|
ما أشبه اليوم بالبارحة
محمد قاسم الدالي
الحوار المتمدن-العدد: 1671 - 2006 / 9 / 12 - 02:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من يدرس وضع الأمة الإسلامية والعربية في بداية القرن الثالث عشر الميلادي مع وضعها في مطلع القرن الواحد والعشرين، ير وضعا متشابها بينهما إلى حد الإدهاش. لقد ساد في الماضي صراع ومطامع بين ولاة أقاليم الدولة العباسية من جهة، وبينهم و الخلافة العباسية من جهة أخرى. كما اشتدت النزعة الاستقلالية لدى حكام تلك الولايات، وغاب عنهم التنسيق والتعاون فيما بينهم لمواجهة الأخطار المحتملة، الأمر الذي أدى بهم إلى حالة من الضعف والانقسام لايستطعون معها مواجهة أي خطر خارجي داهم.هذا الأمر شبيه بوضع الدول العربية في مطلع القرن الواحد والعشرين حيث يغلب عليها تفضيل المصالح القطرية على المصالح القومية مما يجعلها عاجزة عن مجابهة الأخطار التي تلم بها ، إذ كل قطر يؤثر السلامة لنفسه اليوم، و يحاول النأي عن الأخطار دون التطلع إلى وضع إستراتيجية مشتركة من الأقطار الأخرى لمواجهتها. في بداية القرن الثالث عشر الميلادي، برزت على مسرح العالم القديم ثلاث قوى رئيسية: الصليبيون الذين كانوا يشكلون تحالفا من عدة دول أوروبية جمعتهم مصلحة واحدة وهدف واحد وهو الهجوم على ديار العرب تحت ستار ديني لا ستعادة القدس من المسلمين والذي يخفي وراءه مطامع اقتصادية . وهناك أيضا التتر وهم مجموعة من قبائل رعوية تعيش في منطقة تعرف اليوم بجمهورية منغوليا، اشتهرت بقسوتها وعنفها واتخذت من الغزو والسلب أسلوبا لحياتها. والقوة الثالثة هي الدولة العباسية التي كانت في حالة مزرية من الضعف والتمزق .
لقد تزامن تقريبا الغزو المغولي مع الغزو الصليبي على أراضي الخلافة العباسية. وسنركز كلامنا على أسلوب الغزو المغولي لشدة شبهه بالغزو الأمريكي للعراق . لقد اتحدت القبائل التترية تحت رئاسة جنكيز خان استعدادا لاجتياح جميع المناطق التي حولها . وما إن توفي جنكيز خان حتى كانت فتوحاته قد امتدت من الصين شرقا إلى ألمانيا غربا، ولم تشمل هذه الفتوحات من المناطق الإسلامية هذه الفترة سوى مقاطعة خوارزم التي تمثل أفغانستان اليوم الجزء الأكبر من أراضيها وقتذاك .لقد ظهر المغول آنذاك كقوة كاسحة أدخلت الرعب والفزع في قلوب معظم سكان العالم القديم، كما تهاب اليوم قوة الولايات المتحدة الأمريكية وسطوتها0
بعد أن آلت رئاسة المغول بعد جنكيز خان إلى حفيده منكوخان، أوكل الأخير إلى أخيه هولاكو مهمة غزو الدويلات والسلطنات والممالك الإسلامية المتاخمة لهم ومن ثم غزو بغداد والقضاء على الخلافة العباسية فيها والتوجه بعدئذ باتجاه الغرب لغزو بلاد الشام ومصر. كانت معلوماتنا التي اكتسبناها من خلال الكتب المدرسية التاريخية ، أن التتر عبارة عن قبائل رعوية همجية تغير على القبائل المجاورة بقصد السلب والنهب مستخدمة القتل والفتك والتدمير ، عندما يدفعها إلى ذلك القحط والجدب في أراضيها. لقد كان تفكيرنا أنهم يمارسون هذه العملية بشكل اندفاعي أهوج دون تفكير مسبق ووضع خطة للغزو تسبقها عملية جمع معطيات ومعلومات عن المناطق التي سيغزونها بقصد ضمان نجاح غزوهم. بيد أن الدراسة المفصلة لعملية غزو المغول للمناطق الإسلامية تدل على أنهم كانوا مخططين استراتيجيين لا يقلون كفاءة عن الاستراتيجيين المعاصرين. وهذا ما نستخلصه من الملاحظات التالية: لقد حدد منكوخان لأخيه هولاكو أولا بأول الهدف من غزوه، وهو القضاء على الخلافة العباسية في بغداد والوقوف عند حدود مصر الغربية، ثم طلب منه لتحقيق هذا الهدف، القيام بتجهيز جيشه تجهيزا كاملا ووضع خطة مسبقة للهجوم. ولقد أمضى هولاكو سنة كاملة وهو يحضر للهجوم لاحتلال بغداد. وقد اشتملت التحضيرات من بين ما اشتملت عليه: - تأمين حاجة الجيش المغولي من الأدلاء والجواسيس لمعرفة أحوال المناطق التي سيكتسحها الجيش وأحوال أهلها وتأمين المسالك الآمنة التي سيسلكها . ولقد تطوع بعض التجار المسلمين الذين كانت لهم علاقات تجارية مع المغول قبل الغزو، بهذه المهمة0
