالمشاركة بالأشغال الخارجية من تنظيف ردهات وساحات السجن وذلك لشعوره الدائم بالملل والضيق النفسي حسب ادعائه، وتنمر السجناء الاخرين عليه بسبب دماثة خلقه وجسده السمين ، حتى ان ادارة السجن وبسبب عدم وجود بدلة سجنية تناسب مقاسه سمحت له بارتداء بجامه مدنية وقميص فضفاض، وحتى انه كان يرتدي نعلا غريبا ،لم يكن نعلا بالشكل المعروف بل عبارة عن حذاء جلدي قد طوى نهاياته بكعبي رجله ليجعله كنعل.
لم تفلح توسلاته في الايامِ السابقة بآمر السجن للسماح له بالمشاركة بالاشغال الخارجية بسبب جسمه السمين حيث كان يقول له انك ثقيل الحركة ولاتنفع للعمل الذي يحتاج الى سرعة وخفة جسد، حتى ان الجميع كانوا يطلقون عليه لقب السجين بالون بسبب ثخن جسده المدور الذي يشبه البالون المنتفخ.
لكن اليوم صباحا، وعلى غير عادة، سمح له امر الردهة بالمشاركة بالعمل، بعد ان نفحه السجين في الليلة السابقة بمبلغ مالي جيد كان قد تحصل عليه في الزيارة العائلية الاخيرة.
قام بالون في الصباح الباكر، بتسخين الشاي وحضر الفطور لحراس الردهة وآمرهم ، ومن ضمنهم الحارس قدري. تناولوا فطورهم قبل الشروع بالاعمال المعتادة، شعر قدري بطعم غريب في شايه الذي تناوله، لكن بقية الحرس قالوا انهم لم يشعروا بتغير ما بطعم شايهم بعد ان ابدى قادر امتعاضه من طعم الشاي وهو يخبرهم بذلك، لكنه شربه على اي حال، بسبب العجله لاتمام الاشغال الخارجية باكرا قبل ان تأتيهم زيارة مرتقبة من لجنة تفتيشية.
كان العمل المنوط بهم هو تنظيف حدائق الباحة الخارجية للسجن الكبير الذي كان يضم اكثر من ادارة سجن واحد، حيث كان سجنا كبيرا عاما-سجن العاصمة- حتى ان منتسبيه قد لايعرف بعضهم البعض معرفة شخصية جميعا بسبب كثرة الادارات والمرافق السجنية والادارية التي فيه.
كانت هذه الباحة خارج الاستعلامات الخارجية الرئيسية لمدخل السجن العام، وتفصل هذه الحديقة او الباحة مابين الاستعلامات الرئيسية والباب الرئيسي الذي يفضي الى خارج السجن، اي الى الشارع العام.
السجين بالون وثلاثة سجناء اخرين برفقة الحارس قدري، وحارس اخر، كانت مهمتهم رفع القمامة من الباحة ،من اوراق شجر متساقطة واعواد متكسرة من الاشجار وبعض ورق المكتب وغيره، وكنس الاتربة من الممرات الاسمنتية للباحة الخارجية.

بعد ان ضبط الحارس قدري، السجين بالون قام بفعل
سرقة هاتفه قرر ان يبلغ الحارس الاخر الذي كان يصطحب السجناء الاخرين، الذين كانوا منهمكين في مكان قاصي عنهم بقطع شجرة كانت تعيق اسلاك الكهرباء الخارجية الممتدة على احدى جدران السجن. اصطحب قدري السجين بالون الى حيث الحارس الاخر الذي كان يقف على مقربة من السجناء العاملين متبخترا بمسدسه الذي يضعه في حزامه اسفل قميصه وقد تعمد رفع القميص قليلا ليظهر جزء من السلاح.كان منهمكا بالمزاح مع السجناء العاملين لما وصل اليه قدري، فابلغه بالحادثة، وانه سوف يقوم باعادة السجين المذنب الى موظفي الاستعلامات حتى ياتي من ياخذه الى الداخل.
شعر قدري بدوار غريب في راسه ،كان احس به اولا في بداية خروجهم الى الباحة لكنه الان اخذ بالازدياد، وشعر ايضا بتلعثم لسانه وهو يحاول ان يرد على سخرية زميله الذي شيعه وهو عائد الى الاستعلامات بكلمات مازحة:
-انتبه جيدا لجيبك الخلفي ايها الغِر..
واتبع ذلك بضحكة عالية.
اراد قدري ان يرد على مزاح زميله ،لكنه لم يجد الرغبة ،وأحس كأن لسانه قد خارت قواه، فآثر عدم الرد.
واثناء ما كان قدري يسوق السجين امامه وينهره بلسان بالكاد يلوك الكلمات وبين توسلات بالون لحارسه وتمسكنه ان يعفو عنه وانه لن يعاود الكرة، كان بالون اثناء المسير يدس بقميصه تحت البيجاما، التي تبين لاحقا انها في الحقيقة بنطالا، حتى لاحظ قدري ان بالون كان يشدها بحزام جلدي، وكذلك افرد طيات الحذاء الجلدي وانتعلها بشكل اعتيادي.
لم يعر الحارس قدري اهتماما لهذه الحركات ، ولا لتوسلات السجين. كان اشبه بسكران، لكن فيه بقايا من الوعي .
وصلا الى الاستعلامات الخارجية فدخلا وقدري يجر بالون جرا غير آبه بتوسلاته ويأمره بالسكوت.
لم يفهم موظفي الاستعلامات كثيرا من كلام الحارس قدري الذي ابرز لهم هويته التعريفية كحارس سجن، فلم يكونوا يعرفوه شخصيا -ولا حتى اغلب الحراس الاخرين- وكانت وجبة جديدة من الموظفين استلمت العمل عن الوجبة البديلة التي انتهى عملها صباحا ، بعد ان خرجت مجموعة قدري الى العمل في الباحة الخارجية، لكن فهموا من كلام الحارس ان هذا الشخص يجب ان يعود الى الداخل الى الردهات، وقد دار في خلد بعضهم ان هذا الحارس متعاطي لشيء ما.
بعد ان اكمل قدري عملية التسليم عاد الى زميله الاخر فلا يجب ان يُترك وحده في هذه المنطقة السجنية الحرجة مع عدد يعتبر كبيرا من السجناء.
لما وصل قدري الى حيث الزميل الاخر والسجناء الاخرين وجدهم منهمكين في البحث بين الاحراش والحارس الاخر وجهه ممتقع ومرتبك، فسأله قدري :
-مابك..مالذي يجري؟
الحارس الاخر بارتباك:
-لقد فقدت سلاحي،
قدري ، وكأنه صعق:
-كيف!!!!؟؟؟
الحارس الاخر، وهو منهمك في البحث في الاسفل :
-لااعرف.. ربما سقط مني بين الاحراش...

