|
الإنسان العربي المقهور
عزالدين مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 7220 - 2022 / 4 / 16 - 14:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قوة الدول وعظمتها لا تأتي من توفر الموارد المادية فقط بل هي نابعة في الأصل من قوة وعظمة أفرادها وناسها. ولا يكون الانسان عظيما إلا عندما تكون له قيمة في المجتمع ويترك أثرا على أرض الواقع لا ينمحي بمرور الزمن وحتى بعد الموت. والكثير من العظماء لم تكن لهم سلطة أوجاه أو مال ونفوذ وخطوا بأحرف من ذهب مسودة التاريخ وتركوا إرثا تتحدث عنه الأجيال والأزمنة بل فقط قوة معنوية خلاقة وتجرد من نزوات الذات وعلى هذا الدرب سار معظم المفكرين والمبدعين والعلماء. ورغم ما للدول العربية من إرث حضاري وبعض النوابغ على مر العصور وخاصة زمن ازدهارها واشعاعها على العالم فقد شح في عصرنا الحاضر هذا الينبوع ولم نعد نسمع إلا بما يفعل أهل السياسة والمتكلمون وأصحاب السلطة في عصر أصبحت حرية الفكر مصادرة وأهل العلم لا حظوة ولا اهتمام بهم وقد نسيهم أهل الحل والعقد خوفا على نجوميتهم من التقوقع والذوبان. والكثير من علمائنا قد بزغت شمسهم في البلدان الغربية وفتحت لهم أبواب الجامعات والمخابر على مصراعيها ووجدوا الاهتمام الكبير والحظوة بعد أن لفظتهم بيروقراطية دولنا المهتمة بالقشور والسفاسف والنائمة في دهاليز الشيء المعتاد واجترار الماضي البعيد الذي لن يعود. فالبيئة هي التي تساعد على بروز العباقرة والعلماء والأفذاذ من الناس إذا كانت تقدس العقلانية وتمقت البيروقراطية وتعشق الحرية الفكرية والابداعية حيث تسري قوانين العدالة الاجتماعية واحترام المواطن وحرية الانسان بصورة فعلية وحقيقية وليس لبعث صورة مزيفة للخارج وللاستهلاك الاعلامي. فالإنسان المقهور في بيئته المحلية بحيث يهدده الجوع في كل لحظة وترمقه احتقارا نظرات عدم الاحترام والريبة وتقتله هواجس البطالة والتهميش ويعيش ذليلا متسولا عملا او لقمة يسد بها رمقه وهو يعيش في بلد فيه الترف الاستفزازي الجارح ويشاهد البذخ المتغول يسير على قدميه متعاليا والسيارات الفارهة والقصور الحاجبة للشمس والسماء والولائم المنصوبة صباح مساء عنوانا أكيدا لهدر الموارد وتبذيرها. وقد يسمع من ينادي بالعمل وشد الأحزمة وأن الظروف صعبة ولا بد من حلول مؤلمة جدا فلا يجد صدقا في الكلام وكأنه آت من كوكب آخر وهو العارف أن هؤلاء لا يعملون إلا في طاحونة الكلام وبطونهم عامرة وجيوبهم غير مثقوبة ومستقبلهم مضمون وكرسيهم محجوز على الدوام كما لا يريدون ان يكونوا أول المتطوعين لهذه المحنة لأن الأمر لا يعني أهل السلطة وأصحاب التحصين. وإذا ذكر لهم بأنه على المتسببين في هذه الحالة والوضع المتردي الذي وصلنا إليه أن تتم محاسبتهم ولو سياسيا وهو أضعف الإيمان ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية تعللوا بشح الموارد ومخاطر الارهاب وطالبوا عوض ذلك بتقبل المصالحة وطي صفحة الماضي وكأن شيئا لم يكن. فالإنسان المقهور القابض على الجمر لا تعنيه ديمقراطية النخب وسياسة التقبيل والمداهنة واقتسام الهزائم التاريخية وكعكة المصالح وهي سياسة التعمية والتحايل على ذكاء الرعية وربح الوقت والتلاعب بالعقول وكل ما يهمه أن يكون سيدا في بلاده، حرا وكريما وليس بخائف وذليل. فالمواطن المقهور والمفعول به في جميع الأحوال حتى وإن كان مطيعا ولا يمشي إلا بجانب الحيطان ومطأطئ الرأس ومهزوما كالدابة الباحثة عن عشب البراري لا يمكنه أن يكون فاعلا ومبدعا فهو يذهب للعمل بلا روح تسكنه النقمة وتصفر في أذنيه شتى الظنون، فهو الخائف على الدوام وعلى السلطة الواعية أن تعيد له رشده وطمأنينته بأن تذهب إليه وتحترمه وتمنحه حقوقه من غير أن يطالب بها أو يحتج ويثور. ودون ذلك فالقهر الاقتصادي والاجتماعي للمواطن لا ينتج إلا مواطنا مستهترا بالفطرة ومحتجا وثائرا ومتبرما وساخطا بقوة الموقف والحالة فلا يستطيع ان يكون منضبطا ومستقيما ويرى الاعوجاج في كل مكان. فالمواطن المقهور الذليل لا يمكن إلا أن يكون سلبيا ومخادعا ومنافقا وأخلاقه في الحضيض حتى يتمكن من التأقلم مع دولة الفساد إذا أراد الاستمرار في العيش والوجود. وهذا المواطن المنبت الضائع في الطريق لا ينتج إلا دولة ذليلة وفاشلة فهي صورة طبق الأصل منه ولا يمكن ان تكون شيئا آخر على الإطلاق إلا في خيال الطبقة السياسية المسكونة بمخادعة الذات والطوباوية والترف الفكري اللاواقعي.
#عزالدين_مبارك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى لا نغادر التاريخ
-
شرعية السلطة والتفويض الشعبي
-
علاقة الإسلام السياسي بالتطرف والإرهاب
-
البحث عن حلول بعيدا عن الأجور ومنظومة الدعم
-
التهميش عملية مدبرة
-
هل الأديان من صنع البشر ؟
المزيد.....
-
-العين بالعين-.. كيف سترد الصين على أمريكا بعد فرض ترامب رسو
...
-
ساعة رونالد وثمنها بلقطة مع تركي آل الشيخ بحلبة UFC
-
دراسة صادمة .. الأرض قد تحتوي على 6 قارات فقط!
-
قوانين جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي تدخل حيز التنفيذ في ا
...
-
تسع دول تشكل -مجموعة لاهاي لدعم فلسطين-
-
وفاة الرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر
-
مهاجم مدرسة قازان أراد تدميرها بالكامل
-
دراسة جديدة تفنّد الفرضيات السابقة حول علاقة صحة الأم باضطرا
...
-
من السلطان سليمان إلى أردوغان: تطور الاستخبارات في تركيا
-
عصر القطب الواحد انتهى – ماذا ستفعل الولايات المتحدة؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|