أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - ثلاث كتابات سريعة















المزيد.....

ثلاث كتابات سريعة


صلاح نيازي

الحوار المتمدن-العدد: 494 - 2003 / 5 / 21 - 05:38
المحور: الادب والفن
    



1-الرئيس الهارب
                                
 
حتى أنا- الموقّع أدناه- لا أصدِّق
هل حقّاً، أنا المدعو صلاح نيازي،
من مواليد الناصرية الفقراء جدّاً
ومن سَكَنة الشوّاكة ببغداد لاحقاً
والمغترب حاليّاَ منذ أربعين عاماَ بلندن
سأكون أسعدَ حالاً هذه الليلة
من الرئيس الهارب: صدّام حسين
منه هو لا غيره ! لا أصدِّق.
أشرب شاي الصباح بطمأنينةٍ بالمقارنة
ويشربه بذعرٍ،
 شعره منكوش كأنْ "دخلت فيه الشياطين"(1)
يومُه أطولُ من يومي بساعات لا ريب
وكلّ ساعةٍ أشدّ من سابقتها شؤماً وفَرَقاً

حتى لو كانت ملاجئه من أفخر المرمر الإيطالي
ورياشُه من أتقن الصناعات الألمانية
حتى لو أحاط نفسَه بكلِّ أسود بابل
ودرز حيطان غرفته
بكلِّ ما لذّ وطاب من نساء بومبي
 فلا أعزّ من الهواء الطلق
 مارّاً بشجرةٍ ونهرٍ وثوبِ صبية
لا شئ أنعمُ من نور الصباح ولا أبهى

ما من هواءٍ طلقٍ في باطن الأرض
ما من شمسٍ والرائحة متزرنخة
هل خطر هذا ببالك  أيّها الرئيسُ المدفون؟
 الملجأ قبر حيّ
والزمنُ في باطن الأرض راكد
الساعات لا تنقضي، لا تنقضي
تشابهاتها تفتّتُ الروحَ
 وتجعل رائحة الفم كريهة
الملل يجعل رائحةَ الفم كريهة
ليس للنوم بداية أو نهاية في الملاجئ
وما فائدةُ الصحو
                  لا سيّما إذا كنتَ مطلوباً؟

هذا هو الفرق
أنا، كأيِّ شقيّ، أنتظرُ ساعةَ الخلاص
وأتعلّلُ بأملٍ مهما كان بصيصاً
وأنت، كأيِّ دكتاتور، تفتّش عن النجاة بعدد الدقائق                           وتخافُ حتى من المصافحة الوديّة

مَنْ يصدِّق.. مَنْ يصدِّق
أنّ كلَّ تُعساء العالم
أسعدُ حالاً هذه الليلة
من صدّام بالذات
ومن شقيقه برزان التكريتي بالذات
ومن ولديْه : عديّ وقصيّ مجتمعين

البارحة فقط
فهمتُ ما قاله القدامى:
" وعلى الباغي تدور الدوائر"

الدوائرُ عادةً
تبدأ من نقطةٍ وتتوسّعُ إلى ما لا نهاية
إلا أنشوطة المشنقة
أكبرُ من الرأس أوّلاً
ثمّ تضيقُ وتضيق إلى أن تقطعَ مجرى الدم

ودّ صدّام (هكذا دون لقب عمداً) في هذه الليلة
التي فيها كلّ تعساء العالم أسعدُ حالاً منه
لو انّه بلا آسمٍ
ولا صورةٍ ولا تمثالٍ حتى ولا نسل
لو انه مجنونٌ مطبقُ الجنون
يتكأكأ عليه الأطفال
 كتكأكئهم عادةً على ذي جِنّةٍ
ويُشفق عليه المارّةُ بالفلس والفلسين
ودّ لو أنه حشرة
                 أو بعضُها

2-برزان التكريتي

أشهدُ.. أشهد.. ثمّ  أشهد
أنّ الآجرّة في حائطٍ سعيدٍ تبتسم
رأيت ذلك بامّ عيني عدّةَ مرّات وابتسمتُ
رأيتُ القنينةَ الفارغة كذلك
إذا رُبِّيتْ فيها زرعةٌ تبتسم
حتى الحذاء
بقدم صبيةٍ حالمةٍ يبتسم
إلا وجه برزان التكريتي، متعسّم
كقاع نهرٍ جافّ
 لا يبتسم
حتى لو ربح أعلى بطاقةِ يانصيب

هل صُنِع من يقطين يابس
أمْ.. أمْ
 من خشبٍ ميّت 
كخشبِ تابوتٍ مثلاً
قَلَعَ برزان النومَ  من عيون العراقيين
مع ذلك لم ينمْ يوماً رَغَداً
عيناه مفتوحتان
كعينيْ حشرة منشاريّة
            **
كما تندفعُ الحجارةُ أمامَ السيولِ عادةً
يندفع الحرسُ بنفس الصورة أمام برزان
مع عشرات الكاميرات الإعلاميّة
كالحجارةِ أمام السيول
إلى يمينه،
          إلى يساره،
                    خلفه، فوق البنايات
حَرَسٌ في شتّى الأزياء والمسدّسات
يحُيطون به كالسوار وهو كالمزفوف
وجهُهُ كخشب التابوت مثَلاً
دمُهُ ثابتٌ "ولا يلعب"(2)
دمه لا يلعب كقاعِ نهرٍ جافّ
قرارُهُ لا رجعةَ فيه
حتى لو آنشقّت الأرضُ بالبكاء
وتشفّعتْ لك كلُّ عرّافات الشمال الافريقي.


