أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلف علي الخلف - سيرة العشائر الزراعية في رواية -خربة الشيخ أحمد- ل عيسى الشيخ حسن















المزيد.....


سيرة العشائر الزراعية في رواية -خربة الشيخ أحمد- ل عيسى الشيخ حسن


خلف علي الخلف

الحوار المتمدن-العدد: 7211 - 2022 / 4 / 5 - 18:40
المحور: الادب والفن
    


في روايته الصادرة عن دار موزاييك تحت عنوان رئيس "خربة الشيخ أحمد" وعنوان فرعي "لما كان ظرفنا مليان"، يرصد عيسى الشيخ حسن حقبة من تاريخ العشائر الزراعية في الجزيرة والفرات وامتدادها في المناطق السورية الأخرى.
من الصعوبة تصنيف هذه الرواية تحت صنفٍ روائي محدد كأن تقول أنها رواية تاريخية لجماعة بشرية أو منطقة جغرافية، أو رواية متخيلة، حيث يمزج عيسى بينهما متكئاً على حكاية متخيلة لبطل روايته، ليقدم لنا تاريخ جماعة بشرية، هي العشائر الزراعية التي عاشت في المنطقة وكانت هي البطل الحقيقي للرواية ضمن فضائها الجغرافي الذي اختاره عيسى بعناية شديدة. ويمكن الزعم أن الروائي فصّل الحكاية بما يتناسب مع الفضاء الجغرافي التاريخي الذي تكونت فيه هذه الجماعة وعاشت فيه حياتها الرتيبة المكررة جيلا بعد جيل، تلك التي تخلو من الأحداث التاريخية الكبيرة منذ أن غزا هولاكو ومن بعده التتار المنطقة ودمروا حواضرها وشردوا هذه الجماعة لتعيش تيها متصلاً لقرون، على هامش الأحداث العامة للمنطقة، وصولا إلى الفترة التي ترصدها الرواية. حيث تعيد هذه الجماعة بناء أماكن استيطان جديدة وبسيطة في الفضاء الجغرافي ذاته الذي عاشت فيه دوماً وكانت قد شكلت أساسه الحضاري الزراعي فيما سبق من أحقاب بعيدة.
ترصد الرواية من خلال الحكاية ومن خلال بناء قرية "خربة الشيخ أحمد" و توأمها "الصفرة" والقرى الأخرى إعادة تجميع هذه العشائر لنفسها وبناء مناطق استقرار جديدة.

حكاية الرواية

الرواية تقدم حكاية بسيطة عن معلم مدرسة "غريب" يأتي"الخربة" في الفترة التي بدأ فيها الأهالي إنشاء المدارس لتعليم أبنائهم، حيث يحتضنه أهل القرية كعادتهم ويتعامل معه كواحدٍ منهم، بل يزوجه أحد سكان القرية، الذي وفد إلى المنطقة كموظف صحي، ابنته، ثم ينجبان الحامل الدرامي للحكاية "ياسين" ويتوفيان بحادث سير تاركينه طفلا رضيعاً، فيتبناه "الشيخ عبد اللطيف" وزوجته ويصبح الابن المدلل لهما ولقريتي "الصفرة" و "الخربة" معاً. تأتي اللحظة الحتمية التي يصطدم فيها ياسين بحكاية أصله وفصله حيث تعيره أم الفتاة التي ذهب لخطبتها بأنه "واحد ما نعرف گرعة أبوه منين ما نعطيه بنتنا"، ليبدأ ياسين تيهه الشخصي الخاص باحثا عن "گرعة" أبيه، حيث يشكل هذا حاملاً للرواية لرصد فصولٍ من التيه لذات الجماعة في فترات زمنية أسبق وفي مناطق أخرى.
هذه الحكاية كانت مجرد حامل ليقدم الروائي تفاصيل الحياة اليومية البسيطة لتلك العشائر وثقافتها، كفضاء مسرحي عام مفتوح على الحكاية، يتشكل من تفاصيل؛ العادات والتقاليد، الطعام، الأغاني، الملبس، التنقل، آليات التخاطب واللهجة، التي كانت أحد العناصر الرئيسية في الرواية، حيث التزم الروائي بمنطوق اللهجة بدقة الخبير. كل ذلك كان هو البطل الحقيقي للرواية، أي أنها سيرة جماعة بشرية في فترة زمنية محددة تركز بشكل أساس على النصف الثاني من القرن العشرين. إذ ندرك هنا لماذا غاب راوي الحكاية عن النص، فالرواي والرواية هما الجماعة نفسها.

لغة الرواية

على الرغم من أن الروائي شاعر، إلا أن لغة روايته كانت بسيطة خالية من الرطانة الشعرية التي غالبا ما غرق فيها الروائيون القادمون من جذورٍ شعرية، وكان ذلك فعلاً واعياً متعمداً من الروائي لتكون لغة الرواية وفق منطوق الجماعة وشخوصها وحياتها البسيطة دون أي تكلف أو تدخل من الروائي في لغة خطابها. وفي اللغة أيضاً يقدم الروائي الحوار بشكل كامل وتام باللهجة الفراتية التي تتحدثها تلك العشائر، بل أنه استعار الحروف غير الموجودة في اللغة العربية في لهجتها من لغات أخرى.