- إيجاد الذريعة للغزو وتصديره إلى الخارج للتمويه على من سيطلب مؤازرتهم من ولاة وسلاطين من غير المغول في هجومه . وبما أن أول أرض إسلامية ستجتاحها القوات المغولية في طريقها إلى بغداد كانت قلاع الدويلة الإسماعيلية التي أسسها الداعي حسن بن الصباح بعد القضاء على الدولة الفاطمية في مصر، فقد أرسل هولاكو الرسالة التالية إلى جميع ولاة وسلاطين الولايات الإسلامية طلبا لمساعدتهم له في مهاجمة القلاع الإسماعيلية. ومما جاء فيها:" بناء على أمر القاءان(زعيم المغول) قد عزمنا على تحطيم قلاع الملاحدة وإزعاج تلك الطائفة، فإذا أسرعتم وساهمتم في تلك الحملة بالجيوش والآلات فسوف تبقى لكم ولايتكم وجيوشكم ومساكنكم وستحمد لكم مواقفكم0 أما إذا تهاونتم في امتثال الأوامر وأهملتم فانا حين نفرغ بقوة الله من أمر الملاحدة فإننا لا نقبل عذركم وتتوجه إليكم فيجري على ولايتكم ومساكنكم ما يكون قد جرى". ومن المستغرب هنا أن يستخدم هولاكو في رسالته عبارة " قلاع الملاحدة" و عبارة "بقوة الله " وهو وثني المعتقد. وتزول الغرابة عندما نعلم أن الرسالة من صياغة بعض المسلمين الذين حرضوه على غزو قلاع الاسماعيلية. وقد انطلى هذا التمويه على أولئك الولاة الذين فرحو بهذا الغزو الذي سيخلصهم من الملاحدة على حد اعتقادهم، فبادروا بإرسال القوات والعدد والمؤن التي حددها هولاكو لكل ملك أو سلطان أو والي كي يرسلها له. نعتقد أن الإنسان لا يحتاج إلى كبير عناء لملاحظة وجه الشبه بين الخطة التي وضعها هولاكو والاستراتيجية التي وضعتها أمريكا لغزو العراق . فالذريعة عند أمريكا هي وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق وتخليص العراق من الطاغية، ومن ثم إقامة نظام ديمقراطي يكون مثالا يحتذى للدول المجاورة، كما كانت الذريعة عند هولاكو" تحطيم قلاع الملاحدة" ، علما أن الذرائع المعلنة التي تخفي وراءها الأهداف الحقيقية للغزو كان ولا زال السياسية الرسمية للولايات المتحدة منذ بداية توسعها الاستعماري خارج حدودها .في تصدير ه لكتابه (100 عام من العنف السافر والمخططات السرية) يبادر المؤلف الأمريكي ستيفن كينزر فيلمح إلى الصلة الحيوية المباشرة - والمستترة غالبا - بين شعارات السياسة المعلنة وبين مصالح الاقتصاد المخفية، فيقول: في عام 1909 أصدر الرئيس الأميركي (وقتها) ويليام تافت أوامره بالإطاحة برئيس نيكاراغوا وكان اسمه خوسيه سانتوس زيلايا، يومها ادعى الرئيس تافت أنه كان يتصرف لحماية أمن أميركا (تأمل) ولنشر وتعزيز المبادئ الديمقراطية ،ولا يزال هذا الشعار - بطبيعة الحال – مرفوعا.( نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية يوم 26/7/2006 . أمريكا في غزوها للعراق استعانت بقوات من الدول الأجنبية وبقبول ضمني من بعض الدول العربية،لأن هذا الغزو سيخلصهم من صدام ، كما انها حصلت على معلومات استخبارية عن العراق من خلال قوى عراقية متعاونة معها، كما حصل هولاكو على معلومات عن البلاد التي سيغزوها من المسلمين المتعاونين معه .
