أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد علي سليمان - العولمة: أمركة العالم















المزيد.....

العولمة: أمركة العالم


محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا


الحوار المتمدن-العدد: 7215 - 2022 / 4 / 11 - 15:39
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


من المعروف عبر التاريخ أن كل إمبراطورية صنعت " عولمة " خاصة بها، فالإمبراطورية اليونانية كانت لها عولمتها، وكذلك الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية العربية الإسلامية، والإمبراطورية البريطانية، وأخيراً الإمبراطورية الأمريكية، دون أن ننسى محاولة إيجاد إمبراطورية شيوعية مع ستالين، وها هي الصين الشيوعية تتقدم لتصبح الإمبراطورية القادمة _ فالإمبراطورية الأمريكية تعيش بدأت مأزق انحطاطها، والإمبراطورية الصينية في ظل الحزب الشيوعي الصيني تعيش مجد ازدهارها. والإمبراطورية، بشكل عام، كانت تبدأ عسكرياً عبر موجات من السيطرة المباشرة بالقوة _ العنف، ثم تنتقل إلى السياسة لتخلق الاستقرار الاجتماعي، وتأتي بعد ذلك الهيمنة الاقتصادية حيث تصبح اقتصاديات العالم في خدمة تلك الإمبراطورية العالمية، ويتم نشر ثقافة تلك الإمبراطورية حيث تهمن بها على العالم. ولكن الملاحظ إن الإمبراطورية الصينية تأخذ جانب الاقتصاد والتقنيات الحديثة للاتصالات الحديث من أجل بناء إمبراطوريتها، وحتى في مواجهتها للإمبراطورية الأمريكية، مع العلم أنها تطور أيضاً في نفس الوقت قوتها العسكرية لحماية تلك الإمبراطورية. لكن الإمبراطورية الأمريكية، ولو أنها تخسر الهيمنة الاقتصادية لأن اقتصادها يتآكل مع تطور اقتصاد الدول العالمية الأخرى، ذلك فإنها ما تزال تملك الهيمنة الثقافية والاعلامية، والأهم أنها ما تزال تملك الهيمنة العسكرية التي تحد من استغلال الصين لقوتها العسكرية التي وصلت إلى مرحلة متطورة قادرة على المواجهة مع الغرب الإمبريالي. ويظهر التاريخ أيضاً أن كل إمبراطورية تملك زمنين: زمن النهوض والسيادة، وزمن الانحطاط، وفي حين ركز جيبون على اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، فإن مونتيسكو ركز في تأملاته في تاريخ الرومان على أسباب النهوض والانحطاط، ويلاحظ أن " الأزمة الداخلية لمفهوم الإمبراطورية لم تصبح كاملة الوضوح إلا في عصر النهضة، وخلال فترة بناء صرح الحداثة الأوروبية، حين عكف كتاب مثل مونتيسكو وجيبون على جعل مسألة انحطاط إمبراطورية روما أحد المنطلقات المركزية لتحليل الأشكال السياسية للدولة السيادية الحديثة.
والعولمة الأمريكية بدأت مع بداية التسعينات من القرن العشرين، حيث بدأت تتبلور ملامح عصر جديد، نظام عالمي تكون بعد انهيار القطب الشيوعي، الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشيوعية، وبروز القطب الإمبريالي، الولايات المتحدة الأمريكية، كإمبراطورية قادرة على أن تجر أوروبا الغربية خلفها كتابع، خاصة وأن أوروبا تعاني من مشاكل اقتصادية تجعلها عاجزة عن الفعل بدون الإمبريالية الأمريكية، وقادرة أيضاً على التحكم بالعالم كافة مجالات البنية الاجتماعية: حصار الدول اقتصادياً وسياسياً وتفكيك استقرارها الداخلي، وأيضاً عسكرياً، وقد تجلت قدرتها العسكرية في جر العالم خلفها في حرب كوسوفو وفي حرب الخليج الثانية. لقد نقلت العولمة العالم من التقسيم الثنائي شرق _ غرب على أساس سياسي إلى التقسيم الثنائي الآخر شمال _ جنوب على أساس اقتصادي. وكما يقول الهادي المنجرة: " فإن ما تمت عولمته حالياً هو، بكل تأكيد، الفقر والظلم الاجتماعي والرشوة والاستلاب الثقافي، وهو أيضاً التضييق على الحريات والحقوق المدنية.
