|
الاقتصادات العربية اليوم ليست في أفضل أحوالها
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 2 - 02:09
المحور:
الادارة و الاقتصاد
انجح تجارب الدمج بين الشعوب والدول هي التي تقوم بالاستناد إلى عوامل اقتصادية بحتة ترعى مصالح الأمم بالمنفعة…. ففي تجربة إمبراطور الصين لي شومينج نقرأ انه كان أول من وحد الأمة الصينية بطريقة سهلة وبسيطة ومباشرة وهي توحيد العملة. استطاع بذلك إيجاد عامل مشترك يحس ويتفاعل معه كل مواطن وكل مسؤول ويدرك قيمته بدون مقدمات ونظريات، وكانت النتيجة ازدهاراً وتطوراً ووحدة حقيقية لا تزال تجني ثمارها الصين إلى اليوم. الاقتصادات العربية اليوم ليست في أفضل أحوالها وتمر بمنحنى خطير. والحكومات تشارك في مسؤولية ما حصل من تدهور، فالاقتصاد ليس مسؤولية الاقتصاديين وحدهم، وإنما هو مسؤولية مجتمع تقوده حكومة، ترسم أو لا ترسم الاتجاهات لطريق المستقبل، تضع أو لا تضع الخطط وتؤثر بالتالي في مسار الاقتصاد كله. الوضع الاقتصادي بصورة عامة مضطرب، فنحن نواجه اليوم اقتصاد الفرص الضائعة. لم نتمكن حيث أتينا بالفرصة من تحويل الثروة النفطية إلى بنيان اقتصادي متطور بقدر لائق، ولم تتحول فيه الثروة البشرية إلى إضافة حقيقة كبرى في زمن أصبح فيه البشر وليس المال هو أساس التنمية، بل إن المال المتاح قد نزح منه الكثير للخارج وهو ما يقدر بتسعمائة مليار دولار. والاقتصاد العربي غير موحد وغير مترابط، فهو مفتت ومشتت بين اقتصادات قطرية. اقتصادنا العربي اليوم هو الأقل إنتاجا. فمحصلته ضئيلة جداً بالمقارنة مع الولايات المتحدة أو حتى الدوا الناشئة، التي لها ذات العدد من السكان. والاقتصاد العربي يترنح بشكل واضح ولا يبدو انه مستقر. فلقد كانت نسبة النمو منخفضة، ثم تحسنت قليلاً، وهذه علامات واضحة لاقتصاد غير مستقر والسبب الرئيسي في ذلك هو أسعار النفط، فحينما يحدث تطور ايجابي للاقتصاد، فانه لا يعني بالضرورة انتاجية أكثر وأفضل، لكنه قد يعني ارتفاع اسعار النفط عالمياً. والوطن العربي جزء كبير منه يعتبر هبة النفط. والنفط يقع تحت رحمة أسواق الدول الصناعية، فبدلاً من أن يكون وسيلة تدعم الاستقلال السياسي والاقتصادي، بات وسيلة اندماج وتبعية في سوق عالمية لا ترحم، وبات بالتالي عائده محدود ومتذبذب بين أموال تستردها دول معينة لتعطينا الغذاء والكساء وبعض أدوات التنمية، وأموال تستردها دول أخرى أيضاً ثمناً لأكبر استهلاك سلاح في العالم، وبقية ما نأخذه يعود لذات الدول للاستعمال في أسواقهم ومصارفهم وسنداتهم الحكومية. هذه هي الصورة الخارجية للنفط، أما الصورة الداخلية فان دولاً كثيرة أصبحت تعاني عجزاً في موازناتها في التسعينات بسبب انخفاض أسعار النفط. أما أداة التقدم الحقيقية، وهي الصناعة التحويلية، فان نصيبها من الناتج المحلي لم يزد على 11.4%. وهكذا بعد 27 عاما من الطفرة النفطية، لا زال الاقتصاد العربي يعتمد على المواد الخام بشكل أساسي، ويعجز عن بناء هياكل اقتصادية متطورة قادرة على تشغيل اليد العاملة حتى أصبحت البطالة كابوساً يرعب كل الدول العربية. بهذه الصورة القاتمة نواجه العولمة ومتغيرات العصر، فأين موقع الحكومات التي ينبغي أن تخطط وتضع السياسات والبرامج؟ وهل هي حكومات ناجحة أم فاشلة؟ هل تحصل على (الايزو) وشهادات التفوق القياسية بلغة أهل الصناعة والإدارة؟ أم أن نظم الجودة تطردها من نعيمها؟ ومؤشرات الجودة للحكومات لم تعد خافية، فالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة معروف ويتحدث عن حكومة قادرة على توفير التنمية البشرية من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وتعليم، ومفوضية حقوق الإنسان تتحدث عن توافر هذه الحقوق كشرط لمصداقية الحكومة، والبنك الدولي وقبله صندوق النقد يتحدثان عن (جودة وأهلية الحكم) عبر تعبير حديث انتشر أخيراً وهو الحوكمة (governance) وهو مصطلح قدم وصفة نموذجية للحكومة الجيدة فهي حكومة: فيها مشاركة شعبية في صنع القرار، وتؤمن بالشفافية وتمارسها، وتخضع للمحاسبة وتطبقها. والوصفة هنا تأتي من منبع اقتصادي، فاتخاذ القرارات في