والحصيلة كانت أن هولاكو أستطاع بمساعدة بعض القوات الإسلامية التي انضمت إلى جيشه أن يدمر قلاع الإسماعيلية ويقضي على دولتهم .
بعد سقوط القلاع الإسماعيلية التي كانت بمثابة الخط الدفاعي الأول للدولة الإسلامية ، جاء دور هذه الدويلات والولايات التي ساعدته بقواتها في الهجوم على تلك القلاع، فبدأ هولاكو باجتياحها ولاية و دويلة بعد أخرى بالطريقة التي قضى بها على دويلة آلموت الإسماعيلية، أي بالاستعانة بقوات من الولايات والدويلات الأخرى التي كانت تنتظر دورها بالغزو، إلى أن وصل إلى بغداد فاكتسحها وقتل الخليفة العباسي وفتك بأهلها. لم يشفع لهؤلاء الذي تعاونوا مع هولاكو، الخدمات التي قدموها له من أن يلاقوا المصير الذي لاقوه. بعدئذ تابع هولاكو سيره باتجاه مصر وهناك واجه أول هزيمة له في موقعة عين جالوت في فلسطين نتيجة للتعاون المصري والسوري. والمفاجأة الكبرى أنه كان بين الأسرى المغول بعض القادة المسلمين ممن شاركوا المغول في غزوهم للبلاد الإسلامية كما تقدم ، ولا حاجة لذكر أسماء بعض هؤلاء المتعاونين، ومن أراد التعرف على أسمائهم يمكنه الرجوع إلى كتاب جهان كشاي للجويني.
المغول الذين لم يتوقفوا عند حدود العراق بعد اجتياحه، بل تابعوا غزوهم المدمر باتجاه مصر، فهل سيفكر الأمريكيون بمغامرة أخرى بعد احتلال العراق والمقاومة التي يواجهونها هناك؟ يبدو ا الأمر غير مستبعد مادام هناك خطط معلنة لإنشاء شرق أوسط جديد، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ اليوم كيف سينفذ هذا المشروع . ويبدو أن الاعتداء الإسرائيلي الوحشي الأخير على لبنان والدعم الأمريكي المطلق له، أحد البروفات لمغامرات متوقعة لهم. ومن المؤسف أن المشهد القديم قد أعاد نفسه خلال الاعتداء الاعتداء الإسرائيلي والدعم الأمريكي له على لبنان. فكما ظلت بعض الدويلات والولايات الإسلامية متفرجة على الغزو المغولي لكل ولاية يعد أخرى ، وبعضها ساند على الغزو، بدلا من التداعي للاجتماع والتشاور والاتفاق على طريقة للوقوف أمامه والتصدي له، رأينا كيف أن جميع الدول العربية بقيت متفرجة على احتلال العراق، مع تقديم تسهيلات عسكرية لهم من قبل بعضها. وتكرر المشهد ثانية أثناء الاعتداء الإسرائيلي والدعم الأمريكي له على لبنان من خلال توفير الغطاء الشرعي له من قبل بعض الدول العربية. ولقد وصل الوهن النفسي وشلل الإرادة العربية اليوم إلى درجة لم تعد معها الدول العربية بأكثريتها قادرة على تقديم حتى مجرد المساندة الكلامية للدول المهددة بالتدخل بشئونها الداخلية أو بالاحتلال، والشكل الوحيد للدعم الممارس، يتم من خلال تقديم شكل من الإغاثة الغذائية والمساعدة الطبية، ومعاناة الفلسطينيين شاهد على ذلك اليوم.والفارق بين مشهد الماضي ومشهد اليوم، أن الغزو المغولي قد صد في عين جالوت ، فهل تبقى للعرب من مساحة صغيرة من الحلم بعين جالوت أخرى تضع نهاية لموجة الاستعمار الجديد؟ ريما كان انتصار المقاومة اللبنانية على العدو الإسرائيلي بمثابة بريق لاح في حلكة ليل العرب الحالي.
#محمد_قاسم_الدالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|