شخصيات الرواية

تقدم الرواية شخصياتها من الجماعة البشرية التي تروي سيرتها، فلم يقحم الروائي معارفه الثقافية لخلق شخصيات مركبة لا تمثل الواقع البسيط للجماعة، فجاءت الشخصيات في سياقها الطبيعي؛ شيخ الجرية، الفلاحين، معلم المدرسة، موظف الصحة، ربّات البيوت العاملات في الزراعة، تلاميذ المدارس، طلاب الجامعة الذين درسوا في المدن الكبرى انتساباً في الجامعات، العمالة المغتربة في الخليج والجوار، دون أن تنطق أي من هذه الشخصيات بمعارف أو مقولات غير منسجمة مع وعيّها البسيط ومع الفضاء المكاني للجماعة. الذي تدور فيه أحدث الرواية. وعلى الرغم من أن الشخصيات الرئيسية للرواية كانت من العشائر الزراعية إلا أنه لا يتغافل عن اختلاط منطقة الحدث الروائي بالأعراق والأثنيات والأقوام، فهو يورد شخصيات كردية وسريانية و "ديرية"* وشخصيات من جماعات أخرى، على سبيل المثال من أرياف إدلب وحماة وحلب، وذلك من خلال تقاطعها مع شخصيات العمل الرئيسية.

الزمن في الرواية

يؤثث الروائي زمن روايته منذ السطور الأولى ليقدم لنا زمنا ممتداً برتابته وتكراره الدوري عبر تعاقب الأجيال الذي عاشته هذه الجماعة كتيهٍ متصلٍ قبل استقرارها الأخير وبعده. فالزمن هنا لا يشكل عاملا مهما في عناصر الرواية حيث يبدو لا قيمة له، رغم أن الروائي يذكر خلال عمله تواريخ محددة يعود إليها بخبرة المؤرخ، ويتوقف عند بعض الأحداث التي كانت لها علاقة بفضاء الجماعة؛ كالحرب العراقية الإيرانية وفتح الحدود مع العراق ثم إغلاقها، كحدثين يبدوان في خلفية تبدو بعيدة في مسرح الأحداث. وكذلك قدوم البوسطة، القطار ، "البيكام" [البيك أب] كوسائل نقل إلى المنطقة، وصول الكهرباء كذلك. تاريخ بدأ التعليم والمدارس في مناطق "جماعة الرواية" وبدأ وصول بعض أبنائها إلى الجامعات، أيضاً بدأ الاغتراب بقصد العمل في الخليج ودول الجوار، وغيرها من التفاصيل البسيطة التي اندمجت في حياة تلك الجماعة، رغم أن ذلك لم يشكل فارقا جوهريا في طبيعة حياة هذه الجماعة وهامشيتها. يلعب الروائي لعبة تقنية في الزمن إذ أنه لا يسير بخط متصل متصاعد بل يظهر دائريته الرتيبة في بعض الأحيان التي تشكل جزءاً من زمن حياة الجماعة نفسها. كانت "لعبة الزمن" التي أظهرها الروائي بدراية عالية أحد أهم العناصر في العمل.

البناء الدرامي للرواية

البناء الدرامي في الرواية جاء بسيطا سلساً متطابقا مع زمنه الدائري ومع الشخوص البسيطة ومع طبيعة الحياة التي رصدها الروائي بوعي يدرك تفاصيل هذه الحياة وتختزن ذاكرته أحداثاً نسيها جيله بتعابيرها وتاريخيتها. وإذ قدم الروائي هذه الذاكرة بدقة فإنه أضاف لها مخيالاً بدا أيضاً بسيطاً مندمجاً مع كل عناصر عمله. فالشخصيات التي من الأقوام المجاروة ؛على سبيل المثال، لا تؤثر على بناء العمل وبالتالي على نمط الحياة الزراعية التي تشكلت منها ثقافة هذه الجماعة ووعيّها بذاتها. خلال البناء الدرامي يحاول الروائي التطبيع مع نعت "الشوايا" التحقيري الذي يُطلق على العشائر الزراعية في هذه المنطقة من جوارها، مقدماً استخداماته بواقعية شديدة بحمولتها التحقيرية، محاولاً إفراغه من تلك الحمولة بمسحة من المرح والسخرية، وصولا إلى التصالح معه وقبوله كنعت حيادي، بل إن الروائي يستخدمه في كتاباته خارج هذه الراوية بقصدية تطبيعية مستندا إلى تفسيرات ضنيّة تأويلية حول نشوئه الحيادي، لكن ذلك لا يصمد امام البحث المنهجي والتاريخي الذي يؤكد أن هذا النعت ولد تحقيريا منذ البداية ومازال مستخدماً كنعتٍ تحقيري من الأقوام المجاورة التي نقلته للجماعات الأبعد داخل حدود الكيان السوري الحديث.