العولمة (الإمبراطورية الجديدة _ أمركة العالم) هي الليبرالية الاستبدادية المتوحشة _ تحالف المال والمعلومات، إنها كما يقول كارل بولاني " إن فكرة السوق ذات التنظيم الذاتي تنطوي على طوباوية مطلقة، فمثل هذه المؤسسة لا يمكن أن تعيش ولو لفترة قصيرة من دون إفناء المجتمع الإنساني والطبيعي، وبولاني يرى إن الأولوية للمجتمع على النظام الاقتصادي الذي تديره شركات عملاقة متعددة الجنسيات تتحكم بحركة الأموال والمضاربات في أسواق البورصة العالمية. لأن هذه العولمة تخلق عالماً لا رحمة فيه وخاصة للدول المتخلفة (مهمتنا بلوغ المجد في سباق اللامساواة.. لا نعبأ بالمتخلفين في ماراتون المنافسة، كما تقول مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا). العولمة هذه جعلت العالم " قرية كونية " كما يقول بعض مفكري العولمة، أو أنها جعلته " سوقاً كونياً " كما يقول مفكرون آخرون، المهم أن تلك الإمبراطورية المعولمة أصبحت تتحكم بالعالم، وليس هناك من يقدر أن يتحصن من تأثيرها لا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا سياسياً ولا فكرياً، حتى أنها أصبحت تؤثر في الحياة اليومية لكل شعوب الأرض.
وهذه العولمة لم تنبت من فراغ، إنها محصلة تطور عالمي تاريخي، بدأ مع تحقيق أوروبا لثورتها الصناعية الأولى، ذلك أن توحيد العالم اقتصادياً، أو لنقل خلق سوق عالمية، كان حلم البورجوازية الأوروبية منذ تبلورت كطبقة وبدأت، بعد الثورة الصناعية، تبحث عن المواد الأولية لصناعاتها، والأسواق لتصريف منتوجاتها. ولنتذكر حديث ماركس عام 1848 عن نزوع النظام الرأسمالي إلى السيطرة على العالم وخلق سوق عالمية. وقد اكتملت هذه السيرورة الاقتصادية مع أمريكا والثورة الصناعية الأخيرة، ثورة المعلومات (اقتصاديات العالم المتقدم تقوم على المعرفة العلمية والتكنولوجية)، إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة هي هوية العولمة.
وقد وجد نظام العولمة تحت تصرفه مؤسسات عالمية مهيأة لتلعب دوراً كبيراً في تشكيل العالم وفق أيديولوجية هذا النظام العالمي الجديد: مجلس الأمن، حلف الأطلسي، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، وأيضاً الشركات المتعددة الجنسيات، ومهمة هذه المؤسسات، وخاصة صندوق النقد الدولي، هي تعميق التبعية الاقتصادية للإمبريالية عبر تقديم القروض للدول المتخلفة، فالاقتراض يرهن اقتصاد الدول المتخلفة للإمبريالية بسبب عجز تلك الدول المتخلفة مع الزمن حتى عن سداد فوائد تلك القروض، وهكذا تستمر لعبة القروض التي تستنزف الاقتصاد الوطني للدول النامية، ويصبح من المستحيل خلق تراكم رأسمال أولي يعمل على إقلاع التنمية الاقتصادية، وبذلك يتم تكريس تبعية الدول المتخلفة للعولمة عبر علاقة اقتصادية غير متكافئة تعيد بشكل دائم إنتاج التخلف. وهكذا بدأ نظام العولمة عبر مؤسسات العولمة يفرض وجوده العالمي، إنه عصر العالم بلا حدود، أرض بلا حدود، ثقافة بلا حدود، أموال بلا حدود، أسواق بلا حدود، معلومات بلا حدود، تجارة بلا حدود لقد أصبح العالم، كما يقولون، قرية كونية. ولكن إمبريالية عصر العولمة، مثل رأسمالية عصر الاستعمار، أبقت الصناعة المنتجة داخل الحدود، حدود دول العولمة. إن تصنيع الدول المتخلفة _ دول الجنوب إذا كان ممكناً في ظل النظام العالمي القديم (بوجود الاتحاد السوفياتي كقطب قادر على خلق بنية صناعية فاعلة)، فإنه قد أصبح مستحيلاً خارج إطار النظام العالمي الجديد، خارج تلك العولمة. وأمريكا، وقبلها أوروبا، تقف في وجه تصنيع أية دولة ذات توجه وطني بحجج واهية مثل الأضرار بالبيئة، ولكنها في ذات الوقت تستبعد من بلدانها صناعات خطرة على السكان، وتضر بالبيئة، وتفرضها على الدول المتخلفة بقوة العولمة حتى أن الدكتور سمير أمين اعتبر