|
تبدلات في طبيعة الصراع الدولي .. تداعيات ، ونتائج
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 7210 - 2022 / 4 / 4 - 13:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توحد الشرق الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق ، مع الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في الحرب ضد النازية ، والفاشية ، وأدى ذلك الى دحرها ، وانتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء ( الاضداد ) ، والتوافق على تقسيم مناطق النفوذ بينهما في جميع انحاء العالم ، بموجب اتفاقيات مبرمة ، توجت بقيام هيئة الأمم المتحدة والتوقيع على ميثاقها المعمول به حتى الآن ، والذي جسد في جوهره موازين القوى على الصعيد الدولي حينذاك . شهدت الفترة بين عام ١٩٤٥ وحتى نهاية الثمانينات بداية انهيار المعسكر الشرقي ، أي قرابة ثمانية عقود ، اضطرابات ، وحروب محدودة ، ومواجهات بالوكالة ، وحرب باردة تجسدت فصولها مباشرة او بصورة غير مباشرة في اطار الصراع الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، و،تاليا الصناعي ، والعلمي ، وحرب النجوم ، اطلق عليه المعسكر الشرقي ( الصراع بين الاشتراكية ، والرأسمالية ) وسماه الغرب ( الصراع بين الديموقراطية والاستبداد الشمولي ) . انهيار دول المعسكر السوفييتي ، وتفكك حلف – وارسو – منذ بداية تسعينات القرن الماضي ، بعد عقود من الحرب الباردة بين المعسكرين ، يعد هزيمة ليس لدول ، وقوى عسكرية ، فحسب بل لنظام سياسي ، واقتصادي ، وآيديولوجيا ، ولمجمل الاستراتيجيا النظرية التي بنيت عليها أنظمة ، ودولا ، وحكومات ، واحزابا ، وحركات تحرر في مختلف القارات ، وذلك لاسباب متعددة بينها فقدان الديموقراطية ، وقمع الرأي المخالف ، والفساد الإداري ، وحرمان شعوب وقوميات من حقها بتقرير المصير ، ودكتاتورية الحزب الواحد ، . الكثير من حركات الشعوب المكافحة من اجل الحرية ، وتقرير المصير في العالم ، وبينها الحركة الكردية ، والتي كانت تشكل جزء – افتراضيا – من المعسكر الاشتراكي ، او حليفة ، وصديقة له ، لاسباب تاريخية ، واحيانا تحت وطأة الجغرافيا السياسية ، أو بسبب عداء الغرب الراسمالي لكل ماهو تحرري ، وتقدمي خاصة خلال سنوات الحرب الباردة ، وانحيازه للنظم الدكتاتورية في الشرق الأوسط عموما وبينها أنظمة مقسمة للكرد ، ومضطهدة لهم ، أقول ان تلك الحركات وجدت نفسها امام واجب مراجعة بالعمق للماضي ، وضرورة استيعاب المعادلة الجديدة المتحكمة بطبيعة الصراعات وقواها الفاعلة ، بمقاربة تحفظ مصالح شعوبها ، وقضاياها ، ومستقبلها ، فبعضها نجح ، وأخرى أخفقت . بعد انهيار المركز الرئيسي للنظام الاشتراكي العالمي واقصد الاتحاد السوفييتي السابق ، وخروج دول أوروبا الشرقية بمحض إرادة شعوبها منه ، وإعادة بناء أنظمتها السياسية الجديدة على أسس راسمالية ليبرالية عبر الانتخابات الديموقراطية ، وسعيها التقارب مع دول الاتحاد الأوروبي ، وحلف الناتو ، نشأ في الوقت ذاته نظام ببنية راسمالية على انقاض النظام السوفييتي في موسكو ، قوامه التحالف المصلحي بين كل من : بقايا الأجهزة الأمنية وخصوصا – ك ج ب – و مدراء الصناعات العسكرية ، وشبكات المافيا