أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد النهير - نجيب محفوظ .. في ذمة التاريخ















المزيد.....

نجيب محفوظ .. في ذمة التاريخ


أحمد النهير

الحوار المتمدن-العدد: 1669 - 2006 / 9 / 10 - 04:53
المحور: الادب والفن
    


رحل الكاتب الروائي العربي / العالمي الكبير ، نجيب محفوظ بن عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد باشا ، عن عمر ناهز الخامسة والتسعين ، ولد في القاهرة في /11/ ديسمبر / كانون الأول عام /1911/ ، وتوفي في القاهرة صبيحة يوم الأربعاء في /30/ أغسطس/ آب عام / 2006 / ، وقد كرس أكثر من سبعين عاما من حياته لهذا الفن العظيم ، وصدر له ما يزيد على خمسين عملاً، ترجم العديد من رواياته إلى لغات شتى في أنحاء العلم ، وازدادت شهرته ، وانتشرت بين أوساط المثقفين ، بعد منحه جائزة نوبل للآداب عام /1988/ عن روايته أولاد حارتنا ، الأكثر شهرة ، والأكثر جدلا ًحول ما كتب ...

تشير بعض الدراسات أن نجيب محفوظ قد بدأ أعماله الإبداعية بترجمة كتاب إنكليزي عن مصر القديمة الفرعونية ، أثناء دراسته الثانوية ، ثم كتب بعد ذلك ثلاث روايات تاريخية ، مستلهمة من التاريخ المصري القديم ، هي : عبث الأقدار، ورادوبيس ، وكفاح طيبة . ويمثل توظيف التاريخ في أعماله الروائية سمة أساسية وجوهرية ثابتة ، تبرز مدى تمسكه بتاريخ مصر ، وبتراث مصر ،وبكل التفاعلات الاجتماعية ، والسياسية التي حدثت ، وتحدث في مصر، ويمكن القول بكل جدية ، أنها تمثل المرحلة الأولى من تاريخ هذا الروائي العظيم .
وتبدأ المرحلة الثانية برواية القاهرة الجديدة ، مرورا برواية خان الخليلي ، وزقاق المدق ، والسراب ، وبداية ونهاية ، والثلاثية : بين القصرين ، وقصر الشوق ، والسكرية . في هذه المرحلة يقترب جداً من الناس البسطاء ، والدراويش ، اللذين يمثلون الغالبية العظمى في المجتمع المصري الطيب ، وتنعكس في هذه الروايات تجليات الواقع المصري ، وتطلعاته ، وسطوة السلطة ورهبتها ، في أسلوب رقيق ، وحيوي ، وبالتأكيد كان أكثر عمقاً في استقراء مشاعر الجماهير التواقة إلى التحرر والانعتاق من نير الاستعمار ، ومن دوامة الفقر ، ومن ليل الجهل والتخلف المعشش في مرحلة ما قبل الثورة .

ومع قيام ثورة يوليو عام / 1952 / توقف نجيب محفوظ عن الكتابة والنشر ، ظاهرياً على الأقل ، حتى 21سبتمبر عام / 1959/ ، حين بدأت جريدة الأهرام في نشر رواية أولاد حارتنا مسلسلة يوميا ، مدشناً المرحلة الثالثة ، وتأتي في ظروف بالغة الدقة والتعقيد ، في مقدمتها نجاح ثورة تمنتها الجماهير ، للخلاص من حقبة مظلمة من تاريخ مصر العريقة ، استحوذت على الواقع منذ لحظة سقوط حقبة محمد على في العصر الحديث ،ومن ثم تعرض مصر لحملة نابليون الفاشلة ، ومن ثم الاحتلال الإنكليزي ، وسوء الإدارة المتعمد لموارده وخيراته ، وتخبطات السلالة الحاكمة ، وما خلفته من آثار حادة في حياة الشعب، وما تحمله هذا القطر من فقر وتخلف وجهل ، لا تزال آثاره مستفحلة إلى الآن .

وأعتقد ، أن كل دراسة ، لا تسلط الضوء على رواية أولاد حارتنا ، تكون دراسة مبتورة ، وخاوية ، وعاجزة عن تكوين الملامح الموضوعية لهذا المبدع ، ليس لكونها أفضل أعماله الروائية ، وإنما لما واجهته هذه الرواية من حرب ضروس ، ومن جدل حاد ، ونقاش واسع ، تجاوز في عمقه ، وفي توجهاته ، وفي تبايناته ، كل نقاش تعرضت له رواية لكاتب عربي في تلك الحقبة ، صاحب مصادرة الرواية من الأزهر ، ومنع نشرها ، اتهامات مؤلمة ، طالت الكاتب والرواية معاً .