3-الرئيس الهارب ثانية

ما عزّ عليك مشروبٌ
                      ولا مأكولٌ
                                    ولا مشموم
 أزياؤك مختلفة كأبطال أفلام هوليوود
الطائراتُ المروحيّة
تحرسُ نوقَك البيضَ في سراحها اليومي
وبملاعقِ ذهب تُفطر بالكافيار
ما من موسيقى تثيرك كالتصفيق
اختصرتَ المعارضَ بصُوَرِك
والحدائقَ العامّة بنياشينك
حتى حين ترمي الصنارةَ بالنهر
تتعطّل الشاشاتُ ونشراتُ الأخبار
الكاميرات كعبّاد الشمس تدور عليك لساعات
أموال العراق " مال أبيك"
ونفطُه نفطُك
ينسب الزبانية إليك
                     كلَّ نبوّة والأسماء الحسنى
ويدرز الإعلاميّون آسمك في جدران بابل

يا هذا
       إ سمعْ يا هذا
نجاتُك من المصيدة مرّةً
لا يعني النجاةَ على طول الخطّ
حتى سلامتك الموقتة هذه
أشدّ فتكاً بك، لو تعلم
الخوف يمتصّ كرياتك الحمراء وتصابُ بالهزال
ستُهمل هندامَك
                ولا تجدُ ضرورةً لحلاقة ذقنك
رائحتك منفّرة كقذارةٍ مكشوفة


خُضتَ في الدم ولم تفكِّرْ بعاقبة
كيف أقارنك بغيرك؟ حاشا ثمّ حاشا
بقيَ ضمير مكبث حيّاً حتى النفسِ الأخير
وضميرُك ميّتٌ كالظلف
حتى الليدي مكبث
لا تُقارنُ بالليدي صدّام
هل سارتْ في نومِها مغمضةَ العينين
وفي يدها شمعةٌ وتهذي محمومة؟

أيّها الرئيسُ الهارب
لا يمكنُ مقارنتُك حتى بعلي بابا
كلاكما حرامي من الطراز الأوّل
مع ذلك لا وجهَ للمقارنة
أوّلاً
وثانياً
 وثالثاً:
سَرِقاتُ علي بابا، قبلَ كلّ شئ
طريفةٌ لدرجة الإمتاع
فنّ راقٍ وتشويق
في الأقلّ يخاف من مسروقيه ويهلع
يرسم الخطط بسرّية محكمة
كروائيّ من الدرجة الأولى
بالتوقيت يُعطي أهميةً للحدث
أكثر من ذلك 
ليس بين مسروقيه مَنْ مات جوعاً
          أو تيتّم
                  أو أصبح شحّاذاً
                                 أو رُمِيَ خارج الحدود
 بالبجامة فقط

قَتَل مكبث النومَ فهرب النومُ من عينيه
وصدام قتل النوم
وقتل الفنَّ كذلك
وأوّل مَنْ سنّ المقابر الجماعية بالعراق
العظامُ مكوّمة على بعضِها كالحطب المأروض
الأقفاصُ الصدريةُ مفلّشة
وأمشاطُ الأقدام مفكوكة
 اختصر فنونَ الغناء بالجأر بآسمهِ
والفنونَ التشكيلية بصُوَرِهِ
والحدائقَ العامةَ بنياشينه
أذاب الخواتم
بكلّ ما فيها من أواصرَ ومواثيق
أذاب القلائدَ ومحا ما فيها من حِرَفٍ يدويّة
جعلها أُكَراً، وحنفياتٍ وملاعقَ
خَزَنهَا في بساتيقَ ليومِ الضيق

رأيتُها..
 رأيتُ الرشاشة بعيني
لفتة أبوية، وآصرة حبّ
مهداة من صدام إلى آبنه عديّ
رشّاشة حقيقية من ذهب خالص
رشاشة تقتل إذا ضُغِط على الزناد
وعديّ يضغطُ على الزناد حتى من باب اللهو

الأخطرُ من ذلك جميعاً
ثلاثون عاماً سُرِقت
 سرق صدام ثلاثين عاماً وهرب
سرق من  كلّ عراقي ثلاثين عاماّ وهرب
 لا تُستردّ أبداً
 لا تُعَوّض أبداً

                                             لندن
                                         24-4-1903

 

1-تعبير عراقي عامي يُقصد به أن صاحبه ذو مزاج متكدر وربما عدواني.
2-تعبير عراقي عامي يُقصد به جمود الملامح وخلوها من الحركة.

 

 

 



#صلاح_نيازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - ثلاث كتابات سريعة