أن العولمة هي نقل الإنتاج الصناعي من المركز الإمبريالي (الدول المتقدمة) إلى الأطراف (الدول المتخلفة). إن شعار دول الشمال الإمبريالية، ظل هو (إما تأكل أو تؤكل) لكن الصراع أصبح أكثر وحشية تجاه دول الجنوب المتخلفة، بحيث أصبحت الليبرالية المتوحشة تعمل على ابتزاز الدول المتخلفة وتدمير الدول المتخلفة للسيطرة على موادها الأولية بالإضافة إلى محاولة الانقلابات العسكرية، ويمكن الإشارة إلى ما حدث في البلاد العربية حيث استغلت العولمة حراك الشعب العربي من أجل الحرية والكرامة وعملت على تدمير تلك الدول التي هي بعيدة عن سيطرتها المباشرة. وإذا كانت رأسمالية عصر الاستعمار قد اهتمت بطبقتها العاملة، وأعطتها مكاسب مادية من نهب الدول المتخلفة، فإن عصر التكنولوجيا المعلوماتية قد أنهى هذه المرحلة، إن اقتصاد العولمة، حسب كتاب " نذر العولمة " فإنه في زمن العولمة أصبح هناك اقتصاد إنتاجي يقوم على إنتاج السلع والخدمات، واقتصاد آخر طفيلي يقوم على المالية والمعلوماتية يتميز بصفتين: أنه قائم على المضاربة بالأسلحة المالية المعلوماتية، والأخرى أنه غير منتج، لكنه قادر على امتصاص وانتزاع ما يحققه العالم المنتج. ففي عصر العولمة فإن 20% من عمال الدول الغنية ستكفي حاجة سوق العمل، مما أدى إلى خلق رعب حقيقي في أوروبا وأمريكا واليابان، خاصة وأن هناك 80 % من العمال سوف يدخلون إلى سوق البطالة، مما يؤدي إلى التغيير في بنية الطبقة العاملة ويلغي الطبقة الوسطى. أما في الدول المتخلفة فالوضع الاقتصادي كارثة حقيقية، فالجوع هو ما تنتظره شعوب هذه الدول، خاصة وأن الخطوط العريضة للعولمة هي القضاء على الطبقة الوسطى، والتراجع عما تم تحقيقه عبر نضال الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من حد أدنى للأجور والضمان الصحي، واحتواء العاطلين عن العمل عبر المساعدات الاجتماعية، أي التخلي عن دولة الرفاه. كما أن هذه الدول المتخلفة أصبحت مهددة في ظل العولمة في وجودها ذاته، خاصة في ظل التبعية المعلوماتية التي تشكل خطورة على هوية الدول المتخلفة. حيث أن عصر العولمة، كما يقول نقاده، قادر على اقتلاع الشعوب والدول من جذورها، وعلى رأي أولريش بيك فإن " سياسة العولمة لا تستهدف إزالة القيود الاقتصادية فقط، وإنما تستهدف أيضاً إزالة قيود الدولة الوطنية، فهي تمارس تجريد سياسة الدولة الوطنية من قوتها. وقد يكون في ذلك مبالغة فحتى العولمة نفسها تعاني من ازدواجية عالمية الاقتصاد الذي لم يعد يعترف بالحدود السياسية والجغرافية، وقومنة السياسية، فالدول الكبرى المتحكمة بنظام العولمة لا تصدر قرارات تضر بمصالحها القومية، فما تزال السيادة القومية مقدسة. لكن أصبح معروفاً أن العولمة تلحق الدول المتخلفة في سياق استراتيجيتها الإمبريالية في السيطرة على العالم، وتفرض عليها قوانين لا تتناسب مع مصالحها كدول تسعى إلى تحديث نفسها مثل التنازلات الضريبية، وعدم إقامة مشاريع البنية التحتية، وتحرير السوق، وإلغاء القطاع العام وتدخل الدولة في الاقتصاد. إن شروط مؤسسات العولمة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) تقضي على أي إمكانية لتحديث الدول المتخلفة، خاصة وأن عالم دول العالم المتخلفة الداخلي متآكل من الداخل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويستنزفه صراع حضاري يدور بين قوى الأصالة وقوى الحداثة، وهو صراع اجتماعي، وليس صراعاً فكرياً في ظل مجتمع مدني غير قادر على امتصاص صراع الوجود هذا وتوجيهه في طريق ديمقراطي، مما يجعل تلك الدول المتخلفة تدور بشكل دائم في فلك تلك العولمة المتوحشة التي أعادت عصر الاستعمار من النوافذ بعد أن أخرج من الأبواب، وحطمت كل ما أنجزته الحداثة من منجزات اجتماعية واقتصادية لرفاهية الشعوب.