العابرة للقوميات ، والكنيسة الارثوذوكسية ، واستولت الطغمة الحاكمة على جميع مقدرات الدولة السوفيتية ، وحرمت منها الدول والشعوب الأخرى خارج الاتحاد الروسي التي قدمت التضحيات الجسيمة ، وهو امر يغفله الكثيرون . هذا ماحصل لبلد المنشأ كما يقال ، أما الصين فقد سبقت سقوط السوفييت بالتحول التدريجي نحو نظام راسمالي استبدادي شرقي ، يتخذ قاعدة الحزب الشيوعي الحاكم بديلا عن المؤسسات الديموقراطية المعروفة من اشتراعية ، ورقابية ، وقضائية ، مع الحظر الكامل للمعارضة ، والاعلام الحر ، وحقوق القوميات ، أي نظام راسمالي ، شمولي ، استبدادي ، آيديولوجي ، يتحكم فيه الفرد الواحد الاحد . لاشك ان التبدل الأبرز في جوهر الصراع بين المعسكرين ، او القطبين ، هو انتقاله من المبارزة التنافسية بين الاشتراكية ، والرأسمالية ، والتي خسرت فيها الأولى لاسباب جئنا على ذكر بعضها ، الى صراع بين نظم راسمالية ديموقراطية ليبرالية مثل دول الاتحاد الأوروبي وامريكا من جهة ، ونظم أخرى راسمالية تقودها الطغم الاستبدادية ، الشمولية ، الفاسدة مثل روسيا والصين ، والتي تغذي أنظمة دكتاتورية أخرى كما في سوريا ، وترعى ميليشيات عسكرية مرتزقة مثل ( فاغنر ) وتعيش على الابتزاز ، وتهديد الاخر ، والمنافسة غير الشريفة ، وتعادي قضايا الشعوب التحررية في اكثر من مكان اذا اقتضت مصالحا الاقتصادية ذلك . ان تشخيص الولايات المتحدة الامريكية وبلدان أوروبية اخرى في صف النظم الديموقراطية الليبرالية ، لاينفي اطلاقا الرفض الكامل لمواقفها المستندة الى الكيل بمكيالين ، وسياساتها العوجاء حول اكثر من حدث ، وقضية ، مثل قضايا الشرق الأوسط عموما من أفغانستان الى ايران ، وبينها خذلان الشعب السوري ، وكذلك مواقفها الإشكالية من القضية الكردية على وجه الخصوص . لقد شكلت الحرب العدوانية الروسية الظالمة على أوكرانيا أجواء من الغموض لدى البعض ، عندما تم تفسيرها على انها حرب بين روسيا من جهة ، وحلف الناتو من الجهة الأخرى ، فالاخير لم يعلن الحرب ، بل يتحاشى المواجهة المباشرة ، وروسيا هي البادئة بالحرب ليس من اجل ( انتصار الاشتراكية ) بل في سبيل مصالح الطغمة الحاكمة ، وهي حشدت كل جيوشها ، واجتاحت أوكرانيا من كل الجهات ، وتنهال عليها بالصواريخ البعيدة المدى ، والطيران ، لاعادة الشعب الاوكراني الى بيت الطاعة الروسية ، وفصل مناطق من ارضها الوطنية تحت ذريعة حماية الناطقين بالروسية ، وفرض خيارات اجنبية على بلد ديموقراطي مستقل ذات سيادة ، وان يقبل النظام المنتخب ديموقراطا بإرادة الشعب الاوكراني الاستسلام ، وحل جيشه ، وسلب ارادته ، وتغيير نظامه ، وفرض الخيارات عليه بالقوة . النزعة القومية الروسية الاستعلائية بادية على كل شيئ ، على تصرفات الدكتاتور الارعن الملياردير بوتين وتهديداته بالحرب النووية ، وعلى قيادته العسكرية ، وآليته الحربية ، واعلامه ، ووفده الى المحادثات ، وشروطه المذلة ، وتعصبه الاعمى للروبل الروسي ضد العملات الأخرى المتداولة في أسواق التجارة العالمية بموجب ضوابط ، وارصدة ، وقوانين ، واعراف ، تستند الى مصادر القوة الاقتصادية . كل من شاهد اجتماع الدكتاتور الشكلي – الإعلامي بحاشيته المدجنة لاقرار الإعلان عن