باسم الهيجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1669 - 2006 / 9 / 10 - 10:15
المحور:
الادب والفن
ـ هل تأذن لي بالانصراف يا أبي ؟
* إلى أين ؟
ـ إلى التي أنجبتني خريفاً في ذرى آذار .
* أقم قليلا عند بابك .. ثمة أولٌ لليل كي تشرق الشمس عند حافة الأفق .. والذين اختزلوا سيتقنون الانحناء عند أول منعطف .. لكنهم سيسقطون .
ـ أضئني يا أبي .
* اصمتْ
" صمْتْ " .
*
عقارب الوقت التي تمر من جنبات المواجع .. توقفت عند أول الكلام البذيء الذي لا يثمر .. ولم تستثمر طاقتها في الفراغ .. كانت تمد ذراعين من جفاف لملاحقة الخصب .. غير أن ردهة الفضاء الفسيح مرت من فوهات البنادق .
*
ـ أعدني إلى قامتي الفارعة قبل هذا القد النحيل .
* اصمت .
" صَمْتْ " .
*
عندما مر الجدار من باحة بيتنا الصغير .. كانت عصافير لا تعرف اللجوء تحاور غيم السماء .
ـ " أيتها السحابة .. أمطري أنى شئت .. فخراجك عائد إليَّ لا محالة " .
ابتسمت الصغيرة المثبتة على عتبة بيتنا الصغير .. ونامت مطمئنة حين عاجلها القصف .
*
ـ أبي .. يقولون أنك تشرب القهوة " سادة " .. ويقولون أنك تشربها " سكر قليل " .. وبعض المتطرفين يدعون أنك تشربها " فرنساوي " وآخرين " عصملي " .. فأين هي الحقيقة يا أبي ؟
* أنا لا أشرب القهوة .
*
ـ " بلادي وان جارت عليّ ... ماذا سأفعل ؟ هل أزرع أربع شوكات في حلقي .. وأصمت ؟
* اصمتْ
" صَمْتْ " .
*
عندما خرجت المسيرة تحمل أواني المطابخ الفارغة .. لم تكن تحمل شمساً ولا توابيت للهتاف .. ولم تكن تحمل ورداً ولا شقائق نعمان لتزدان الأرصفة اكتظاظاً برصاص الاحتفاء .. ولم تكن تحمل قمراً نأى عن وجوه الصبيات وأحلام الشعراء .. كانت تتراكض باتجاه مرير وهي تلاحق رغيف الخبز .
*
ـ أضئني قليلا يا أبي .
* الشمس تشرق كل صباح .. ألا ترى ؟
ـ أضئني في الليل يا أبي .
* نَمْ .
" نوم " .
*
قبل أن ينام .. كتب في مفكرته عن أربع شوكات تقف في حلقه .. وأشار بأصابع يده اليمنى ضاماً السبابة إلى راحة كفه .
الشوكة الأولى مد يديه ليمسد شعرها .. وفي الثانية كان الجياع يمرون إلى السلال المهملة .. وفي الثالثة أغلقت المحلات التجارية أبوابها .. وحين غرزت الشوكة الرابعة أنيابها .. أعلن العصيان المدني .
#باسم_الهيجاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