لقد فرزت العولمة أيديولوجيتها، وهي تقوم على:
1 _ نهاية التاريخ: فوكوياما، ويعتبر " أن الديمقراطية الليبرالية بإمكانها أن تشكل فعلاً منتهى الحضور الأيديولوجي للإنسانية، والشكل النهائي لأي حكم إنساني، أي إنها من هذه الزاوية نهاية التاريخ ".
2 _ صراع الحضارات: هنتنجتون، ويعتبر أنه " في هذا العالم الجديد لن تكون الصراعات المهمة والملحة والخطيرة بين الطبقات الاجتماعية أو بين الغنى والفقر أو بين أية جماعات أخرى محددة اقتصادياً، الصراعات ستكون بين شعوب تنتمي إلى كيانات ثقافية مختلفة ". ويضيف: " تقسيم العالم القائم على الحرب الباردة قد انتهى، وانقسامات البشرية على أساس العرق والدين والحضارة تظل كما هي وتفرخ صراعات جديدة ". ويفسر هنتنحتون النمو الاقتصادي بـ " الدين "، ويقول: " المجتمعات ذات التراث المسيحي الغربي تتقدم نحو النمو الاقتصادي والديمقراطية، أما أفق نجاح النمو الاقتصادي والسياسي في الدول الأرثوذوكسية فهي غير مؤكدة، وأفق النجاح في الجمهوريات الإسلامية كئيبة ". لكن هنتنجتون في كتابه لا يتجاهل أن هيمنة الدول في العالم تقوم على الاقتصاد، ولكنه يستخدم الدين كقناع، وهو من خلال جعل النمو الاقتصادي يتوقف على الدين كمن يخفي رأسه في الرمال.
لقد سبق لهيغل أن أنهى التاريخ عند الدولة الليبرالية القائمة في عصره حيث أن تلك الدولة حققت أقصى ما يطمح إليه مجتمع في كافة مجالات البنية الاجتماعية، كما أنهت الماركسية السوفيتية التاريخ عند الدولة الشيوعية في حاضرها باعتبارها الدولة العادلة التي تحقق إنسانية الإنسان، وتجسدت في الأنظمة الشيوعية القائمة، رغم أنها انهارت بسبب ركودها الاجتماعي الاقتصادي، ورغم أن ماركس اعتبر الشيوعية مرحلة تاريخية " إن الشيوعية هي الشكل الضروري والمبدأ الطاقي للقريب المقبل، لكن الشيوعية ليست، بصفتها كذلك، هدف التطور البشري، وشكل المجتمع البشري ". وليس غريباً أن ينهيه فوكوياما عند الدولة الديمقراطية الليبرالية في عصر العولمة باعتبارها تحقق رفاهية الإنسانية وأقصى ما يطمح إليه البشر. لكن الغريب في رؤية هنتنجتون في أقطاب الصراع أن تتحول الحضارات _ الثقافات _ الأديان إلى أقطاب تهدد الحضارة الغربية (مصالح الإمبريالية الأمريكية) من منطلق حضاري - ثقافي _ ديني وليس من منطلق سياسي _ اقتصادي. ويتوقف هنتنغتون عند الدين الكونفوشي _ الصين: الصين غير مستعدة لقبول زعامة أو هيمنة أمريكية في العالم، والولايات المتحدة غير مستعدة لقبول زعامة أو هيمنة صينية في آسيا "، فكيف إذا كانت الصين قد أصبحت تزاحم أمريكا في الهيمنة في العالم. والدين الإسلامي _ الأمة العربية: المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام: فهو حضارة مختلفة شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته ". ويمكن القول إن هنتنجتون يتجاهله القوى الاقتصادية في أوروبا بقيادة ألمانيا، أو الصين بحجمها الاقتصادي وحتى العسكري، وحتى اليابان وبقية النمور الأسيوية كقوى اقتصادية، وحتى أيضاً روسيا، فهي ما تزال تملك حلم الإمبراطورية العظمى، والتي تملك من الأسلحة غير التقليدية ما يمكنها من الوقوف في وجه أمريكا. وبالتأكيد سوف تضطر هذه القوى الاقتصادية الإمبريالية الأمريكية، كقطب مهيمن، لمراجعة حساباتها السياسية والاقتصادية عندما تصبح المعركة معركة وجود أو لا وجود، وفي هذه المعركة سوف تجد الإمبراطورية الأمريكية أن عدوها الحقيقي هو الصين التي يمكن أن تنافسها في الهيمنة على العالم كقطب اقتصادي وعسكري، خاصة بعد تحالفها مع روسيا التي تطمح هي الأخرى أن تكون قطباً عالمياً