تتكون الرواية من خمسة فصول : أدهم /يقابل شخصية آدم عليه السلام ، وجبل/يقبل شخصية موسى عليه السلام ، ورفاعة /يقبل شخصية المسيح عليه السلام ، وقاسم / يرمز به إلى النبي محمد (ص)، وعرفة / يقابل الفترة بعد رحيل قاسم وعودة الفوضى ، ومن افتتاحية مختصرة حاول الإعلان فيها عن الدوافع والأسباب التي حدت به إلى كتابتها ، وكما هو واضح من أسماء الفصول ، رموز لها دلالاتها ، تختزل التاريخ الإنساني ، وأحداثه المتلاحقة ، في جغرافية المكان ، أحياء ، وخلاء . أحياء فقيرة تشبه أحياء مصر إلى حد كبير ، ناسها ، أزقتها ، صراعاتها الأجتماعية ، والاقتصادية والسياسية . فتوات وحشاشين، ورعاع ، بؤساء وشحاذين ، أغنياء وسفاحين ، لصوص ودخلاء ، صرا عات ثنائية ، صراع بين الخير والشر ، وصراع بين المفاهيم والقيم الطلقة ، وصراع على الحكم ، بين من يحكم ومن لا يحكم ، هذا التشكيل الاجتماعي المعقد ، قد يكون مطابقاً للمجتمع المحلي . وخلاء يلتجيء إليه هؤلاء ، يحتمون به كلما دعت الحاجة واضطرتهم الظروف ، إمّا من أجل القتل ، أو لأجل التآمر ، أو من أجل الفرار، أو من أجل التأمل ، فلا توجد استراتيجيات ، ولا أيدلوجيات واعية ، عشوائية المصالح الأنانية الضيقة هي السمة السائدة في كل شيء .

يصف نجيب محفوظ شخصية الجبلاوي في مطلع الفصل الأول : ( وهو يبدو بطوله وعرضه خلقاً فوق الآدميين كأنما من كوكب هبط ...، وما يقلقهم إلا انه جبار في البيت ، كما هو جبار في الخلاء , أنهم حياله لا شيء ... ) هكذا جعلها شخصية جبارة ، تمثل القدرة الخارقة ، والقوة ، والذكاء ، وذات دلالة رمزية كبرى ، متعددة المعاني والتأويلات . فليس من قبيل المصادفة أن يعطيها هذه الصفات ، وإنما كان اختيارا واعيا ومقصودا لبناء الأحداث اللاحقة بناءا منطقيا ومقبولا ، ومتناسقا مع شخصيات الرواية ، ومع تتابعها الزمني . والجبلاوي هو الشخصية الأم التي تتوالد منها ، أو مرتبطة بها ، الشخصيات الأخرى . أدهم ، وجبل ، ورفاعة ، وقاسم ، وعرفة ، وكل شخصيات الرواية ، حتى الثانوية فيها .

في الفصل الأخير: بعد رحيل جبل ورفاعة وقاسم ، أصبحت الحارة في حال يرثى لها ،غارقة في الظلمات ، هذا الواقع المتردي ، سيشجع أصحاب النفوس الضعيفة ، والطامعون ، والغرباء ،على التمادي في عدوانيتهم ،وسيزداد الصراع احتداما وتحديا ودموية ، بقدوم عرفة ، هذا الوافد الغريب ، ( في يوم من الأيام ، قبيل العصر ، رأت الحارة فتى غريبا قادما من ناحية الخلاء .... وتطلعت إليه الأبصار وكأنما تتساءل : غريب في حارتنا ! يا للوقاحة ! قرأ ذلك في أعين الباعة وأصحاب الدكاكين والجالسين في القهوات والمطلات من النوافذ ، بل في أعين الكلاب والقطط ، حتى خيل إليه أن الذباب نفسه سيتجنبه ازدراء واحتجاجا ... ) هذه هي حقيقة الصراع المحتدم منذ أكثر من نصف قرن ، وولد كراهية ، وأحقاداً طالت البشر والحجر ، وحصدت أرواحاً لا تحصى في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي مصر وفي الأردن ، وسيظل هذا المغتصب مرفوضا من الشعوب ، ولابد أن تأتي اللحظة التي سيطرد فيها ، وإن طال الزمن . ..

نجيب محفوظ مبدع وعالمي دون شك ، خلف إرثا ثقافيا خالدا ، ومرموقا ، عمَّ أرجاء المعمورة ، امتاز بقدرته الهائلة على قراءة التفكير الاجتماعي بعقلية الفيلسوف الرزين ، جمله ، وعباراته تختزل المواقف ، وترسم الصور ناطقة بأحداثها ، سهلة وسلسة ، قدرة عظيمة في الأسلوب المبسط ، وإبداع مشهود له ، سواء على مستوى السرد ، أو على مستوى معمار الرواية ،وتبدو ملامح الاقتباس جلية في رموز في أولاد حارتنا ، من القرآن ، والتوراة ، والإنجيل ، وقد مزج بنجاح رائع ، بين ما جاء بالقصص الشعبي ، وما جاء في الكتب المقدسة ، دون المساس بقدسية المقدس ، ودون الوقوع في مدى المسؤولية القانونية ، وهذه السمة يمتاز بها الكاتب الذكي ...

وفي الختام أقول رحم الله نجيب محفوظ ، وطيب ثراه ، لقد وجدت من واجبي المشاركة في تذكر منافح هذا الرجل العظيم ، الذي سيخلده إبداعه الرائع ، ولابد من القول أنها محاولة متواضعة لاتف هذا الرجل ما يستحقه من تقدير .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ نجيب محفوظ ـ أولاد حارتنا ـ ط 6 ـ 1986 ـ دار الآداب ـ بيروت .
ـ د . عبد الجليل شلبي ، د . سمير سرحان ، محمود أمين العالم / حكاية . أولاد حارتنا / كتاب اليوم ـ يناير
1995



#أحمد_النهير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط ...
- السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
- مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان ...
- لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- «خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد النهير - نجيب محفوظ .. في ذمة التاريخ