تحسس قدري جيب بنطاله الخلفي بقلب مرتجف، فوجد ان هاتفه النقال الابيض قد فُقد مرة اخرى.
ركض الحارسين ممتقعي الوجه ومتذمرين، يسوقان السجناء الثلاث الاخرين امامهما نحو الاستعلامات.
ولما وصلا ،دخلا الاستعلامات كمجنونيين وقاما بالسؤال عن السجين بالون. فاستغرب موظفي الاستعلامات من كلامهما واجابهم البعض:
-عن اي سجين. واي بالون تتكلمان ا!!!؟
قدري:
-السجين الذي سلمتكم اياه قبل قليل لتعيداه الى داخل السجن!!
مسؤول الاستعلامات ،مصعوقا:
-او كان هذا سجينا!!؟
-لقد اخبرنا انه زميلكما وان هنالك شجارا ومشكلة حدثت بينه وبينك فارتئيت انت ان تنهي واجبه معكم ويعود الى العمل داخل الردهة.
-حتى انه قد اخرج هاتفه النقال، واتصل بالمسؤول عن السجن الذي تعملون فيه وهو ممتعض، وقد ناولني الهاتف واخبرني المسؤول على الطرف الاخر بان هنالك سوء فهم سيتكفل هو بحله لاحقا.
واجاب موظف اخر:
-حتى انه اخرج مسدسه الشخصي ووضعه على الطاولة اثناء الحديث وبسبب غضبه كما يبدوا قد نسيه هنا .
الحارس الاخر بهلع:
-اين المسدس!!؟
الموظف:
-انه هنا في الدرك..
مسؤول الاستعلامات:
-اذا كان هو سجينا فعلا كما تدعيان، اذن فقد هرب.
-لقد استأذن منا وقال انه انهى ورديته وانه ذاهب الى البيت.

هرع الحارسان ومسؤول الاستعلامات وبعض موظفي الاستعلامات الاخرين ركضا الى الباب الخارجي المفضي الى الشارع العام، وكان فيه حارسين مسؤولين عن خروج ودخول العجلات.
وقف الحارسان مذهولان من هذه الجلبة
وهما يتطلعان الى الوجه المرتبكة الغاضبة، بوجل.
فبادرهم قدري بالسؤال:
-اين ذهب الشخص الذي خرج قبل قليل من هنا!؟
اجاب احد حراس الباب:
-لقد كانت تنتظره سيارة تركن على بعد امتار من هنا ،ركبها وانطلقت به.
وقال حارس الباب الاخر:
-وكان قبل ذلك قد حيانا ،وسلمنا هذا الهاتف الابيض اللون
واخرج الهاتف لهم من جيبه ثم اردف:
-واخبرنا انه لزميل له، سياتي لاخذه لاحقا لانه اضطر لاستخدامه بسبب نفاذ شحن بطارية هاتفه.
لطم قدري وجهه وصاح بصوت قانط:
-لقد نفذ من ايدينا هذا الشيطان...



#محمد_اسماعيل_السراي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسالة الاخيرة
- الاصل العرقي..من نحن..؟
- البخاري والشايب..اقصوصة
- عن البروليتاريا، والكرسمس...
- تاريخ السلوك البشري(ماقبل النيولت ومابعد النيولت*
- القرد المدجن
- ما بين عولمة فوكوياما..ومشاعية ماركس...
- الطوطم..والطابو..
- (مدن الظل..الصرايف...) ....احياء على هامش المدينة
- ما الأسباب التي دعت الايدلوجيات الشيوعية لانتهاج انظمة دكتات ...
- الحانة
- التأريخ الضائع (تأريخ الفرد)..
- الذكاء،هل هو مكتسبٌ او موروث..؟ ومامدى صلاحية مقاييس الذكاء. ...
- مفهوم الحرية: كآسريّ النظم المجتمعية واخلاق القطيع ,هم الاحر ...
- المحاريب الرطبة
- العقوبة والجاني..واستنزاف السنين
- الدنيا تتغير..والانسان يتغير،ولكن تبعاً لها
- ملامح الأسطورة في اطروحات مدارس القرن التاسع عشر ،الفكرية ال ...
- سلوك الشر بين مطرقة التنشئة وسندان الوراثة


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل السراي - هبوط اضطراري