|
شعوذة في عصر التكنلوجيا الرقمية!
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 7206 - 2022 / 3 / 30 - 08:45
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
سأل سائقُ سيارة الأجرة، الراكبَ الجالسَ إلى جواره: ما تفسيرك لموجة البرد الشديدة في ذروة فصل الربيع؟ توقعتُ أن تكون إجابة السائق إجابةً علمية، تتوافق مع إجابة شاب مثقف في عالم التكنلوجيا الرقمية، توقعتُ أن يُرجع السبب إلى التلوث وإفساد طبقة الأوزون، غير أنني أُصبت بالإحباط حين أجاب هو عن سؤاله: "لقد انتشر السحرُ في بلادنا حتى تحول الصيف إلى شتاء، بالأمس ألقى ساحرٌ (عبوةً سحرية) في قاعة فرحٍ مملوءة بالمحتفلين مما أدى إلى حالات إغماء عشرات النساء، وإلى تعطيل سماعات صالة الفرح، وقبل أيام صادرتْ الشرطة عبواتٍ من (السحالي المجففة) كانت كفيلة بأن تفرق مئات الأزواج وتشتت الأسر! كان السائقُ يلبس لباسا منسوجا في مصانع عالم الصناعات الآلية الحديثة، يقود سيارةً فاخرة بها كل وسائل الترفيه الرقمية، ويضع أمامه هاتفا غالي الثمن أنتجته إبداعات العقول. نظر إليَّ في مرآة السيارة، كنتُ أجلس خلفه تماما، كان يود أن أمتدح تفسيره (المشعوذ) قلتُ له: "لا تنسَ أن موجة البرد ليست في غزة فقط، بل في كل جغرافيا العالم، ما علاقة المشعوذين في بلادنا بأجواء العالم؟!" ذكَّرني هذا التفسيرُ المشعوِذ بأهم الكتب والمراجع في العالم، (قصة الحضارة) للكاتب، ول ديورانت، الأهم في تاريخ حضارة العالم، أمضى المؤلف أكثر من أربعين سنة يجمع صفحاته، جاءتْ في الموسوعة قصصٌ تشبه قصةَ الشاب الأنيق، ولكن الاختلاف يكمن في أن قصص الكتاب تعود إلى القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي، وليس الألفية الثالثة، ألفية التكنلوجيا والعلوم، بعد أن تخلص العالم من الشعوذة ومن المهرطقين، مما جاء في الكتاب "إذا هطل المطرُ بغزارة، ولم يتوقف، كان المشعوذون من الكهنة يدقون أجراس الكنائس، تنبيها (للسماء) بضرورة التوقف عن المطر، عام 1526م" (جزء 27 صفحة 115) وجاء في الجزء 28 صفحة 225-226: "أُحرِقَ عام 1596م مائةٌ وعشرون شخصا بتهمة إطالة الجو البارد أكثر من المألوف، بطرق شيطانية" استُخدمت هرطقات الشعوذة لتطويع الشعوب وإسكاتها بلا شرطة أو أجهزة مخابرات، بوسيلة رخيصة، لا تكلف الديكتاتوريين ثمنا، وذلك بنشر الرعب والخوف في أنفسهم من أنفسهم، وجعلهم يعيشون في انتظار الآتي من أيامٍ ستحمل لهم الخلاص من آلم الفقر والاضطهاد والعبودية، بدون عمل منتج أو ثورة أو احتجاج! فما زلتُ أذكُرُ آخر أيام العقيد معمر القذافي عام 2011، حين ظهر أحد المهرطقين في التلفزيون الليبي، اسمه، يوسف شاكير، في بثٍّ مباشر، أطلق بالصوت والصورة سلاحَه الفتاك، (المربوط الليبي) على أمريكا وحلفائها، وردد التخاريف التالية: "كُثر الهرج والمرج، فليعم الظلام على الأعداء، ولتنعق البومة السوداء، ولتأتِ طيور الزرب الأخضر ولتخرب أمريكا وحلفاءها "! لماذا اقترنت ألفيةُ الإبداع العلمي والرقمي بإعادة بعث الخرافات والشعوذة بخاصة في الدول النامية والفقيرة، على الرغم من أن تقنيات ألفية الإبداع نقيضٌ للشعوذة والجهالات؟! لقد خلا عصرُ الإبداع التكنلوجي من منظومة ثقافية توعوية يمكنها أن تنهض بالإنسان ثقافيا وتحرره من ربقة أغلال الشعوذة، بعد أن صارت الثقافة سلعةً غالية الثمن، ولم تعد واجبا توعويا، جرى اغتيال الثقافة كركن رئيس للنهوض بالإنسان، وجرى وأد الثقافة بمعناها الشامل وقصرها على إبداعات التكنلوجيا الرقمية، ليظل لجام القطيع البشري في أيدي محتكري هذه التكنلوجيا، كذلك أسهمَ كثيرون من أدعياء التدين في نشر التخريفات والشعوذة ليجنوا الأرباح، على الرغم من أن الدين الصحيح ينفي الأباطيل والخرافات، كما قال الكاتب أحمد أمين في كتابه، فيض الخاطر: "إذا دخل الدينُ الصحيحُ من الباب خرجت الخرافاتُ، فالتخريفات تشلُّ العقل، وتجعله غير صالح لمواجهة الحياة الواقعية، فمن يستولِ عليه خيالُ التخاريف، يصبحْ كالحشَّاش والسكِّير، يحسبُ الديكَ حمارا، والهرَّ غزالا" أليس نشرُ الخرافات والشعوذة عبوديةً تجهيلية تجارية جديدة، أكثر سوءا من عصر الرق السالف؟! أخير، إن إعادة بعث شعار (التثقيف والتوعية كالماء والهواء) ضرورة لإنقاذ البشرية من الهرطقات والتخريفات!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلاح القمح
-
إسرائيل وأزمة أوكرانيا
-
هل المرأة دُمية؟
-
بكى على معلمه بالبصل!
-
اعتذار للزوجة
-
شخصية عنصرية في الكنيست!
-
ماذا أعدوا لمنظمة العفو الدولية، أمنستي؟!
-
جامعة بير زيت
-
من هم غزاة النقب؟
-
زعفران هضبة الجولان!
-
الغاضب من احتفال الفلسطينيين بعيد الميلاد!
-
خطط إسرائيلية في العام الجديد
-
صحفيو الهواتف!
-
حاخام غزة
-
قصة من تراثنا الأدبي!
-
قصتان من إسرائيل
-
من الكنيست في إسرائيل
-
جمعيات إسرائيلية عنصرية!
-
ماكرون، والجزائر
-
الملك ميداس، ونفتالي بينت!
المزيد.....
-
إعادة 20 طفلا إلى روسيا من مخيم في سوريا
-
مقتل 16 شخصاً على الأقل في غارة جوية على مدرسة في مخيم النصي
...
-
ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي.. NVIDIA تطلق برنامجًا لمساعدة
...
-
عمرو موسى: هناك خطة إسرائيلية للاستيلاء على كل أراضي فلسطين
...
-
وزير الخارجية البريطاني الجديد يزور ألمانيا في أول رحلة خارج
...
-
مخاطر نقص اليود في الجسم
-
علماء: الأنهار الجليدية في النمسا قد تذوب تماما بحلول عام 20
...
-
مسؤول رفيع في البيت الأبيض لـ-نيويورك تايمز-: بايدن أظهر علا
...
-
روسيا.. اكتشاف مواد في الخشب الأحفوري تتحول إلى بلورات
-
مخاطر استخدام -أسرّة التسمير-
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|