آخر. لكن وبغض النظر إن كان التاريخ سيكرس هيمنة القطب الواحد أو تعدد الأقطاب داخل النظام العالمي الجديد، فإن التناقض بين أوروبا وأمريكا، وأيضاً بين اليابان وأمريكا ما يزال تحت السيطرة الأمريكية. لكن العلاقة بين أمريكا والصين، وأمريكا وروسيا أصبحت خارج السيطرة الأمريكية، وخاصة بعد تدخل أمريكا في بقايا الإمبراطورية السوفييتية، ودخول روسيا في المرحلة العسكرية كقوة عظمى من أجل قيام الإمبراطورية الروسية. أن روسيا كإمبراطورية صاعدة، رغم أنها لا تملك القوة الاقتصادية الكاملة _ كانت تحتل المركز الحادي عشر بين اقتصاديات العالم قبل القضية الأوكرانية، وتملك القوة السياسية بشكل نسبي، وقوتها العسكرية طاغية، ولكن الأهم إنها تملك قوة الإرادة، ويمكن أن تلعب لعبة توازن الرعب في علاقتها مع أمريكا. وكان لا بد من تدجين روسيا قبل الصراع مع العدو الرئيسي _ الصين، وكان أن بدأت الإمبراطورية الأمريكية ومن خلفها الدول الأوروبية في محاصرة روسيا عبر الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي، وكانت القضية الأوكرانية. لقد ابتعدت اليابان عن الدخول في المرحلة العسكرية، واكتفت بالعمل ضمن التنمية الاقتصادية بشكل رئيسي وضمن السياسة بشكل ثانوي، رغم أن الدفاع العسكري غير بعيد عن تفكيرها لمواجهة كوريا الشمالية النووية. وأوروبا من جهتها تحاول أن تجد لها موضع قدم في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتكون، فرنسا وبريطانية اختارتا طريق أمريكا العسكري، ولكن ألمانيا اختارت هي الأخرى المجال الاقتصادي وبعد قضية أوكرانيا بدأت بالتفكير بالمجال العسكري، كما إنها تحاول أن تجد طريقاً يضمن لها الحفاظ على مصالحها الاقتصادية بعد أن أعلنت أمريكا العمل لنفسها اقتصادياً ضد العالم بما فيه أوروبا حليفتها التقليدية. ورغم أن كثيراً من المفكرين يرون أن الإمبراطورية الأمريكية بدأت تدخل في مرحلة الانهيار، وما وقوف روسيا في مواجهة أمريكا وأوروبا، بغض النظر عما ستؤول إليه المواجهة، سوى مؤشر جدي على تآكل الإمبراطورية الأمريكية، ومواقف كثير من دول العالم بدأت تدرك أنها ليست سوى لعبة في سياق عالمي أمريكي للهيمنة، وبدأت مع قضية أوكرانيا تدرك حجم العنصرية في تعامل الغرب مع دول الشمال والجنوب وأخذت تفكر بمصالحها وليس بمصالح الإمبراطورية الأمريكية. لكن تلك الإمبراطورية الأمريكية ما تزال تحاول تملك الهيمنة على العالم عبر: القوة الاقتصادية والقوة السياسية، وخاصة القوة العسكرية لقولبة العالم وفق مصالحها.



#محمد_علي_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية المجتمع مجتمع الرواية
- عن مهدي عامل والبنية الاجتماعية الكولونيالية
- الصدق في الأدب
- نظرية الأدب والزمن
- الرواية العربية وتحرير المرأة
- دروب الابداع: الروائي وشخصياته
- المخطوط القديم
- حول النخبة العربية المفكرة
- مأزق الثقافة العربية
- زمن التعلم زمن الإبداع
- الدكتور محمد عزيز الحبابي والمفاهيم المبهمة
- رواية: هموم الشباب _ عبد الرحمن بدوي وخطاب التنوير
- كتاب: الوعي القومي _ قسطنطين زريق والنهضة القومية العربية
- توفيق يوسف عواد: علمانية الفصل بين الطوائف
- مصر وثورة يوليو في رواية _ شيء من الخوف _
- أهل الغرام _ حكايات
- رؤية باكثر لشخصية فاوست في مسرحية - فاوست الجديد -
- الأصولية الأصالة الحداثة
- حول رواية - محاولة للخروج - للروائي عبد الحكيم قاسم
- خطاب التوفيقية في رواية يحي حقي - قنديل أم هاشم -


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد علي سليمان - العولمة: أمركة العالم