سلخ إقليم – الدومباس - من أوكرانيا وضمه لروسيا باسم دولتين مستقلتين ، وبثه الرعب في وسطهم ، واستدعائه الواحد تلو الاخر للاستنطاق بمايريده هو ، يتذكر المنظر نفسه بقاعة الخلد ببغداد عندما اعدم الدكتاتور صدام جمعا من رفاقه ، وبث الرعب بقلوب الحاضرين ، او مشاهد مفزعة للدكتاتور النازي ادولف هتلر وهو مجتمع بالمقربين منه . اذا كانت نتائج الحرب العالمية الثانية العسكرية ، قد وضعت قواعد للسلم والاستقرار العالميين ، واسسا للصراع التنافسي السلمي حينها بين المعسكرين المختلفين ، واذا كانت طبيعة الصراع قبل نحو ثمانين عاما قد تغيرت الان بصورة جذرية ، وظهرت اقطاب اقتصادية ، وعسكرية ، وعلمية متقدمة ، في مختلف القارات ، فليس بالضرورة ان تنشب حرب نووية حتى يعاد التوازن بين القوى الراسمالية المتحكمة في العالم ، وإزالة الفوارق بين الشمال والجنوب ، وتثبيت البيئة النظيفة ، وتحريم الأسلحة الفتاكة تصنيعا ، وتجارة ، وإعادة الاعتبار لمبدأ حق تقرير مصير الشعوب ، ومنع استخدام القوة في حل المشاكل ، بل يمكن التوافق حول اعادة النظر في ميثاق هيئة الأمم المتحدة ، واعتماد الجمعية العمومية بدلا من مجلس الامن ، ومشاركة كل دول العالم من دون تمييز بين الغني والفقير في إدارة الشؤون العالمية على أساس الاعتراف المتبادل ، وقبول مبدأ – توازن المصالح - .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في نظرية - التوريط -
-
في أوجه الشبه بين - الهتلرية - ، و-البوتينية -
-
بحثا عن نظام عالمي عادل
-
التصعيد الروسي العدواني الى اين ؟
-
مؤتمر ميونخ وإعادة تعريف قضايا الصراع الدولي
-
فلنحدد قواعد الصراع في الساحة الكردية السورية
-
التكامل بين القومي والوطني في تجربة كردستان العراق
-
قراءة أولية في ندوة الدوحة
-
عندما تنتقم روسيا – البوتينية –
-
مواجهة الإرهاب لاتتجزأ
-
المصير السوري في ميزان الخارج
-
جدلية - تساقط - المعارضة ، و - اسقاط - النظام
-
هكذا يسيطر – الاخوان – على ( الائتلاف السوري المعارض ؟! )
-
توضيح للراي العام
-
فليكن – 2022 – عام المؤتمر الكردي السوري
-
سيمالكا: بين تجسير الهوة ، وهدم الجسور.
-
مناقشة هادئة في مسألة قديمة – جديدة
-
مناقشة صريحة عن بعد لقائد قوات - قسد -
-
تداعيات - حزبنة - العلاقات الكردية – الكردية
-
مؤتمر ( الجاليات الكردية ) في أربيل : قراءة موضوعية
المزيد.....
-
مع شروق الشمس فوق واشنطن.. شاهد لحظة ظهور حطام طائرة في نهر
...
-
بعد التأجيل.. إسرائيل تبدأ بإطلاق سراح فلسطينيين من سجونها
-
مقتل سلوان موميكا الذي أحرق القرآن في السويد، ماذا نعرف عنه؟
...
-
مقتل سلوان موميكا الذي أحرق نسخاً من القرآن في السويد
-
إعادة بناء غزة ـ سعي مصر لجني مكاسب.. ما ثمن ذلك عند ترامب؟
...
-
مسؤول مصري يكشف سبب التأخر في إخراج المصابين في غزة عبر معبر
...
-
السويد تقدم لأوكرانيا أكبر حزمة مساعدات عسكرية منذ 2022
-
دولة أوروبية تواجه 72 ساعة من الظلام بسبب الخروج من نظام الط
...
-
هيئة الاتصالات الروسية تعلن التصدي لنحو 11 ألف هجوم إلكتروني
...
-
الجنود الفرنسيون يغادرون آخر قاعدة لهم في تشاد
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|