في خلاصة العمل

هذا هو العمل الروائي هو الأول لعيسى الشيخ حسن، وعلى الرغم من أنه يخلو من الأخطاء المعتادة التي يرتكبها العمل الروائي الأول، يمكن لمس بعض التعقيد الزمني في مفتتح الرواية خلال بدء الروائي تأثيث زمن عمله، إلا انه سرعان ما يتبدد في الصفحات اللاحقة على امتداد العمل، إذا يحتاج القارئ تركيزاً شديداً في البداية، ومعرفة عميقة بالفضاء المكاني للرواية وللجماعة التي يرصدها هذا العمل لإدراك التداخل الزمني. النقطة الأخرى التي يمكن الاشارة إليها هي التكرار، فعلى سبيل المثال، الجملة الحوارية " یول وين چایکم" أو "هاتو الچای" والتعابير الأخرى المختلفة التي تقدم نفس الدلالة تتكرر على امتداد العمل، ويمكن تبرير ذلك أن "الچای" هو مشروب الضيافة الأكثر شيوعاً عند تلك الجماعات إضافة لرتابة الحياة نفسها، التي أبرزها العمل، إلا أن ذلك كان يمكن اختصاره مع بعض الاحداث المتشابه في العمل. كما أن انتماء الروائي لهذه الجماعة ومحاولته تقديمها في عمل أدبي يبرز حياتها وطرق عيشها أثقل العمل بالمبالغة في إظهار إيجابية الشخوص، على الرغم من أنه يقدم بعض الجوانب السلبية في شخوص محددة وهامشية تخلل عمله. وعلى الرغم من أن كل الجوانب الإيجابية التي قدم من خلالها شخوصه هي حقيقية إلا أنه يمضي بعيداً في تصوير مثالية تلك الشخوص دون أن يقدم البناء المركب للشخصية الإنسانية التي تتضمن جوانب سلبية وإيجابية تتفاعل على الدوام.
في الختام يمكن القول أن رواية "خربة الشيخ أحمد: لما كان ظرفنا مليان" هي أول عمل روائي يرصد تفاصيل دقيقة لحياة العشائر الزراعية في الجزيرة وحوض الفرات والامتدادات الجغرافية لهذه العشائر في المناطق الأخرى، ويقدم هذا العمل ثقافة هذه العشائر وتقاليدها الراسخة وحياتها الزراعية البسيطة.

* نسبة لمدينة دير الزور وهي مدينة تعود أصول غالبية سكانها لأصول عشائرية لكنهم انصهروا داخل المدينة مشكلين هويّة منتسبة لمدينة الدير بلهجة متمايزة ومتفرعة من اللهجة الفراتية الأعم.

هذه المادة كتابة مشتركة لـ خلف علي الخلف | قصي مسلط الهويدي. لم يرد اسم قصي في العنوان نتيجة آلية إضافة المواضيع في موقع الحوار المتمدن.



#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يحب برهان غليون السمك مع الخاثر؟
- في نقد الإستجابة الإقليمية لمنظمة الهجرة الدولية للأزمة السو ...
- حازم صاغية في فخ الذاكرة الثقافية السورية المزورة
- حان وقت رفع راية استقلال إقليم الجزيرة الفراتية عن سوريا
- عن انقلاب الرفيق رياض الترك على قيادة الشباب للثورة السورية
- الضربة الأميركية والمعارضة الموالية للنظام
- هل اقتربت نهاية حكم حيوان الغاز القاتل
- حين لا تجد الأمم الكلمات لوصف المذبحة السورية
- هل كان سعدالله ونوس صنيعة نظام الأسد
- فضائح المنظمات الإغاثية الدولية
- عن العنصرية الخفيّة واتنزاع الأطفال من ذويهم في السويد
- فنون الوحشية عند تنظيم الدولة الإسلامية
- أين أخطأ البارزاني في مشروع استقلال كردستان
- قضية الأهواز كمدخل عربي لمواجهة إيران
- الصراع الديني في الشرق الأوسط من منظور غربي
- الإرهاب من منظور نظريات العلاقات الدولية
- الخلف: ضعف كفاءة المعارضين جعلهم يحسبون العملية السياسية مجر ...
- خلف علي الخلف: سوريا التي نعرفها لن تعود
- عن العشائر والبيئة الحاضنة لتنظيم الدولة الإسلامية
- كشّاشو حمام الثورة السورية


المزيد.....




- -بندقية أبي-.. نضال وهوية عبر أجيال
- سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي ...
- لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
- مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م ...
- رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلف علي الخلف - سيرة العشائر الزراعية في رواية -خربة الشيخ أحمد- ل عيسى الشيخ حسن