المجتمع وهي نهاية رحلة الديمقراطية تُعنى باختيار نوعية الحياة ونوعية الحقوق والواجبات. إن ميزانية الدولة تحدد: (من يأخذ).. ونظام الجباية يحدد: (من يدفع).. والقوانين والأنظمة التي تستصدرها الحكومة ويراقب القضاء تنفيذها توزع العدل أو الظلم بين الشعوب في المجتمعات ولكل ذلك انعكاسه على الاداء الاقتصادي وعلى حياة الناس وهو هدف اي نظام، المشاركة والشورى اذن اساس الحكم الجيد، والشفافية أداة المعرفة لمن سيشاركون والمحاسبة طريقة لمقاومة الفساد الذي بات أحد سمات العصر، والفساد من وجهة نظر صندوق النقد والبنك الدوليين معوق للاستثمار لأنه يعطي الفرصة لمن يدفع أكثر، ومن ثم فهو يضرب فرصة المنافسة المتكافئة. هكذا تختلط السياسة بالاقتصاد ويصبح الاداء السياسي الجيد هو الطريق لاقتصاد جيد اين تقف البلاد العربية من كل ذلك؟ سؤال صعب وإجابته أصعب. الأخطر هو غياب الاستراتيجية فنحن لا نعرف ماذا يريد العرب اليوم، أو حتى عام (2030) على سبيل المثال، بل إننا لا نعرف ماذا يريدون الآن من العولمة أو في مسألة الصراع مع إسرائيل أو في حرب التكنولوجيا أو في الانفتاح على العالم. لقد ولى زمن الخطط الخمسية أو السبعية والتي كانت تعتمد على سياسات قصيرة الأجل محدودة الرؤية. الآن والأمثلة نصب أعيننا لنماذج تضع خططاً طويلة الأجل بدراسة متأنية تشمل كافة جوانب الحياة والاقتصاد. فماليزيا التي وضعت خطة طويلة الأجل أصبحت في مصاف الدول الصناعية الأولى وتمكنت من المضي قدماً وبخطوات كبرى نحو هذا الهدف الكبير. يتوجب على الحكومات العربية إدراك أن أدوات تقييم أدائها موجودة، وهي بقبول الناس العام، وتطور معيشتهم وبقاء أموالهم، وعكس ذلك هو تصويت بعدم الرضى. لقد آن للعالم العربي أن يرضى عن حكوماته وهذا لن يأتي إلا بسياسات حكومية جادة تأخذ مصالح شعوبها بعين النظر بصدق وأمانة لا بشعارات واهية. كلية الاقتصاد - جامعة دمشق
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب علم الاجتماع الاقتصادي
-
الوطن العربي الجغرافيا والسكان والموارد - مؤشرات عامة
-
التكامل الاقتصادي والعمل الاقتصادي العربي المشترك
-
الاعتماد الجماعي على الذات في الوطن العربي
-
آفاق التنمية المستدامة المستقبلية في الدول العربية
-
الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تحدث في العروض التجارية
...
-
مستقبل الوطن العربي السياسي والاقتصادي
-
كتاب الأزمة المالية العالمية والتحديات الاقتصادية الراهنة في
...
-
البحث العلمي كعملية إبداعية
-
احتياطيات دول العالم من العملات الأجنبية
-
وثائق بنما.. الملاذات الضريبية، أضخم التسريبات للبيانات والم
...
-
قراءة في كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ، للفيلسو
...
-
الاقتصادات العربية في عصر المربكات الكبرى
-
المفكر العلامة ابن خلدون (732 - 808 ه) (1332 – 1406 م) يسهم
...
-
حوادث دمشق اليومية خلال 21 سنة من القرن الثامن عشر للحلاق ال
...
-
التكامل الاقتصادي العربي في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة
-
الترجمة فعل ثقافيّ لغويّ حضاريّ يربط بين الحضارات والشعوب
-
الأسهم في سوق الأوراق المالية
-
أبو نصر الفارابي من العلماء الألمعيين الذي يعدون فخراً للإنس
...
-
كيف تعمل منصات النفط الكبيرة للحفاظ على النظام لتحقيق الأربا
...
المزيد.....
-
المغرب والصين يسعيان لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة
-
سعر الذهب صباح اليوم السبت 23 نوفمبر 2024
-
أكبر محنة منذ 87 عاما.. -فولكس فاغن- تتمسك بخطط إغلاق مصانعه
...
-
صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي تجاوز 3 مليارات يورو لشهر
...
-
ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
-
عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة
...
-
وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع
...
-
موديز ترفع تصنيف السعودية وتحذر من -خطر-
-
ارتفاع جديد.. بتكوين تقترب من 100 ألف دولار
-
-سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|